ربما خرجت جوائز صالون الشباب الخامس والعشرين، والذي افتتح يوم 30 نوفمبر الماضي، في مجملها لتتجه بشكل كبير إلي الفنون المعاصرة، كالتجهيز في الفراغ والبيرفورمانس والفيديو حين تراجعت الفنون التقليدية بشكل كبير أمامها. وفي حين تم حجب الجائزة الكبري، تم تخصيص أربع من جوائز الصالون العشرة وقيمة كل منها عشرة آلاف جنيه إلي التجهيز في الفراغ، وجائزة للبيرفورمانس، وجائزة للفيديو، وأخري للفوتوغرافيا، في حين ذهبت اثنتان فقط من الجوائز للتصوير وواحدة للخزف. ذلك بخلاف الجوائز التشجيعية والتي ذهب معظمها أيضا لفنون الفيديو والتجهيز في الفراغ. هبة صالح..ضد الخدش! للجوارب النسائية تأثير داعم لإحساس الأنوثة .. فالجوارب النسائية التي تم اختراعها في عشرينيات القرن الماضي من الحرير الصناعي.. ثم بدأ تصنيعها بعد الأربعينيات من خامة النايلون (الفوال) ..هي من أقرب الأشياء ملامسة لجسد المرأة .. كما يعتبر من رموز الإغواء.. ويبقي التحذير للمرأة والرجل علي السواء عند التعامل معه أنه مادة شديدة الحساسية وقابله للخدش . بهذا المفهوم قدمت الفنانة هبة صالح عملها الفني الذي فازت من خلاله بجائزة صالون الشباب هذا العام في مجال البيرفورمانس (الأداء الحركي). والعمل كما أرادته الفنانة يوجه رسالة لعدة أشخاص .. لكل شخص قابلته وترك خدشا داخلها، ولكل شخص قرر أن يأخذ قرارا نيابة عنها دون مراعاة لرغباتها، ولكل إنسان نظر إلي شكلها وأغفل عقلها.. ولكل شخص قال كلمة في شارع وتسببت في ألمها..بل هي رسالة إلي المجتمع الذي يتعامل معها علي أنها جسد..وعليها أن تخاف عليه من أي خدش لأنه سلعة لشخص لا تعرفه. تقول الفنانة إنه إهداء لهبه التي عرفت كيف تستثمر كل خدش..وتضيف: إنه إهداء وتنويه في الوقت نفسه أن الكلمة ..أو النظرة..أو اللمسة من الممكن أن تترك خدشا لا نراه لكنه يخدش النفس. ومن خلال صفحة العمل علي الفيس بوك وجهت الفنانة دعوة للتفاعل مع العمل لمن تشعر أنها مؤمنة بالرسالة وترغب في نشرها.. حيث قالت: أرجو من الفتيات والسيدات أن يجلسن داخل العمل ويقمن بالتقاط صور ومشاركتها. هبة فنانة تشكيلية ومنسق برامج ثقافية، وحاصلة علي ماجستير في العلاج بالفن، وقد شاركت في العديد من الورش الفنية منذ 2003 مع العديد من المؤسسات والمبادرات التطوعية ومنها مشروع الصرخة، وحلم إسطبل عنتر ومؤسسة كيان الثقافية، وتتبني هبة أيضا اتجاها فنيا في مجال الأداء الحركي (البيرفورمانس) والفن التفاعلي بهدف استخدام الجسد البشري والتفاعل لطرح رؤية مغايرة لإعادة التفكير في المفاهيم المجتمعية. محمود مرعي..مقاومة العجز بمجرد أن تبدأ جولتك بقصر الفنون حيث أحد أكبر مواقع عرض صالون هذا العام حتي يتأكد لك ذلك التغير الكبير في الفكر الذي يطرحه شباب الفنانين هذا العام، وتبدأ الجولة بعمل الفنان محمود مرعي (تجهيز في الفراغ) وهو أيضا أحد الفائزين بجوائز الصالون، حيث يلقي الضوء علي فئة في المجتمع الذين أطلق عليهم (ميتين بالحياة) يأكلون ويشربون ولكنهم في تعداد الموتي. ويظهر العمل كجسد مكفن بالكامل في حين يخرج من منطقة البطن زرع أخضر، وتوجد قلة من الفخار مغطاة أيضا بالزرع معلقة فوق العمل وتتساقط منها قطرات المياه في بطء ... وعن تنفيذ العمل يقول الفنان: زرعت حبوب قمح طبيعية كي تخرج من جسد الميت وقمت بتحريك رأسه عند الوقوف علي بعد متر من الجسد ليقوم المتلقي ذاته بتشغيل الأجهزة الإليكترونية عن طريق أجهزه كنترول