فراق جاء الوقت الذي اشتاقا فيه للعودة كان أبي يسير في دوائر في غرفة المعيشة أمي كانت تشبك يديها وتفكهما قالا : سنرحل عندما يتوقف المطر. المطر في هذه البلاد قاسٍ جدا. جاء الوقت الذي لم يعد بمقدورهما فيه العودة كان أبي يجلس في ركن صمته البعيد أمي كانت تميل ناحية ضوء المصباح وتغزل التنهدات قالت : سنرحل عندما يتوقف المطر. وهي تهمهم بألحان معقدة، وتخيط دموعا خفيَّة. زوجك كان بطلا وصافحوا يدها كل بدوره لم تعرف أين تخبئ يدها الأخري التي ارتعشت لم تعرف كيف ترد دموعها إلي عينيها أو عينيها إلي وجهها أو كلماتهم إلي أفواههم عندما أخبروها عندما أكون متعبة عندما أكون متعبة أتذكر عنقك التي كانت وسادتي، غورٌ يمتلئ بملامح وجهي الفم، الأنف، العينان، الشعر كل ليلة لألف ليلة وليلة، عندما كنا نظل مستيقظين ونحكي القصص لبعضنا البعض. في الليلة الألف لم يعد لدينا شيء نقوله وفي الليلة الأولي بعد الألف كنت أكثر تعبا من أن أتكلم. لذلك ظللنا نستمع إلي الصمت وهو يقرأ لنا كل ليلة ووجهي نائم علي عنقك .. حتي سمعت ذات ليلة صوت تنفسها علي جلدك. ياسمين بَلَغَت الخط : العطر، تلك الرائحة البيضاء تقودها. ياسمين. كانت تزور طفولتها من جديد؛ كتلك النفحة الصغيرة من عبير الزهور في حديقة شخص آخر وهي تمر بجوارها، كان طفل يلعب علي قضبان السور كأنه آلة الهارب. تعالي، تعالي، كانت الرائحة تجذبها دائما. لكن الحديقة لم تكن حديقتها، هكذا أخبروها. ولا كان العبير الذي أغواها وجرَّأها علي التجاوز. الآن، وهي تعبر الخط المتعرج الخفيّ، المنيع، والجندي ذو البيريه الأزرق يراقب قدميها بانتباه بعينين تقيسان الملليمترات، وفمه مفتوح ليصرخ قفّ ! كانت طفلة من جديد، قوية تجري. قفّ ! نادوا لكنها لم تستدر. كانت هناك صفحات حانقة مفقودة في كتاب حياتها. وتفكرت لاهثة في الياسمين الذي عليها أن تجده والبيت الذي عليها أن تراه، في الحديقة والسور وقلب أبيها المدفون. معجزة أنظر إلي الأفق لمدة تريليون، تريليون عام. ربما تحدث وأكون شاهدة. الأرض ستشفي نفسها بمعجزة. الماء سيتحول إلي ثلج. سأشاهد مسحورةً المنحوتات البيضاء، أتذكر القطب الشمالي وروعته، وأرتعش علي الشاطئ. ستمارس الشمس حيلها علي عقلي، ناقشة ظل ساق طويلة علي الثلج الأبيض النقي. زهرة تيوليب حمراء وحيدة. مبروك، هذه الزهرة لك : أيتها الإنسانة الوحيدة التي لم تزل حية، أيتها الإنسانة الوحيدة التي لم تزل تؤمن بالمعجزات. عندما تعود إلي آشتاراك قف علي الجسر واستمع لصمت أسلافنا في نخاع عظمك غنِّ .. غنِّ، وأيقظ الحجارة أرواح الموتي، الأنهار، السموات غنِّ بلغتنا لهاتيك الطيور الحمراء والبرتقالية غنِّ تلك الكلمات المُرَّة العذبة ولزمات الغناء الأبيَّة لتريهم أنك مازلت تذكر من أنت قف علي الجسر واستمع لصمت أسلافنا في نخاع عظمك تذكَّر من تكون وأنت تغني لنهر (كاساخ) عندما تعود ثلاث حقائق حقيقة أنك استيقظت عندما كنت راحلة. حقيقة أنك رفعت ناظريك لكنك لم تتكلم. حقيقة أن قدميّ شعرتا وكأنهما دمعتان علي سجادتك. تلك هي الحقائق الثلاثة في حياتي. مسافة المسافة بيننا مجرد كابوريا صغيرة. أضعها في فمي، أطحن ذاتها بأسناني، أمضغ حتي تؤلمني، حتي يسيل دمها. ثم يتحرك لساني داخل فمك ويرتشف جدران لحمه الناعمة بينما موسيقي الحصوات وهي تجرش بعضها البعض تدخل أذنيّ. سحلية أدخل حجرتك في وقت متأخر من الليل عبر النافذة كسحلية أختبيء في أدفأ ثنايا جسدك ساكنة تماما أُقبّل الرائحة الثرية والغريبة لعرقك. منتصف الصيف، منتصف الليل. العالم ليس لديه زوايا الليلة. أسافر فوق جسدك بأقدام صغيرة، أصل إلي قلبك. ينبض تحتي، يدق في مقابل خفقاني. أذرف دموعا صغيرة علي جلدك. تتنهد في نومك. تهمس اسما. كان هذا كل ما أردت أن أعرفه. أغادر في هدوء مثلما دخلت، من جسدك إلي الحائط؛ أصل إلي حافة النافذة وأهوي سريعا في الليل الوخيم. صياد أجد في فمك حيوانا هائجا أريد ترويضه. مخضلة بالمتعة أطارده في غابات انقطاع الأنفاس أوقعه في الشرك أطعنه أضربه وأجهز قبلة حياته بينما هو يرقد منهكا كاشفا عن أسنانه متأهبا للوثوب. رمان الرمان هو الرمز الوطني الآرميني للخصوبة والوفرة والحياة. يقول التراث الآرميني أن كل رمانة ناضجة تحتوي علي 365 حبة، بعدد أيام السنة. قطعتَ فاتحا اللحم من حول قلبي وجدتَ الحجرات الأربعة صنعتَ حفرا صغيرة بأصابعك فرَّطتَ كل حبَّة ووضعتها في كفك صنعتَ صفوفا من الكريستالات الحمراء وضعتَ واحدة في فمك كل ليلة جسد صغير عاهرة عذراء امرأة طفلة ثلاثمائة وخمسة وستون سرًا اكتشفتَها في قلبي مع فراغ التجويف اختلجت عيناك لمرأي قلبي المأكول منحوتتك من المتعة الجانية كرز أحيانا في أحلامي أكون عارية أقطف الكرز جسدي متجرد منك هل كنا حقا اثنين أم واحدا تقول البذور الباقية: اثنين. بذور صلبة أكثر من اللازم، ميتة لكن ذكري لحم الكرز مازالت نيئة تدمي فمي بلطف وتوقظ جسدي مع كل قضمة وبعد شهور، سنين مازالت شفتاي مخضلتين بالاحمرار