توقفت منذ فترة غير بعيدة عند صورة للفنان الراحل أحمد بسيوني علي الفيس بوك والتي رفعها أحد الفنانين معلقا عليها بعبارة شديدة الاقتضاب "قصة شهيد" .. وعلي قدر اقتضاب التعليق كانت قوته وتأثيره.. فقد أعاد إلي الذاكرة قصة الفنان الشاب أحمد بسيوني الذي استشهد عن عمر 33 عاما في ميدان التحرير في الأيام الأولي من ثورة 25 يناير . ويظل الفنان أحمد بسيوني حاضرا علي المشهد رغم غيابه ..فهو رمز الإنسان الفنان الذي فقد حياته حبا في مصر .. وفي بادرة طيبة .. في إطار الاحتفال بحصاد 25 سنة من صالون الشباب كرم قطاع الفنون التشكيلية سبعة من الفنانين الشباب الذين رحلوا في عمر الزهور، وهم الفنان أحمد بسيوني (1978 2011) ، والفنانة أمال قناوي (1974- 2012)، والفنان جمال المرسي (1963 1994)، والفنان رؤوف سمعان (1966- 2009) ، والفنان شعبان عباس (1969- 2010) ، والفنان صالح عبد الصبور (1967- 2013)، والفنان هاني الجويلي (1969-2007). وفي مقدمة الكتالوج الصادر بمناسبة معرض حصاد صالون الشباب كُتب: هناك فنانون يرحلون في عمر الزهور يودعون الحياة مبكرا لكنهم يتركون بصماتهم الإبداعية..نتذكرهم في كل وقت .. نتذكرهم بأعمالهم التي أصبحت بمثابة نقوش علي جدران الزمن .. نتذكر فنانين رحلوا عن دنيانا في عمر الزهور بعد أن تركوا بصماتهم التعبيرية شاهدا علي معني الفن والحضور والغياب. وقد استطاع الناقد صلاح بيصار أن يسجل بقلمه ورؤيته حكاية هؤلاء الفنانين السبعة في مجموعة من المقالات البديعة التي نشرت بالكتالوج الصادر بمناسبة معرض حصاد 25 سنة لصالون الشباب، التي سجل فيها انطباعته الفنية والإنسانية فخرجت لغته أقرب إلي الأدب. الفنان.. الثائر يقول بيصار عن الفنان أحمد بسيوني: كان نبيلا في سلوكه وفي ثورته وكانت الكاميرا سلاحه وأداته في الثورة .. خاصة وهو يعد من شباب الفن من الجيل الجديد في اتجاه ما بعد الحداثة وقد شارك في الإبداع المصري منذ تخرجه عام 2000 ، حيث شارك في صالون الشباب الثالث عشر وفازت أعماله في فن الرسم التي تمثل بداياته التعبيرية بالجائزة الأولي .. ويختتم رأيه قائلا : سلام علي أحمد بسيوني شهيد الثورة وفنان ما بعد الحداثة وقد مهد الطريق لزملائه والأجيال التالية من شباب الفن في فنون الميديا التي تتعانق وأفاق الألفية الثالثة . أنا الفوتوغرافي.. جئت ربما كان رحيل الفنان هاني جويلي في عام 2007 صدمة شخصية بالنسبة لي ، فقد كان الفنان الشباب -وهو ابن الناقد المعروف كمال الجويلي - متألقا وروحه محبة للجميع، حيث فوجئنا برحيله أثر حادث سيارة. وقد كتب الجويلي قبل رحيله وكأنه كان يستشعر النهاية :" أنا الفوتوغرافي جئت .. أبحث عنك أجدك .. أحملك معي ونمضي سويا .. علي دروب الذاكرة معا نتلاشي .. لكن كائنا من ورق سيبقي ليحكي أننا كنا هنا هكذا." وقد ربط الجويلي بين رؤيته الفلسفية المتعمقة وفنه ، ففي معرضه الأخير الذي أقيم في أرت اللوا عام 2007 ، كتب الجويلي: أيها الساكنون علي سطح فوتوغرافياتي .. أين نلتقي ؟ وكيف تتحدد لحظات اللقاء ؟ الأسئلة .. معجزة العقل التي تتوهج عبر متون الصور .. أسئلة السكون والحركة ..العتمة والنور .. التلاشي والسطوع .. صورنا هي فعل مقاومة ضد الفناء ..تنبعث مذاقات الحنين والأسي من رحيق البصريات التي تحمل عبق لحظات الزمن المنفلتة .. تتقاطع مصائرنا وتتباعد في مصفوفة نسيجها ألياف الذاكرة ومومياوات.. العصر الحديث ، مجلدات الصور التي تحكي ما كان من أمرنا مع الآخرين .. مع التفاصيل اليومية .. مع الحياة ..