علي مساحة خمسة آلاف متر، تم تشييد دار الوثائق الجديد بمدينة الفسطاط، وتم افتتاحها منذ أيام، ليكون بمثابة ذاكرة جديدة لتاريخ مصر. بعد أن زادت عدد الوثائق التي تقتنيها الدولة إلي نحو 100 مليون وثيقة، موجودة بمبني دار الوثائق بكورنيش النيل، الذي لم يبق فيه سوي أمتار قليلة يمكن أن يستوعب فيها القليل من الأوراق. ما جعل هناك حاجة مُلحة إلي مبني جديد، خصوصاً أن مؤسسات الدولة تنتج سنوياً ما لا يقل علي 9 ملايين وثيقة. في عام 2003 زار الشيخ سلطان بن محمد القاسمي، حاكم إمارة الشارقة الإماراتية، مبني دار الوثائق القومية بكورنيش النيل، وأعلن عن مبادرة لتطويره أو بناء مبني جديد. وتم إعداد دراستين بذلك، ووقع اختيار الشيخ سلطان علي الاقتراح الثاني كونه الأكثر تكلفة، بحيث يكون خلف المبني الحالي، إذ توجد مساحة خالية تصل إلي نحو 1000 م، لكن بسبب التعقيدات والتراخيص وروتين الجهاز الحكومي، تم البحث عن مكان جديد، ليكن الحظ من نصيب "الفسطاط"، وتم تخصيص الأرض - عام 2006 - التي تجاور متحف الحضارة الجاري إنشاؤه، وتجاور مجمع الأديان، كرسالة للعالم أن وثائق مصر لا تقل أهمية عن آثارها. صٍممت الدار الجديدة بتكلفة تفوق 100 مليون جنيه؛ تم البناء علي ما يقرب من 60٪ من إجمالي مساحة المشروع، وبارتفاع خمسة أدوار، بها ثلاثة أدوار كأمانات للوثائق، أما الدوران الآخران، فيضم دور البدروم قاعة المتحف الوثائقي التي تضم أهم الوثائق التي تتناول تاريخ مصر والمنطقة منذ العصر الفاطمي حتي وقتنا الحالي. وقاعة المؤتمرات الكبري تتسع ل 350 فرداً، وقاعة كبار الزوار، ومركز التدريب، وقسم استقبال الوثائق والمخازن المؤقتة المخصصة لاستقبال الوثائق الواردة من كافة الوزارات والمحافظات والهيئات تمهيداً لفحصها وتصنيفها، ومركز الترميم والصيانة الذي يتم فيه عزل الوثائق وتعقيمها من أي ميكروبات. أما الدور الأرضي، فيشمل البهو الرئيسي المفتوح علي دور البدروم من خلال الاتصال الرأسي بسلم بانوراما، ومنطقة الاستقبال للباحثين وأماكن حفظ أغراض المترددين، وقاعة البحث والإطلاع الكبري، التي تتسع لما يقرب من 136 باحثا في وقت واحد، وتسمح بإتاحة مايقرب من 350 ألف وثيقة شهرياً. وتنقسم إلي أربع قاعات مدمجة؛ قاعة علي الوثائق الأصلية، قاعة الاطلاع علي الوثائق الرقمية، قاعة الاطلاع علي الميكروفيلم، قاعة الاطلاع علي الخرائط. كما توجد قاعة المطبوعات والمكتبة، التي تضم حالياً 20ألف كتاب من إصدارات الدار، وإصدارات الهيئات التابعة لوزارة الثقافة، وفق ما قاله حلمي النمنم، رئيس هيئة دار الكتب والوثائق القومية، ل "أخبار الأدب"، والذي أوضح أن المكتبة تستوعب نحو 60 ألف كتاب، أما المبني يستوعب نحو 60 مليون وثيقة، والتي ستكون جميعها وثائق جديدة، حيث لم يتم حتي الآن نقل أي وثائق من دار الكورنيش إلي الدار الجديدة. وأضاف: "نحن في انتظار أول تدفق جديد من الوثائق، والتي ستأتي من محكمة النقض، ومحكمة الحقانية بالإسكندرية". تتنوع مضمون الوثائق بين سياسية