أخيرا.. وقع المحظور واشتعلت النار في العاصمة اليمنية بمواجهات دموية منذ الأحد الماضي بين القوات الموالية للرئيس علي عبد الله صالح والقوات المؤيدة للثورة.. يستيقظ سكان العاصمة وينامون علي أصوات النار والتفجيرات وطلقات المدافع وسط حالة من الرعب والهلع مصحوبة بشلل كامل للحياة وإغلاق للمحلات والشوارع والأسواق إكتملت بإطفاء الكهرباء وغياب الخدمات. الآن لا صوت يعلو فوق صوت الرصاص بعد إنهيار هدنة هشة لم تستغرق أكثر من بضع ساعات تبعها مغادرة أمين عام مجلس التعاون الخليجي عبد اللطيف الزياني صنعاء دون تحقيق نتائج تذكر, بينما ما يزال مبعوث الأممالمتحدة جمال بن عمر يجرب كل محاولاته الدبلوماسية بإسم المجتمع الدولي لوقف نزيف الدماء ومنع توسع المواجهات المحتملة التي يخشي من أن تشمل كل أحياء صنعاء وقبل أن تتحول المواجهات إلي حرب شوارع قد تدوم لأشهر إذا لم يتغلب العقل والحكمة. المواجهات الأخيرة إندلعت في صنعاء بعد إعلان شباب الثورة ما أطلقوا عليه التصعيد الثوري السلمي لإسقاط النظام اليمني, وبعد مصرع العشرات في اشتباكات أثناء مسيرة حاشدة وسط صنعاء ما يزال الطرفان يتبادلان الإتهامات بشأن المسئولية عنها وعن تفجير الأوضاع عسكريا, كما يواصلان إطلاق سيل من التصريحات الإعلامية ضد بعضهما عن خرق الهدنة وممارسة الإعتداءات. الحرب بديل الحوار ويؤكد عبده الجندي نائب وزير الإعلام اليمني أن الحرب هي البديل الوحيد للأساليب الحوارية والسلمية, في حل الخلافات والخروج من الأزمات السياسية المعقدة, مادام الخلاف ناتجا عن صراع بين طرفين أحدهما في الحكم والآخر في المعارضة. ويضيف: ان احزاب اللقاء المشترك وحلفاءهم المدنيين والعسكريين قد جربوا ما وصفوه بالتصعيد الهادف الي تحقيق الحسم الثوري.. اي عن طريق الاستخدام الفوضوي للقوة وتحويل الاعتصامات والمسيرات والمظاهرات السلمية الي احداث شغب وسلب ونهب وقتل وتدمير للمنشآت العامة والمنشآت الخاصة. ويقول الجندي: انهم اعتقدوا خطأ ان سقوط الاعداد الكبيرة من القتلي والجرحي سوف يؤدي الي إثارة الرأي العام الداخلي والخارجي ودفع الدول الشقيقة والصديقة الي تغيير مواقفها من قرار الرئيس صالح بتفويض نائبه عبدربه منصور هادي للحوار حول الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية والتوقيع عليها وتنفيذها.. ويري الجندي أن التصعيد والحسم المسلح قد تزامن مع جهود عربية ودولية مؤيدة لقرار الرئيس صالح بتفويض نائبه وبالدعوة الي انتخابات مبكرة وذلك ما ازعج علي محسن وحميد الأحمر اللذين يبعثران ثرواتهما واموالهما لخدمة الشر والقتل علي حد قوله. ويسيطر الخوف علي سكان صنعاء من أن تتحول المواجهات المحدودة في بعض الأحياء إلي إشتباكات شاملة وواسعة قد تستغرق أسابيع عدة أو شهور, مع ما يعنيه ذلك من تدمير للبنية التحتية ويدخل البلاد كلها في دوامة من الفوضي. حافة الحرب ويؤكد تقرير أصدره مركز الجزيرة للدراسات أن المؤشرات الميدانية علي أرض الواقع وحالة التوتر المتصاعد والاستعدادات العسكرية الجارية من قبل النظام اليمني والثورة الشعبية تدل علي أن الأوضاع تسير فعلا علي حافة الحرب, وأن احتمالات المواجهة العسكرية الشاملة تتسارع أكثر من أي وقت مضي. ويري التقرير أن هناك العديد من العوامل والمؤشرات ترجح احتمالات الانزلاق إلي الخيار العسكري, يأتي في مقدمتها التصعيد المتبادل من قبل طرفي الصراع, والذي يوحي علي ما يبدو بتبلور قناعة مشتركة, بعد ثمانية أشهر من الشد والجذب, باستحالة استمرار الأوضاع علي نفس المنوال إلي ما لا نهاية, وأنه لابد من الوصول إلي مرحلة فاصلة يحسم فيها الصراع. وهناك استعدادات للوصول إلي مرحلة الحسم لكل منهما بطريقته. ويفسر المراقبون التطورات في اليمن بالنجاح الباهر للثورة الليبية والهروب المذل للقذافي وأبنائه والذي دفع الشباب إلي تبني برنامج للتصعيد الثوري السلمي يصل بها إلي مرحلة الحسم مهما كانت التضحيات. وهي خطوة تضع ثورة الشباب في مواجهة مباشرة ومفصلية مع النظام, يرافقها تطور جديد هذه المرة بتلويح القوات المؤيدة للثورة بصورة غير مباشرة أنها لن تقف مكتوفة الأيديإذا مابادر النظام إلي استخدام القوة, وأنها لا تفتقر إلي الإمكانيات ولا