مجلس التحرير أداة فاعلة في تحقيق الارتقاء المهني لأي صحيفة. فلا عجب أن نرى صحفا مصرية لا يتواجد فيها هذه المجلس. ولأنها جسد بلا رأس، تكثر أخطأؤها، وتتناقض معالجاتها، ولا يكون لها شخصية واضحة. والمهمة الرئيسة لأي مجلس تحرير هي وضع السياسة التحريرية للصحيفة، والرقابة الصارمة على مدى تنفيذها، حسبما تؤكد اللوائح والقوانين المحلية، بغض النظر عن شخصية أعضائه، وهل هم من مشاهير الصحيفة أو مغموريها، فمعرفة الرجال بالحق تسبق معرفة الحق بالرجال. وأعظم مهمة تُناط بمجلس التحرير تتمثل في ضمانه أن تكون الصحيفة لسان حال الشعب، باعتبار أن ولاءها الأول والأخير له، بجميع تيارته وفصائله وتكويناته واتجاهاته. وبالتالي يجب على الصحيفة النحترمة الاحتفاظ بمسافة متساوية من جميع القوى والتيارات، وعدم الارتماء في أحضان الهيئة الحاكمة أيا كانت، ونبذ النفاق الممجوج لهذه الهيئة، ووضع الأخبار التي تخصها بوزنها الحقيقي، وحجمها الجماهيري.. دون مبالغة أو دعاية. كذلك مطلوب من الصحيفة الناجحة أن تعكس آراء أبناء الوطن كافة على صفحاتها، بما يعبر عن مكونات المجتمع وثرائه، دون تمييز بسبب عرق أو دين أو رأي أو انتماء فكري أو سياسي أو مذهبي. أي أنه ليس للصحيفة الناجحة أن تتخذ موقفا مسبقا من أي فصيل أو تيار أو فئة أو طائفة، طالما تلتزم بالدستور والقانون، وتتمتع بالشرعية القانونية والشعبية.. فالمصريون جميعا - في تغطيتها الصحفية- سواء. ومجلس التحرير رقيب على الفصل التام بين الإدارة والتحرير، بما يكفل عدم تدخل الإدارة في المضمون التحريري.. كما أنه رقيب على تحقيق الفصل التام بين التحرير والإعلان. ومن أهداف المجلس الحفاظ على أن تتمتع الصحيفة بالاستقلال المعنوي، والمادي.. بحيث لا تخضع لأي مصدر من مصادر الوصاية أو التوجيه أو الاحتواء أو الإغواء. ويجب عدم الخلط بين الخبر والرأي..التزاما بأصول المهنة، ومواثيق الشرف الصحفي.. فلا يصح تلوين الخبر، وإدخال الرأي عليه، سواء في العناوين أو المعالجات.. وبالتالي: تقديم الخبر المبني على الحقائق والمعلومات، ونشر الرأي النزيه والمحايد. وكذلك يجب إعلاء قيمة ومرجعية المعايير المهنية؛ بمعنى أن تلتزم الصحيفة بتقديم الحقيقة مجردة، وتوفير المعلومة موثقة، واحترام حق الرد، وتجنب الانحيازات والأحكام المسبقة، والابتعاد عن إثارة الفتن والنعرات الدينية والسياسية والطائفية، وكذلك عدم حجب أي معلومة بما قد يؤدي إلى تضليل الرأي العام، والالتزام بالدفاع عن المجتمع وقضاياه وحرياته وحقوقه. السياسة التحريرية يجب أن تقوم أيضا على المصداقية والموضوعية والحياد والانتصار للحقيقة، وكشف الفساد، ومحاربة الاستبداد، وممارسة حق النقد المشروع، وتوفير المعلومات بطريقة أمينة؛ بعيدا عن أي تدخل شخصي، علما بأنه ليس هناك حدود لسقف حرية التناول النقدي لأي أخبار أو قضايا أو موضوعات سوى ما يتعارض مع القانون، ومواثيق الشرف، والآداب العامة، وثوابت المجتمع. وعلى مجلس التحرير أن يقوم بالتقويم والمتابعة والمراقبة الدائمة للجودة التحريرية في الجريدة، مع الرصد الدائم للانفرادات والتخلفات. وللمجلس أن يقوم بتكوين رصيد من الأفكار الجديدة والإبداعية بما يضمن تغذية الأقسام المختلفة بالأفكار المتجددة والدائمة، بهدف توفير مادة طازجة دائما، واحتياطي استراتيجي من المانشيتات، والتحقيقات، والمقالات، والحملات الصحفية.. إلخ. وتُعد التنمية البشرية هدفا رئيسا لأي مجلس تحرير بما يضمن اكتشاف الموهوبين ، وإثابة المجدين، واختيار العمل الصحفي المثالي للشهر سواء كان خبرا أو تحقيقا أو حوارا أو مقالا، بجانب الاستفادة بالطاقات الشبابية في جميع الأقسام ، وتقويم مدى إسناد المصادر إليهم بالعدل ، والاستحقاق، والأهلية، أو حجبها عمن لا يستحقها منهم ، واستبدال غيره به. ويعمل المجلس الجاد على إرساء ثقافة عدم التردد في رفض التحقيقات أو الموضوعات أو المقالات أو التقارير ذات الأفكار المُكررة، والمعالجات الناقصة أو المبتورة أو الملونة أو المُوجهة ، في أي قسم من أقسام الجريدة . والمفروض أن تعتمد مادة الرأي في الصحيفة على التعبير الأمين عن شرائح المجتمع ، بكل أطيافه وتكويناته ، وتمايزاته الفكرية ، استنادا إلى سقف حريات مرتفع في النقد والتعبير، بما لا يتصادم مع ثوابت المجتمع، وآدابه، ومقدساته. كما يعنى المجلس الناجح بتنظيم دورات تستهدف الارتقاء المهني بمستوى المحررين ، في الأقسام المختلفة ، سواء من خلال أبنائها المتطوعين في الداخل أو الخارج، أو إسهام المؤسسات والهئيات الإعلامية المتعاونة، أو غيرها من الوسائل المشروعة . وأخيرا : على مجلس التحرير في أي صحيفة أن يتبني عمل استطلاعات للرأي بشكل دوري بين القراء لمعرفة ما يحتاجونه أو يتطلعون إليه في جريدتهم. [email protected] المزيد من مقالات عبدالرحمن سعد