من اقترب منه يستطيع ان يكتشف بسهولة أنه امام عاشق للحياة.. طائر محلق يريد اكتشاف العالم.. مستمتعا برؤية وجوه وتجارب البشر علي اختلاف ألوانهم وثقافاتهم جاء الرحيل صادما.. عاشق الأسفار لن يعود ليحكي.. المفتون بالقلم الباحث عن السؤال الأصعب "هل يمتلك الإنسان مصيره" غادر إلي عالم جديد يبتسم للطيبين.. من اقترب منه يستطيع ان يكتشف بسهولة أنه امام عاشق للحياة.. طائر محلق يريد اكتشاف العالم.. مستمتعا برؤية وجوه وتجارب البشر علي اختلاف ألوانهم وثقافاتهم.. يتزود منها ليمنح المبدع خبرة جديدة مع كل معرفة، قلبه الشاب كان متوائما مع عقله الساعي إلي المعرفة والتجريب..يده الممدودة في أبوة لكل موهبة حقيقية ظلت هكذا حتي لحظاته الأخيرة، يسخو بوقته وجهده دون مقابل، يكتنز أرصدة المحبة التي كانت تزداد يوما بعد يوم بإصراره علي التواجد وسط شباب المبدعين ناقدا ومعلما وصديقا لكثيرين منهم، كان فؤاد قنديل قنديلا يمنح النور والدفء في عالم بارد شديد الأنانية، هرما شامخا تندهش لفرط تواضعه، أجمل مافيه هو فطرته الطيبة وانسانيته وإصراره علي ان يكون بعيدا عن الصراعات. نعم..جاء الرحيل صادما أيها الطيب لامع الفكرة المحب للدنيا جميل الروح المسكون بعشق الجمال، فعلي الرغم من معاناتك مع المرض، كنت معافرا عنيدا في مقاومته.. فمازالت بعد طازجة تلك الأمسية الجميلة في نادي القصة في الأسبوع الأخير من مايو والتي ناقشت فيها بين محبيك روايتك "المفتون" التي تضمنت الجزء الأول من سيرتك الذاتية، ومازال عشاق قلمك ينتظرون أن تتحقق أحلامك بإنجاز ماتبقي من تلك السيرة. لقد نعينا قنديلا، نعاه محبون، ونعاه كل مكان بذل فيه جهدا لخدمة مشروع الثقافة الذي آمن به جيله، لم تغادر أجواء الحزن نادي القصة أو هيئة قصور الثقافة او اتحاد كتاب مصر وهي اماكن شهدت تاريخا حافلا لرجل كان من أفضل من بذلوا الجهد والعرق علي درب الثقافة، توجعت صفحات التواصل الاجتماعي بأنات محبيه وتلاميذه.. رحل الكاتب الكبير فؤاد قنديل.. رحل أحد الكبار الذين شكلوا جزءا من وجدان هذه الأمة وحفروا محبتهم لها ورصدهم لواقعها بين طيات أعمالهم الإبداعية.. القاص والروائي والناقد الذي فضل دراسة الفلسفة علي اللغة العربية لأنه اكتشف أن لها أثارا عميقة في خلق أدب خالد، لقد قفز قنديل سنوات الثانوية العامة الثلاثة في عام واحد، وهو ملمح من ملامح شخصيتة القوية بثرائها النادر ومثابرتها المشهودة، دراساته النقدية لا تقبل بتزييف الحقائق، أو بتلك المجاملات التي أفسدت الحياة الثقافية، رحل عاشق الفيلسوف نيتشه الذي تعلم منه ان الألم هو طريق الصعود، وان الوحدة الموحشة افضل من الالتحام بالغوغاء الذين يبددون الوقت.. رحل مسجلا اسمه في الموسوعات المصرية والعربية، وتاركا لنا ثروة ابداعية حقيقية من القصة القصيرة والرواية وادب الأطفال والدراسات النقدية وأدب الرحلات،بعد مشوار طويل مع الإبداع بدأ في الستينيات، انطلق عبر أوجاع جيل كامل عاني مرارة الهزيمة ليكتشف ذاته ويحقق فيما بعد انتصاراته، كان الرجل نموذجا للمثقف الفاعل الذي لا يسكن البرج العاجي ولا ينفصل عن واقعه ولا يكتم مواقفه وقناعاته ولا يتخلي أبدا عن مهامه التي يعتبرها مقدسة.. كان بارعا حقا في منح اهتمامه للآخرين وامتلاك ذلك الحيز الدائم من قلوبهم، ذلك الحيز البعيد عن تقلبات وأعاصير العلاقات الإنسانية، والذي يسمح في اي لحظة بحديث صداقة ممتد مهما طالت مدة الغياب، وهي تلك العلاقة التي جعلت القاصة غادة فاروق تكتب بعد وفاته "مات الرجل الذي كان يحرسني من بعيد" وجعلت الكاتبة هالة فهمي تكتب" وداعا الاستاذ فؤاد قنديل المبدع الذي خطوت في صالونه أولي خطواتي وأنا مضغة في رحم الابداع " وجعلت الروائية سلوي علوان تكتب " كل ما يمكن أن أقوله لقد مات من أحب فقدنا القيمة والقامة".. جمل قصيرة..قليل من كتابات كثيرة لقلوب توجعت لفراق رجل استحق كل تلك المحبة.