الفوضي غير الخلاقة! عندما ابتدعت كونداليزا رايس مستشارة الأمن القومي ووزيرة الخارجية الأمريكية السابقة تعبير الفوضي الخلاقة للتغيير في الشرق الأوسط كانت تعني تلك الحالة غير المنتظمة من السلوك السياسي والإنساني الذي يسبق التوافق علي طريق للتحول الديمقراطي. وربما الرأسمالي أيضا. أيامها جري الهجوم علي المفهوم من كل التيارات السياسية لأنه أولا يحمل تناقضا ذاتيا فلا تصح الفوضي مع الخلاقة في جملة واحدة; وثانيا لأن الفوضي تاريخيا كانت دائما واحدة من قوي الهدم وليس البناء, فالمرجح دائما أن تؤدي الحالة إلي سيولة اجتماعية تختلط فيها الأوراق, ويسود فيها العنف, ولا تعرف الأمم ما أول له أو آخر. ما حدث لدينا خلال الفترة القصيرة الماضية كان ذروة التحول من ثورة منظمة حشدت شبابا وأحزابا وقوي وجماهير تحركت من أجل تغيير البلاد. وبينما جري التوافق علي إدارة البلاد من خلال الدولة; فإنه جري الاتفاق علي أن تبقي الثورة حارسة علي تنفيذ مطالبها, حيث لا تراجع, ولا تباطؤ, وكلما ظهر هذا أو ذاك جرت مليونية تنبه وتذكر. وبالتأكيد كان هناك اختلاف في الإيقاع, وتناقض أحيانا في ترتيب الأولويات, وتنوع في فهم الواقع الذي بقي كما هو سواء قامت الثورة أم بقيت البلاد علي حالها حيث الزيادة السكانية, والموارد المتاحة, وهذه لا يجري عليها انقلاب بين يوم وليلة. كل ذلك كان ممكنا أن يسير بنا إلي بر الأمان حيث التحول الديمقراطي وتسليم البلاد لممثلين مدنيين منتخبين في انتخابات نزيهة. ولكن ما جري كان أمرا آخر, وبدأت عمليات استنزاف الموارد العامة بدلا من الإضافة لها, ومعها بدأ شل الحياة العامة كلما تأخرت تلبية طلب من الطلبات الخاصة بجماعة أو فئة, ولم يجد بعضنا مشكلة في نسف منشآت عامة, واختلط الحابل بالنابل في فوضي ليس فيها أمر خلاق واحد, وإنما انتشرت فيها الضوضاء والصراخ والضجيج. ولكن ما زاد الطين بلة كما يقال, فقد كان استلام جماعة منا لأدق أمور الأمن القومي التي لا يجوز أن تكون علي مشاع الفوضي التي اختلطت فيها أوراق لا ينبغي لها أن تختلط خاصة إذا ما تعلقت بسمعة مصر الدولية التي لم يحدث فيها أبدا مساس بسفارة أو هجوم عليها. وبصراحة فإن الأخطار الناجمة عن هذه العمليات أكبر بكثير من الغضب الإسرائيلي وإنما ممتدة إلي منظمات دولية, وتكتلات وأحلاف عالمية, وثمن سوف تدفعه أجيال الآن وفي المستقبل أيضا. [email protected] المزيد من أعمدة د.عبد المنعم سعيد