أولاً، كيف دخلت عالم النشر؟ وهل كانت البداية مع تأسيس دار الربيع العربي أم سبق الدار خطوات أخري؟ دائما أعيد الفضل في دخولي عالم النشر إلي عام 2008.. حيث قررت وأنا طالب بكلية دار العلوم أن أنشئ "جبهة التصحيح" وهي المجموعة الأولي علي فيس بوك التي تهتم بتقديم خدمات التحرير الأدبي للنصوص المنشورة وتقديم صورة مختلفة أكثر عصرية للباحث اللغوي.. كان هذا نابعا من اهتمامي باللغة بالأساس والتي انحدرت في كتابات بدأت دور النشر الشابة في تقديمها وكنت أتابعها وأنا أبحث عن مكان لي كقاصّ وشاعر ومدوّن علي وشك الانضمام لعالم الكتّاب الشباب المنشور لهم.. وكان الأستاذ إبراهيم عبد المجيد قد تحمّس لنشر مجموعتي القصصية الأولي بدار "بيت الياسمين" ثم تعطل المشروع.. بعد أن تعاملت "كمحرر أدبي ومراجع لغوي" مع عدد من دور النشر الشابة في مصر وعدد من دور النشر غير المصرية وعدد من المؤسسات العالمية المعنية بالثقافة شعرت بإحباط شديد مما تقدمه دور النشر المصرية، فيما عدا تجربة محمد الشرقاوي صاحب أجمل تجارب النشر في نظري "ملامح" والتي انتهت نهاية سريعة ومحزنة، وجاء دور "مدبولي الصغير" الدار التي منحتني فقط الاطلاع علي خزانة أسرار النشر منذ الحاج محمد مدبولي رحمه الله والذي كان عمّ صاحب "مدبولي الصغير.. وكنت أعمل بها مديرا للنشر، لكن في آخر مراحل سقوطها وانهيارها.. وانسحبت حين تأكدت أنه لا توجد نية أو رغبة في إنقاذ هذه الدار من قِبل صاحبها.. ألم تكن مغامرة البدء في مشروع نشر جديد في الفترة التي أعقبت ثورة يناير؟ علام راهنت؟ قررت أن أنشئ دار "عربيّ" لتكون الخطوة الأولي في تقديم رؤيتي لعالم النشر متفاديا كل العيوب والملاحظات التي سجلتها خلال متابعة جيدة لدور النشر التي تعاملت معها.. كان ذلك يوم 24 يناير 2011 باختصار ظللت حتي نهاية أحداث محمد محمود الأولي مؤمنا أن أي مشروع لا ينبغي أن نقيمه قبل أن نقيم الثورة وننتصر لها، حتي وصلت لحقيقة أن الانتصار للثورة يكون بالانسحاب من الميدان والاتجاه إلي المكتب الذي أستخرج منه البطاقة الضريبية والسجل التجاري لدار النشر التي حلمت أن تغيّر الأوضاع السيئة للبلاد قبل 25 يناير 2011 لكن ليس بالوقوف أمام الغازات المسيلة ورصاصات الخرطوش والمطاطي وإنما بتنوير العقول التي تركتنا نموت في محمد محمود وذهبت لتنتخب الإخوان والسلفيين ورجال مبارك في الانتخابات البرلمانية، وكم كان ذلك يعني انتفاء أي أثر لما حاولنا أن نقوم به، كل شيء صار هباء منثورا كأنه لم يكن.. دار "عربيّ" صارت "الربيع العربي" وفسّرنا الاسم وقتها أنه يعني جيل الشباب "الربيع" الذي نهض بلسان واحد في كل بيت "عربيّ" ليطالب بحقه في "الإنسانية".. وأنا لا أستطيع أن أوفر لهم "العيش" لكني أستطيع أن أساعد في توضيح خريطة الوصول إلي "الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية"... وهذه هي المغامرة الحقيقية كيف أنك تسعي بالنشر إلي مجابهة الظلام والقمع في حين ان النشر نفسه يلفّه القمع والفساد كما وجدتُ خلال الفترة التي سبقت قرار إنشاء الدار.. راهنت ساعتها علي نفس الجمهور الذي يأتي إلينا في معارض الكتاب التي نشارك بها ويذهب إلي المكتبات ليشتري كتبنا... فردًا فردًا هؤلاء فقط وبعض من لم نصل إليه بعدُ ولم يعرف بما نقدّم هم المستقطبون الذين نسعي إليهم ونراهن عليهم بذات اللحظة. نستقطبهم ليكونوا معنا في معركة أهم بكثير من الحكم والسياسة، معركة النور والظلام.. لنتحرك معا باتجاه المجتمع كله، ثم الإنسانية.. ما الذي يميز "الربيع العربي" عن غيرها من دور النشر المصرية الأخري؟ وما الذي يمكنها وحدها تقديمه وسط سوق نشر يتسم بالصخب والازدحام؟ قد تكون شهادتي مجروحة حين اتحدث عمّا يميز دار الربيع العربي عن غيرها من دور النشر الأخري، إلا أن ما اجده شخصيا كقارئ بغض النظر عن علاقتي بالدار هو وجود توجّه واضح للدار واتجاه لا تحيد عنه لأي سبب وهذا التوجه تحديدا يعاني في مصر ندرة المهتمين به من الناشرين وهذه الدور أغلبها لا يقتحم المجال الذي تسبح فيه دور النشر الأكثر تواصلا مع الناس والأكثر قربا لهم والتي تقدم لهم الوجبات الخفيفة المسلية، فستجدين إصدارات الربيع العربي دون إصدارت الدور التنويرية تحتل مراكز في قوائم الأعلي مبيعا في كبريات المكتبات.. هناك فجوة بين دور النشر التنويرية والقارئ تصنعها دور النشر هذه بنخبوية تصميم الغلاف ونخبوية الخطاب الموجه للقارئ لدعوته لقراءة هذا العمل أو ذاك وقد يمر الزمن دون أن يعرف القارئ بوجود هذه الدور وإصداراتها فهي لا تحفل بالقارئ بقدر ما تحفل بالنقاد والصحفيين والجوائز الأدبية.. نحاول في دار الربيع العربي تقديم المحتوي التنويري "النخبوي" لجمهور غير نخبوي، جمهور "المرعبين الجدد" الذين ملأت كتبهم الأرجاء... نتوجه لهم ونخاطبهم ونسعي لتعريفهم بهذه الإصدارات ونهتم بآرائهم والتواصل معهم عبر فيس بوك وتويتر وجود ريدز وخلال معارض الكتاب التي نشارك بها علي امتداد محافظات مصر وفي حفلات توقيع يحضرها أغلب الكتاب الشباب المحبوبين والمفضلين لدي القارئ غير النخبوي.. هكذا تجدين في المحصلة قارئًا لا يجد من التنويريين من يسعي له ويحرص علي التواصل معه ويقيم علاقة بينه وبين إصداراته غير دار الربيع العربي بينما يعتبر الزملاء الأعزاء ذلك شيئًا يعيبهم تقريبا، ويتركونه لبائعي التسلية الذين يسمون أنفسهم ناشرين.. بعض عناوين الدار وجدت طريقها إلي قوائم الأكثر مبيعاً، إلي أي حد يلعب الناشر دوراً في هذا؟ كما ذكرت لك فإن الناشر يقدم طرحا معينا للكتاب ويسوق له في أماكن معينة بوسائل معينة ولجمهور معين قادر علي توصيل العمل لقوائم الأعلي مبيعا عبر ترشيحها للقراء من أصدقائه وعبر التسويق الشفهي لها.. كذلك قد يلعب الناشر دورا مع كتاب بعينه يستشعر فيه بوادر نجاح جماهيري كبير فيقيم له عددا أكبر من حفلات التوقيع يجتهد في الوصول لاتفاقات معينة مع المكتبات الكبري لتعرضه بشكل مميز لينال فرصة كبيرة من الظهور ، بالإضافة للضغط عبر وسائل التواصل والإعلان عن العمل لزيادة وتسريع حركته في سوق المبيعات.. باستثناءات قليلة، تنحاز دارك للأسماء الجديدة والشابة، ما المحددات التي تختار علي أساسها نشر كتاب بعينه خاصة حين يكون الكاتب غير معروف من قبل؟ النص المختلف المتمرد المعبر عن توجهنا، المعتمد علي لغة يملؤها الإبداع ... هو نص نبحث عنه طوال الوقت، فأينما وجدناه فهو صيد رائع، وبالنسبة لاسم الكاتب إن كان معروفا أم غير معروف فهذا لا يهمنا لأننا نستطيع أن نجعله معروفا المهم أن يكون النص يستحق ذلك وقادر علي ذلك.. فقط نفتح المسافة بين النص والقارئ ونتركه يختار لا نؤثر علي قراره سوي بالثقة التي يبنيها يوما بعد يوم في اختياراتنا وترشيحاتنا له حتي من الإصدارات المنافسة. وقد قدمنا نماذج شابة نفخر بها وبمستواها الإبداعي مثل الشاعر ممدوح زيكا