الحصر العددي يكشف مفاجآت في انتخابات دائرة إمبابة.. مرشح متوفى يحصل على الترتيب الرابع وأصوات إيهاب الخولي تتراجع من 22 ألف إلى 1300 صوت    القومي للمرأة يحذر من مشاركة كلمة السر الخاصة بالهاتف بدافع الثقة    أسعار الذهب في مصر اليوم الجمعة 5 ديسمبر 2025    قطع مياه الشرب عن 3 قرى ببنى سويف.. اعرف الأماكن والمدة الزمنية    رعاية المبتكرين: إنشاء صندوق مخاطر بقيمة 500 مليون جنيه لدعم الشركات الناشئة والتكنولوجية    «عصمت»: القطاع الخاص شريك في تنويع مصادر توليد الكهرباء    الرئيس اللبناني يطالب مجلس الأمن بالضغط على إسرائيل لتطبيق وقف إطلاق النار    أسطورة برتغالي يرشح رونالدو للعب في كأس العالم 2030 بعمر 45 عامًا    لقاءات ثنائية مكثفة لقادة الأفرع الرئيسية وكبار قادة القوات المسلحة    التوأم والدرندلي يلتقطون صورة تذكارية أمام البيت الأبيض قبل قرعة مونديال 2026    اليوم.. افتتاح بطولة إفريقيا للأندية ل«سيدات كرة السلة»    تقارير: الدوري السعودي مستعد للتعاقد مع محمد صلاح    تحرير 847 مخالفة الملصق الإلكتروني ورفع 40 سيارة ودراجة نارية متروكة خلال 24 ساعة    العثور على غريق مجهول الهوية بترعة الإبراهيمية في المنيا    إلهام شاهين تشيد بفيلم giant: مبروك لأمير المصرى والقصة ملهمة    بعد إطلاق فيلم "أصلك مستقبلك".. مكتبة الإسكندرية: كل أثر هو جذر من شجرتنا الطيبة    حودة بندق يتصدر التريند بعد طرح أحدث أعماله الغنائية    مصر ترحب باتفاقات السلام والازدهار بين الكونغو الديمقراطية ورواندا الموقعة في واشنطن    الدرندلى وحسام وإبراهيم حسن أمام البيت الأبيض قبل قرعة كأس العالم 2026    كأس العرب - وسام أبو علي يكشف حقيقة مشاركته مع فلسطين في البطولة    وكيل الجفالي يكشف حقيقة فسخ تعاقده مع الزمالك    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 5 ديسمبر 2025    أسعار الخضار والفاكهة اليوم الجمعة 5-12-2025 فى المنوفية    من هو زعيم مليشيات غزة بعد مقتل ياسر أبو شباب    تحرير 231 محضر مخالفات تموينية وضبط 4 أطنان أعلاف مجهولة المصدر بالمنوفية    الصين وفرنسا: حل الدولتين الحل الوحيد لضمان السلام بين فلسطين وإسرائيل    "المشاط" تشهد فعاليات جوائز التميز العربي وتهنئ "الصحة" لحصدها أفضل مبادرة عربية لتطوير القطاع الحكومي    رئيس جامعة القاهرة: نولي اهتمامًا بالغًا بتمكين أبنائنا من ذوي الإعاقة    زي المطاعم، طريقة عمل رولات الدجاج المحشية    استشاري حساسية: المضادات الحيوية لا تعالج الفيروسات وتضر المناعة    إعلام إسرائيلي: انتحار ضابط في لواء جفعاتي بسبب مشكلات نفسية    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 5 ديسمبر 2025    حوكمة الانتخابات.. خطوة واجبة للإصلاح    بوتين ومودي يبحثان التجارة والعلاقات الدفاعية بين روسيا والهند    الأنبا رافائيل يدشن مذبح الشهيد أبي سيفين بكنيسة العذراء بالفجالة    طارق الشناوي: الهجوم على منى زكي في إعلان فيلم الست تجاوز الحدود    كيف تُحسب الزكاة على الشهادات المُودَعة بالبنك؟    