بالصور- ننشر أوائل الشهادة الإعدادية الأزهرية بجنوب سيناء    توريد 373 ألف طن قمح لشون وصوامع المنيا منذ بدء الموسم    "انفراجة ولكن".. مصدر يكشف لمصراوي تطور مفاوضات الأهلي مع محمد كوناتي    جواب نهائي مع أشطر.. مراجعة شاملة لمادة علم النفس لطلاب الثانوية العامة الجزء الأول    "أكليني وهاتي لي هدوم".. آخر ما قالته "آية" ضحية سفاح التجمع    تأجيل محاكمة 111 متهمًا بقضية "خلية حسم الإرهابية" ل11 أغسطس    شيرين رضا تعلن بشكل مفاجئ: "قررت الاعتزال"    ثقافة الإسكندرية تختتم برنامج "مواهبنا مستقبلنا" وورشة "ابدأ حلمك" السينمائية    بعد 6 أشهر من الزواج.. دانية شافعي تعلن انفصالها    أبرز 7 غيابات عن منتخب إنجلترا فى يورو 2024    مشروعات تخرج «نوعية كفر الشيخ» تحول جدران المدينة للوحات فنية    تنظيم 6 ورش عمل على هامش مؤتمر الأوقاف الأول عن السنة النبوية (صور)    عاجل| 6 طلبات فورية من صندوق النقد للحكومة... لا يمكن الخروج عنهم    تخفيف أحمال الكهرباء تحدي أمام زيادة صادرات مصر الرقمية    مرور القاهرة يعيد حركة السير بالأوتوستراد بعد انقلاب مقطورة رخام    سما الأولى على الشهادة الإعدادية بالجيزة: نفسى أكون دكتورة مخ وأعصاب    السكة الحديد تعلن جداول قطارات خط «القاهرة - طنطا - المنصورة – دمياط»    رجال الأعمال تناقش تعزيز مساهمة القطاع الخاص لتحقيق مستهدفات القطاع الزراعي    أمريكا تضغط على حماس ليقبل نتنياهو مقترح بايدن!    وزيرة التخطيط تبحث سبل التعاون مع وزير التنمية الاقتصادية الروسي    محمد رمضان ينشر فيديو من حفل زفاف ابنة المنتج محمد السعدي..وهكذا علق    ناقد فني: نجيب الريحاني كان باكيًا في الحياة ومر بأزمات عصيبة    لماذا الوقوف بعرفة هو ركن الحج الأعظم؟.. مركز الأزهر العالمي يُجيب    «الصحة»: إجراء 392 جلسة ضمن منظومة ميكنة الغسيل الكلوي بمستشفيات مطروح    الكشف على 1237 مريضا في قافلة طبية ضمن «حياة كريمة» بالمنيا    الدفاع الروسية: قوات كييف تتكبد خسائر بأكثر من 1600 عسكري وعشرات الطائرات المسيرة    رئيس الوزراء يتابع جهود منظومة الشكاوى الحكومية الموحدة خلال مايو 2024    الأهلي يحسم صفقتين ويستقر على رحيل موديست    80 شهيدا وعشرات الجرحى فى غارات إسرائيلية على مخيم النصيرات ومناطق بغزة    ليفركوزن يدعم دفاعه بصفقة فرنسية    فريد زهران: ثورة 25 يناير كشفت حجم الفراغ السياسي المروع ولم تكن هناك قيادة واضحة للثورة    محافظ المنيا: توريد 373 ألف طن قمح حتى الآن    تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء.. تحرير 142 مخالفة عدم الالتزام بقرار غلق المحال    كاتب صحفي: حجم التبادل التجاري بين مصر وأذربيجان بلغ 26 مليار دولار    "اهدى علينا".. رسالة من تركي آل الشيخ إلى رضا عبد العال    وزير الأوقاف: الأدب مع سيدنا رسول الله يقتضي الأدب مع سنته    الإفتاء توضح حكم تجميع جلود الأضاحي ثم بيعها في مزاد علني بمعرفة جمعية خيرية    تضم هذه التخصصات.. موعد مسابقة المعلمين الجديدة 2024    راديو جيش الاحتلال: تنفيذ غارات شمال رفح الفلسطينية مع التركيز على محور فيلادلفيا    الفوج الثاني من حجاج «المهندسين» يغادر إلى الأراضي