واجتماعية وتاريخية وعلمية.. وغيرها من الموضوعات المتنوعة، ولأننا نمر بمرحلة مزدحمة بالأحداث والتغيرات، خطر في ذهن كثيرين الوثائق التي تتحدث عن السنوات الأربع الماضية، بداية من أحداث ثورة 25 يناير 2011، وحتي الآن. وفق النمنم، الدار الجديدة لم يتم إنشاؤها لهذا الغرض، والدليل أن التخطيط لبناء الدار كان منذ 12 عاما، قائلاً إن الحديث عن وثائق الثورة سابق لآوانه، لأن هناك جهات كثيرة ليس سهلاً في الوقت الحالي أن تخرج وثائقها منها، علي سبيل المثال الرئاسة والمخابرات العامة، كما أن هناك وثائق تم فقدها في الأحداث، خصوصاً وثائق الحزب الوطني المنحل. أما الوثائق الموجودة في دار الكورنيش، فمن المحتمل أن يتم نقل بعضها خلال العام الجاري إلي دار الفسطاط، والتي تتضمن وثائق تتعلق بتاريخ مصر والمنطقة العربية والعالم، وذلك منذ العصر الفاطمي حتي الوقت الراهن، وكما تتنوع الوثائق في امتدادها الجغرافي تتنوع في أشكالها أيضاً؛ فهناك الوثائق المفردة والسجلات واللفائف والملفات والمطويات والخرائط والرسومات الهندسية وغيرها. تعتبر الوثائق التي ترجع إلي العصر الإسلامي من أهم مقتنيات الدار، ومنها أقدم وثيقة تقتنيها الدار وهي حجة بيع أطيان وعقارات من الخليفة الفائز إلي وزيره الصالح طلائع بن رزيق 554ه 1159 وهي ضمن مجموعة حجج الأمراء والسلاطين التي تضم أوقافاً لأمراء وسلاطين العصر الفاطمي والأيوبي والمملوكي، وقد اعتبرتها اليونسكو من التراث. كما تحتفظ الدار بوثائق العصر العثماني من بينها سجلات المحاكم الشرعية منذ أوائل القرن السادس عشر الميلادي وحتي منتصف القرن العشرين. وكذلك سجلات الروزنامة التي تشمل معلومات مالية وإدارية عن مصر. وكما تميز القرن التاسع عشر بظهور وثائق العصر العثماني، ظهرت أيضاً مجموعة وثائقية تشمل سجلات الدواوين التي أنشأها محمد علي باشا مثل وثائق ديوان المعية وكذلك وثائق الديوان الخديوي التي تحتوي علي نصوص الأوامر العلية والقرارات والمكاتبات الصادرة من الباشا إلي جهات ومؤسسات الحكومة المصرية. منها ديوان الجهادية، وديوان البحرية، وديوان التجارة. بالإضافة إلي وثائق المديريات والإدارة المحلية ووثائق المحاكم الشرعية والمجالس القضائية والمحاكم الأهلية، والوثائق التي تضم أعداد السكان وتصنيفهم رجال ونساء - أحرار وعبيد - في عصري محمد علي وإسماعيل. أما وثائق القرن العشرين فتشمل وثائق مجلس الوزراء منذ إنشائه عام 1878 وحتي سبعينيات القرن العشرين. وكذلك وثائق وزارة الخارجية المصرية منذ القرن التاسع عشر وحتي قرب الوقت الحاضر. كما تضم وثائق بلاط الملك، ومذكرات بعض الزعماء والقادة السياسيين مثل سعد زغلول وإبراهيم الهلباوي وغيرهما. ووثائق الحركة الوطنية المصرية ثورتي 1919 و1952، وكذلك وثائق مصلحة الشركات والوزارات الحالية.. كما تحتفظ الدار بعدد كبير من السجلات والوثائق المفردة الخاصة بتاريخ السودان وشرق ووسط أفريقيا، ووثائق تاريخ الشام والجزيرة العربية، ووثائق تكشف علاقة مصر مع العالم الخارجي.