30 دقيقة تأخير على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الجمعة 5 ديسمبر 2025    ننشر آداب وسنن يفضل الالتزام بها يوم الجمعة    الأزهر للفتوي: اللجوء إلى «البَشِعَة» لإثبات الاتهام أو نفيه.. جريمة دينية    خاطر يهنئ المحافظ بانضمام المنصورة للشبكة العالمية لمدن التعلّم باليونسكو    الحصر العددي لانتخابات النواب في إطسا.. مصطفى البنا يتصدر يليه حسام خليل    الصحة: الإسعاف كانت حاضرة في موقع الحادث الذي شهد وفاة يوسف بطل السباحة    صحة الغربية: افتتاح وحدة مناظير الجهاز الهضمي والكبد بمستشفى حميات طنطا    دعاء صلاة الفجر اليوم الجمعة وأعظم الأدعية المستحبة لنيل البركة وتفريج الكرب وبداية يوم مليئة بالخير    رئيس هيئة الدواء يختتم برنامج "Future Fighters" ويشيد بدور الطلاب في مكافحة مقاومة المضادات الحيوية وتعزيز الأمن الدوائي    فضل صلاة القيام وأهميتها في حياة المسلم وأثرها العظيم في تهذيب النفس وتقوية الإيمان    سبحان الله.. عدسة تليفزيون اليوم السابع ترصد القمر العملاق فى سماء القاهرة.. فيديو    الدفاعات الأوكرانية تتصدى لهجوم روسي بالمسيرات على العاصمة كييف    ضبط شخص هدد مرشحين زاعما وعده بمبالغ مالية وعدم الوفاء بها    صاحبة فيديو «البشعة» تكشف تفاصيل لجوئها للنار لإثبات براءتها: "كنت مظلومة ومش قادرة أمشي في الشارع"    د.حماد عبدالله يكتب: لماذا سميت "مصر" بالمحروسة !!    ضبط شخص أثناء محاولة شراء أصوات الناخبين بسوهاج    بشير عبد الفتاح ل كلمة أخيرة: الناخب المصري يعاني إرهاقا سياسيا منذ 2011    الأمن يكشف ملابسات فيديو تهديد مرشحى الانتخابات لتهربهم من دفع رشاوى للناخبين    بعد إحالته للمحاكمة.. القصة الكاملة لقضية التيك توكر شاكر محظور دلوقتي    كاميرات المراقبة كلمة السر في إنقاذ فتاة من الخطف بالجيزة وفريق بحث يلاحق المتهم الرئيسي    ميلان يودع كأس إيطاليا على يد لاتسيو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



علاء الديب في حوار حول السياسة والأدب:
25 يناير حلم خارق لم يتحرك إلي الأمام .. لكن لا يزال عندي أمل
نشر في أخبار الأدب يوم 14 - 03 - 2015


للقاهرة معان عدة في أعمالك. حدثنا عنها.
القاهرة هي كائن حي محوري في حياتي. هي المكان الذي تربيت فيه وتعلمت. لقد عشت فيها طيلة حياتي فشهدت حبي وشقاوتي، وشهدت تحولاتها. رأيتها جميلة ورأيتها قبيحة، رأيتها فرحة ورأيتها حزينة وكئيبة. كان العيش بها حلما، خاصة منطقة باب اللوق ووسط البلد، لكن امتد بي العمر حتي رأيتها قبيحة وطاردة. شاخت مبكرًا مثل امرأة فقدت جمالها. وتبدو لي محاولات تجميلها الآن فاشلة كمحاولات امرأة للتجمل بالإفراط في استخدام الزينة. لقد عنونت ثاني رواية كتبتها بالقاهرة وكانت محاولة للقبض علي روح التحول الذي بدأ يحدث.
القاهرة هي ناسها، أخلاقهم وروحهم وعلاقاتهم. هي الوطن تقريبا أو ملخصه. لقد أصبح بمقدورك أن تراقبها فتري كل المتناقضات جنبًا إلي جنب، الفقر المدقع والثراء الفاحش، النظافة والقذارة. القاهرة حاضرة في كل كتاباتي لأنها المكان الأساسي في حياتي رغم أنني أعيش بعيدًا عن مركزها إلي حد ما في ضاحية المعادي.