الدوافع الوطنية للدفاع عن الثورة. وتبدو الاستعدادات العسكرية لطرفي الصراع جارية علي قدم وساق, فالنظام اليمني يعمل دون مواربة علي التزود بالقوة وتعزيز قدراته العسكرية, وإعادة توزيعها في مواجهة قوي الثورة, وشراء أسلحة ومعدات جديدة. كان آخرها شراء صفقتي سلاح من روسيا, وتجنيد المزيد من الجنود لقوات الحرس الجمهوري من أجل معادلة القوة البشرية للثورة. وفي مقابل التحفز العسكري للنظام قام الجيش المؤيد للثورة بقيادة اللواء علي محسن, بحملة تجنيد واسعة في أوساط شباب الثورة, وتدريب الثوار المدنيين علي استخدام السلاح. وفي مضمار النتائج المتوقعة للخيار العسكري يقول تقرير مركز الجزيرة للدراسات: قد يكون من الصعوبة بمكان الجزم بالنتيجة الفورية للحرب علي المدي القصير, والمدة الزمنية التي ستستغرقها بسبب حالة توازن القوة وتعدد عناصرها لدي الطرفين, واحتمال تغير خارطة التحالفات الداخلية والخارجية لكل منهما, وإمكانية حدوث انشقاقات في الوحدات العسكرية النظامية, أو حدوث تغير في ولاءات مشائخ القبائل بحيث ترجح كفة أحد الطرفين. أما النظرة الكلية للصراع فترجح حتمية انتصار الثورة في نهاية المطاف, فمن الصعب القضاء علي ثورة شعبية, تؤمن بأن مطالبها عادلة. ميزان القوي وتذهب تحليلات إلي أنه في حالة الدخول في حرب شاملة فمن المحتمل أن يستطيع النظام اليمني في الجولة الأولي إلحاق أضرار بالقوات النظامية التابعة للثورة بسبب تفوقه الجوي, لكن ذلك لن يستمر طويلا, ولن يلبث أن يتحول جزء من الصراع إلي حرب داخل المدن تفقد النظام ميزة التفوق الجوي, ويكون عامل الحسم للروح المعنوية للمقاتلين. وسينحصر الصراع في المدن الرئيسية للسيطرة علي المنشآت الحيوية وصولا إلي السيطرة علي القصر الجمهوري في العاصمة. وهناك من يقصر الحرب في ثلاث مدن رئيسية, إلا أن الأرجح أنها ستتسع لتصل إلي معظم المدن الرئيسية في المحافظات الشمالية, ومن المتوقع في الأيام الأولي للحرب أن تسقط مدن ومحافظات بأكملها في يد الثورة, يدخل الطرفان بعدها في حرب ممتدة من الصعب التكهن بمدتها الزمنية. وتتمكن الثورة من تحقيق نصر نهائي وحاسم علي النظام السياسي حسب عدد من الاعتبارات, حدوث انشقاقات مبكرة في البنية العسكرية للنظام, والموارد المتاحة لكل طرف, وقدرة الثورة علي الحشد والتعبئة الشعبية خلف خيار الحرب. وترتبط بسيناريو امتداد أمد الحرب المخاوف من سعي قوي الحراك الجنوبي بسط سيطرتها علي المحافظات الجنوبية وإعلان الانفصال من جانب, وإجبار أي نظام قادم بعد انتهاء الحرب علي التعامل مع الانفصال كأمر واقع, وأيضا إمكانية استغلال الحوثيين انشغال النظام السياسي وقوي الثورة بالحرب, والعمل علي توسيع نفوذهم في المحافظات الشمالية بدعم إيراني, إلا أن هناك من يقلل من إمكانية حدوث مثل هذا السيناريو, فمن ناحية من المستبعد أن تسمح السعودية بتوسع النفوذ الحوثي الشيعي علي حدودها الشمالية مع اليمن وستعمل علي التدخل المبكر لمنع إمكانية حدوث ذلك بكل السبل. مؤشرات عسكرية أما مركز أبعاد للدراسات والبحوث فيشرح ميزان القوة العسكرية في اليمن بتقرير يوضح أن القوات الجوية اليمنية تمتلك حاليا156 طائرة لا توجد منها في إطار الجاهزية سوي60% فقط أهمها طائرات الميج المقاتلة, التي يسيطر جيش الثورة علي سبع طائرات منها في قاعدة الحديدة الجوية. وعن جيش الثورة يقول التقرير أن الفرقة أولي مدرع التي تعد جيشا شبه نظامي تعاني من قلة التسلح وضعف التدريب والانتشار مقارنة بالحرس الجمهوري, لكنها قادرة علي المنافسة وربما التفوق من خلال الاستفادة من عوامل ضعف جيش النظام التي هي عوامل قوتها في جوانب متعددة, كخبرة أفرادها وامتلاكهم لعقيدة قتالية عالية نابعة من إيمانهم بضرورة التغيير, وقبول المحيط المجتمعي لها ودعمها من قبل القوي القبلية المسلحة. وعن النتيجة المتوقعة قال التقرير' إن اليمن قادمة علي ثلاثة خيارات إما انتقال السلطة من الرئيس صالح سلميا وسياسيا, وهو ما يعني انتصار الثورة الشعبية سلميا, أو الحرب التي ستكون مكلفة رغم أنها ستؤدي إلي التغيير, أو الفوضي كخيار ثالث رغم أن الاهتمام الدولي والحرص الداخلي يجعل هذا الخيار مستبعدا علي الأقل من الناحية النظرية.