المقدسة    توجيهات من الصحة بشأن المدن الساحلية تزامنًا مع عيد الأضحى والعطلات الصيفية    العمل: تشريع لحماية العمالة المنزلية.. ودورات تدريبية للتعريف بمبادئ «الحريات النقابية»    رئيس جامعة المنوفية: فتح باب التقديم في المبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء الذكية    بدء توفيق أوضاع المتعاملين مع الوادي الأخضر و6 أكتوبر الزراعية    وزيرة خارجية إندونيسيا تستقبل السفير المصري بجاكرتا    ساوثجيت يعلن قائمة انجلترا لخوض يورو 2024    النائب علي مهران: ثورة 30 يونيو بمثابة فجر جديد    معسكرات داخلية وخارجية.. اللجنة الأولمبية تتابع خطط الاتحادات استعدادا ل باريس    خبيرة فلك تبشر برج السرطان بانفراجه كبيرة    أستاذ علوم سياسية: مصر بذلت جهودًا كبيرة في الملف الفلسطيني    «الدواء»: المرور على 9 آلاف صيدلية وضبط 21 مؤسسة غير مرخصة ب 7 محافظات    كريم محمود عبد العزيز يشارك الجمهور فرحته باطلاق اسم والده علي أحد محاور الساحل الشمالي    جولة مفاجئة.. إحالة 7 أطباء في أسيوط للتحقيق- صور    تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري يتصدر المباحثات المصرية الأذربيجية بالقاهرة    أزهري: العشر الأوائل من ذي الحجة خير أيام الدنيا ويستحب صيامها    مواعيد مباريات يورو 2024.. مواجهات نارية منتظرة في بطولة أمم أوروبا    إبراهيم حسن يكشف كواليس حديثه مع إمام عاشور بعد لقطته "المثيرة للجدل"    الإفتاء: الحج غير واجب لغير المستطيع ولا يوجب عليه الاستدانة من أجله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مع ضخامة الديون المتعثرة وعدم تدقيق المخاطر الائتمانية
البنوك العالمية تدخل في قلب عاصفة الانهيار والإفلاس
نشر في الأهرام اليومي يوم 24 - 09 - 2011

عادت نواقيس الخطر تدق عاليا في أوروبا وعلي امتداد خريطة العالم نتيجة لتصاعد احتمالات إفلاس عدد من البنوك الأوروبية الكبري‏,‏ نتيجة لتفاقم أزمة الديون السيادية اليونانية‏,‏ وتصاعد الأزمة في عدد آخر من الدول. مثل: إيطاليا وإسبانيا والبرتغال وأيرلندا, وقد كشرت الأزمة عن انيابها المروعة في منتصف الشهر الحالي عندما تصاعدت بشدة احتمالات إشهار إفلاس اليونان مع تصاعد توقعات عجزها عن سداد مديونياتها, والاحاديث المكثفة عن خروجها من الوحدة النقدية الأوروبية, وفك ارتباطها باليورو, والعودة إلي التعامل بعملتها الوطنية الملغاة (الدراخما), وهي احاديث تصاعدت معها مخاوف جادة من أن تدفع أوروبا العالم كله إلي هوة الانهيار المالي الكارثي, كما دفعته أمريكا من قبل في خريف عام 2008 عندما انطلقت شرارة الأزمة بالإعلان عن إفلاس بنك (ليمان برازرز) العملاق, وما تبعه من انهيارات حادة لجميع المؤسسات المالية, والبنوك وشركات التأمين الأمريكية العملاقة, وانتقال البراكين والعواصف الضارية إلي الجانب الآخر من الاطلنطي, متمثلا في القارة الأوروبية ليدخل كل العالم في دوامات الانهيار المالي المدمر, وما تكشف عنه من تجاوزات فاضحة, وعمليات تزوير وخداع ترتقي قانونا إلي مرتبة النصب والابتزاز, خاصة في أعمال ومعاملات أسواق المال والمؤسسات المالية والبنوك والحلقات وثيقة الصلة علي امتداد خريطة العالم المتشابكة.