طالما كانت الأحياء البعيدة والجديدة بمثابة اكتشاف، وضاحية المعادي لها مكانة خاصة لدي. ولطالما حلمت بتسجيل التقسيم الطبقي والجغرافي للمعادي، وتحولها من ضاحية أنيقة ومقفولة علي تركيبة طبقية معينة، إلا أن أصبحت معبرا لست عشوائيات مجاورة. قديمًا، انقسمت المعادي إلي أجزاء للأجانب وأجزاء للبشوات وأجزاء لأبناء الطبقة المتوسطة، وأجزاء أخري للعاملين لدي الطبقات الأعلي. أما الآن، فقد انعدم مفهوم المدينة والحي وأربكت العشوائيات المشهد ونقلت مصر كلها، بصعيدها ودلتاها، في قلب القاهرة.
وقديمًا كانت تشرف علي المعادي شركة تهتم بكافة التفاصيل من خلال صراف، يهودي علي الأرجح، كان يدعي مستر ليفي يهتم بمفرده بكافة الأمور. أما الآن فقد كف المسئولون عن العمل العام، واكتفوا بالعمل لشئونهم الخاصة. وأظن أن هذه أزمة البلد بأكمله، فالناس ليس لديهم الوقت سوي لشئونهم الخاصة والشأن العام متروك للظروف أو للزمن فمن يريد حل المشكلات يعمل لذلك، ومن يريد النهب فالطريق أمامه مفتوحة. بدأ حال الوطن يصبح هكذا مع بداية "التخويخ" الذي حدث للنظام الناصري وهو ما حدث قبل عام 67 التي كانت القاصمة حين فقد النظام المشروع والطزاجة وارتباطه الحقيقي بالناس. كانت التنظيمات التي أقاموها بداية من هيئة التحرير والاتحاد الاشتراكي أساس البلوي فلم تكن تنظيمات لخدمة الناس، بل لخدمة النظام وعازلا عن وصول الخدمات الحقيقية والمكاسب للناس.
أقاطعه مستفسرة: أم لأنهم أمموا حركة الناس؟
أرجع أحد الكتاب في الشأن الاجتماعي ذلك إلي أنهم وعدوا الناس بمكاسب الاشتراكية بدون أن تطبق الاشتراكية علي الأرض فعلموا الناس البلادة والاستغناء عن مشاركتهم لأنهم وعدوهم بمكاسب لم يعملوا لتحصيلها. تلا ذلك الانفتاح والسلام المزعوم والاستسلام لأن أوراق اللعبة في أيدي أمريكا. ثم أصبحت النظرة المنتشرة أننا لن نجد العيش هنا فلنسافر للعمل بالخليج أو نموت في المراكب المبحرة لأوربا. هذه هي الطريق التي مشي فيها الشأن الثوري.
هزيمة 67 والانفتاح الاقتصادي والهجرة إلي الخليج، ثلاثة ملامح مهمة في أعمالك باعتبارها سببًا للتردي الثقافي والاجتماعي. هل تري أن آثارها ما زالت قائمة أم انحسر خاصة مع الأحلام الكبري التي صاحبت ثورة 25 يناير؟
الأحلام والثقافة والفن والقراءة مصابة بنفس المرض الذي تحدثنا عنه في الحالة الاجتماعية لأن نصف الشعب تقريبًا أمي ونصفه الآخر المتعلم مصاب بأمية ثقافية وأخلاقية وعلمية وإنسانية. نعيش حالة فريدة جدًا من التردي عبر عنها خروج الناس في 25 يناير ووقوفهم محتجين ورافضين وطالبين إسقاط النظام، دون حتي أن يعرفوا كيف يترجمون شعار "عيش، حرية، عدالة اجتماعية" لفعل ولبناء ولعمل، لم يملك أحد تصورًا لذلك. كان حلمًا خارقًا وبالغ الجمال لشعب أبرز روح تحمل كل ملخص حضارته وقيمته وأهميته في التاريخ. لكن كل هذا كان في حالة استاتيكية بدون حركة للأمام. لا ندري ماذا حدث؛ وكل يفسر ما حدث وفقًا لتوجهه الخاص كمؤامرة من الخارج، أو خيانة من الداخل، أو تفخيخ.
