تطور جديد في أسعار الذهب لم تشهدها منذ 5 أبريل بسبب آمال خفض الفائدة    نتنياهو يتمنى تجاوز الخلافات مع بايدن ويقر بخسارة مئات الجنود في غزة    أعداء الأسرة والحياة l خبراء وائمة فرنسيون : الإخوان والسلفيين.. شوهوا صورة الإسلام فى أوروبا    موعد صلاة الجنازة على جثمان عقيد شرطة لقى مصرعه بببنى سويف    عمرو يوسف ويسرا وكريم السبكي يكشفون كواليس «شقو»    أعداء الأسرة والحياة l صرخات نساء «تجار الدين» أمام محكمة الأسرة    أحمد العوضي يحسم أمره بشأن العودة لياسمين عبدالعزيز.. ماذا قال؟    نقيب الجزارين: تراجع اللحوم ل380 جنيها بسبب الركود.. وانخفاض الأبقار الحية ل 165    أبرزها الموجة الحارة وعودة الأمطار، الأرصاد تحذر من 4 ظواهر جوية تضرب البلاد    اليوم| قطع المياه لمدة 8 ساعات عن بعض مناطق الحوامدية.. تعرف على الموعد    يحطم مخطط التهجير ويهدف لوحدة الصف| «القبائل العربية».. كيان وطني وتنموي داعم للدولة    شعبة الدواجن: السعر الأقصى للمستهلك 85 جنيها.. وتوقعات بانخفاضات الفترة المقبلة    أسرار «قلق» مُدربي الأندية من حسام حسن    أتالانتا يتأهل لنهائي الدوري الأوروبي بثلاثية أمام مارسيليا    ملف رياضة مصراوي.. زيارة ممدوح عباس لعائلة زيزو.. وتعديل موعد مباراة مصر وبوركينا فاسو    عبد الرحمن مجدي: أطمح في الاحتراف.. وأطالب جماهير الإسماعيلي بهذا الأمر    أشرف صبحي يناقش استعدادات منتخب مصر لأولمبياد باريس 2024    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على صعود    مايا مرسي تشارك في اجتماع لجنة التضامن الاجتماعي بمجلس النواب لمناقشة الموازنة    مصطفى بكري: مصر تكبدت 90 مليون جنيها للقضاء على الإرهاب    أحمد عيد: أجواء الصعود إلى الدوري الممتاز في مدينة المحلة كانت رائعة    نجم الأهلي السابق: مباريات الهبوط في المحترفين لا تقل إثارة عن مباريات الصعود    هل قول زمزم بعد الوضوء بدعة.. الإفتاء تجيب    نص خطبة الجمعة لوزارة الأوقاف مكتوبة اليوم 10-5-2024.. جدول مواعيد الصلاة بمدن مصر    إصابة 5 أشخاص نتيجة تعرضهم لحالة اشتباه تسمم غذائي بأسوان    هدية السكة الحديد للمصيفين.. قطارات نوم مكيفة لمحافظتي الإسكندرية ومرسى مطروح    إصابة شرطيين اثنين إثر إطلاق نار بقسم شرطة في باريس    الجيش الإسرائيلي يعلن استهداف بنى تحتية عسكرية ل"حزب الله" بجنوب لبنان    حركة حماس توجه رسالة إلى المقاومة الفلسطينية    أعداء الأسرة والحياة l «الإرهابية» من تهديد الأوطان إلى السعى لتدمير الأسرة    ما حكم كفارة اليمين الكذب.. الإفتاء تجيب    لتقديم طلبات التصالح.. إقبال ملحوظ للمواطنين على المركز التكنولوجي بحي شرق الإسكندرية    ضبط المتهم بالشروع في قتل زوجته طعنًا بالعمرانية    البابا تواضروس يستقبل رئيسي الكنيستين السريانية والأرمينية    نهائي الكونفدرالية.. تعرف على سلاح جوميز للفوز أمام نهضة بركان    اللواء هشام الحلبي يكشف تأثير الحروب على المجتمعات وحياة المواطنين    بالأغاني الروسية وتكريم فلسطين.. مهرجان بردية للسينما يختتم أعماله    فريدة سيف النصر تكشف عن الهجوم التي تعرضت له بعد خلعها الحجاب وهل تعرضت للسحر    الاحتلال يسلم إخطارات هدم لمنزلين على أطراف حي الغناوي في بلدة عزون شرق قلقيلية    مسؤول أوروبي كبير يدين هجوم مستوطنين على "الأونروا" بالقدس الشرقية    خالد الجندي: مفيش حاجة اسمها