وقد انطلقت صرخات التحذير والخوف مع تصاعد المؤشرات السلبية لأعمال عدد من البنوك الكبري الفرنسية, وما لحق بها من خسائر فادحة في قيمة اسهمها من تداولات ومعاملات البورصة. حيث تكبدت البنوك الفرنسية الثلاثة الكبري, وهي بالترتيب (بي.إن.بي باريبا, وسوستيه جنرال, وكريدي اجريكول) خسائر بلغت قيمتها منذ أول يوليو الماضي حتي 12 سبتمبر الحالي نحو 70 مليار يورو, في سابقة استثنائية تكاد تطيح باستقرار القطاع المصرفي الفرنسي, وتفقده التوازن, وقد انخفضت قيمة الاسهم نتيجة الهبوط الحاد في أسعارها بالبورصات من 126 مليار يورو إلي 56 مليار يورو فقط لاغير, وتعرض سهم بنك سوستيه جنرال لافدح الخسائر, حيث تراجعت قيمته من 33 مليار يورو إلي 12.33 مليار يورو, وبذلك فإن السهم خسر بالفعل ثلثي قيمته السوقية, في حين خسر سهما بنك (بي.ان.بي. باري با) و(كريدي أجريكول) أكثر من نصف قيمتهما السوقية, وهو ما يعد بكل المعايير الاقتصادية والمالية في قلم السوابق الاستثنائية الصادمة للمتعاملين والمثيرة للمخاوف في أسواق المال والاستثمار.
الديون السيادية وتخفيض التصنيف الائتماني للدول
ومع تصاعد الأزمة في نطاق القطاع المصرفي الأوروبي عموما, والمصارف الفرنسية تحديدا بحكم انكشافها الكبير مع الديون السيادية اليونانية, وارتفاع قيمة ما تحوزه من هذه الديون المتعثرة, وغيرها من الديون السيادية المرشحة للتعثر, وفي مقدمتها الديون السيادية الإيطالية, التي بلغت تكلفة التأمين عليها في الفترة الأخيرة, خمسة أضعاف تكلفة تأمين الديون السيادية الألمانية, كما ارتفعت أسعار الفائدة عليها بصورة ملحوظة في الغطاء الأخير للسندات الإيطالية الذي أعلنته وزارة الخزانة, مما يعكس حالة القلق في أسواق المال والاستثمار من اوضاع الاقتصاد الإيطالي, وهو ما دفع مؤسسات التصنيف الائتماني الدولية لمراجعة تقييمها, وتخفيض التصنيف السابق, وربطه بتوقعات سلبية مستقبلية ترجح المزيد من التراجع.
وقد كشفت الاحداث الأخيرة المتفجرة أوروبيا عن الكثير من الابعاد الخطيرة التي ترتبط بالقطاع المصرفي الأوروبي, الذي كان يقال دائما في الماضي وقبل الأزمة المالية العالمية في 2008 إنه الأكثر انضباطا, والأكثر سلاما وأمانا, بحكم القول بإنه الأكثر إلتزاما بالتقاليد والأعراق المصرفية خاصة فيما يتعلق بقواعد الائتمان المصرفي, ومعايير السلامة والأمان وهو ما يدفع المختصين والمحللين إلي تأكيد أن الإصلاح المصرفي الذي تم عقب الأزمة المالية العالمية كان إصلاحا جزئيا, وكان إصلاحا قاصرا لم يتطرق إلي حقيقة المشكلات وطبيعتها علي الرغم من التكاليف المالية الباهظة التي تحملتها موازنات الدول في أوروبا وأمريكا وغيرها لإنقاذ المصارف الكبري والصغري من الافلاس والانهيار, وجنبتها التعرض لنفس مصير ليمان برازرز حتي بالوصول إلي قرارات صعبة مثل التأميم الكلي أو الجزئي للبنوك, ونقلها من الإدارة الخاصة إلي الإدارة العامة, لضمان الرقابة الدقيقة علي أعمالها ومعاملاتها, وضمان إلتزامها بالقواعد المصرفية السليمة التي تسببت في التصاعد المخيف والمروع للديون المتعثرة الرديئة غير القابلة للسداد, وما تعنيه من الحاجة إلي حشد ورصد مخصصات مالية ضخمة لمواجهة اعبائها وإلا تعرضت البنوك للإعلان عن إفلاسها تحت ضغوط الواقع الفعلي تطبيقا لمعايير اقتصاد السوق وقواعده التي خالفتها حكومات دول العالم الغربي الرأسمالية حماية لاقتصاداتها من الانهيار الكامل وتكاد تكلفة الإنقاذ تتحول حاليا إلي كارثة مدمرة لاقتصادات هذه الدول تدفعها مرة أخري للركود العميق وطأة الديون السيادية الضخمة والعجز الفلكي في الميزانيات العامة.