الكلام في الثقافة والفكر والفن الآن جانبي ومستحيل إدارته أو إصلاحه بدون إصلاح الماكينة ذاتها. هذه الآلة لا يمكن أن تخرج منتجًا سليمًا. النوايا الطيبة إن وجدت تكذبها الحالة. فلا يمكن أن ننتظر من السعودية والإمارات حل مشاكلنا.
نري دوما لديك تيمة المثقف المأزوم. فهل تري بالفعل أن المثقف شخص عاجز عن الفعل أو التأثير في محيطه؟ أم أن الكلام في الثقافة رفاهية؟
مثقف الطبقة المتوسطة لديه مشكلة الازدواجية. هو سبب كل الأشياء الجميلة التي قد تحدث، وسبب كل البلاء الذي قد يحدث كذلك. وقد يكون المثقف في قمة الوطنية، وقد يكون في قمة الخيانة. هذه الازدواجية يعيشها المثقف منذ أن وعيت علي الحياة. ترين منه أشياء باهرة الوطنية، وترين منه أشياء باهرة الخيانة والرجعية والانتهازية والإسفاف.
لا يوجد طريق. فالمثقف أصبح مستنزفًا يسير في طرق شائكة: هناك دائمًا لعب علي المسألة الدينية إذ يتهم بأنه علماني إذا ما تحدث عن التقدم. وهكذا يجد المثقف نفسه محاصرًا في دائرة الإدانة. علي الجانب الآخر، أصبحت مصادر المثقف هي الحضارة الغربية التي يقع تحت استغلالها بينما ترسخ استفادته من إمكانياتها وتحقيقاتها تلك الازدواجية. الرواية والسينما وأي فن من الفنون في حاجة إلي الفلسفة والرؤية والأيديولوجيا.
وأري أنه مهما كان التحقق التقني والشكلي موجودا، لكن المحتوي الذي نتعاطاه في الخمسين سنة التي وعيتها ممضوغ ومتآكل قبل ذلك. أصبح المنتج منزوع الدسم، لا رؤية فيه ولا فلسفة ولا خصوصية.
تجدين مثقفًا يحقق شكلًا فنيا جميلًا لكنه أجوف، تجدين مثقفًا مشغولًا باللغة وآخر مشغولا بالشكل والإبهار، وثالثا مشغولا بالنجاح المادي، ورابعا يريد القرب من السلطة. توزع المثقفين أصاب حتي الجزء الذي تعشمنا أنه سيكون المخرج بخلق يسار وطني حقيقي أو لنقل إنساني مسئول عن تبديد الصور البشعة للفقر والمرض والفساد الذي نتنسمه من الصباح للمساء كل يوم.
هل تتصور أنه من الممكن أن تقوم قائمة لليسار المصري بالرغم من التشويه الرهيب الذي تعرض له؟
ليس بالضرورة استخدام كلمة يسار، سميهم ما شئت. في النهاية، المقصود هم من يحملون حلم العدل الإنساني والتقدم ويملكون الرغبة والقدرة علي تحقيق هذا الحلم. هؤلاء هم المهمون سواء بيض سود أو مخططين.
في روايته الشهيرة "أوقات صعبة" صور ديكنز التهديد المحدق بالمجتمع الإنجليزي إذ اهتم النظام التعليمي بعد الثورة الصناعية الكبري ب"الحقائق" ووأد الخيال. بالنسبة لمجتمعنا الآن حيث لا اهتمام بالحقائق ولا بالخيال وحيث يهان العلماء والأدباء علي حد سواء، كم سنة يلزمنا للنهوض مرة أخري؟
كيف أحسبها، هل أتنبأ؟ أنا لن أري ذلك علي أية حال. حلمت مع من كانوا في ميدان التحرير بالرغم من عدم قدرتي الصحية علي المشاركة إلا أن الأصدقاء كانوا يكملون يومهم عندي بعد العودة من الميدان وكنا نظن أن كل هذه الأحلام ستتحقق في اليوم التالي أو العام التالي. لكن انطفأ كل شيء وانطفأت الناس وتاهوا وأصيبوا بأمراض نفسية وجسمانية وعقلية.
