تمهيد : عقب انتهاء الحرب الأولي واستسلام تركيا وجدت الشعوب التي تسعي الي الاستقلال في مبادئ الرئيس الأمريكي ( وودرو ويلسون ) الرئيس الثامن والعشرون للولايات المتحدةالامريكية الذي دعا في مبادئه الاربعة عشر الي: تتقوم العلاقات الدولية علي مواثيق سلام عامة، وتكون المعاهدات الدولية علنية وغير سرية وحق تقرير المصير للدول التي تخضع للاحتلال فكانت مبادئه شرارة البدء للكثير من الدول الصغيرة للسعي إلي احراج الدول المحتلة الي تنفيذ المبادئ والمشاركة في مؤتمرات الصلح لتقرير المصير وبدأ تكوين وفد مصري يتحدث باسم القضية المصرية في المحافل الدولية فلما كان الحزب الوطني اكثر الاحزاب عداء للاحتلال البريطاني متوقف النشاط تقريبا، كان الاتجاه الاقرب لتشكيل جماعة من الشخصيات الابرز علي الساحة لتشكيل الوفد الوطني وقد اختلفت الآراء حول صاحب فكرة تكوين الوفد هل هو الامير عمر طوسون أم أعضاء الجمعية التشريعية يتقدمهم سعد زغلول .. وفي 13 نوفمبر 1918يتشكل الوفد المصري من سعد باشا زغلول رئيسا وعضوية علي شعراوي باشا وعبد العزيز فهمي بك وعبد اللطيف المكباتي بك ومحمد علي علوبة بك من اعضاء الجمعية التشريعية محمد محمود باشا واحمد لطفي السيد بك ممثلا لرجال الصحافة .. وبعد عشرة ايام ينضم إلي الوفد اعضاء من الحزب الوطني وأخرون لتمثيل طبقات الامة .. ويبدو ان الأمر لم يأت علي هوي المندوب السامي الذي يطلب من حسين رشدي رئيس الوزراء منع الاجتماعات تطبيقا للاحكام العرفية في اشارة واضحة لغضب بريطانيا من الوفد المصري ولكي يكون الوفد معبرا عن ارادة الشعب المصري وليس قرارا نخبويا سارع الجميع لجمع التوكيلات من الهيئات والجمعيات وكل الطوائف والافراد باعتبار ان الوفد هو الممثل الشرعي للتحدث عن امر الوطن ومعبرا عن آمال وطموحات الشعب المصري وكانت تلك التوكيلات بداية الحقيقة لثورة الشعب الذي ذاد لديه الوعي السياسي وزادت حركة التوكيلات حتي بعد تضييق الخناق عليها فزادت الاجتماعات السرية حتي جاءت اللحظه الحاسمه في طلب الوفد المصري السفر الي انجلترا للتحدث بشأن القضية المصرية وهو الطلب الذي قوبل بالرفض في أول ديسمبر 1918 برفض السلطات البريطانية لسفر الوفد المصري الي بريطانيا ودعوته الي تقديم اي اقتراحات الي المندوب السامي شريطة الا تخرج هذه الاقتراحات عن دائرة الحماية .. وترفض ايضا سفر حسين رشدي رئيس الوزراء وعدلي يكن وزير المعارف الذين يتقدمان باسقالتهما .. ويتخذ سعد زغلول والوفد المصري مسلكاً اخر امام الرفض بضرورة السفر الي مؤتمر الصلح في باريس ونقل القضية الي المحافل الدولية والاتصال بالرئيس ويلسون والسعي بكل الطرق امام التعنت البريطاني فكان طبيعيا الا يقف الاحتلال موقف المتفرج من التحركات المصرية وبدأ بسلسلة من الاجراءات لضيق الخناق بمنع إرسال البرقيات والتي وصلت الي حد النشر في الصحف لاي أخبار عن الوفد واجتماعه ووقف نشر اي نشاط اعلامي أو اجتماعات للوفد وهنا تنتشر التنظيمات السرية وتقوم بتوزيع منشورات بأخبار وأنشطة الوفد وحتي خطب الزعيم سعد باشا زغلول ولم تجد السلطات البريطانية وسيلة سوي اعتقال سعد باشا ومحمد محمود واسماعيل صدقي وحمد الباسل يوم السبت 8 مارس 1919 وتصدر الأوامر بعدم نشر اي اخبار عن نبأ الاعتقال والنفي إلا ان أمر النفي والاعتقال سرعان ماينتشر في ربوع الأمة بين طلبة المدارس والجامعات والميادين فتصدر الصحف بعد يومين يتصدرها نبأ الاعتقال والنفي لخارج البلاد .. وتسري موجة الثورة في شريان الوطن بعد فترة من تصلب الشرايين وتبدأ بموجة من الاحتجاج بين صفوف الطلبة وسائقي الترام وأصحاب المحلات التجارية ثورة مصرية حقيقية تجتمع فيها كل الاطياف والطوائف المصرية لا تتوقف علي فئة او فصيل ولم تعبأ الجماهير الثائرة بقرار قائد عام القوات البريطانية بمنع التظاهرات والاجتماعات وتبدأ المواجهات والمصادمات ويقع الشهداء علي ارض الوطن وتستمر الثورة لاترهبها رصاصات القوات البريطانية ويبدأ ميلاد جديد للحركة الوطنية ثورة شعبية تروي بالدماء