بطريرك السريان يزور الكردينال جان مارك رئيس أساقفة أبرشية مرسيليا    دليلك الكامل ل بطاقة الخدمات المتكاملة 2024.. الاستعلام وشروط التسجيل والأوراق والمزايا    محافظ الغربية: ذبح 172 أضحية بالمجازر في ثالث أيام عيد الأضحى    البحيرة: وصول 103 آلاف شجرة بالمرحلة الثانية ل "المبادرة الرئاسية"    «المنشاوي» يشيد بالعمل المتواصل بجامعة أسيوط من أجل بيئة أفضل    مبعوث بايدن إلى لبنان يعود لإسرائيل    روسيا: نتعامل بشكل جدي مع تغيير عقيدتنا النووية    بلينكن: الدبلوماسية المصرية والقطرية تسعى لتقريب وجهات النظر مع حماس حول الهدنة    انطلاق مباراة البرتغال والتشيك في يورو 2024    «حجب سجائر عن البيع».. تحرير 44 محضراً لمخابز وبقالين ثالث أيام عيد الأضحى في الإسكندرية    حديقة شجرة الدر بالمنصورة تستقبل 37 ألف مواطن خلال عيد الأضحى (صور)    أحلام تطمئن الجمهور على حالتها الصحية قبل حفلها في الكويت (فيديو)    الأمم المتحدة: نعانى فى إدخال المساعدات من معبر كرم أبو سالم    تفاصيل أكبر حفل جماهيري لتامر حسني في عيد الأضحى 2024 (صور)    ⁠توافد كبير على المتاحف خلال العيد    تناولها من النهارده، أطعمة تخلصك من وزنك بعد الفتة والرقاق    الصحة: ترشيح 8 آلاف و481 عضو مهن طبية للدراسات العليا بالجامعات    بيت الزكاة والصدقات يستعد لتوزيع 300 طن لحوم على المستحقين غدا    البرتغال ضد التشيك.. رونالدو يقود برازيل أوروبا بالتشكيل الرسمى فى يورو 2024    «ري كفر الشيخ»: متابعة مناسيب المياه بالترع والمصارف على مدار الساعة    عاجل.. إيقاف قيد الزمالك رسميا    دار الإفتاء عن حكم التعجل في رمي الجمرات خلال يومين: جائز شرعا    دليلك الكامل للالتحاق ب مدارس التمريض 2024.. شروط التسجيل والأوراق المطلوبة والمزايا    لسهرة مميزة في العيد، حلويات سريعة التحضير قدميها لأسرتك    مطران مطاي يهنئ رئيس مدينة سمالوط بعيد الأضحى    «دعم اجتماعي ومبادرات خيرية» كيف غيّرت قصة بائع غزل البنات من حياته؟    13 ذو الحجة.. جدول المصحف المرتل بإذاعة القرآن الكريم غدا    عودة الاقتصاد المصرى إلى مسار أكثر استقرارا فى عدد اليوم السابع غدا    أخبار الأهلي : تصنيف "فيفا" الجديد ل منتخب مصر يفاجئ حسام حسن    تنسيق الجامعات 2024.. شروط القبول ببرنامج إنتاج وتكنولوجيا القطن بزراعة سابا باشا جامعة الإسكندرية    إسماعيل فرغلي يكشف عن تفاصيل إصابته بالسرطان    الجارديان: حل مجلس الحرب سيدفع نتنياهو لمواجهة الفشل وحده    "تخاذل من التحكيم".. نبيل الحلفاوي يعلق على أزمة ركلة جزاء الزمالك أمام المصري    جدول مباريات ريال مدريد بالكامل فى الدورى الإسبانى 2024-2025    مصرع 13 شخصا بسبب الفيضانات فى السلفادور وجواتيمالا    «البيئة» توضح تفاصيل العثور على حوت نافق بالساحل الشمالي    «الصحة» تقدم نصائح لتجنب زيادة الوزن في عطلة عيد الأضحى    هل يؤاخذ الإنسان على الأفكار والهواجس السلبية التي تخطر بباله؟    