هل يختلف ذلك عما حدث بعد النكسة؟ بنفس القدر أم أنه لم يكن هناك الكثير من الوقت كي ترتفع الآمال؟
لا، يختلف ذلك تمامًا عما حدث في 1967، نحن نعيش واقعا أقسي من النكسة عشرين مرة. بعد النكسة مباشرة وكنت لا أزال تائهًا من أثر الضربة، كنت أزور المهاجرين من السويس والإسماعيلية وقد بنوا عششًا وغرزًا حول محطة السكك الحديد، كانوا نارًا موقدة تريد أن تنفض ما حدث. كل الكلمات الحقيقية التي تبناها النظام كانت تخرج من الناس. عبارات مثل "إزالة آثار العدوان" كانت كلمة الناس وإحساسهم، لم تكن من اختراع ناصر أو الاتحاد الاشتراكي. كان هناك عدو حقيقي يمكن رؤيته وهو المسئول عما جري، وكان هناك زعامة لها علاقة قلبية حقيقية مع الناس. كان هناك عجز في الوسائل والإمكانيات والأدوات، لكن الروح كانت مشتعلة وحقيقية.
لم ينهزم الشعب ولا الجيش، بل القادة الذين كذبوا علي الشعب. هؤلاء من تعروا كما تعرت
الأحلام المزيفة. الحلم الحقيقي بأن تبني بلدا وتتعاون مع الأمة العربية التي تري أن لها مستقبلًا زاد وتدعم. الآن لا نستطيع الإمساك بشيء. كل الأشياء تقليدية ولزجة ولا تعرف الصدق من الكذب وتداخل الدين مع الغش والانتهازية تركيبة فريدة لا أستطيع تذوقها أو حتي تحليلها.
بالمناسبة، ما رأيك في "أدلجة اللغة" هذه، كما يسميها الدكتور محمد بدوي، بحيث يسمي المعارضون قلة مخربة والهزيمة نكسة؟
هذه مسألة قديمة ومكررة. كان هذا بالطبع من صنع ماكينة إعلام عبد الناصر وأساتذة التغليف والدعاية والإعلام.
لكن لماذا تبناها الناس؟
لأنها سهلة القبول وسهلة البلع والتبني، ولأن الكلمات الأخري مثل الهزيمة أو المحنة أو الانكسار موجعة. لكن كلمة النكسة تبدو مثل دور البرد الذي يعالج بالأسبرين. هذا هو المرض الأساسي لهذه الأنظمة، تسويق المخدر غير الضار.
خلاصة الأمر نحن بحاجة لحركة نهضة مثل النهضة الأوربية التي أحدثت الثورة الصناعية الكبري. وإذا لم نستطع خلق نهضة بهذا المفهوم الذي يشمل حياة الناس بداية من تناولهم للطعام وملبسهم وعلاقاتهم بالزوج والأبناء إذا لم يخضع ذلك كله لفلسفة جديدة، إذن لا فائدة. إذا لم يكن هناك حركة إصلاحية اجتماعية شاملة، إذن لا فائدة ترجي من محاربة الفساد أو تحقيق انجاز اقتصادي كل هذا ستشربه الرمال المحيطة بنا والتي تطغي علينا يوما بعد يوم.
قلت في حوار سابق إنك تري أن الرواية توقفت عند نجيب محفوظ، فإذا كانت هذه قناعتك لما تكلف نفسك عناء الكتابة؟
قلت هذه العبارة في سياق معين، وأسيء فهمها. نجيب محفوظ حقق المواصفات الضرورية للفن بأن يكون هناك مُنتِج ومُنتَج ومتلقي. نجح محفوظ في خلق هذه الدائرة. فصنع رواية مصرية حقيقية ووجد لها قارئ حتي قيل إنه يكتب إلحادًا أو يكتب عن الراقصات والغوازي كما قال من عرفوه من طريق السينما. من جاءوا بعد محفوظ لم يحققوا درجة أعلي من التواصل مع الناس والوصول إليهم، بل قلوا عنه. بداية ممن يقال عنهم جيل الستينات، يخاطبون أنفسهم. القاعدون في قهوة ريش، أيام كان لها دور ثقافي، يخاطبون من هم في قهوة البستان، وبالعكس. مع الأسف نحن أمام حالة ميئوس منها. ثم ظهرت ظواهر مثل الأكثر مبيعًا.