صندوق النقد والتحذير وفجوة رؤوس الأموال للبنوك
وقد كشف تقرير صدر أخيرا عن وثيقة داخل صندوق النقد الدولي تكشف عن أبعاد الخلل الكبير في المصارف الأوروبية, وأكد التقرير أنها تعاني من نقص في رأسمالها بصورة يرثي لها, وأن العجز في رؤوس أموالها يقدر بمبلغ ضخم يصل إلي 273 مليار دولار, تشكل فجوة مالية تؤثر علي الملاءة المالية لها وتؤثر علي سيولتها وتؤثر علي كفاءة أعمالها وانشطتها وقد قامت كريستين لاجارد مديرة صندوق النقد في البداية بتكذيب التقرير ثم عادت واعترفت بما تضمنه وأطلقت دعوة عاجلة لإعادة رسملة لبنوك أوروبا, وقد نبه التقرير إلي حقيقة مهمة ترتبط بأن نجاح البنوك الأوروبية في اختبارات التحمل المالي التي اصبحت تعد أحد المعايير الرئيسية لحصول البنوك علي شهادة بالثقة والجدارة, كما يقال ويتردد إلا أن واقع الحال العملي والفعلي يؤكد أنها تعاني من مشكلات كبري تتلخص بشكل ملحوظ في النقص المروع في رؤوس اموالها, وذلك في ضوء حقائق الواقع الفعلي ومشكلاته, وفي مقدمتها الامكانات الضخمة لتحول جانبا من الديون السيادية للدول إلي خانة الديون الرديئة المتعثرة بحكم أن إعلان إفلاس دولة مثل اليونان بمديونيتها الضخمة يعني توقفها عن السداد ويؤدي ذلك إلي تخفيض القيمة الفعلية لهذه المديونيات, والسندات السيادية بمعدلات مروعة يترتب عليها خسائر فلكية للبنوك, وهو ما حدث مع سابقة مديونيات دول أمريكا اللاتينية في الثمانينيات من القرن العشرين, والخسائر المهولة للمصارف الأوروبية والأمريكية التي امتدت للمصارف العربية خاصة المملوكة للدول الخليجية وألحقت بها خسائر قدرت قيمتها بنحو 300 مليار دولار فقط لا غير.
وقد تسبب تخفيض التصنيف الائتماني لأمريكا في الفترة الماضية في هزة عنيفة بالاسواق العالمية, وقد تعرض العديد من الدول الأوروبية لنفس الصدمة, حيث تم تخفيض التصنيف الائتماني لكل من اليونان وإسبانيا والبرتغال وأيرلندا وإيطاليا كدول, كما تم تخفيض التصنيف الائتماني للعديد من المؤسسات المالية, والمصارف علي امتداد القارة الأوروبية, ويعكس ذلك حالة القلق العالمي المتصاعدة من الاوضاع المالية والاقتصادية, وحالة عدم الثقة وارتفاع درجة عدم الاطمئنان بين اوساط المتعاملين والمستثمرين, وكذلك تصاعد المخاوف من المراكز المالية للبنوك في ظل بروز العديد من المؤشرات السلبية التي لا يمكن إهمالها أو التغاضي عنها والمرتبطة اساسا بالتراجع الاقتصادي الملحوظ علي جانبي الاطلنطي من أمريكا إلي أوروبا, وهو ما تؤكده مؤشرات مهمة من بينها تقليل صناديق التحوط العالمية من استثماراتها طويلة الأجل بصورة ملحوظة وتركيزها بشكل واضح علي الاستثمارات قصيرة الأجل التي يمكن الخروج منها بسهولة أكثر وقت الأزمات. حيث انخفضت استثماراتها طويلة الأجل من 33% من اجمالي استثماراتها في اغسطس 2010 إلي 19% فقط في اغسطس 2011, مما يعكس التعقد الشديد لمشكلات الدول المتقدمة الكبري والصعوبات الكبيرة التي تعترض التوصل إلي حلول واقعية في المستقبل القريب.