مابين رسوم كهوف الانسان الأول و ألبومات الصور التي ترسم تاريخنا ، خيط رهيف يقودنا إلي بيوت الذاكرة ، حيث تسكن الآلام والأحلام ..الضحكات وطقوس البهجة المستعارة ..خطوط الزمن علي وجوهنا وأجسادنا .. خصوصية آمال أما الفنانة أمال قناوي أيضا فقد رحلت بعد صراع طويل مع المرض، إلا أنها تركت بصمة فنية حيث قدمت أعمالا لها خصوصية لتعبر عن قضايا المجتمع ومتناقضاته، وعن قضايا المرأة،وهي واحدة من أهم الفنانات المعاصرات التي قدمت العديد من الأعمال.. التي تنوعت بين البيرفورمانس والفيديو أرت والتجهيز في الفراغ والأعمال الفنية المركبة مع عناصر فنية امتزجت وتداخلت مع فن الرسم والتصوير والفوتوغرافيا والنحت والرسوم المتحركة ، لتقدم تلك الشحنة الفنية التي اشتعلت بداخلها ، فقدمت ما قدمت في عمر لم يتجاوز 38 عاما ، وكأنها كثفت رحلتها الطويلة جدا في تلك السنوات المفعمة بالفن . صلة الفن بالحياة وعن رؤوف سمعان يقول بيصار : جاء الرحيل المبكر للفنان رؤوف سمعان عن عمر يناهز 43 عاما إضافة إلي تلك الصفحة صفحة ..الخلود في الفن رغم عمره القصير، وقد كتب بأعماله التي تنتمي للتعبيرية الرمزية مع واقعيتها في الأداء وتناول العناصر والمفردات في فن التصوير معني صلة الفن بالحياة واستشراف المستقبل مع هذا الحس التنبؤي الذي يأخذنا إلي ما لم يكن في الحسبان بما يحمله بداخله من روح نقية شفافة. ولد الفنان سمعان عام 1966 بالدرب الأحمر تلك المنطقة الشعبية التي ألهمته الكثير من فنه يبدو هذا في التفاصيل التي احتشدت بها لوحاته ..التي تدعونا للتأمل لما تحمله من ثراء الإيقاع وسحر الخيال. اللوحة .. حالة إيقاع الفنان جمال مرسي هو أحد الفائزين بجائزة تشجيعية في صالون الشباب الأول في مجال التصوير ، وقد تخرج في كلية الفنون الجميلة قسم تصوير ، وقام بالمشاركة في العديد من المعارض المحلية والدولية.. وقد رحل الفنان في عام 1994 عن عمر 31 عاما ، ويصف بيصار في مقاله "الفنان جمال مرسي ودراما التعبيرية" أعماله بأنها شكلت عالما دراميا من وحي وهجها .. عالما يجعل من اللوحة حالة وإيقاعا ونسقا ومنظومة لونية تتألق بسحر التعبير وفيض الانفعال ورحابة التشكيل. تجربة قصيرة.. وإبداع متميز المثال شعبان عباس الذي رحل عام 2010 عن عمر 41 ترك علامة بارزة في فن النحت الحديث، ويمكن مشاهدة أحد أعماله البارزة "الصخرة المعلقة "المعروضة بشكل دائم في متحف الفن والحديقة بمركز الجزيرة للفنون بالزمالك ..وقد تخرج الفنان من كلية الفنون الجميلة قسم النحت الميداني عام 94 ، وكان قد حصل علي جائزة النحت الأولي علي مستوي خريجي الكليات الفنية من مجلس الشباب والرياضة عام 96 منحة التفرغ لمدة عام ، كما يمكن مشاهدة أعماله أيضا في متحف الهواء الطلق بأسوان ، ومطار القاهرة الدولي الجديد. علامات من الذاكرة وأخيرا نتوقف عن الفنان صالح عبد الصبور الذي قال عنه شقيقه الفنان وائل: إذا تكلمت عنه كإنسان فلن يسعني المقام ولا الوقت .. فقد اجتمعت فيه رحمه الله خصائص الشهامة والمروءة المصرية الأصيلة . وقد توفي الفنان صالح عن عمر يناهز 37 عاما ،وتخرج في كلية الفنون الجميلة قسم جرافيك.. وحاز علي العديد من الجوائز . وقد غلب علي أعماله في الطبيعة الفنية، الطابع التجريدي التجريبي، ومعظم أعماله علي حد تعبير شقيقه تعكس علاقته الحميمة بمجتمعه وانفعاله شخصيا باحداثه وقضاياه، ومن تلك الأعمال مجموعة من الأعمال الجرافيكية تحت عنوان " علامات من الذاكرة"، يحكي من خلالها الفنان أهم الأحداث التي مرت به، باستخدام مفردات تشكيلية مركزة ومختصرة، وكأنها سيرة ذاتية أو مذكرات مصورة.