إذن فما رأيك في الحديث المتكرر كل عام عن احتمال فوز أحد هؤلاء الكتاب الأكثر مبيعًا بجائزة نوبل؟
ذلك خدعة كبيرة جدًا. أصبح الأمر بمثابة تحويل الأدب لسلعة. ونحو ثمانين بالمائة من قيمة الأدب إعلان وسهل الحصول علي ذلك في الداخل والخارج، فالناشر يريد المكسب والخارج ينتظر منتجا طريفا فضائحيا أو غرائبيا. كما أصبح هناك "فورمات" جاهزة: فورمة للرواية البوليسية وأخري للرواية المثيرة وثالثة للرواية الغرائبية. أصبح جريان القلم سهلًا، لكن المحتوي الذي يهتم الكاتب بإيصاله للناس في الشارع كي يغير حياتهم غير موجود.
وكيف تري ظهور جوائز عربية ذات عوائد مادية ضخمة؟ وما رأيك في لهاث الكثيرين وراءها؟
أصبح الأمر بمثابة لهاث وراء المال. لا محتوي حقيقيا في كثير مما يقدم ويفوز بالجوائز.
لكن هل تظن أن ثم من يستحق نوبل بعد محفوظ؟
لا أري شيئًا. المسئوليات أضخم من الفكر المطروح والأزمة أكبر من العقول التي تتولي إدارتها سواء في مجال السياسة أو الثقافة والفكر. بلد ليس لديه موسيقي ليس بلدا، فلا مشروعات كاملة في كافة المجالات وبعض الأفراد يحققون نجاحات فردية. معظم من لهم قيمة يعيشون بالخارج.
يعيدنا ذلك مرة أخري للتعليم إذن؟
لا مهرب. حديث السيسي عن ضرورة إصلاح التعليم أبهجني لكنني أري أن التعليم مازال يدور في نفس الدوائر القديمة. كما أن الإذاعة والتليفزيون من الناحية الدينية لم تختلف عن أيام مرسي، نفس الخطاب.
لم برأيك يمجد الإعلام غير المتمتعين بموهبة حقيقية ويغدق عليهم الألقاب؟
الإعلام الحالي يخدم السلطة فقط لا غير، ولا يخدم البلد أو الناس. في بداية عملي بالصحافة في أواخر الخمسينات، كان لدينا حلم بتقديم خدمة للإنسان. علي الرغم من كل عيوب النظام الناصري، كان حلم خدمة الناس حيا وممكنا تحقيقه. الآن المسألة أعقد وأصعب وتداخل غول العولمة وسلعنة الأشياء قضي علي أي حلم من هذه الأحلام.
كيف يمكن كسر الأسوار العازلة بين المثقف والجماهير؟ ما الذي يستطيع المثقف أن يفعله لتغيير الواقع؟
المثقف مسئول عن الحالة بكاملها. ليس بالإمكان مخاطبة كل فرد من أفراد المجتمع علي حدة. المشروع النهضوي المتكامل هو الضرورة الأولي والأهم. ومن المحتم أن يكون هذا المشروع مسئولية كافة أفراد المجتمع؛ يجب أن تتبناه وتعمل من أجله الأمة بكاملها. وفي ظروفنا الحالية، هذا أشبه بالعنقاء والخل الوفي.
نحن مطالبون بالدفاع عن البقاء ومنع القدر المستطاع من الفساد والانتهازية وسيطرة المال وبشاعته علي مستقبل البلد كي نستطيع العيش كأمة. بغير ذلك نجد أفرادا يعيشون ويكثرون من الكلام بغير محتوي يذكر. والناس البسيطة معذورة، إذا كان المثقفون حائرين.
هل أصبح الناس يتعالون علي المثقف؟
ما معني الناس؟ ذلك أشبه بكلمة الجماهير التي فقدت معناها باستخدام باسم يوسف لها علي النحو الذي فعل. إذا لم تكن البلد والمنطقة مستعدين لخلق نهضة حقيقية، فقد جفت الأقلام ورفعت الصحف.