وميكانيكا داخل العمل ويعد هذا جزءا مهما في الفنون المعاصره علي المستوي العالمي بمعني تفاعل المتذوق مع العمل الفني. ويضيف الفنان: رمزت لفكرة الحياة بالزرع وجاء تحريك الرأس دلالة علي الرغبة في الحياة، لكن الشخص في ذات الوقت متكف بداخل الكفن.. وقد تركت الموضوع مفتوحاً أمام المتفرج .. بدون وضع مفهوم بعينه بجوار العمل لأنني أري أن ذلك يثري العمل ويجعل المتلقي يتفاعل معه ويبحر بداخله ... وربما يوحي إنسان محمود مرعي بكثير من الأفكار.. كعلاقة كوكب الأرض بالمياه والزرع .. أو الرغبة في التشبث بالحياة، أو ربما بروح المقاومة والعجز، أو النقاء في مواجهة موت الروح ... أو غير ذلك من الأفكار التي تنتقل إليك عبر تأمل العمل. وعادة ما يتعامل محمود مرعي في عمله الفني مع خامات مختلفة، وهو ما يمكن أن نلمحه في العمل الثاني الذي يعرضه الصالون هذا العام والذي يصور الفنان وعميد الإنشاد الديني الشيخ ياسين التهامي، والذي قدمه مرعي بخامة أكريليك وصفيح صدئ وورق دهب، ويجسد العمل حالة من الموسيقي الروحية، حيث يقول الفنان: أحرص علي حضور الليلة اليتيمة لمولد سيدنا الحسين سنويا ولأن نسبي ينتمي الي آل البيت أثر ذلك علي حبي المدح والشعر الصوفي. ومحمود مرعي حاصل علي بكالوريوس تربية فنية، وقد شارك عدة مرات قبل ذلك في صالون الشباب حيث شارك في الدورة 19 (تجهيز في الفراغ) والدورتين 22 ، 24 (تصوير) وحصل علي الجائزه الكبري مناصفة في الدورة 24 ، وقد أقام عدداً من المعارض الخاصة كان آخرها معرض "بريق الصدأ" بقاعة زياد بكير بدار الأوبرا خلال عام 2013 . إيمان علي..ثلاثية الخوف والظلام والسلطة ولا يمكن أن تمر بالدور الأرضي قبل أن تشاهد عمل الفنانة إيمان علي والتي حصلت كذلك علي جائزة الصالون في فرع (التجهيز في الفراغ)، واستعانت بنماذج من الفئران وكذلك مجموعة من الفئران الحية لتعبر عن فكرتها التي تلخصها في علاقة الخوف بالسلطة وبالظلام .. وهو ما أكد عليه مفهوم العمل : وكانت أن استغلت السلطة ذ في كل صورها عبر التطور الإنساني للمجتمعات- غريزة الخوف بل إنها استطاعت إبداع حضانات لهذه الغريزة .. تنميها أولا ثم تستثمرها كذريعة تقنن ما تريد من ممارسات وما تمارسه من إجراءات .إن هذا السياق الفلسفي عادة ما يلتحف فلسفة الخوف وهي بطبيعتها تستلزم بيئة خاملة من الجهل ومن الظلام هناك حيث يقبع المخيف المجهول في سواد العدم. أويس أبو زيد..تحدي الموبايل بالرغم من أن الفوتوغرافيا ظلت لسنوات طويلة من الفنون المظلومة علي صعيد العرض القومي، إلا أن تخصيص قاعة الباب بالكامل لعرض الفوتوغرافيا، وكذلك فوز أويس أبو زيد بإحدي جوائز الصالون العشرة جاء ليؤكد أن الفوتوغرافيا تنافس بقوة فنيا، خاصة فيما يتعلق بالمفهوم ورؤية العمل، لا سيما وأن العمل الفائز والذي يتكون من مجموعة من الصور تم تصويرها بكاميرا موبايل .. وليست هذه المرة الأولي التي تصل فيها فوتوغرافيا الموبايل إلي جوائز الصالون، حيث يقول أويس : في العام الماضي أيضا فاز محمد عز بمجموعة صور التقطها من خلال كاميرا موبايل. وقد قدم أويس مجموعة من الصور التي تكرر فيها استخدام تيشرت أصفر كعنصر ثابت مع تغير المكان والتكوين، حيث يوضح أويس مفهوم العمل قائلا : الصور توثق أحداثاً حدثت لي بالفعل خلال الشهر الماضي، كانت البداية عبارة عن دراسات بصرية لإيجاد تكوينات ممتعة باستخدام عنصر سهل التداول والتنقل .. "التشيرت الأصفر" ولكن سرعان