رفض الطعن المقدم ضد حامد الصويني المرشح لانتخابات مجلس النواب بالشرقية    10 رحلات عمرة مجانية لمعلمي الإسماعيلية    رئيس محكمة النقض يستقبل الرئيس التنفيذي لصندوق الإسكان الاجتماعي    اليوم، الهيئة الوطنية للانتخابات تعلن القائمة النهائية لمرشحي مجلس النواب    4474 وظيفة بالأزهر.. موعد امتحانات معلمي مساعد رياض الأطفال 2025 (رابط التقديم)    السيسي: اتخذنا حزمة من الإجراءات أسفرت عن رفع التصنيف الائتماني لمصر    هيلث إنسايتس تساهم في تنفيذ مشروع ڤودافون بيزنس ومصر للطيران عبر حلول رقمية متكاملة للرعاية الصحية    خالد النجار يكتب: توطين صناعة السيارات حوافز وفوائد    رابطة مصنعي السيارات: انخفاض الأسعار مستمر حتى بداية 2026.. وحالة ركود في البيع    سعر الذهب اليوم الخميس 23-10-2025 بالصاغة.. وعيار 21 الآن بعد الانخفاض الكبير    أسعار التفاح والموز والفاكهة بالأسواق اليوم الخميس 23 أكتوبر 2025    ترامب: ألغيت لقائي مع بوتين في بودابست    القوات الروسية تنجح بإنزال على جزيرة كارنتين في خيرسون    ترامب: ألغيت لقائي مع بوتين لأني شعرت بأن لا نتيجة محتملة    هند الضاوي: هناك استنساخ إسرائيلي واضح للتجارب الأمريكية في الحروب والأزمات    الرئيس السيسي: الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأول لمصر    ترامب: مُربي الماشية لا يفهمون الرسوم الجمركية وعليهم خفض الأسعار    تشيلسي يكتسح أياكس بخماسية في دوري الأبطال    رياضة ½ الليل| خلل في الأهلي.. الزمالك يشكو الجماهير.. عودة ليفربول.. والملكي يهزم السيدة    رد فعل مفاجئ من محمد صلاح بعد جلوسه بديلاً في مباراة ليفربول ضد فرانكفورت    رئيس هيئة النيابة الإدارية في زيارة لمحافظ الإسكندرية    بدء غلق كوبري الأزهر السفلي أحمد ماهر 3 أيام لاستكمال تغيير الأرضية    مصرع تلميذ ابتدائي دهسه الاسانسير بمدينة السلام    أعمدة الدخان غطت سماء المنطقة، حريق هائل قرب المعهد العالي للعلوم الإدارية بالشرقية (فيديو)    «توخوا الحذر».. تحذير شديد من الأرصاد بشأن حالة الطقس اليوم: 3 ظواهر جوية تضرب البلاد    طفل دمنهور يلحق بشقيقه.. مصرع طفلين سقطا من الطابق التاسع في البحيرة    والد المتهم تستر على الجريمة.. مفاجآت في قضية طفل الإسماعيلية يكشفها المحامي    مدحت عبدالدايم يكتب: محمود ياسين فنان متفرد يقود سيارته ويغنى للعندليب    علي الحجار يتأثر بغنائه «فلسطيني» في مهرجان الموسيقى العربية    «لدرجة أنها تجري وتهرب وتختبئ».. منى الشاذلي تعلق على وصف الجمهور ل حنان مطاوع ب«المغرورة»    عليك أن تفرض حدودك.. حظ برج القوس اليوم 23 أكتوبر    قرمشة من برة وطراوة من جوة.. طريقة تحضير الفراخ الأوكراني المحشية زبدة    هترم عضمك.. وصفة شوربة الدجاج المشوي التي تقاوم نزلات البرد    مش هتنشف منك تاني.. أفضل طريقة لعمل كفتة الحاتي (چوسي ولونها جميل)    دوري أبطال آسيا 2 - النحاس يخسر في المباراة الأولى مع الزوراء.. والنصر ينتصر بغياب رونالدو    ألونسو: سعيد من أجل بيلينجهام.. وصليت ألا يتعرض ميليتاو للطرد    دوللي شاهين تحقق أول مليون مشاهدة على «يوتيوب» بكليب «ترند»    ضياء رشوان: الاتحاد الأوروبي يدرك دور مصر المهم في حفظ السلام بمنطقة القرن الإفريقي    د.حماد عبدالله يكتب: " للخصام " فوائد !!    