مجدي يعقوب يشيد بمشروع التأمين الصحي الشامل ويوجه رسالة للرئيس السيسي    تفاصيل جديدة في واقعة وفاة الطيار المصري حسن عدس خلال رحلة للسعودية    شد الحبل وكراسى موسيقية وبالونات.. مراكز شباب الأقصر تبهج الأطفال فى العيد.. صور    الجثمان مفقود.. غرق شاب في مياه البحر بالكيلو 21 بالإسكندرية    تنسيق الأزهر 2025.. ما هي الكليات التي يتطلب الالتحاق بها عقد اختبارات قدرات؟    خبير سياحي: الدولة وفرت الخدمات بالمحميات الطبيعية استعدادا لاستقبال الزوار    الصحة: فحص 14 مليون مواطن ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأمراض المزمنة والاعتلال الكلوي    دعاء الخروج من مكة والتوجه إلى منى.. «اللهم إياك أرجو ولك أدعو»    البحيرة تنظم رحلات نيلية وكرنفالات وعروض فنية احتفالا بعيد الأضحى    دار الإفتاء: ترك مخلفات الذبح في الشوارع حرام شرعًا    بعثة الحج: إعادة 142 حاجًا تائهًا وحالة مفقودة    الاتحاد الأوروبي والصين يعقدان الحوار ال39 بشأن حقوق الإنسان والعلاقات المشتركة    الحرس القديم سلاح البرتغال في يورو 2024    "سويلم" يوجه باتخاذ الإجراءات اللازمة للاطمئنان على حالة الري خلال عيد الأضحى    هل يجوز للزوجة المشاركة في ثمن الأضحية؟ دار الإفتاء تحسم الأمر    عبد الله غلوش: «إفيهات» الزعيم عادل إمام لا تفقد جاذبيتها رغم مرور الزمن    مدرب بلجيكا: لم نقصر ضد سلوفاكيا ولو سجلنا لاختلف الحديث تماما    تعرف على حكام مباراة الاتحاد والأهلي    العثور على جثة شخص بجوار حوض صرف صحى فى قنا    مصرع شخص وإصابة 5 فى حادث تصادم بالدقهلية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أزمة الثقة وثقافة الشك

قال كونفوشيوس وهو يعظ تلميذه تسو كونج ثلاثة أشياء تحتاجها الحكومة‏:‏ السلاح‏,‏ الطعام‏,‏ والثقة‏.‏ فإذا لم تستطع أن تحتفظ بها جميعا‏,‏ فعليها أن تتخلي أولا عن السلاح ثم عن الطعام ثانيا‏.‏ أما الثقة فعليها أن تكافح من أجلها حتي النهاية‏.‏ فبغير الثقة لايمكنها البقاء ولاتزال أفكار كونفوشيوش مقنعة‏.‏ ترسانة الأسلحة لم تمنع الكثير من الحكومات والإمبراطوريات من السقوط في التاريخ والحياة المعاصرة‏.‏ ونقص الغذاء لا يسقط الحكومات الرشيدة التي تتمتع بثقة رعاياها‏.‏ والحرب العالمية الثانية مليئة بالنماذج والأمثلة‏.‏ ولكن انعدام الثقة كفيل بإسقاط أعتي الحكومات‏.‏
وليست الحكومات وحدها التي تحتاج الثقة‏.‏ فكل فرد وكل مهنة وكل مؤسسة يحتاجون أيضا‏.‏ نحتاجها حتي نتجنب العزلة ونظل نعتمد علي الآخرين وعلي أنهم سوف يفعلون مايقولون‏.‏ ونحتاجها حتي يقبل الآخرون أننا سوف نفعل مانقول‏.‏ إن انعدام الثقة يمنع كل فرد حتي من أن يستيقظ في صباح اليوم التالي كما يقول أحد علماء الاجتماع‏.‏ ورغم كل شيء فإن الحقيقة التي لابد من أن نتقبلها هي أنه من الأفضل كثيرا أن نتعرض للغش أحيانا بدلا من أن نعيش فاقدي الثقة في كل شيء‏.‏
