مازالت تداعيات الجريمة الصهيونية بقتل عدد من الجنود المصريين في أرض سيناء المصرية متواصلة علي الصعيدين الشعبي والرسمي, وقد تعززت الدعوة الشعبية إلي رد قوي علي الكيان الصهيوني يتمثل في طرد السفير الإسرائيلي ووقف ضخ الغاز المصري المنهوب إلي ذلك الكيان وغيرها من الإجراءات, بعد الموقف التركي الذي تمثل في طرد السفير الإسرائيلي من تركيا, واللجوء إلي المحكمة الدولية ردا علي قيام جيش الكيان الصهيوني بقتل عدد من الناشطين السياسيين الأتراك, ممن كانوا علي متن السفينة مرمرة ضمن أسطول الحرية الذي كان في المياه الدولية ويحاول الدخول إلي غزة المحاصرة لتخفيف وطأة الحصار عليها. فقد كشف هذا الموقف التركي القوي عن حقيقة أن الكيان الصهيوني الصغير حجما ومقاما علي الصعيد الإقليمي, لا يمكن أن يستمر في العربدة بلا رد قاس, وأنه تعود علي تلك العربدة ضد البلدان العربية بسبب الفرقة العربية والحسابات السياسية العسكرية لبعض النظم السياسية العربية والمبنية علي الضعف أحيانا, والخنوع والتبعية للولايات المتحدةالأمريكية راعية الكيان الصهيوني في أحيان أخري. وبعيدا عن هذه الأزمة وتداعياتها الراهنة, فإنها أعادت فتح ملف تنمية سيناء بصورة شاملة لتصبح خط دفاع قويا وجبارا في مواجهة الكيان الصهيوني.. والحقيقة أن نمط الاستثمارات التي تمت إقامتها في سيناء منذ استعادتها شبه منزوعة السلاح, هو نمط أبعد ما يكون عن جعلها خط دفاع, بل هي استثمارات عبارة عن رهينة كبيرة للجيش الصهيوني, يمكنه أن يدمرها في أي صراع بسهولة, موقعا خسائر اقتصادية جسيمة بمصر, دون أن يكون ذلك معبرا عن تفوق الجيش الصهيوني, بقدر ما يتعلق الأمر بسوء وعشوائية نمط الاستثمار الذي تم في سيناء, والذي اعتمد بصورة أساسية علي إقامة المنتجعات السياحية, وهي هدف سهل لأي هجوم يمكنه تدمير مشروعات ضخمة بما يهدر جبال الأموال التي أنفقت عليها, بل إن مجرد التوتر العسكري والأمني في سيناء سوف يقضي علي السياحة فيها باعتبار أن السياحة من أكثر الأنشطة الاقتصادية الحساسة للأمن والاستقرار. كما اعتمد نمط الاستثمار في سيناء علي إقامة بعض الصناعات الكبيرة المرتبطة بمنتجات المحاجر وعلي رأسها صناعة الأسمنت, بما يعطي أي قوة عدوانية أهدافا ثمينة ومكشوفة لتدميرها عند نشوب أي صراع, كما تم ربط شبه جزيرة سيناء بباقي أرض الوطن من خلال كوبري علوي هو بدوره رهينة سهلة لأي قوة عدوانية متربصة بمصر مثل الكيان الصهيوني, إضافة بالطبع إلي نفق الشهيد أحمد حمدي الذي يمكن لمصر أن تدافع عنه بصورة أفضل من الكوبري المكشوف. وعلي أي حال, فإن خط الدفاع الحقيقي عن سيناء يتمثل في البشر, بما يعني أن وجود كتلة سكانية كبيرة في شبه الجزيرة المصرية الكبيرة, ينبغي أن يكون هدفا استراتيجيا لأي حكومة وطنية, حيث يمكن لهؤلاء البشر أن يكونوا قوة مقاومة شعبية جاهزة ويتم تدريبها سنويا بصورة جادة لمدة شهر كل عام, علي غرار ما يجري في الكيان الصهيوني الذي يفرض تدريب كل من هم أقل من54 عاما لفترة تزيد علي الشهر كل عام. وبالتالي, فإن الكتلة السكانية المستهدف وجودها في سيناء ينبغي أن تكون شبابية بالأساس, ومن المؤكد أن الكتلة السكانية الموالية لحزب الله في جنوب لبنان والمشاركة معه وربما ضمن صفوفه في الدفاع عن جنوب لبنان, كانت عنصرا رئيسيا في النصر العظيم الذي حققه علي الكيان الصهيوني عام.2006ونظرا لأن