الأعمال بالنيات بين البشر (فيديو)    خالد الجندي: البعض يتوهم أن الإسلام بُني على خمس فقط (فيديو)    عادل خطاب: فيروس كورونا أصبح مثل الأنفلونزا خلاص ده موجود معانا    الفوائد الصحية للشاي الأسود والأخضر في مواجهة السكري    مجلس جامعة مصر التكنولوجية يقترح إنشاء ثلاث برامج جديدة    آية عاطف ترسم بصمتها في مجال الكيمياء الصيدلانية وتحصد إنجازات علمية وجوائز دولية    مزاجه عالي، ضبط نصف فرش حشيش بحوزة راكب بمطار الغردقة (صور)    4 شهداء جراء قصف الاحتلال لمنزل في محيط مسجد التوبة بمخيم جباليا    مرادف «قوامين» و«اقترف».. سؤال محير للصف الثاني الثانوي    تعرف على سعر الخوخ والتفاح والفاكهة بالأسواق اليوم الجمعة 10 مايو 2024    بعد الانخفاضات الأخيرة.. أسعار السيارات 2024 في مصر    لمواليد برج العذراء والثور والجدي.. تأثير الحالة الفلكية على الأبراج الترابية في الأسبوع الثاني من مايو    بشرى للموظفين.. عدد أيام إجازة عيد الأضحى المبارك في مصر للقطاعين العام والخاص    «الكفتة الكدابة» وجبة اقتصادية خالية من اللحمة.. تعرف على أغرب أطباق أهل دمياط    «أنهى حياة عائلته وانتح ر».. أب يقتل 12 شخصًا في العراق (فيديو)    هيئة الدواء تعلن انتهاء تدريب دراسة الملف الفني للمستلزمات الطبية والكواشف المعمليّة    حدث بالفن| فنانة تكشف عودة العوضي وياسمين ووفاة والدة نجمة وانهيار كريم عبد العزيز    خالد الجندي: البعض يتوهم أن الإسلام بُنى على خمس فقط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر وبعثها الموعود في كتاب الأحياء
نشر في نهضة مصر يوم 28 - 01 - 2007

يكتب ابن خلدون "1332-1406" يقول أن ثمة بلدان لا يعرف القلق منها سبيلا إلي قلب السلطان لندرة الثورات فيها . ففي مصر مثلا لا تجد غير السيد المطاع والرعية المطيعة ".
غير أن ستة قرون تفصلنا عن حديث عالم الاجتماع العربي الأشهر تؤكد علي أن كثيرا من المياه قد جرت في الوادي والسهل ، وغيرت من ملامح الحجر والبشر ، ومع أن ما ذهب إليه ابن خلدون من أن شعب مصر قليل الثورات صحيح لا بسبب جدلية العلاقة التي قال بها بين الراعي والرعية بل لأنه مشغول بالبناء لا بالسعي للفناء إلا أن القلق يجد طريقة اليوم لا لقلب السلطان فقط بل لقلوب كثر من المصريين من جراء الاستعلانات والاستعلاءات الدينية التي تحاول اختطاف روح مصر من بين أضلعها عبر حركات سياسية ابوكريفية منحولة .
حينما يتحدث رئيس مصر عن المخاوف من جراء فصيل محظور فانه هنا لا يمثل السيد المطاع بل احسبه يعبر عن مخاوف قطاع واسع من الرعية سيما وان الأرض تهتز في منطقة الشرق الأوسط والرعد يتدحرج إلي ما بعد الأفق والاسوا لم يأت بعد .
أما الخوف والقلق فمن جراء تنامي متزايد لتيار أشبه ما يكون بالإله جانوس اله الرومان صاحب الوجهين ، وجه براق لامع وأخر خفي ، يتجلي ذات مرة في استعراض عسكري يعكس جوهر مناف لمظهر .
والتساؤل هل مصر حقا في خطر من جراء هذا المد الراديكالي المتنامي ؟ والي أي حد ومد يمكن أن يعيق عودة مصر إلي كتاب الأحياء ؟
المؤكد أن الناظر لخريطة المنطقة الشرق أوسطية يدرك وبجلاء أن هناك أيادي تعمل علي تقسيمه إلي معسكرين متقابلين لا يلتقيان بل يتقاتلان طوال الوقت يرفضان التعادل ويفضلان نصرا مطلقا لأحدهما وهزيمة ساحقة للأخر وما بين التقسيمات المطروحة تجري صراعات قليلها يظهر في العلن وكثيرها يضمر في السر والخفاء .
