علق عمال طنطا للكتان والزيوت اعتصامهم أمام مجلس الوزراء ونقلوه إلي مقر شركتهم في ميت حبيش البحرية بطنطا, بعد17 يوما من الاعتصام في ظروف جوية شديدة الصعوبة بالمعايير المصرية, وبعد أن تحولت قضيتهم في مواجهة المالك السعودي إلي قضية رأي عام, وإلي موضوع للتضامن العمالي الدولي في مواجهة تعسف وجهالة رأسمالية لا تنتمي لهذا الوطن وشعبه ومصالحه القومية وترغب فقط في نزح موارده وانتهاك حقوق عماله.. علق العمال اعتصامهم تحت ضغط الحاجة وضعف مساندة الحكومة لهم في مواجهة المشتري السعودي الذي مارس كل أنواع التعسف في مواجهة العمال وتعمد تعطيل الشركة لتصفيتها والتصرف في أراضيها ذات القيمة الكبيرة, رغم أن عقد البيع ينص علي استغلال الأرض في الغرض المخصصة له, ولكنه بند يمكن التحايل عليه بوسائل مختلفة.. علق العمال اعتصامهم بعد أن توصلوا لاتفاق مع وزارة القوي العاملة يتم بموجبه صرف الأجر الشامل عن شهري يناير وفبراير, بالإضافة إلي صرف40 ألف جنيه لكل من يقبل الخروج علي المعاش المبكر بمن في ذلك العمال العشرة المفصولون تعسفيا, بعد أن كان المبلغ المعروض عليهم في البداية هو25 ألف جنيه فقط لمن يقبل الخروج علي المعاش المبكر, وكان العمال المفصولون خارج التسوية. ومن عجائب هذه التسوية أن المشتري السعودي سيدفع15 ألف جنيه فقط لكل من يخرج علي المعاش المبكر, بينما ستتكفل الحكومة بدفع المبلغ الباقي, أي أكثر من22 مليون جنيه في حالة خروج كل العاملين علي المعاش المبكر, ليضاف إلي ما دفعته الحكومة من رواتب للعمال في الفترة الماضية الذي بلغ أكثر من7 ملايين جنيه في الأشهر الطويلة من تعطيل المشتري للشركة وعدم دفعه لرواتب العاملين فيها! وبقدر ما تثير بطولة العمال في الدفاع عن مصالحهم وقوت أبنائهم وشركتهم وانتصاراتهم الجزئية, الفخر بهؤلاء العمال من أبناء مصر البنائين, فإنها تدعو كل القوي الحية في هذا الوطن للتضامن معهم من أجل تحسين شروط هذه التسوية واستبعاد فكرة المعاش المبكر الذي يلقي بالعاملين في ذروة قدرتهم علي الإنتاج, إلي صفوف العاطلين, والعمل بدلا من ذلك علي تشغيل الشركة بشكل كفء ونزيه والحفاظ علي حقوق العاملين فيها, حتي لو اقتضي الأمر إعادة الشركة إلي حظيرة القطاع العام لعدم جدية المشتري في تشغيلها, كما تفتح هذه التسوية قضية خصخصة هذه الشركة وحدود شفافيتها ومدي عدالة السعر الذي بيعت به وشروط البيع بصفة عامة وحقوق العاملين في الشركة, وضرورة هذه الخصخصة, أو عدم ضرورتها من الأصل. والحقيقة أن الشركة وهي المنتج الأساسي لكل منتجات الكتان وزيوته في مصر لم يكن هناك أي مبرر لبيعها, سواء لأنها شركة في وضع شبه احتكاري في مجال عملها, أو لارتباط زراعة الكتان بوجودها وعملها, أو لتنوع منتجاتها وتوفيرها للعملات الحرة اللازمة لاستيراد تلك المنتجات في حالة توقف الشركة أو تعطيلها كما هو الحال في الوقت الراهن. ومن البديهي أن دور الوزارة المشرفة علي قطاع الأعمال العام هو اصلاح هذا القطاع وتطوير أدائه وليس بيعه وتبديد أصوله, مع الترخيص للقطاع الخاص المصري أو الأجنبي بالعمل في هذا المجال, لكن ما حدث هو أن وزارة الاستثمار التي تشرف علي القطاع العام وعلي برنامج الخصخصة, باعت الشركة بكل ما تملكه من أراض مملوكة أو مستخدمة كحق انتفاع أو بوضع اليد أو بالإيجار أو غير المسجلة لمشتر سعودي في فبراير2005 مع إعفائه من أي التزامات علي الشركة قبل شرائه لها, فضلا عما يتيحه قانون العمل لهذا المشتري من فصل العمال شريطة تعويضهم. وتقع الشركة في ميت حبيش البحرية في طنطا علي طريق القاهرةالإسكندرية الزراعي مباشرة, علي مساحة74 فدانا أي نحو310 آلاف متر مربع, عبارة عن سبعة مصانع لمختلف منتجات الكتان وزيوته الذي يسد حاجة السوق المحلية من تلك المنتجات ويقوم بتصدير بعض منتجاته للخارج, كما تملك الشركة مخازن وسيارات ركوب ونقل وغيرها من الأصول, فضلا عن الآلات والمعدات والاسم التجاري والشهرة. ولأن سعر الأرض في تلك المنطقة بالغ الارتفاع فإن سعر الأرض المملوكة للشركة وفقا لتلك الأسعار يبلغ أكثر من ألف(1000) مليون جنيه, وفي مثل هذه الحالة فإنه حتي لو قررت الحكومة بيع الشركة العامة للقطاع الخاص المصري أو الأجنبي, فإن المنطق يفرض بيع آلات ومعدات الشركة واسمها التجاري وشهرتها وتعاقداتها, مع نقلها إلي أقرب منطقة صناعية جديدة في المدن الجديدة مع توفير مساكن للعاملين فيها بأسعار التكلفة, والإبقاء علي الأرض في حوزة الدولة, سواء لبيعها بسعر السوق كأرض للتنمية العقارية واستخدام الحصيلة في بناء مشروعات إنتاجية جديدة, وتقديم تعويضات عادلة للعمال الذين لن ينتقلوا مع الشركة إلي مقرها الجديد وسيفضلون تسوية معاشاتهم نتيجة ظروفهم الخاصة, أو عدم بيع تلك الأرض واستغلالها في مشروعات خدمية صحية أو تعليمية لمصلحة الشعب الذي هو المالك الأصلي للقطاع العام, ومثل هذه الطريقة طبقت في عملية بيع أو خصخصة شركة الأهرام للمشروبات, علي غير رغبة وزير قطاع الأعمال العام حينها الدكتور عاطف عبيد. ورغم وجود هذه الخبرة المهمة التي حفظت للدولة حقها في الأرض العالية القيمة المملوكة للشركة العامة إلا أن وزارة الاستثمار باعت شركة طنطا للكتان والزيوت بكل ما في حوزتها من أراض وآلات ومعدات وسيارات ومختلف الأصول والاسم التجاري والشهرة بمبلغ83 مليون جنيه فقط, دفع المشتري السعودي40% منها كدفعة تعاقد, وباقي الثمن علي ثلاث دفعات, أي أن ثمن بيع الشركة بكل ما تملكه يبلغ نحو8% من قيمة الأرض التي تملكها الشركة! المزيد من مقالات احمد السيد النجار