تراجع الإيداعات النقدية ومشكلات انخفاض السيولة
وتعاني البنوك الأوروبية خاصة الفرنسية واليونانية والايرلندية من تراجع ملحوظ للايداعات النقدية مما صنع بالفعل أزمة سيولة اضطرت البنك المركزي الأوروبي إلي ضخ نصف تريليون يورو كسيولة اضافية للبنوك, وقد تصاعدت أزمة السيولة مع انخفاض القروض البينية بين البنوك, مما يعكس غياب الثقة المتبادلة, فيما بينها, كذلك ارتفاع الشعور بالمخاطر حتي في المعاملات بين البنوك ولم تستطع التصريحات المتفائلة والايجابية لمحافظي البنوك المركزية للدول الأوروبية أن تعدل وتبدل من الواقع الفعلي للمعاملات. حيث فشلت هذه التصريحات الوردية المؤكدة أن البنوك ليس لديها مشكلات في السيولة أو في الملاءة المالية في أن تمنع الانهيارات المتلاحقة الحادة في اسعار أسهم المصارف في معاملات البورصات, ودفعت المشكلات العملية قيادات البنوك العليا كما في فرنسا للإعلان عن بيع جانب مهم من الاصول المالية بمئات المليارات من اليورور لتوفير السيولة اللازمة والمطلوبة لمواجهة احتمالات الأزمة, وتداعياتها كما دفعتها للإعلان عن خطط لتسريح جزء من العاملين ضمن خطط إعادة الهيكلة الشاملة.
وفي وقت الأزمات, حتي في أكثر اقتصادات العالم تقدما, وفي ظل درجة عالية من الوعي المصرفي المرتفع, واعتماد الجزء الأكبر والرئيسي من المعاملات علي الجهاز المصرفي والاعتماد الأقل علي البنكنوت فإن الايداعات البنكية تتعرض لانخفاض ملحوظ يجب التدبر والتحوط لمواجهته وتلافي تداعياته السلبية علي مجمل الاوضاع العامة والخاصة, وفي الحالة اليونانية التي انطلقت منها الشرارة الحقيقية للأزمة فإن الايداعات المؤسساتية التي تمثل نسبة 21% من اجمالي الايداعات قد تعرضت لانخفاض ملحوظ وواضح بنسبة 33% خلال 18 شهرا منذ بداية عام 2010 وفي نفس الفترة انخفضت نفس النوعية من الايداعات في المصارف الألمانية بنسبة 12%, ومنذ يونيو الماضي حتي بداية سبتمبر الحالي, فان هذه النوعية من الايداعات انخفضت بنسبة 6% وتتعمق المشكلات المرتبطة بسيولة البنوك مع هروب المزيد من المودعين الأفراد بالداخل والقادمين من الخارج من البنوك الأوروبية التي باتت مهددة بالإفلاس بسبب أزمة الديون التي يطارد شبحها دول القارة العجوز, حيث تبلغ معدلات الانخفاض لايداعات المؤسسات والأفراد في البنوك اليونانية خلال العام الماضي فقط 19% في حين انخفضت في ايرلندا الجنوبية بنسبة 40% خلال 18 شهرا منذ بداية يناير 2010 ويعزز هذه المؤشرات السلبية أن الصناديق الأمريكية الائتمانية العملاقة بدأت بالفعل في خفض استثماراتها في المصارف الألمانية والفرنسية والاسبانية, وهي شبة متوقفة بالفعل عن الاستثمار مع البنوك اليونانية مما يكشف عن عناصر جديدة للازمة التي تدق الابواب أوروبيا وأمريكيا وعالميا.