ماشوفناش بعض من ساعة، علي الحجار يمازح المايسترو أحمد عاطف بمهرجان الموسيقى العربية (فيديو وصور)    علي أبو جريشة: إدارات الإسماعيلي تعمل لمصالحها.. والنادي يدفع الثمن    أحمد ساري: الاتحاد يستحق الفوز على الأهلي.. و«جنش» تعرض لظلم كبير    عضو الإسماعيلي السابق: نصر أبو الحسن أدخل أموال لحساب النادي دون قرار إداري    جامعة فرجينيا تتوصل إلى اتفاق لوقف التحقيقات التي تجريها إدارة ترامب    داعية إسلامي: زيارة مقامات آل البيت عبادة تذكّر بالآخرة وتحتاج إلى أدب ووقار    انضمام 12 عالمًا من جامعة المنصورة إلى عضوية اللجان الوطنية بأكاديمية البحث العلمي    توجيهات بإنشاء صالة لياقة بدنية متكاملة لخدمة طلاب جامعة المنيا    مواقيت الصلاة في أسيوط غدا الخميس 23102025    رئيس جامعة بنها يطمئن على طلاب كلية الفنون التطبيقية المصابين في حادث أسوان    مدبولي يواصل تبرير رفع أسعار الوقود بأرقام مضللة..انخفاض البترول يفضح أكاذيب تكلفة السولار ب 20 جنيها    هل القرآن الكريم شرع ضرب الزوجة؟.. خالد الجندي يجيب    هل يجوز احتساب جزء من الإيجار من زكاة المال؟.. أمين الفتوى يجيب    صندوق استصلاح الأراضى بالوادى الجديد يوافق على جدولة ديون المشروعات الزراعية    تامر حبيب يشيد بفيلم «السادة الافاضل» بعد عرضه في مهرجان الجونة    المتروبوليتان يحتفى ب «آلهة مصر القديمة»    نائب رئيس الوزراء ووزير التعليم العالى يشهدان افتتاح مؤتمر الجمعية المصرية للصدر    محافظ شمال سيناء يستقبل نائب وزير الصحة لبحث جاهزية المنشآت الصحية (صور)    ميلاد هلال شهر رجب 2025.. موعد غرة الشهر الكريم وأحكام الرؤية الشرعية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثائر في كامبريدج
نشر في أخبار الأدب يوم 18 - 04 - 2015

تعاملت جامعة كامبريدج البريطانية مع جونتر جراس ككاتب متميز بعيدا عن فكره وميوله السياسية وكذلك ما اعترف به عن علاقته بأحد الأجهزة الأمنية النازية، وكان عندهم مثل ديكنز، وكافكا، وآلان بو، حيث عهدت لخمسة عشر أستاذا متخصصا ليكتب كل منهم مقالا بحثيا طويلا عنه كل في مجاله، جمعت في كتاب وانضم لسلسلة كتب الجامعة المعتمدة، وصدر ونشر عام 2009، ونستعرض بعض مقتطفات لاثنين منها.
التجريب عند جراس
تناول باتريك أونيل في مقالته جوانب التجديد والتجريب في كتابات جراس المتنوعة التي غلب عليها الطابع الروائي وخاصة اللجوء للحيل لاستكشاف مناطق خيالية وكونية يحاول مزجها بالواقع، وهي واحدة من أهم خصائصه التي خلقت نسيجا صعبا وتعقيدا رائعا ومبتكرا وأسهم في ذلك تدرجه من كتابة الشعر الذي لم يكن سيئا ثم مسرحياته التي جاءت متواضعة إلي حد ما وصولا إلي روايته الأولي "طبل الصفيح" التي فشلت في البداية لاختلافها عن السائد ولكنها نجحت عند ترجمتها للإنجليزية وإعادة اكتشافها، ومن بعدها حققت رواياته التالية أعلي المبيعات في ألمانيا.
وكانت أولي مصادر التجريب في كتابة جراس والتي استمرت معه ونمت هو المزج بين الخيال والواقع ليبتدع ما أصطلح عليه فيما بعد "الواقعية الخيالية" .. وحول الخطاب الأدبي المعتاد إلي سرد مشابه ولكنه مكثف ومتشعب يتضمن مجموعة بانورامية من الموضوعات التي تهم القارئ الألماني ولم يدرك في البداية أنها ستحوذ علي اهتمام القارئ غير الألماني الذي اعتني به في كتاباته اللاحقة.
وذهب بشجاعة يتناول آنيا موضوعات لم تبدُ متعلقة ببعضها ومتشابكة إلي هذا الحد ومنها المناورات الجيوسياسية بين القوي العظمي، المعركة بين الجنسين، التهديد النووي للبيئة، الفقر في العالم الثالث وحقوق الجماعات المضطهدة في كل مكان، كما مزج ببراعة أيضا بين الجدية والفكاهة إلي حد الاستعانة بالنكات والابتكار فيها ولكن مساحة البهجة في أعماله بطبيعة الحال كانت قليلة للغاية.
