كيف تصف الأوضاع الاقتصادية في مصر؟ قال5% إنها ممتازة وقال49% انها سيئة للغاية وقال32% انها سيئة. هذا كان أحد الأسئلة واجاباتها علي عينة من الشباب المصريين في دراسة حملت عنوان: بحث عن الرأي العام المصري اجرتها في ابريل الماضي مؤسسة امريكية هي المعهد الدولي الجمهوري ووكالة التنمية الأمريكية بالمشاركة مع مؤسسة وليامز ومشاركيه, وقالت الدراسة أن ابرز المشاكل هي الأمن والبطالة والفساد والفقر وعدم الديمقراطية. وحول سؤال إلي أي مدي تثق في قدرة الحكومة الحالية علي مواجهة تلك المشاكل قال39% من الشباب: لدينا ثقة كبيرة, وقال38% الي حد ما. تلك المقدمة تنقلنا الي تقييم الأداء الحكومي في الجانب الاقتصادي الذي له أهمية اذ ترك جانبا بينما كان تركيز القوي الفاعلة في المجتمع علي الجانب السياسي دون اعطاء اهتمام كاف للجانب الاقتصادي, ولا يمكن للمجتمع ان يتحرك علي قدم واحدة سياسية دون ان تتحرك معه القدم الأخري الاقتصادية. وماخرج علينا من بيانات سواء من البنك المركزي مؤخرا أو من السيدة فايزة أبو النجا وزيرة التخطيط والتعاون الدولي هي طلقات تحذيرية واشارات حمراء واضحة قبل الدخول الي نفق أزمة اقتصادية لا يعلم مداها إلا الله فهل ننتبه ونضع كوابح لهذا الانزلاق ام نترك الأمور حتي تصل الي حد الأزمة أو المحنة؟. ماذا قالت تلك المؤشرات؟ وماذا بعد طرحها؟ هل تظل الحكومة ساكتة عن الكلام المباح؟ هل تظل غارقة في قصص الاحتجاجات والمطالب الفئوية المشروعة والتي لن تنتهي والتي سيصل الأمر الي حدود لا تستطيع الحكومة الوفاء بها وتقف عاجزة مكتوفة الأيدي فلم يعد لديها موارد؟ تقول المؤشرات باختصار دون تخمة رقمية إحصائية وببساطه في رسالة مرعبة قاتمة تراجع حاد في الاستثمار الاجنبي والسياحة وميزان المدفوعات الذي أصابه عجز بلغ10 مليارات دولار( بعدما كان به فائض) وانخفض احتياطي النقد الأجنبي وخسر11 مليار دولار. وأن الاستثمارات الحكومية انخفضت بمقدار10 مليارات جنيه كما انخفضت استثمارات الهيئات الاقتصادية بمقدار13 مليار جنيه وتراجعت المنح بنسبة60% وانخفضت ايرادات الدولة بنسبة30% وزاد عجز ميزانية الدولة زيادة ضخمة. امام تلك الأرقام والبيانات نتوقف عند نزيف النقد الأجنبي الذي هدد الاحتياطي باستمرار الانخفاض بينما يضخ البنك المركزي مزيدا من الدولارات في سوق النقد ليحول دون انفلات سعر الدولار, والأمر الخطير ان صافي تدفق النقد الاجنبي للبلاد بلغ4.6 مليار دولار خلال النصف الثاني من عام2010 بينما سجلت أرقام النصف الأول من العام الحالي صافي خروج للاموال للخارج بلغ7.1 مليار دولار بسبب بيع الأجانب مافي حوزتهم من اسهم وأذون خزانة بلغت6 مليارات دولار خلال تلك الفترة من يناير يونيو.2011 والسؤال هل مازلنا متمسكين بهذا الترف والطبطبة علي البورصة؟ إننا لسنا ضدها ولكن يجب التعامل معها بما يتناسب مع الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد اذ يجب فرض ضريبة5% علي الأموال الأجنبية الساخنة التي تدخل بسرعة الي البلاد لتضارب في البورصة وأذون الخزانة ثم تخرج بسرعة حاملة معها أرباحها بالدولار ثم ينزلق البنك المركزي إلي ضخ المزيد من الاحتياطي لصالح هؤلاء.. انه من الممكن أيضا تأجيل خروج تلك الأموال وتستبقي في الداخل لفترة محددة وهذه سياسات تطبقها العديد من الدول. وهناك سؤال يثار في هذا الشأن: أين الحكومة من الأوضاع الاقتصادية؟ لماذا تسكت عن الكلام المباح في الاقتصاد؟ هل هي مستمرة في سياسات حكومة ماقبل ثورة يناير؟ والتي بسبب فشلها في التنمية والعدالة وانحيازها للأغنياء اندلعت ثورة الشعب؟ أم هي تعيد النظر فيها؟ هل تتوقف عنها؟ وإذا كان لا هذا ولاذاك فماذا تفعل إذن؟ وماهي رؤيتها؟ هل هي مجرد حكومة ترانزيت أم مسئولة عن وضع اساس للمستقبل لمن يأتي بعدها؟ ام أنها تفتقد المبادرة؟ اننا نقدر ان الحكومة محاصرة بالمطالب الفئوية التي تظهر بين وقت وآخر وعليها أي الحكومة أن تفتش في جيوبها كي تواجه هذا الانفاق الجديد الحتمي الذي لا يحتمل الانتظار واذ ينبغي ان تعطي أهمية قصوي وأولوية لتحقيق انقاذ واصلاح اقتصادي عاجل فإذا هي تلقي بنفسها في غيابات غريبة الشأن حين تصرح بأنها سوف تستخدم نحو نصف مدخرات القطاع العائلي في البنوك لمواجهة عجز الميزانية وهذا أمر قد يصيب المودعين بالهلع كما انه يعد الورقة الأخيرة اذا ماأعيتها الحيل والأساليب والادوات وإن كانت تراجعت عنه. ان تدبير موارد بات أمرا عاجلا ومهما كانت قسوته او ثمنه فإننا ينبغي ان ندفعه بكل رضا لانه سوف يحقق موارد للدولة, والأهم انه سيحقق عدالة اجتماعية غائبة.. وهنا نطرح مرة أخري مسألة الضريبة التصاعدية لتحقيق البعد المالي والبعد الاجتماعي في آن واحد.. ونطرح أيضا مسألة طرح سندات خزانة للشعب تبدأ من مائة جنيه بعائد سنوي15% ليشارك الشعب في التمويل بدلا والي جانب الوضع الحالي الذي تستأثر فيه المؤسسات المالية والبنوك والأجانب بشراء اذون الخزانة والحصول علي عائدها والذي تعتبره البنوك أرباحا لها دون اي مجهود ويعتبره الأجانب أعلي فائدة علي الدولار في العالم يحصلون عليها ونطرح أيضا طرح شهادات استثمار ذات عائد متغير يبدأ بمعدل20% كما حدث في اوائل التسعينيات علي يد استاذنا المرحوم د. عاطف صدقي رئيس مجلس الوزراء ومجموعته الاقتصادية ونطرح ايضا اعادة النظر في هيكل دعم الطاقة اذ من غير المعقول ان تدعم الدولة مصانع الاسمنت والاسمدة والحديد وغيرها من مصانع مستهلكة كبيرة للغاز بأسعار رخيصة, ومن غير المعقول ايضا ذلك السعر المتدني المدعم لبنزين السيارات الفارهة التي تجوب الشوارع. اننا ننتظر انقاذا اقتصاديا يؤدي الي اصلاح حقيقي يحقق التنمية والعدالة الاجتماعية. فالأمور والأوضاع لا تحتمل ترف الانتظار. [email protected] المزيد من مقالات عصام رفعت