ووسط سيل التوقعات المتشائمة التي لا ترتبط فقط بالاحتمالات القوية لإعلان افلاس اليونان وخروجها من العملة الأوروبية الموحدة لكنها ترتبط ايضا بغياب الإرادة السياسية الحقيقية للإصلاح الجذري المنشود في ظل عدم التوافق بين القوي السياسية ذات التوجهات المختلفة والمتعارضة, اضافة إلي طبيعة المشكلات وضخامتها وما تعنيه من انخفاض كفاءة إدارة الاقتصاد القومي والميزانية العامة للدول مع شيوع عدم الانضباط والتجاوز عن المعايير الحاكمة للمخاطر الائتمانية لعمليات البنوك في ظل هذا الطوفان الاقتصادي والمالي فإن عقدة العقد الحاكمة تنتهي كما بدأت في احتكار المؤسسات المالية والبنوك وتشابكاتها مع باقي أطياف أسواق المال والاستثمار.
وعلي الرغم من كل احاديث الانهيارات المصرفية ومؤشراتها الواقعية والفعلية إلا أنه تبقي في النهاية والبداية حقيقة شديدة الأهمية ترتبط بالتفرقة بين سلوكيات التخلف وسلوكيات التقدم في مواجهة الأزمات, وهي تفرقة تصب في خانة القدرة أو عدم القدرة علي مواجهة الأزمات والكوارث, ففي الحالة الأوروبية فإن الإفصاح والإبانة بأقصي درجات الشفافية عن الأزمة منذ اندلاعها وبالتزامن مع كل مراحل تصاعدها لابد أن يعني امتلاك الوقت المبكر للتحضير لمواجهة تداعيات الأزمة, ويعطي الأمل في امكان إيقاف نزيف الخسائر قبل أن تدخل الأمور في النفق المظلم الذي يشل كل القدرات والإمكانات الإصلاحية الحقيقية والفعالة أو يضاعف من تكاليف الإصلاح للحدود الصعبة التي تفوق امكانات الواقع وقدراته.
ومشكلة اليونان الحقيقية ترتبط كما في العالم النامي, وكما في السلوكيات المتخلفة بإخفاء حقائق المشكلات والتغطية علي تصاعدها المنذر بالخطر واستخدام الاسلحة الفاسدة لتحقيق هذه الاهداف المشبوهة, إلي درجة تزوير وتلفيق المؤشرات الاقتصادية والمالية الرئيسية للدولة والسماح لمؤسسات الأعمال العامة والخاصة بالانخراط المنظم في هذه العمليات الاحتيالية لميزانياتها وأعمالها ومعاملاتها في ظل درجة عالية للغاية من الفساد والرشوة والانحراف في السلطة العليا والمؤسسات والأعمال, وهو ما استتبع تنفيذ سياسات عامة للتنفيس الجزئي عن غضب المواطن العادي وسخطه حملت الموازنة بأعباء اضافية لاتملك القدرة علي تحملها وكانت المحصلة النهائية استدانة سفيهة من الخارج تتحمل جانبا مهما من المسئولية عنها المصارف المقرضة بحكم عدم غياب تفصيلات الحقيقة المدفونة المخفية عمدا عنها, وكذلك عن سلطات الاتحاد الأوروبي والوحدة النقدية مما يجعل من الكارثة عملا مشتركا بين كل الاطراف التي لا تملك اليوم إلا لطم الخدود وذرف دموع التماسيح للتغطية والتموية عن مشاركتها كجزء رئيسي من عمليات فساد منظمة واسعة النطاق يتطلب انجازها تشكيلا عصابيا مترابط الحلقات من القاعدة إلي القمة.
المزيد من مقالات أسامة غيث


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.