ما تطورت الفكرة وخرجت عن هذا النطاق .. واستخدمت التشيرت لإثبات حضوري في أي مكان كنت متواجداً فيه .. كصورة العزاء وهي بالفعل من عزاء عمي. وعن استخدام الموبايل في التصوير يقول أويس : ربما يرجع الأمر لتداول الموبايل وكثرة استخدامه، وهو ما يسهل وصوله لأماكن يصعب وصول الكاميرا لها .. فمعظم المصريين لا يرحبون بالكاميرا ولا يتقبلونها مع الأسف. وأويس أبوزيد، خريج فنون تطبيقية دفعة 2014 ، قد بدأ اهتمامه بالتصوير الضوئي في 2010 ، حيث شارك في بعض المسابقات ومنها مسابقة الساقية كما شارك أيضا في صالون الشباب في دورته ال 23 .. وهو مهتم برصد الشارع المصري بمواضيعه الثرية أو "الدسمة المتنوعة" علي حد تعبيره، حيث يقول : أسعي لتوثيق أحداثه المتسارعة بجميع الطرق . وعن تخصيص قاعة لعرض الأعمال الفوتوغرافية المشاركة في الصالون هذا العام يقول أويس إن هذا الأمر: أتاح الفرصة أمام عرض مشاركات متعددة ومختلفة عن السنوات السابقة.. وصالون الشباب فرصة مهمة لأي ممارس للفن في مصر حيث يضم تحت رايته مجموعة من المجالات المختلفة .. والفنانون المشاركون هم مصدر إلهام دائم بالنسبة لي . معاوية هلال..الزمن الإنساني ربما كان معاوية هلال هو الفنان الوحيد الفائز بجائزة للنحت ضمن كل الأعمال الفائزة في الصالون هذا العام، حيث حصل علي جائزة تشجيعية عن أحد العملين الذي تقدم بهما، والعمل الفائز مستلهم من مشهد مائدة القرابين في حياة المصري القديم، وعلاقة الإنسان بالغذاء في العموم وحالة الخوف من الجوع وإيمانه بالحياة الأخري، وهو المشهد ذاته حسبما يذكر الفنان- الذي يتكرر في طوابير الجمعية لكن بطريقة ساخرة. ورغم فوز أحد العملين اللذين تقدم بهما معاوية هلال، إلا أنه كان يتمني أن يفوز عمله الآخر الذي يناقش قضية الزمن، وهي قضية لها بعد تاريخي كما أنها استخدمت أيضا في نظريات علمية كما حدث مع ألبرت أينيشتين وأحمد زويل، يعلق الفنان قائلا: لأنني من أهل الفن، فقد وظفت عنصر الوقت بطريقة إنسانية، وقد استغرق مني هذا العمل وقتاً كبيراً لأنه لا يعتمد فقط علي النحت، ولكن أيضا علي الميكانيكا والكهرباء بجانب الفكرة الأساسية الإنسانية المقصود بها العمل، وقد شعرت بالضيق لأن أحد المسئولين في الصالون أخبرني أن العمل مجرد ديكور. وعن ولعه بالنحت يقول هلال: بدأ تعلقي بالنحت قبل التحاقي بالمدرسة، حيث نشأت في المنيا وهي مدينة أثرية غنية بالمعابد وكنت أقضي معظم اليوم في تأمل المنحوتات، وأتساءل عن كيفية عمل منحوتة إضافة إلي تفكيري العميق في الحروف والرسالة التي يحملها كل عمل نحتي، ولطالما شغلني تسجيل المصري القديم لحياته اليومية والدينية. وعن صالون الشباب يعلق معاوية قائلا : إن الصالون يعتبر هو الحدث الأهم الذي ينتظره شباب التشكيليين جميعا، لأنه الحدث الوحيد المتاح لجميع الشباب سنويا، عكس الفاعليات الأخري التي تعتمد علي الترشيح وتقتصر علي ناس بعينها. ويضيف معاوية : أحرص علي متابعة الصالون سنويا، وقد تميزت دورة هذا العام بروح الابتكار والتجريب، وهناك تجارب كثيرة تستحق الاهتمام، وقد كان القوموسير دكتور خالد حافظ متعاوناً جدا مع المشاركين ومتواصلا معنا بصورة كبيرة. أما عن تراجع الفنون التقليدية في مقابل الحداثية يقول معاوية :عن نفسي لا أعتبر أن أي عمل فني يمكن تصنيفه علي أنه تقليدي فكل فن يعبرعن وقته أو يعبر عن الفنان صاحب العمل ولكن المهم الحفاظ علي الهوية ودمجها بروح المعاصرة.