ما تقييمك للمجلات الثقافية الآن خاصة بعد تولي شباب جدد مسؤولية معظمها؟
الوضع الذي نحن فيه لا يحتمل أن يكون هناك هذا العدد من المجلات الثقافية. أري أن تضع وزارة الثقافة كل إمكاناتها في مجلة واحدة محترمة يومية أو أسبوعية وتقدم بها خدمة حقيقية. لا يزعجني كثرة عدد المجلات، لكن يزعجني قلة فاعليتها. أنا سعيد بتولي مجموعة الشبان الجدد مسئولية المجلات كالقاهرة ومجلة الكتاب، لكن يجب أن تكون فاعلة. فهناك أدباء كثيرون لا لزوم لهم. مع احترامي لكل المجهودات الإنسانية التي يقدمونها، إلا أنهم يستخدمون مادة مستهلكة أو ممضوغة سابقًا.
بوصفك متابعا جيدا، كيف تري ما يقدمه الأدباء الشبان ومن أكثر من لفتوا نظرك؟
هناك عدد من المحاولات الجادة ممكن أن يكون فيها أمل مثل جمال مقار ورضا البهات. وبعض الشباب، خاصة ممن يعيشون خارج القاهرة ومنطقة وسط البلد، يعيشون الأزمة بشكل حقيقي ويعون دورهم. لبعضهم محاولات جادة، وقد كتبت عن عدد منهم مثل أسما حليم. ولكن كثيرا منهم له قدم بالداخل والأخري بالخارج، يريدون الهرب من الواقع والسفر للخارج. وهذا هو الحال العام. لكن هؤلاء من يمثلون شعاع ضوء.
هل تظن أن متابعاتك للكتب الجديدة صرفت النظر عن إبداعك الأدبي وإسهاماتك في الترجمة؟
بشكل ما نعم. لكن مشكلة الكتابة أعقد من ذلك. ليست مسألة إيجاد الوقت، ما يجعل مشروع الكتابة متعطلا. لكن تغير الرؤية ومعطيات الواقع ما يحول دون الكتابة. ولا يمكن قول نفس الكلام الذي كنا نقوله منذ خمسة أعوام. لم أنشر أية أعمال منذ عشر سنوات بالرغم من أنه لدي رواية شبه منتهية لا أستطيع إكمالها، لأنني لا أستطيع استيعاب المشهد كاملًا. سأبدو وكأنني أتحدث لنفسي ولم أجن بعد كي أتحدث إلي نفسي.
ما تقييمك للوضع السياسي الراهن وما رؤيتك للمستقبل؟
بالرغم من قسوة الواقع، لا زال عندي أمل ولا أري نفسي مبالغًا أو مريضًا. أنتظر نتيجة الانتخابات البرلمانية لأري ما إذا أديرت إدارة نظيفة، وهل حدث بالواقع أي تغيير وهل ستظهر قوي جديدة. آمل أن تقول الناس التي تأمل في تغيير الأمور ولا يريدون العودة للوراء، كلمة جديدة.
هل انتصرت الثورة المضادة أم أن هناك أملا؟
وصلت في سنة حكم الإخوان لحالة هستيرية ورأيت أن البلد في طريقها للانهيار. لم أنتخب السيسي، بل انتخبت الجيش لأنه كان القوة الوحيدة المتماسكة. أما عن المؤسسات المنوط بها إحداث تغيير كالأحزاب مثلًا، فلا وجود لها. آخر حزب كان عندنا حزب الوفد وقد انتهي عام 1942. ولأنه قبل العودة عن طريق الإنجليز، لذا فقد دوره وجماهيره وحقيقته. لم نملك أحزابا بعد ذلك علي كثرتها، لكن هناك تنظيمات دينية. فإذا كانت الأمة تري أنها الحل، فلا مهرب من الانضمام لداعش !!
لكني أري أن هناك أملا و يجب أن يكون الشعار هكذا: "ثورة يناير مستمرة" كي نستطيع العيش.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.