في عام 1990 كتب د. أحمد نوار في مقدمة وضعت لتنشر في كتالوج صالون الشباب: إن أي سياسة للعمل الثقافي في مصر، يجب أن تأخذ في اعتبارها المكانة الخاصة للشباب في المجتمع باعتبار الشباب هم أداة التعبير الحقيقية في أي مجتمع، والشباب يتميز بالنظرة المستقبلية، وهذه النظرة الناقدة هي التي تضمن للنسيج الاجتماعي أن يتجدد دائما أبدا .. والمركز القومي للفنون التشكيلية عندما بادر بتنظيم صالون سنوي للشباب، فقد جاء ذلك تأكيدا علي أهمية توفير المناخ الملائم لتحقيق الفاعلية بين أجيال الفنانين الشباب وجمهور المتذوقين من ناحية آخري، بما يعاون بدوره هؤلاء الشباب علي اقتحام الحدود والفواصل التي تعطل مسيرة حركتهم الفنية ، كما يتيح فرصة أكبر للمتابعين في التعرف علي هذا النوع من الإبداع لتلك الشريحة المهمة من الفنانين. ربع قرن منذ أن انطلق صالون الشباب عام 1989، علي يد الفنان أحمد نوار، وعام تلو عام يُرسخ الصالون لنفسه كأحد أهم روافد الإبداع، وقدم العديد من الأسماء التي أضحي لها وزنها علي الساحتين المحلية والدولية... التقينا بالدكتور نوار لنعود معه إلي البداية وسألناه كيف ولدت فكرة صالون الشباب ؟ في عام1987 عندما تولي فاروق حسني وزارة الثقافة، دعاني للمشاركة في وضع سياسات واستراتيجيات وزارة الثقافة ضمن أعضاء المكتب الفني المعني بوضع استراتيجيات الوزارة، وكان الاهتمام بإبداعات الشباب، والمتاحف القومية، وكيفية نشر الثقافة الفنية في المجتمع جزء لا يتجزأ من سياسة الوزارة. كنت في ذلك الوقت أتولي عمادة كلية فنون الجميلة جامعة المنيا، حيث كنت قد أسست تلك الكلية وتوليت منصب أول عميد لها ، وكنت أتبني تجربة تأسيس الكلية منذ البداية بما في ذلك إنشاء مركز معلومات ومكتبة فنية علي مستوي عال وخبرات كبيرة في هذا الصدد، بخلاف عملي عن قرب مع قطاع الشباب . بعد ذلك طلب مني السيد فاروق حسني تولي رئاسة المركز القومي للفنون التشكيلية ( حيث لم يكن قطاع آنذاك) ، وبالفعل في 12 مايو 1988 أصدر قرارا بتعييني ، وكان لابد من الإطلاع علي أنشطة المركز والجهاز المالي والإداري في بداية عملي ، واكتشفت أن الحالة سيئة جدا فيما يتعلق بالمتاحف والبنية التحتية الخاصة بالمعارض القومية والمحلية باستثناء بعض الأنشطة التي تقام في بعض القاعات ، ولذا كان لابد من وجود خطط تجديد شاملة. التقيت بالوزير بعد ذلك وتقدمت بالعديد من المشروعات المختلفة فيما يتعلق بالفنون التشكيلية بشكل عام ، ومنها مشروع لتطوير وتحديث المتاحف كلها، وكذلك تنظيم عدد من الفاعليات والأنشطة من بين تلك المشروعات صالون الشباب، وقد وافق الوزير علي كل المشروعات وبالفعل بدأنا التجهيز لها واحدا تلو الأخر ، وبدأنا العمل علي أول دورات صالون الشباب التي أقيمت في عام 1989. ما الفلسفة التي أنشئ الصالون الأول علي أساسها؟ كان الهدف منه دفع حركة الإبداع عند شباب الفنانين المصريين، بهدف الكشف عن مواطن القوة والابتكار وإثارة الخيال لدي مجموعات الفنانين الشباب تحت سن خمسة وثلاثين عاما لفتح الأبواب والنوافذ، وإتاحة الفرصة الكاملة لأجيال تالية كي تقوم بمهامها في نسيج وتعميق المدنية والحضارة لدي الأمة . ومن خلال معرض صالون الشباب تمكنا من رصد الظواهر الإبداعية المتميزة وتشجيعها بوسائل متعددة، وإتاحة الفرصة كاملة أمام شباب الفنانين للتجريب والبحث والانطلاق والتعبير الفني من خلال طاقتهم الإبداعية وتهيئة المناخ الصحي وتوفير سبل تألق المميزين والواعدين منهم. عبر كل تلك السنوات التي أقيم فيها صالون الشباب خلال توليك منصب رئيس قطاع الفنون التشكيلية هل اختلفت معايير قبول ورفض الأعمال؟ قبول ورفض الأعمال كان دائما مسؤولية لجنتي الفرز والتحكيم، في الدورات الأولي كانت هناك لجنة واحدة للفرز والتحكيم، لكن المعيار الأساسي دائما هو القيمة الفنية. وبالطبع كنا نترك للشباب حرية اختيار التقنيات ولكن مع مراعاة الأصول الفنية، وكانت المجالات المعلن عنها في أول دورة هي الرسم والتصوير والنحت والعمل المركب والجرافيك ، ومع ذلك كنا نترك مساحة للمزج بين التقنيات المختلفة . لقد كان الهدف أن نعمق فكرة الأصالة الإبداعية لدي الشباب ونترك للشباب حرية الاختيار. لماذا لا يتم الإعلان عن أسباب رفض الأعمال،خاصة وأن بعض الفائزين ترفض أعمالهم في السنوات التالية ؟ أثناء فترة رئاستي للقطاع كان الصالون يستمر لمدة شهر وكنا نحرص علي إقامة أربع ندوات، كنا نعمل من خلالها علي تقديم نقد شامل للصالون والأعمال، وكنا نستمع لكل الشكاوي ونجيب عليها ، ولكن لابد أن يحضر الفنانون تلك الندوات وإلا فما فائدتها في غيابهم ،لابد من أن يلتزم المبدعون الشباب بحضور الندوات النقدية والتفاعل . بعد 25 سنة وبصفتك ناقد كيف تقيم تجربة صالون الشباب في مجملها ؟ مما لا شك فيه أن الصالون كان هو البوتقة التي اجتمعت فيها الفترة الزمنية العمرية حتي 35 سنة ، عمل نوعا من التجميع الرائع وكان أحد المحفزات الرئيسية علي الإبداع ، وأصبح الشباب ينتظرونه دورة بعد دورة ، كما خلق أجيالا من الشباب ترعاها الدولة ووفر لهم مكانا للعرض وكاتلوجات تضم أعمالهم، وهو ما دعم كثيرا من شباب الفنانين وأصل لديهم الإحساس بالقيمة الفنية، وبثقتهم بأنفسهم. وقبل الصالون لم يكن هناك أنشطة قومية فنية ترعي الشباب، كذلك فإن الصالون خلق حالة من التنافسية الإيجابية بين الشباب وجعلهم علي اتصال. ومن خلال صالون الشباب كان يتم ترشيح الكثير من الفنانين لتمثيل مصر في الخارج أو لتمثيلها في البناليات والترناليات وغير ذلك. ولكن هل هناك سلبيات لم يتم تداركها ؟ بالطبع الصالون يتطور عاما بعد عام ، لكن هناك بعض الأمور أتوقف عندها، أولها توقف الموسوعة التوثيقية التي صدر منها ثلاثة أجزاء حتي الآن ، كل منها يضم توثيق خمس دورات ، وكان من المهم أن يستمر إصدار هذه الموسوعة التي تعد مرجعا شاملا يضم كل ما يخص الصالون بما في ذلك جميع اللجان والفائزين وكل ما كتب عنه بحيث يصبح مرجعا للباحثين والصحفيين والمهتمين بالحركة التشكيلية. ثانيا ليس هناك نقد حقيقي للصالون، وليس هناك جهد حقيقي لتشريح الحركة الفنية، والشباب بحاجة لسماع نقد لأعمالهم، لابد أيضا من وجود ورش وتجمعات قبل الصالون، فقد كنا في الماضي ننظم ورشا في مجمع الفنون وقصر الفنون قبل الصالون للتدريب علي فنون التجهيز في الفراغ والأعمال المركبة ، وهذه الورش كذلك توقفت. ثالثا كنا في الدورات الأخيرة- قبل أن أترك القطاع- قد توسعنا في صالون الشباب وبدأنا دعوة ضيوف شرف من الدول العربية ، بدأت بثلاث أو أربع دول وصلت إلي 15 دولة ، وهو أمر إيجابي أن يكون هناك ضيوف شرف يشاركون مع شباب مصر ، لربط جسور التواصل والإبداع بين شبابنا وشباب الدول الآخري. حدث في إحدي الدورات أن تم سحب للجوائز بسبب إثبات واقعة قيام أحد الفنانين بالنقل المباشر من فنان آخر.. فكيف تري تلك الواقعة؟ بمجرد اكتشاف قيام أحد الفنانين بنقل فكرة بالكامل من فنان أجنبي تم سحب الجائزة وكذلك منع الفنان من المشاركة عدة سنوات ، وهو أمر يتكرر ولذا فإن جزءا من دورنا أيضا غرس قيم الفنية من خلال تنظيم ورش علي المستوي الفكري، والتركيز علي أخلقيات الفنان. من الضروري أن يفهم الفنان الشاب الفارق بين الاقتباس والنقل ، فمن حق الفنان التأثر بأعمال فنان آخر بل وإعادة إنتاج أعماله برؤيته الشخصية شرط الإشارة إلي تجربته ، وهناك أمثلة كثيرة علي ذلك منها بابلو بيكاسو عندما أعاد أعمال الجريكو لكنه أعلن عن ذلك ، حيث قال إنه تأثر بها وأعلن أنه سيعيدها ، وهو ما حدث معي شخصيا عندما تأثرت بوجوه الفيوم وأعدت تقديمها في معرض، لكنني كنت ألصق صورة مصغرة من العمل الأصلي بجوار عملي. ولذا أؤكد مرة أخري أن دور صالون الشباب، هو رعاية جيل يصل بفنه وإبداعه لأعمال لها قيم فنية وجمالية عالية ولها تفردها وأصالتها ، ولابد من الحفاظ علي الهوية وأصحاب الرؤي التي لها علاقة بالوطن، فنحن دولة عظيمة ولدينا حضارات متعاقبة ، ولذا وجب علينا غرس الهوية في كل شاب بحيث يكون منتجه الفني متفردا وأصيلا ومعبرا في ذات الوقت عن روح العصر الذي يعيشه .