ورصد أونيل مغامرة جراس الروائية الأولي مع شخصية الراوي "أوسكار" في روايته "طبل الصفيح" وكتب: "يبقي الرواي في "طبل الصفيح" واحدة من أهم شخصيات جراس المثيرة للاهتمام بداية من عبارته الأولي "أنا سجين في مستشفي الأمراض العقلية" في تحد مباشر مع القارئ وخيار واضح بين الاستمرار وفقا لشروطه أو التخلي والانصراف .. فأوسكار اتخذ قراره وأعلنهم به بأنه لن يفعل شيئا في عالم الكبار وأن ما عاني منه في السابق يكفيه".
تجاوز مخاطرة التغريب في مدخل الرواية يجعله يغوص في غياهب العالم الذي قاد أوسكار إلي هذا المصير ليأتي من بعيد مسرعا ويشارك قراءه وجدانيا فيما يحدث وله آثاره علي الجميع في أي مكان والألمان بشكل خاص، وهي الحرب العالمية الثانية، ثم يبتعد بهم مرة أخري في حركة مقصودة ليعود إلي عام 1899 والتوترات "الألمانية البولندية" وما بين هذا وذاك رحلة طويلة تتطلب من القارئ الصبر والتركيز .. وهو اختبار لمرة ثانية: إما الاستمرار والتحمل أو الرحيل وهو أمر غالبا ما يتشكل في اللاوعي والرغبة في تتبع الأحداث وعلاقة ذلك التاريخ بما أتي بعده وصولا للحرب العالمية الثانية.
استمرأ جراس التجريب في الموضوع والشخصيات فجعل الشخصيات الثانوية ومن يأتي منها في خلفية الأحداث بمثابة وصف للمجتمع وأوضاعه المتقلبة، ومن أبرز تلك الشخصيات بائع الخضار وتاجر التحف في ذات الرواية ليتجه رويدا إلي الطبقات المتوسطة والدنيا وتصبح في أوقات ومساحات غير قليلة من السرد، ثم المحور الرئيسي للأحداث وهو ما يخالف ما اعتاده القراء في ذلك الوقت بأن يدور العمل الروائي مهما كبر حجمه حول الشخصيات الرئيسية والتي غالبا ما يكون لها حيثية ومكانة خاصة.
وسمع القارئ معه لأول صوت غير صوت الضحية التي كان الكاتب يتبني دائما الحدث من وجهة نظرها، فوجدنا جراس يستعرض رؤية الجاني ووجهة نظره في ثلاثة أعمال متتالية بداية من روايته "أنثي الفأرة"، وكأنه عندما يمنح الفرصة لأحد معتنقي النازية ليتحدث فإنه يرد علي آلاف الفرص التي سنحت لليهودي الضحية ليعرض قضيته ويترك القارئ في مأزق يحاول أن يكتشف الحقيقة من الحكي المكثف والمتناثر.
ويعود أونيل مجددا إلي "طبل الصفيح" التي تعتبر العمل الأهم في مسيرة جراس الأدبية واكتفي فيها براوٍ واحد، لكنه فاجأ القارئ براويين في روايته "القط والفأر" اللذان تداخلا معا لفترة ثم انفرد أحدهما بالتركيز والاهتمام، وفي ذلك كتب أونيل "بينما حاز "أوسكار" علي الاهتمام وحده كمركز للأحداث في "طبل الصفيح"، أصبح هناك اثنان من مراكز الاهتمام في روايته التالية "قط وفأر" وهما "بيلينز" "مالك" وإن اكتفي بصوت واحد في كل مرة ولم يبد أن أي منهما يحاور الآخر أو يجادله، وأصبحا في روايات أخري ثلاثة مراكز للاهتمام مع صوت واحد أيضا لندرك أن هذا الصوت الثابت هو صوت جراس الجهور أحيانا والمرتجف أحيانا أخري، وهو القاسم المشترك في كل كتاباته الرئيسية اللاحقة".
