أقامت اللجنة الثقافية بنقابة الصحفيين، مساء الاثنين الماضي، ندوة تحت عنوان "تراجع المهنية في الإعلام وانعكاساته علي المجتمع"، بحضور عدد من الإعلاميين والصحفيين، نظمتها حنان فكري مقررة اللجنة، وأدارها الإعلامي ياسر عبد العزيز، و شارك فيها كل من الدكتور محمد سعيد محفوظ، المذيعة جيهان منصور، الصحفي كارم محمود، وفؤاد التوني رئيس تحرير قناة الغد العربي، وقد جاءت أهمية هذه الندوة كما أشارت فكري نتيجة للهبوط الذي وصلنا إليه في آليات المهنية الإعلامية، في ظل انتشار وتوحش الإعلام الخاص وسيطرة رأس المال. في البداية، أشار ياسر عبد العزيز إلي أن المرحلة التي نعيشها في الإعلام الآن تعود بنا إلي ما قبل أكثر من تسعين عاما، وتحديدا الفترة التي انتشرت بها الإذاعات الأهلية، والتي كان يمتلكها عدد من التجار ويستخدمونها لأغراض شخصية كإذاعتي فوزية وسابو، مشددا علي ضرورة الانتباه إلي الخطر الذي يتعرض له الإعلام المصري بسبب تراجع المهنية وما قد ينتج عنه من تهديد للسلم المجتمعي. أما الدكتور محمد سعيد محفوظ، مدير معهد الأهرام الإقليمي للصحافة، فقد استهل حديثه بتشبيه حالة الإعلام الآن ب"دورة مياه عمومية"، وهو ما صدم كثيرا من الحضور، وأشار إلي عدد من الأسباب التي نتج عنها هذه الحالة من التردي، يأتي علي رأسها سوء اختيار من يدرس الإعلام، فليس هناك من يستطيع اختيار الملتحقين لدراسة الإعلام، لأن الفجوة كبيرة بين المهنيين والأكاديميين، وأضاف: "من أسباب التدهور أيضا أن النشرات الإخبارية في الإعلام المحلي تطغي عليها الأخبار الرسمية ولا تلتفت إلي الاهتمامات الشعبية، وما يؤدي إلي عزوف الجمهور عنها ولجوئه إلي أخري أجنبية قد تكون مغرضة". ومن الأسباب أيضا التي يعدها محفوظ لتلك الأزمة، هي سوء اختيار الكوادر، لأن من يتولون المناصب لا يكونون من المهنيين أو الأكثر إجادة وكفاءة، وإنما للأقرب علي المستوي الشخصي والجغرافي، مما أدي إلي ظهور منتج ضعيف، ولحل تلك المشكلة، يؤكد محفوظ علي ضرورة الاهتمام بالجيل الجديد من الإعلاميين، لأن الأمل ضعيف في إبعاد الوجوه التقليدية القديمة عن الشاشات. بينما كان لجيهان منصور تشبيه آخر، حيث أطلقت علي المشهد الإعلامي الحالي "إعلام المقاولات"، تماما كأفلام المقاولات السيئة التي انتشرت في فترة السبعينيات والثمانينيات، حيث أصبح الإعلام منبرا لكل رجل أعمال لديه أجندة خاصة يريد الترويج لها، ومن يريدون "التطبيل" للنظام، فالسب والقذف أصبح السمة الأساسية للإعلامي الآن، وبعض المخبرين أصبحوا إعلاميين، أما من يلتزم بالمهنية والموضوعية، يتم التنكيل بهم وإيقافهم عن العمل. وأشارت منصور إلي أن من يمتلكون الأموال في مصر هم المنتمون لنظام مبارك ويريدون العودة بنا إلي ما قبل 25 يناير، مؤكدة أنها ليست ضد رجال الأعمال، واقترحت حلين لتلك المشكلة، الأول أن يتم عمل اكتتاب شعبي لافتتاح قناة واحدة باسم الشعب لا يتحكم فيها رأس المال علي غرار البي بي سي في لندن؛ التي تدار من أموال الضرائب، والثاني أن يقر مجلس الوزراء قانون نقابة الإعلاميين الموجود لديهم منذ فترة طويلة، ليكون لدينا مؤسسة قوية تستطيع حماية الإعلامي المهني ومحاسبة الآخرين. وعلي نفس المنوال، أكد كارم محمود من جانبه أنه ليس هناك في مصر أو العالم العربي إعلام جيد، ولكن هناك إعلاميين جيدين، وأضاف: "الإعلام يخدم التوجهات السياسية، وليس لدينا العقلية التي تستطيع أن تنتقي، لذا يجب علينا الاهتمام بالأجيال القادمة، فما الذي ننتظره من طفل اليوم في المستقبل؟،لابد من وجود رقابة وهيئة تنظم عمل الإعلام"، مشيرا إلي أن البي بي سي تنفق أكثر من 60٪ من دخلها علي برامج الطفل، لأنه شاب المستقبل، في حين أنها ليست من اهتمامات القائمين علي الإعلام في العالم العربي. وفي النهاية، أبدي الكاتب فؤاد التوني، صاحب كتاب "أسرار غرف الأخبار"، تعجبه من الحال الذي وصل إليه الإعلام في المنطقة، ومصر تحديدا، فهي الأولي في هذا المجال، وكان الجميع ينظر إليها ويتعلم منها، أما الآن فيشعرون بالشفقة علي الحال الذي وصل إليه إعلامها، مؤكدا علي أن المشهد الإعلامي في الفضائيات المصرية لا يعكس الواقع المصري بأوضاعه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والثقافية، فهي تفتقر إلي الحد الأدني من معايير الأداء الإعلامي المعمول به دوليا، فلا تمييز بين الخبر والرأي، كما أن المذيع لا يقف علي مسافة واحدة تجاه الحدث.