وما بين الحروب القائمة وتلك القادمة يخشي المرء علي قادمات أيام مصر سيما وانه ما من احد قادر بالمطلق أن يجزم بان بوابة مصر الشرقية ستبقي في امن وأمان إلي الأبد وفي منطقة إقليمية يتسارع فيها البحث عن أسلحة الدمار الشامل ويكثر حديث الانتشار النووي وأصحاب المشروع يعلنونها صريحة غير مريحة " إذا اعتمدت الحكومات العربية علي نفوذ إيران لن تضطر إلي قبول ابتزاز أمريكا " كما قال المرشد الأعلي للجمهورية الإسلامية الإيرانية علي خامنئ .
هي إذن دعوة للتحلق حول إيران صاحبة المشروع السياسي الديني والتي تود لو قدر له أن يجد طريقة لقلب العوالم والعواصم العربية مستغلة ما يتوافر لها من تنظير فكري مشابه أو قريب معتمدة عليه وداعية إياه لإثارة القلاقل في وطن عرف كثيرا وطويلا بتدينه وسعيه للإله الواحد في زمن كان فيه الآخرون يعبدون النار .
كانت مصر دائما هدفا لخصومها التاريخيين والعابرين والمستجدين وقد هيأت الظروف الدولية في السنوات الأخيرة ، السنوات التي عاني فيها العالم من طياشة الإمبراطورية الأمريكية المنفلتة علي حد وصف المؤرخ الأمريكي اريك هوبسبوم ، مناخا للقلاقل والاضطرابات عرف هذا التيار الدوجماطيقي كيف يستغلها .
بدأت القصة بالرايات الفاقعة والاصوات الزاعقة المنادية بالديمقراطية ، حتي ولو جاءت في ثوب " الفوضي الخلاقة " كما قالت كونداليزا رايس ولما جاء حساب البيدر منافيا ومجافيا لحساب الحقل سكتت وزيرة خارجية أمريكا عن الكلام المباح ، غير أن ما لحق بمصر كان علي حق مزعجاأيما إزعاج وبخاصة بعد سنوات العمل في الخفاء وهاهي الفرصة للصعود علي السطح .
والمقطوع به أن الهدف الأول لهذا التيار هو هدم الركيزتين الأساسيتين اللتين قدرتا لمصر عظمتها علي مر الأجيال أي خصوصية شعبها الثقافية وفي طليعتها أساليب التدين وتجليات الإيمان ودعم القاسم المشترك الساعي عبر غايات العقل ووسائل الوجدان والذي يتمثل اليوم في القول بالليبرالية وحقوق المواطنة .
وخطورة التيارات الدينية علي الحياة في مصر إنما ينطلق من تجارب سابقة كان الاحتكام فيها إلي الفكر الالوهي كارثة قادت إلي الدمار والخراب ولم يقدر لأوربا علي سبيل المثال نهضتها الحديثة إلا يوم أن خلعت عنها الرداء الديني وجعلت ما لقيصر لقيصر وما لله لله " وليس هنا مقام التذكير بخطورة التضاد بين من يحكم بالمطلق ويسعي سياسيا في الأرض استنادا إلي نصوص وشرائع ونواميس إلهية مطلقة لا تقبل الجدل ولا يأتيها النقاش من أي سبيل وبين مجتمع عرف طوال عهوده بتنوعه العقائدي وفيه من لا يقبل بسير الأحداث علي هذا المنوال معليا القوانين الوضعية النسبية والتي فيها الجميع مواطنون لا ذميون مهما قيل خلاف ذلك من مبررات وأحاديث للاستهلاك الإعلامي .
وساعة تنحو مصر جهة الدوجماطيقيات طريقا والثيؤلوجيات توجها وسبيلا تفقد مكونا من ابهي مكوناتها التي حافظت عليها عبر عصورها تفقد نموذج التسامح والتمازج الحضاري الذي خبرته عبر الزمان والمكان ويفقد المصري حالة التمدن والرقي التي ناضل من اجلها عبر سوات طوال .
ولعل أفضل من وصف أزمة التيار الديني في مصر كان المفكر الدكتور إبراهيم شحاته في كتابه الخالد وصيتي لبلادي بقوله " لقد تخطي الأمر مطالبة الناس بالتمسك بدينهم وتعدي ذلك إلي حالات من التعصب والتشبح الديني حتي سادت في أماكن كثيرة من مصر أفكار تدعو أن يعيش الناس في الواقع في نهاية القرن العشرين علي ما كان عليه سكان شبة الجزيرة العربية في القرن السابع ، لقد انحسرت القيم التحررية في المجال الديني وفي غيره وسادت مظاهر في السلوك تعتمد علي أكثر التفاسير تشددا وأبعدها عن التلاؤم مع مقتضيات الحياة في مجتمع حديث" .