استخدم جراس الراوي وصوته الوحيد سواء كان مركز الأحداث اثنين منه أو أكثر في نواح مختلفة فجعله في مرات صوت الحق والدليل المرشد وفي أوقات أخري صوت الضمير القوي كان أو الضعيف، وصوت المتألم والمتجبر والساخر، بل والظالم أيضا، كما جعله منبها وموقظا له وللقارئ كمحرك لكل حدث ومؤشر نحو الاتجاه الذي يسير فيه ومدي صحته، ولمزيد من التجريب جعل الراوي مجهولا في روايته "السمك المفلطح" عام 1977 ليعيدنا إلي علاقة الواقع بالخيال التي كانت علاقته بها واضحة ككاتب من البداية ومن خلالها حقق أفضل توازن بين الكوميديا الصاخبة والجدية العميقة.
وفي روايته "أنثي الفأرة" عام 1986 جمع جراس بين الخيال والخيال العلمي ليعبر عن مدي تأثير التكنولوجيا الحديثة في المجتمع من خلال علاقة الراوي بذلك، ويستكمل ما بدأه في "السمك المفلطح" دون ان يدركه الكثيرون حينما أخذ الراوي يتحدث مع السمك ، فلم ينتبه القارئ أو يتساءل "هل السمك يتحدث؟" ولكنه انتبه عندما تكرر الأمر المقصود، ووجد الراوي يتحدث مع الفئران، وفسر أونيل ذلك بأن السمك لم يستفز القارئ كونه رمزا للتفاؤل بينما استفزهم الفأر الذي جاء رمزا واضحا للتشاؤم وهي أحاسيس نجح جراس في تمريرها من خلال سرده وأكدتها ردة الفعل تجاه الفئران وتحدثه معها دون حديث السمك الذي سبقها بتسعة سنوات.
تأخر جراس كثيرا حتي تخلي عن الراوي كنوع من التجريب الشخصي في روايته " في خطو السرطان " عام 2002 والتي فاجأ بها القراء برؤية عكسية ولكنه لم يقصد منها الإثارة علي طريقة "عض الرجل الكلب"، بل عبر عن مرارة في حلقه احتبست لفترة طويلة، واكتفي بجريمة واحدة قام بها طالب طب يهودي حيث اغتال موظفا نازيا عام 1936 ليعيد رصد الأحداث والتأمل في منشأ القسوة، وأن ردة الفعل لا يمكن أن تعادل في كل الأحوال الفعل والجريمة الأولي والأساسية التي استتبعتها بقية الجرائم.
وأجمل أونيل رصده في نهاية مقالته "تجنب جراس بأسلوبه وبراعته الكآبة في أعماله بنموذج واحد متعدد الأشكال والأوجه لكن بتقنية واحدة بسيطة وعبقرية اعتمدت علي راو يصف ما رأي وسمع وعايش بالفعل بعيدا عن القَصص المزعوم واستطاع بشجاعة أن يستجوب التاريخ والسياسة وأن يداعب الخيال الأدبي، ويستحضر التحدي والتعقيد معا".
رؤي يتبناها جراس
الناقدة مونيكا شافي تركت بحدسها الظاهر واتجهت مباشرة لعمق جراس والذي تآلف فيه ما فرض نفسه عليه وقاوم بعضه، مع ما ذهب إليه اختيارا إيمانا بقيم تمسك بها، وبدأتها بكلمته في البرلمان الألماني البوندستاج بأن الحرب دائما ما تندلع سواء كانت قريبة من وطنه أم بعيدة، ومنها تتضح رؤيته التي تمسك بها في كتاباته بأن العالم المتطور منذ مطلع القرن الماضي طارد بطبعه للسلام علي المستويين الفردي والجماعي ولهذا لا تمر دقيقة دون مشكلة صغيرة كانت أو كبيرة ينتج عنها جريمة أو ربما حرب بين بلدين أو ينقسم العالم معها لشطرين أو أكثر.
وإن كان جراس استسلم لهذا المؤثر وكان له رؤيته في العديد من أطره، فإنه حاول السير ضد التيار ومقاومة أثر فكرة نقاء الجنس الآري دون غيره؛ عدما تبني فكرة أن نتاج الهجين أكثر تميزا من الأصول، وكذلك أن المواقف الأيديولوجية لا يجب أن تكون ثابتة، وأن المفاهيم نفسها تتغير من حقبة لأخري، كما اعتبر أنه من الوهم مقاومة عوامل الطبيعة الجغرافية والديموجرافية بدلا من التعايش معها مثل زيادة السكان والتغيرات البيئية مما جعل المشاكل التي تواجه المجتمع أكثر تعقيدا.