الثقة هي إحدي الوسائل الأساسية التي تجعل الحياة الاجتماعية ممكنة وآمنة‏.‏ وهي وحدها التي تمكننا من العمل الجماعي لإنجاز المهام التي لايمكن أن نقوم بها بمفردنا‏.‏ الثقة هي التي تمنح الحياة الإنسانية قيمتها‏.‏ نحن نحتاج إلي الثقة في الآخرين ولكنها صعبة وتحمل الكثير من الأخطار‏.‏ تلاحقنا الصحف كل يوم بعشرات من الأفعال التي لاتستحق الثقة‏.‏ ورغم الجهود الكثيرة التي تبذل من اجل أن تكون كل مؤسسة خاضعة للمساءلة عن أفعالها‏,‏ فإن تلك الجهود تبدو أقل من أن تنجز مهمة الخروج من أزمة الثقة وثقافة الشك التي تزداد‏.‏
أزمة الثقة وانتشار ثقافة الشك ليست حالة مصرية ولكنها حالة عالمية وتاريخية‏.‏ غير أن اللافت للنظر أن المجتمعات التي طورت آليات للمساءلة والمحاسبة لمواجهة انعدام الثقة وثقافة الشك هي الأكثر اهتماما بالبحث في هذا المجال من تلك المجتمعات التي تتزايد فيها الأزمة وتتمدد فيها تلك الثقافة وتتراجع فيها آليات المحاسبة‏.‏ البحث الذي أجري أخيرا لحساب وزارة التنمية الإدارية أظهر حالة سائدة من عدم الثقة بين المصريين في المسئولين الحكوميين والسياسيين ورجال الأعمال والجيران وزملاء العمل‏.‏ كنت أتوقع أن تستثير تلك النتائج دوائر علمية وثقافية متعددة تقدم الدعم لجهود مكافحة انعدام الثقة وثقافة الشك‏.‏ كنت أتوقع أن ينهض أساتذة الفلسفة بجانب من المهمة حيث الثقة قضية متصلة عبر تاريخ الفلسفة من أفلاطون وحتي الفلاسفة المعاصرين‏.‏ وهي فرصة أن تناقش الفلسفة قضية تثير هموم قطاع كبير من المصريين‏.‏ وكنت أتوقع أن ينهض معهم أساتذة الإعلام باعتبار أن وسائل الإعلام متهمة في العالم كله بأنها أحد أسباب أزمة الثقة وانتشار ثقافة الشك‏.‏ ودوائر أخري كثيرة‏.‏ ولكن أحدا لم يتحرك تاركين مجتمعا بأسر يعاني الشك ويتحمل تبعات عدم اليقين‏.‏
عبر قرون طويلة أنجز الفكر الإنساني الكثير حول أهمية الثقة في الحياة الإنسانية‏,‏ ولكنه لا يزال يبحث عن إجابة عن سؤال أساسي‏:‏ أين نضع تلك الثقة ومتي نضعها ومن هو ذلك الذي يستحقها؟ فالثقة التي توضع في غير موضعها وفي غير وقتها تعرض الحياة الإنسانية ومجتمعاتها للكثير من الأخطار‏.‏ ولكننا نعلم أن الحياة لا تقدم الضمانات الكافية في أي شيء وليست هناك حتي الآن إجابة عن السؤال الكلاسيكي من يحرس الحراس؟ ومع ذلك تظل الثقة ضرورية حين تكون كل الضمانات منقوصة وغير كاملة‏.‏
في مصر كما في العالم نحن لا نتوقف عن الاعتماد علي أولئك الذين لا نثق فيهم كثيرا‏.‏ الذين لا يثقون في وسائل الإعلام يعتمدون عليها لمعرفة ما يجري حولهم والذين لايثقون في مؤسسات التعليم يذهبون بأبنائهم إليها‏.‏ والذين لا يثقون في مؤسسات الدولة لا يتوقفون عن توقع الكثير منها‏.‏ وحتي الأفراد لا يثقون في زملاء العمل أو الجيران ولا يكفون عن اللجوء اليهم‏.‏ هناك فجوة قائمة بين القول والفعل بشأن الثقة‏.‏ لأن الأقوال تظل تصورات عقلية ولكن الأفعال تمليها ضرورات الحياة‏.‏