وتجتمع ارادة الامة علي الزعامة التاريخية لسعد باشا رجل المواقف والعزيمة التي لاتلين .. وتتجدد الثورة في يومها السادس الجمعة 14 مارس 1919 وتستمر الاعتداءات بعد صلاة الجمعة من مسجد الحسين ويضرب الشعب المصري اروع الامثال في الصمود والتحدي ويبقي الرجال في كل الميادين وتدخل المرأة المصرية لاول مرة في تاريخها تكتب تاريخا خاصاً بحركتها مشاركة بمظاهرات نسائية الاحد 16 مارس 1919 وتشتد المظاهرات وتصاب البلاد بحالة من الشلل التام وترسل السلطات البريطانية إنذارا شديد اللهجة الي القطر المصري بأن المواجهات لم تحدث بعد وإنها تستخدم القوة في قمع المظاهرات وان ماحدث من قتل ومواجهات لم تكن إلا بروفة بسيطة للمواجهات الدموية التي يمكن ان تحدث .. ورغم قسوة وشدة البيان الا ان المظاهرات وحركة الاحتجاج تستمر وتنتقل بين كل فئات الشعب وتصل الي الارياف وتبدأ الحكومة البريطانية بعد سلسلة من الانتقادات الداخلية والخارجية وكثرة الطلبات داخل البرلمان البريطاني ونشر العديد من الصحف البريطانية لانباء الثورة المصرية في اتخاذ اجراءات جديدة للمواجة تبدأ بتعيين الجنرال ادموند اللنبي القائد العام للجيوش البريطانية في مصر 1917 مندوبا ساميا فوق العادة لها في مصر والسودان .. ليبدأ مهمته في محاولة منه الي احتواء الاضراب العام والمظاهرات ويجتمع بممثلي الامة والاعيان طالبا بضرورة الهدوء والعودة الي نقطة البداية ولكن كانت ثورة الشعب محددة ولا تقبل سياسة المسكنات حتي بعد استخدامهم الي كل طرق القمع من اغتيال وسحل وقتل واعتقال .. وفي 3 ابريل 1919 تنطلق رصاصة لتقتل المسيو ديسن واخري تقتل ارمانيا وتحدث حالة من الهياج وتدين الصحف مقتل الاجانب وتدخل الثورة الي منعطف جديد وتنفي كل الصحف ان المصريين يمكن ان يفعلوا هذا ابدا فالمصري يعرف بالكرم وحسن استقباله للاجانب وتعاونهم مع جميع الطوائف .. ويسعي اللنبي بكل الوسائل لتهدئة الوضع ولكنه يتهرب من المطلب المصري تارة بنشر احاديث بالصحف واخري بتوزيع البيانات ولكنه يلتف حول المطلب الوطني ويخرج السلطان فؤاد بخطابه في 6 ابريل محاولا تهدئة الشارع .. واخيرا تنصاع الادارة البريطانية لرغبة الشعب في الافراج عن الوفد المصري وحرية السفر الي مؤتمر الصلح بباريس وينتشر الخبر وتشكل الحكومة المصرية برئاسة حسين رشدي ويسافر الوفد المصري يوم الجمعة 11 ابريل الي مالطا وينضم اليهم سعد باشا وزملاؤه الثلاثة للمشاركة في مؤتمر الصلح بباريس .. بعد احباط محاولات لقيام وفود اخري من احزاب (الحزب الوطني) . علي الجانب الآخر ومنذ قيام المظاهرات والحكومة البريطانية تدرس الاسباب الحقيقية لقيام الثورة وكيفية التصدي لها مستقبلا ولم تكتف بمجرد تعيين اللورد اللنبي او تحقيق بعض المطالب ولكنها قررت ارسال لجنة لدراسة الثورة والاطلاع علي احوال البلاد وايجاد كيانات أخري يمكن التفاوض معها بعيدا عن الزعماء والنخب السياسية والحصول علي اعتراف من الشعب المصري بالحماية وسميت اللجنة باسم لجنة (ملنر) اللورد الفريد ملنر وزير المستعمرات وكان طبيعا ان يحدث الخلاف بين طوائف الشعب حول اللجنة واهدافها المعلنة والمخفية واتخذت القوي الوطنية الانحياز التام الي مقاطعة اللجنة واهدافها وزادت الاحتجاجات في عواصم القطر ونشرت اللطائف المصورة في صدر صفحتها الاولي نوفمبر 1919 صورة الاحتجاج وبعد وصول اللجنة الي مصر في ديسمبر ودراسة الاحوال خلصت اللجنة إلي اي تفاوض يكون من خلال الوفد وكان لعدلي يكن باشا مؤسس حزب الاحرار الدستوريين في اكتوبر 1922 ووزير المعرف والذي تولي رئاسة الوزاره 16 مارس 1921 دورا بارزاً في الوساطة بين اللجنة والوفد كما اكد ذلك عبد الرحمن فهمي ومع تعدد المبادرات والواسطات دب الخلاف بين الطرفين الطرف الاول سعد باشا ورفاقه والطرف الثاني بقيادة عدلي يكن ومعه علي ماهر .. احمد لطفي السيد .. محمد محمود .. عبد اللطيف المكباتي وكان طبيعيا اتجاه الصحف الي تبني وجهات نظر كل طرف ووقوف بعضها علي الحياد واحدث هذا الانشقاق قيام احزاب أخري صغيرة.