والقاص محمد متولي والروائي أدهم العبودي والرائع هدرا جرجس، وفي الوقت نفسه قدمنا د. نوال السعداوي والشاعر أحمد بخيت والروائي الإيراني الكبير أمير حسن جهلتن، والآن نعدّ الإصدارات الخاصة بمعرض القاهرة الدولي للكتاب 2015 وفيها عدد كبير من الأسماء المعروفة أمثال أشرف الخمايسي وأمير تاج السر والبريطاني "مارتن أميس" والإيراني "رضا قاسمي" وعدد من الأسماء التي سنفاجئ بها الجمهور إن شاء الله ونقدم له بها وجبة إبداعية عظيمة.. إلي أي مدي اختلف سوق النشر المصري عنه قبلها؟ سوق النشر سوق عجيب فعلا، قبل الثورة كانت أرباح الكتب أعلي بكثير من الآن وكانت أعداد النسخ المباعة أكثر من الآن بمراحل، ثم بعد الثورة وبعد أن ظننا أن الحال ستكون أعظم فوجئنا بعدة مشكلات تعرقل حركة الصعود المتوقعة: فمثلا الحالة الاقتصادية السيئة منعت كثيرا من الناس من شراء الكتب الأصلية لأن الأسعار ارتفعت بدلا من سعر 15 جنيها للرواية صارت تباع ب 40 و 50 و 60 جنيها نظرا لارتفاع أسعار الورق والمطابع والنقل والعمالة والإيجارات وحجز المعارض .. إلخ كذلك اختفي من قوائم الأعلي مبيعا عدد من الأسماء التي كانت تميمة حظ لمن ينشر لهم وبشارة طيبة أنه سيشتري "فيللا" قريبا أمثال علاء الأسواني وبلال فضل وعمر طاهر وغيرهم، كما اختفي عدد ضخم من الكتاب الشباب الذين ظهروا في الفترة من 2005 : 2010 وهم كُثُر وانقسم السوق إلي قارئ للأدب والفكر وقارئ للمتعة والتسلية وأخذ الطريق الثاني أغلب القراء لصفّه رغم أن الوضع قبل الثورة كان ينبئ بغير ذلك تماما! واختلفت وتداخلت الأدوار واختلط الحابل بالنابل فاستيقظنا مبكرا لنجد أن المجموعات "الجروبات" التي تنشأ علي فيس بوك ترفع كتابا لعنان السماء وتهبط بآخر لأسفل سافلين ووجدنا دور نشر تنشأ لتجارة الورق الممتلئ حبرا دون أن يوقفها أحد أو يقف لها أحد ليسأل عن دورها الثقافي الذي تقوم به بخلاف أخذ مبلغ من أي شخص لتمرر كلامه للسوق علي أنه رواية أو قصة أو أي تصنيف يحلو لها وما كان الوضع بهذا السوء قبل الثورة ... وهو أمر مثير للدهشة! كأننا عدنا لمرحلة ما قبل أن تعرف مصر مهنة النشر! وكأننا في كابوس تجدين أي كتاب يبيع ناشره منه ألف نسخة فيستشعر رجالات مافيا سور الأزبكية ربحيةً ما في تزوير هذا الكتاب فيزورونه ويبيعونه بأقل من ربع سعره الأصلي ولا يستطيع الناشر منعهم! ولا تحاول الدولة بأي شكل من الأشكال وقف ذلك وكأنها تحل أزمة البطالة التي قد يعاني منها هؤلاء بتركهم يسرقون حقوقنا ولا تحرّك ساكنا، غير مدركة الآثار الاقتصادية التي قد تنتج عن ذلك والأضرار التي قد تلحق باقتصاد الدولة في حال توقف الناشرون عن الاستثمار في مصر وهو ما فطنت إليه بيروت فجعلت المستثمرين العرب جميعا يضخون الملايين يوميا في مطابع ودور النشر هناك! وغير ذلك مما لا يتسع له المقام من اختلافات مفادها أن السوق صار مثيرا للعجب والاندهاش! كيف يمكن من وجهة نظرك- الوصول بالكتاب المصري إلي مقروئية أوسع خارج مصر؟ المقروئية علي مستوي عربي أكبر ستحصل آجلا أم عاجلا بتوفير صِلات جيدة بين مصر والدول العربية في مجال النشر وتوزيع الكتب وتسهيلات في التعامل وإنشاء شركات توزيع كبري قادرة علي عبور الحدود وهو ما نحتاجه جميعا في الوطن العربي أتمني أن يقوم اتحاد الناشرين العرب بطرحها للبحث عن وسيلة لإقامة مثل هذه الشركات الكبري التي نراها في أوروبا ونحزن علي الوضع هنا..