والحاجة الحقيقية إلي أطروحات مصرية شافية وافيه للخلاص من آلام المخاض ، وبحال لا يمكن لأحد أن يدعي وصفة سحرية سيما وانه في زمن العولمة المتوحشة تتداخل الخيوط وتتشابك الخطوط إلا أن هذا لا يعني بدوره انه ما من أمل أو عمل فبالحقيقة يوجد في معين مصر الذي لا ينضب حلول تستلهم روح الماضي في بهائه وتتطلع من خلال عقول وسواعد أبنائها اليوم إلي المستقبل ،هذا المعين يقودنا من جديد إلي أفكار الإصلاح والتعديلات الدستورية المطروحة علي نواب الشعب والتي يرغب فيها البعض ويضرب عنها قسم أخر غير أنها تبقي في حد ذاتها ملامح حراك اجتماعي سياسي مهما كانت حظوظ نجاحاته أو إخفاقاته ، حراك يقود لتوافق بين السيد فلا يصبح مطاعا مطلقا وبين الرعية التي لا وقت لديها للثورة انطلاقا من فهما الواع أن الثورات لا تجلب سوي الدماء وان فلسفة التوافقات تقود الأمم والشعوب في أوقات الأزمات .
وقد يقول قائل أنها فلسفة الإصلاح أو التغيير بالتقسيط أو بالتقتير وانه ما من ديمقراطية تمنح علي مراحل ؟ والإجابة انه في هذا الحال يكون الحديث عن ديمقراطية غناء لا وجود لها في عالم الواقع وحال اختزال الفعل الديمقراطي في صناديق الانتخابات تصبح الدولة الدينية اقرب منها للمدينة إذا استطاع أنصارها حشد جهودهم حتي دون إدراك الآخرين لما تعنيه عملية الاقتراع أو خصائص ومواصفات المقترع بينهم .
وإذا خيرت كمصري بين بروسترويكا وجلاسنوست روسية وبين تعديلات متأنية مصرية تأخذ في حسبانها نسبة الأمية وحالة الجهل الثقافي والفكري المتفشية ، والأوضاع الاقتصادية التي تجاهد الأزمات ناهيك عن حالة التشيع الديني المنتشرة بما يستتبعها من احتقانات اختار دون أدني تردد التبديل والتعديل هادئ الايقاع الذي يمكن أن يجنب البلاد والعباد مخاطر الانهيار كما جري في المعسكر الشرقي من جراء الصدمة .
مصر بالفعل تعيش حالة من المخاض وربما يحتاج الجنين إلي مجهود مضاعف من القائمين علي الأمر " لتخليص " المولود مما يلتف علي عنقه محاولا خنقه قبل أن يري النور هذا المجهود لن يقدر للراعي والسيد فقط القيام به دون عون ومدد من رجالات مصر ونساءها من مثقفيها وفنانيها ، من أقباطها برصيد كنيستهم المصرية التي اتخذت من العربية لغة الصلاة فأنجزت المقدمة الحاسمة لتعريب البلاد يوم دخل المصريون أفواجا في الإسلام ، ومن مسلميها الذين ضربوا أروع مثل للتعايش المشترك مع أقباطها رغم مكايد ودسائس المحتل عبر القرون حتي وان تحدث اللغة العربية ، جهد حاضر في ثنايا مصر عبر الزمان حتي في متناقضاتها الوجودية وفي حضارتها الممثلة بطبقات متراكمة طبقة فوق أخري وان لم ترتح إلي بعضها البعض دفعة وحدة غير أنها جميعها ترتاح علي البنية التحتية الفرعونية التي تكونت منها سبيكة غير قابلة للانصهار ،
كما أنها تدرك جيدا ما يمكن أن يكون عليه الألم والندم حال القبول بأحادية فكرية حتي ولو كانت عقائدية فالمشهد يخالف تركيبتها الثيولوجية واحسب أن ما جري السنوات الماضية هو نفض للغبار عن تراثها الليبرالي وديمقراطيتها التي سبقت طويلا أصحاب الشرق الأوسط الكبير وداعمي الفوضي الخلاقة إلي أخر تلك الأفكار التي هي اقرب إلي البدع والهرطقات الدينية منها إلي الحقائق السياسية، نعم مصر الآن تسترجع وجهها الديمقراطي والذي هو اقرب إليها لان من أي وقت اخر ذلك لأنها قاربت علي الإجابة عن جوهر بحثها وهو أين تكمن هويتها الحقيقية وخياراتها الاصوب ؟
وحين يحدث ذلك ، وهو علي الأبواب سوف يتحقق لها بغير شك بعثها الموعود عن طريق توافق ديمقراطي وطني مصري بين السيد والرعية وبين الرعية بعضها البعض وسوف ينزاح القلق عن العقول والقلوب و ولتكتب اسمها من جديد في كتاب الأحياء بعدما عرفت طويلا عبر كتاب الموتي .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.