وتناولت مونيكا بإسهاب رصد جراس للمعايير المزدوجة عند الألمان، حيث بدأ بأبناء جلدته قبل غيرهم، وفي هذا الصدد كتبت: "أدرك جراس وحب أن تدرك الأمة الألمانية أن مشاكلها مزدوجة ومرتبطة دائما بغيرها، فما تواجهه حاليا وثيق الصلة بالفقر المدقع في آسيا وأن التعامل مع هذه المشكلة بهذا الفكر لا يعني فقد الهوية الألمانية لأنها ليست متعلقة فقط بالقوة الثقافية والأدبية، وأنه أي جراس سقط في هذا الخطأ من قبل عندما عارض الوحدة بين شطري الأمة الألمانية الشرقي والغربي".
ومنذ منتصف السبعينات بدأ جراس يستقريء المستقبل من الواقع ويستشرفه ويخشاه بمخاوف وجدها طبيعية وجعلت من كتاباته تشاؤمية بعمق وخاصة الفأر عام 1986.. فالمعطيات تشير لسباق التسلح النووي المحموم والمجنون بين الولايات المتحدة وروسيا وعواقبه الوخيمة، واستمرار النمو الاقتصادي بمعدلات تفوق الحدود الآمنة بما ينذر بتدمير الحضارة وقوة العقل، رؤي سلبية تحقق بعضها بنسب متفاوتة وعبر عن هذه الرؤية بوضوح في خطابه عند استلام جائزة "فيلترينيلي" بروما عام 1992 وقوله "بدأ تدمير الجنس البشري بالفعل" ثم "الفقر والجوع والهواء الملوث والمسطحات المائية الملوثة والغابات التي دمرت بسبب الأمطار الحمضية، والإنسان الذي لم يبق من معني اسمه شيئ بعدما فقد سماته بحجة البحث عما يضمن له البقاء رغم إدراكه أنه سيموت طال عمره أو قصر".
وسخر جراس ممن يظنون أن نهاية العالم وفناء الأرض سيحدث في وقت واحد ولا يدركون أن العالم بالفعل بدأ يفني منذ سنوات، وأننا في التسلسل الزمني العكسي، فعالمنا البشري سينتهي بانتهاء الوجود الإنساني ولا علاقة للأرض وكائناتها بذلك، فالإنسان تواجد بها بعد أن وجدت وما عليها بملايين السنوات، ولكنه ترك الباب مواربا في روايته "الفأر" فإن كان البعض يؤمن بأن الكوارث الطبيعية المتعاقبة ستقضي علي البشر رويدا، فإن الأمل أيضا باق في أن يحل بعد هذه الكوارث بداية جديدة ونظام جديد أفضل.
اعتقد جراس في أن الأحداث ورائها دائما مؤامرة لها تأثيرها، ولكن المؤامرات في مجملها لا تزيد عن كونها مسبب فرعي تسبقه مقدمات لكل حدث، ولهذا فلا يجب أن نضيع الوقت في البحث عن المؤامرة؛ بل نتأمل ونفكر فيما سبق المؤامرة وهيأ لها الظروف الملائمة لتحدث تأثيرا، وتتجلي قيمة هذه المؤامرات الفرعية من عدمه في روايتي "الفأر" و"السمك المفلطح" ورغم أن الأحداث تتحول عندها ولكنها ليست أساسية مثل أن يعرض أحد المغرضين علي واحد من معارفه منصبا ليستغل ضعفه، ويقوم بما يأمره به، فإن لم يكن ضعيفا من الأساس لما انصاع له وما كان للمؤامرة أي تأثير.
تمسك جراس كذلك بالجانب التعليمي والأخلاقي في كتاباته، حتي في عالم الفئران فلا يجب أن يتنازل العالم البشري عن القواعد التي أرثاها وعاش عليها آلاف السنين وبني من خلالها، فكل شيء يمكن أن تعصف به الرياح فيما عدا هذه الاعتبارات التعليمية والأخلاقية أثمن ما يمكن أن تتوارثه الأجيال.. ويكتشفون فيها مفاتيح النجاة من الطوفان القادم وهو ليس كارثة طبيعية كما يظن الكثيرين ولكنها بشرية خالصة.
وفرق في تناوله بين شعوري الخجل والعار .. وعن وصفه للثاني أضافت مونيكا "وجد العار من المشاعر المناوئة لإنشاء مجموعات متآلفة وهي في كثير من الأحيان غير مرغوب فيها إلي حد كبير ويصعب السيطرة عليها وتمثل تقاطعا واضحا مع القبول الاجتماعي والإحساس بالقيمة والثقة في النفس كما اكتشف ارتباط هذا العار بخصائص فيزيائية يمكن تمييزها من الوجه أبرزها تجنب التواصل المباشر بالعين وخفص الرأس ويسعي صاحب هذا الداء دائما نحو الهروب والاختفاء بعيدا عن الأنظار".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.