في الفلسفة اليونانية القديمة ظهر مفهوم الثقة خشية الفضيحة والعقاب‏.‏ فالإنسان بطبيعته البشرية يعمل من أجل مصالحه الذاتية‏.‏ وهو مجبر علي احترام القانون وتجنب الأعمال الشريرة ليس لأسباب أخلاقية وإنما حرصا علي نفسه من أن تكتشف أعماله فيعاقب عليها‏.‏ وقد ذكر أفلاطون قصة الراعي الذي وجد خاتما ذهبيا في جوف حصان برونزي يخفيه عن الأنظار فيستطيع أن يفعل ما يريد ويتجنب الفضيحة والعقاب‏.‏ وهي أسطورة انتشرت في بقاع كثيرة من العالم لبست في ثقافتنا طاقية الإخفاء‏.‏
والثقة المفقودة تعبير عن الخوف من الآخر الذي يستند الي تفسيرات متشائمة وبدائية للطبيعة البشرية التي تراها تعمل علي الدوام من أجل المصالح الذاتية دون أي اعتبارات للحب والتعاطف الذي هو خصيصة بشرية أيضا‏.‏ فالتعاطف يجعل الإنسان مرآة للآخر يري فيه مزاياه وعيوبه ويمنحه الرغبة في مصاحبة الآخرين‏.‏ وحين ندرك أن الحب والتعاطف خصيصة بشرية‏,‏ فإن ذلك يؤكد الحاجة الي الثقة التي تولد المزيد من التعاون والسلام وتساعدنا في التخلص من الهجوم المرتقب في دولة الطبيعة‏,‏ حيث يتوقع كل إنسان الهجوم والعدوان من الآخر‏.‏
كما قلت في البداية ليست هناك في الحياة ضمانات كاملة لأي شيء‏.‏ وكذلك في الثقة ليست هناك ضمانات من أن الذين نمنحهم الثقة هم بالفعل يستحقونها ولكننا جميعا بحاجة الي نشر الثقة ومواجهة ثقافة الشك‏,‏ لأن البديل أكثر إيلاما من أن نخدع في هذا يوما ونقع ضحية لذلك يوما آخر‏.‏ وليست هذه دعوة للثقة العمياء ولكنها دعوة أن نهتم كثيرا بالثقة في الآخرين والمؤسسات القائمة‏,‏ وأول مظاهر الاهتمام أن ندقق كثيرا في المعلومات التي نبني عليها قرارنا بمنح الثقة أو حجبها‏,‏ فالتقارير الإخبارية والمقالات الصحفية والأقوال المرسلة التي نعتمد كثيرا عليها ليست علي الدوام معلومات مدققة أو آراء مدروسة ولا تصلح في كل الأحوال أن نبني عليها قرارات الثقة‏.‏ وفي كل الحالات علينا أن نتخلي عن خيالات الطفولة التي تملي علينا أن نمنح الثقة لمن كان أداؤهم المهني أو السياسي أو الاجتماعي مثاليا‏.‏ نحتاج الي أن نمنح الآخرين فرصة أن يقوموا بأعمالهم بحرية ونخلصهم من الخوف الذي يحول دون بلوغ أهداف مقبولة منا ومنهم‏.‏فالأفراد والمؤسسات الذين يعملون في ظل الرهبة التي تنشرها ثقافة الشك وعدم الثقة سوف ينتهي بهم الأمر الي فقدان القدرة علي اقتحام المشكلات وتغيير الواقع‏.‏ علينا أيضا أن نعيد النظر في الثقافة الإعلامية السائدة التي جعلت من نشر الشك وفقدان الثقافة عملا روتينيا يوميا‏.‏ لابد أن تعمل وسائل الإعلام بنوع جديد من التراخيص في ظل تكنولوجيا الاتصال التي جاء بها القرن الحادي والعشرون‏.‏ هذه التراخيص الجديدة تتعلق بالالتزام بمقاومة ثقافة الشك وترشيد قضايا الثقة في الأفراد والمؤسسات علي السواء‏,‏ والأهم من كل ذلك أن نبحث في آليات محاسبة أكثر ذكاء وفاعلية‏.‏ إذ يبدو أن آليات المحاسبة السائدة في العالم تجعل البيروقراطية مسئولة فقط أمام بيروقراطية أعلي وليس أمام المجتمع‏.‏

المزيد من مقالات د‏.‏ حمدي حسن أبوالعينين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.