علي الرغم من امتهاني مهنة الكتابة التي أعلم منذ اللحظة الأولي أنها مهنة بلا قلب, فإنني لم أتوقع أن أصل إلي هذه الدرجة التي يعتصر فيها قلبي وأنا أكتب عن والدي باعتباره الراحل.. خيري شلبي لم يكن مجرد كاتب روائي ولا أديب ولا حتي أب عادي.. بل كان قصة كفاح عظيمة تسير علي قدمين. وكما قلت سابقا في أحد الحوارات عنه إن قصة كفاحه وحياته هي أعظم رواية لم يكتبها بعد, وقدر الله ألا يكتبها أبدا, وعلي القارئ أن يبحث عنها بين الملايين من السطور التي خطها في كتبه ورواياته ودراساته, إذ لم تكتمل من فصول سيرته الذاتية إلا ما تم جمعه بين دفتي كتاب واحد, سبق نشر حلقاته مسلسلة علي صفحات الأهرام. خيري شلبي الذي لم يؤمن يوما بفكرة وحي الكتابة أو الإلهام الذي يهبط علي الراوي ليملأ الصفحات إبداعا, أجدني اليوم أتمني أن تتلبسني شخصيته لأملأ تلك السطور القليلة عنه, فما أصعبها من كلمات أكتبها رثاء, في والدي وأستاذي وقدوتي وسندي في الحياة, وما أصعبها من لحظات أجدني مضطرا فيها لاستخدام اسمي الثلاثي زين العابدين خيري شلبي, وهو ما أخفيته طيلة عملي في بلاط صاحبة الجلالة لمدة تقترب من العشرين عاما في هذه المؤسسة العريقة, لم أقدم فيها نفسي باعتباري ابنا لهذا العملاق, لأن الدرس الأول الذي علمني إياه هو أنك حيث تضع نفسك. والآن لا أملك إلا أن أقدم سطور هذا الملف الصغير وردة علي قبره, فليتقبلها مني, وليتأكد أن اللي خلف ماماتش, واللي ألف ماماتش, وهو فعل الاثنين, فليغمض العينين هانئا بما قدمه للمكتبة العربية من عشرات الكتب.