عدد سكان سيناء كلها لا يتجاوز نحو520 ألف نسمة موزعين علي مساحة تبلغ نحو58.8 ألف كيلومتر مربع, بكثافة سكانية ضعيفة للغاية وتقل عن9 أفراد في الكيلومتر المربع, بما في ذلك العمال الوافدين من مختلف مناطق الجمهورية, فإن إيجاد كتلة سكانية كبيرة في سيناء ستتم بصورة أساسية من خلال نقل جزء من السكان من مناطق أخري إلي سيناء. وهذا الانتقال لمن يحدث لمجرد أننا نريد ذلك, بل إنه يرتبط بوجود بنية أساسية تربط مختلف مناطق سيناء, وبالذات تلك المراد تنميتها بصورة تخدم أيضا استراتيجية الدفاع عنها, ويرتبط أيضا بوجود مشروعات اقتصادية تستوعب هؤلاء البشر وتوفر لهم مصدرا للرزق, دون أن تكون رهينة كبيرة يسهل تدميرها وجعلها موضوعا لخسائر اقتصادية فادحة لمصر, علي أن تكون تلك المشروعات قابلة للاستدامة تحت أي ظروف. وترتيبا علي هذه الطبيعة للمشروعات الاقتصادية التي من المفترض إقامتها في سيناء لاستيعاب كتلة سكانية ضخمة وشابة, فإن تلك المشروعات المدنية ينبغي أن تتركز بصورة أساسية في الزراعة والصيد والمشروعات الصغيرة في مجال تربية الماشية والدواجن والأرانب والمزارع السمكية والتصنيع الزراعي والحيواني والسمكي والصناعات اليدوية والورش الحرفية المختلفة, والتي ينبغي أن تكون وحدات متناثرة ومتفرقة ومتداخلة كليا مع الكتلة السكانية, بما يضع قيودا علي استهدافها, حتي تصبح هذه البعثرة مصدرا لنوع من المنعة المرتبطة بحرمة المناطق السكنية, وأيضا بارتفاع تكلفة الاعتداء عليها, مقارنة بقيمتها. وهناك مساحات كبيرة من الأراضي القابلة للزراعة في وسط وشمال سيناء والتي ينبغي التركيز عليها وإعطاؤها أولوية علي أي مشروع آخر للتوسع الزراعي, ويمكن تحسين وتطوير استغلال ترعة السلام, ومد أفرع صغيرة منها كشبكة لري المساحات القابلة للزراعة والتي لا توجد موارد مائية جوفية لريها, مع تطوير استخدام تلك الموارد الجوفية نفسها. وإذا كان حصول أهالي سيناء علي أولوية في توزيع الأراضي التي سيتم استصلاحها في سيناء, أمرا بدهيا لمن سيقومون بزراعة تلك الأراضي بأنفسهم فعليا بمساحات محددة بعشرة أفدنة لكل فلاح أو خريج من خريجي المدارس أو الكليات الزراعية, فإن وفرة الأراضي القابلة للزراعة ستسمح بتمليك نحو30 ألف فلاح أو خريج زراعي من خارج سيناء لمساحات مماثلة, وبما أن هذا المشروع سيكون مكرسا لتوطين هؤلاء الملاك نهائيا في سيناء, فإن انتقالهم هم وأسرهم القائمة أو التي سيكونونها ستعني زيادة سكان سيناء بنحو120 ألف نسمة في المرحلة الأولي. أما أنشطة الصيد وتربية الماشية والحيوانات والطيور الداجنة, والمشروعات الصغيرة المتعلقة بالتصنيع الزراعي والحيواني والسمكي, والصناعات اليدوية والحرفية, وصناعات المحاجر الصغيرة والمتناثرة أيضا, فإنها يمكن أن تضيف ضعف هذا الرقم من السكان, خاصة لو تم ربط تلك المشروعات بتسويق إنتاجها في سيناء ومنتجعاتها السياحية, أو في مصر أو في قطاع غزة أو في الخارج من خلال حضانة قومية للمشروعات الصغيرة تساعدها في الحصول علي التمويل الميسر وعلي تسويق إنتاجها داخليا وخارجيا. وهناك الكثير مما يمكن فعله لتنمية سيناء وتحويلها إلي درع شرقية لمصر, وهو هدف يجب أن تسعي الدولة والمجتمع لتحقيقه, خاصة أنه يمكن تنفيذه علي أسس اقتصادية تسهم في التنمية الاقتصادية لسيناء ومصر, مع تطوير القدرة الدفاعية في آن. المزيد من مقالات أحمد السيد النجار