إن المرحلة الفارقة التي تعيشها مصر حاليا تتطلب من الإعلام المصري استيعاب تحدياتها المختلفة, والإيمان بقوة تأثيره في تشكيل الرأي العام إزاء التغيير والتحول الديمقراطي في إطار من المسئولية المهنية والاجتماعية. وتتطلب المسئولية المهنية للإعلام خلال هذه الفترة مراعاة القضايا العامة التي ينبغي ان تلتف حولها وسائل الإعلام المصرية القومية والحزبية والخاصة علي السواء. ويأتي في مقدمة هذه القضايا الاهتمام بتحسين الوضع الاقتصادي لمصر من خلال تحفيز الأفراد للعمل والإنتاج, وكشف المؤسسات الحكومية المتقاعسة عن القيام بمسئولياتها من خلال تحقيقات استقصائية توضح أوجه القصور وعدم الانضباط في اداء العاملين وإحراج هذه المؤسسات أمام الرأي العام وإجبار المسئولين بها علي اتخاذ قرارات من شأنها ان تعيد الانضباط إلي العمل. كما يتصل بالقضايا العامة ضرورة التقريب بين القوي السياسية المختلفة, والضغط عليها للتحاور المستمر فيما بينها, ووضعها أمام مسئولياتها الوطنية والتاريخية, والتركيز دائما علي أهمية النموذج المصري في المنطقة. وتستدعي الظروف الحالية يقظة الإعلام المصري في مواجهة أي محاولات تستهدف وحدة الشعب المصري, والتصدي لأي محاولات تستهدف الفتنة الطائفية, والتوقف عن المبالغة وفرد المساحات الكبيرة للرؤي والتصريحات المتشددة مقابل فرد المساحات الإعلامية للرؤي المعتدلة. وتفرض طبيعة المرحلة الحالية أن تعطي وسائل الإعلام الاهتمام الكافي لتوجهات مصر المستقبلية في كل مجالات الحياة للمساعدة في رسم تصور استراتيجي تسير مصر في اتجاه تنفيذه خلال العقود القادمة من خلال رؤية شاملة توجه كل أجهزة الدولة في التعليم والصحة والزراعة والصناعة والإسكان والمشروعات القومية الكبري. ويرتبط بالتوجه نحو المستقبل, بث الأمل والتفاؤل في نفوس الشباب اعتمادا علي ملامح الواقع الحالي, فاتجاه الدولة نحو المشروعات القومية الكبري, وكذلك التوجه السياسي نحو تحقيق مجتمع ديمقراطي ينعم فيه جميع المواطنين بالمساواة والعدالة والحرية, وسياسة خارجية بدأت تعيد لمصر وزنها الدولي والإقليمي جميعها مؤشرات تؤكد التوجه الجاد في مواجهة التحديات التي تواجه الوطن. ويتصل بالقضايا العامة خلال الفترة الحالية حاجة مصر الماسة للإعلام التنموي أكثر من أي وقت مضي. فالمجتمع يحتاج من القنوات التليفزيونية والإذاعية الحكومية والخاصة علي السواء أن تنتج وتبث رسائل توعية سريعة تستهدف تنمية وعي المواطنين وتحفيزهم لتبني السلوكيات الايجابية وترشيد سلوكهم في التعامل مع كل مناحي الحياة, مثل العمل والإنتاج, وترشيد الاستهلاك, والتكافل الاجتماعي, والوعي الصحي, والنظافة العامة, والتعامل الراقي مع السائحين, ومواجهة الشائعات, ودعم الاقتصاد القومي, والمشاركة المجتمعية, والمبادرة الإيجابية, والعمل التطوعي, والمشاركة السياسية, والرقابة الشعبية. وتتطلب المرحلة الحالية يقظة الإعلام المصري في مواجهة الشائعات الكثيرة التي تجد في فترات التحول والتغيير أرضا خصبة لسرعة الانتشار بين فئات الرأي العام. ويروج لهذه الشائعات فئات تستفيد من حالة الفوضي وعدم الاستقرار لتحقيق مآرب خاصة. وينبغي تأكيدحرية التعبير والإعلام كعنصر رئيسي من عناصر تحقيق الديمقراطية, فلا يمكن تصور مجتمع ديمقراطي بدون إعلام حر قادر علي طرح مشكلات المجتمع وقضاياه بجرأة وشفافية حتي يصبح شريكا في إحداث التحول المنشود في المجتمع المصري. إلا أن مفهوم الحرية يقترن دائما بالمسئولية, تلك المسئولية التي تتطلب الحفاظ علي الثوابت الدينية والوطنية والأخلاقية للمجتمع المصري والتي بدونها تتحول الحرية إلي فوضي ويتحول الإعلام من عنصر بناء إلي عنصر هدم. ويمكن الاستفادة من بعض تجارب الدول المتقدمة في تحقيق أكبر قدر من المسئولية المهنية في اداء المؤسسات الإعلامية من خلال الاعتماد علي شخصيات من داخل أو خارج المؤسسات الإعلامية, ممن يتمتعون بالخبرة الإعلامية, ويتسم اداؤهم المهني بالمسئولية, ويتميزون بالنزاهة والموضوعية, لتقييم الاداء المهني لمؤسساتنا الإعلامية علي ان ينعم هؤلاء الأشخاص باستقلال كامل في عملهم. ويصبح هؤلاء الأشخاص بمثابة الحكم العدل بين المجتمع والمؤسسة الإعلامية كأحد أساليب التطوير الذاتي داخل مؤسساتنا الإعلامية. ولا يغني المقترح السابق عن آليات مؤسسية أخري تضمن تحقيق مبادئ المسئولية المهنية في الاداء الإعلامي ويأتي في مقدمتها تفعيل دور المجلس الأعلي للصحافة, والذي قام خلال السنوات الماضية باصدار عشرات التقارير لمتابعة الصحف المصرية القومية والحزبية والخاصة, وتخلص هذه التقارير إلي أهم الملاحظات علي الاداء الصحفي ولو تم تنفيذ ملاحظات المجلس الأعلي للصحافة لتطور الاداء الصحفي بشكل ملموس. وينبغي لفت الاهتمام إلي ان التطبيق الأمين لمبادئ المسئولية المهنية في الاداء الإعلامي الصحفي والإذاعي والتليفزيوني رهن بتوفير فرص التدريب وورش العمل للإعلاميين المبتدئين خاصة الذين لم تتوافر لهم فرص التدريب الإعلامي التي تمكنهم من الممارسات الإعلامية المسئولة, علي أن تأخذ برامج التدريب وورش العمل الطابع العملي باستعراض نماذج صحفية وتليفزيونية ايجابية وسلبية. ويتوازي مع المقترحات السابقة, ضرورة إسراع الحكومة في إصدار قانون حرية تداول المعلومات واتاحة المصادر الرسمية التي تغذي الإعلام بالمعلومات بشكل مستمر للحد من انتظار الأخبار غير الدقيقة, في إطار تطبيق مبدأ حق الجمهور في المعرفة. لقد أثبتت التجارب التاريخية أن التحام الإعلام الوطني بالشعب ساعد علي تجاوز الظروف التي مرت بها مصر في تاريخها الحديث والمعاصر. ان الأمر يتطلب من الإعلام المصري علي اختلاف توجهاته أن يعمل وفق مبادئ المسئولية المهنية والاجتماعية, واحترام الثوابت الدينية والوطنية والأخلاقية للمجتمع.