رغم اتساع وتعدد مجالات النقاش والجدل السياسي الدائر هذه الأيام فإن الشاغل الأكبر للقطاع الأكبر من شعب مصر في المرحلة الراهنة مرتبط بأجواء الحيرة حول شخصية الرئيس المنتظر في ظل ثقافة مصرية متوارثة منذ آلاف السنين تختصر الحلم والطموح الوطني المشروع في حجم وعمق العطاء والإخلاص الذي يملكه رئيس الدولة بصرف النظر عن المسمي فرعونا أو حاكما بأمر الله أو ملكا أو رئيسا للجمهورية. ومع أن قاموس الثقافة الشعبية المصرية المتوارثة منذ آلاف السنين يخلو من توصيف محدد للمواصفات التي ينبغي توفرها في الرجل الأول إلا أن المزاج الشعبي يحبذ أن يكون قائد البلاد رجلا واسع الأفق فصيح اللسان عظيم الهمة يمتلك من سعة الصدر ما يمكنه من أن يمتلك في مواجهة الأزمات صبرا بلا حدود وقدرة علي الصمت وعدم الكلام إلا بحساب وفي الوقت المناسب فقط. وكل الزعماء الذين تناوبوا علي حكم مصر تعامل معهم الشعب المصري بقدر واسع من الفهم والإدراك بأنه لا يوجد حاكم علي طول التاريخ يخلو من الأخطاء ولكن هناك فارق كبير بين من يخطئون بحكم الممارسة شأن أي عمل إنساني وبين من يخطئون عمدا مع سبق الإصرار. وإذا كانت بعض الثقافات الغربية تنتصر للمقولة الشهيرة للجنرال ديجول حول أهمية الغموض والصمت في شخصية الرئيس والتي يقول فيها' إنه لا شيء يقوي السلطة بقدر ما يقويها الصمت لأن الصمت فضلا عن فوائده ومنافعه فإنه يصنع غموضا مطلوبا لمنطقة صناعة القرار ويعزز من مشاعر الهيبة والاحترام لها'... فإن الأمر يختلف تماما بالنسبة للثقافة الشعبية المصرية التي تحبذ التواصل الدائم للحاكم مع الرأي العام وحرصه علي المكاشفة والمصارحة بكل الحقائق مهما كانت مريرة... وقد تجلي ذلك بوضوح في هبة الشعب المصري يومي 9 و10 يونيو 1967 رفضا للهزيمة ورفضا لرحيل جمال عبد الناصر الذي صارح الشعب بكل الوضوح عن حجم الكارثة التي حلت بمصر وإعلانه الشجاع بتحمله كامل المسئولية عما جري دون انتظار لتحقيقات أو محاكمات. مصر تحتاج إلي قائد يقود سفينة البلاد في هذه المرحلة الدقيقة بمزيج من الحزم والحسم والمرونة والعقلانية.. مصر تحتاج إلي رجل ليست له مطامع سوي خدمة الوطن.. رجل لا يتوقف أمام الصغائر ولا يسمح لها- تحت أية ظروف- أن تشده بعيدا عن المهام الكبري التي ارتضي أن يتحملها نيابة عن شعبه. وغدا نواصل الحديث خير الكلام: الحكمة النافعة نكتسبها من مثابرة' النحل' وليس من ذكاء' الثعالب'! المزيد من أعمدة مرسى عطا الله