السياحة المستباحة! بالتزامن مع اليوم العالمي للسياحة واختيار مصر وتحديدا مدينة أسوان لاستضافة مؤتمر منظمة السياحة العالمية الأسبوع الماضي تواترت الأنباء إلي المشاركين في المؤتمر كالتالي: عمال أحد الفنادق العائمة بالأقصر قاموا بإخلائه من السياح وإلقاء أثاث ومقتنيات الباخرة إلي خارجها بعد طرد السائحين لبيعها في مزاد. العاملون بصندوق الآثار بأسوان أغلقوا متحف النوبة أمام السياح لليوم الثالث علي التوالي. عشرات من أهالي (قرنة مرعي) بالأقصر قطعوا الطريق السياحي بالبر الغربي المؤدي إلي وادي الملوك والمناطق الأثرية هناك واحتجاز أتوبيس سياحي يحمل 30 إيطاليا. حراس معبد أبو سمبل يهددون بإغلاق المعبد, والعاملون بمعابد النوبة (عمدا والسبوع) يهددون بترك مواقعهم. وبعيدا عن التنظيم العقيم للمؤتمر الذي عقد علي سطح أحد الفنادق في خيمة غير حضارية لا تتسع لنصف المدعوين, وبعيدا أيضا عن مأساة مزمنة اسمها مصر للطيران التي نقلت المدعوين من وإلي القاهرة, وبعيدا عن تقييمنا لصلاحية وزير السياحة لهذا المنصب من عدمه, فإن تلك الأحداث المؤسفة أوضحت أن المؤتمر اختار المكان الخطأ, علي الرغم من أن اختيار المكان كان يستهدف مساعدة مصر علي النهوض من كبوتها السياحية في هذه المرحلة. فليس خافيا علي أحد أن السياحة تدر علي مصر الرقم الأكبر من العملات الأجنبية وهو يفوق ضعف ما تحققه قناة السويس, والغريب في الأمر أن أجور من قاموا بتخريب الباخرة ومن أغلقوا الفندق وحتي من احتجزوا السياح هي من الدخل السياحي ولا شيء غيره علي اعتبار أن 90% من سكان هذه المناطق يشتغلون بالسياحة مباشرة أو بطريق غير مباشر. ولم يكن غريبا إذن أن يناشد سكرتير عام منظمة السياحة العالمية في كلمته التي افتتح بها المؤتمر الشعب المصري بالحفاظ علي ثرواتهم الأثرية والاهتمام بمقومات البلاد السياحية, وكأن الرجل يريد أن يؤكد أننا في حاجة إلي وصاية. وإذا كان المهتمون بالشأن السياحي في كل من الأقصروأسوان يرون عدم الاهتمام الكافي من الدولة بالترويج لهذا الإقليم ويطالبون بربط المدينتين بالعالم الخارجي جوا برحلات(شارتر) للتيسير علي السياح وغيرهم إضافة إلي ربطهما أيضا بشرم الشيخ ومناطق الجذب السياحي الأخري في مصر فإن المهتمين بالشأن الأخلاقي يعيبون علي أبناء الصعيد هذا السلوك المشين في التعامل مع السياحة والسياح, فما بالنا إذا كان هذا هو مصدر رزقهم الوحيد. ونحن علي ثقة بأن هؤلاء وأولئك ليسوا في حاجة إلي توعية بأهمية الحفاظ بل وحماية مصدر الرزق هذا, كما أنهم ليسوا في حاجة إلي التأكيد علي احترام الضيوف, وإنما هي حالة الانفلات الأخلاقي التي آن لها أن تتوقف بعد أن وصلت إلي أقصي حدودنا الجنوبية مما جعل نسبة الإشغال السياحي هناك تتدني إلي نسب غير مسبوقة. إلا أنه وعلي الرغم من ذلك فإن هناك جهودا صادقة يبذلها مواطنون مخلصون بالشركة القابضة للسياحة للنهوض بهذا القطاع, وربما كان افتتاح فندق اكتراكت ايجوث الشهير والعتيق علي هامش المؤتمر أكبر شاهد علي ذلك بعد ثلاث سنوات من الإغلاق للتجديد والترميم حيث ظهر في أبهي صورة ليحكي تاريخ أكثر من مائة عام.. إلا أن عدد النزلاء يجسد حجم المأساة!. المزيد من أعمدة عبد الناصر سلامة