في عام 1998 شهدت القاهرة حدثاً مروعاً.. لقد حرق المسافرخانة.. هذا المبني الفريد، الذي ينتمي لعمارة العصر العثماني.. كان الوصول إليه يمر عبر درب الطبلاوي.. لم يقدر لي أن أشهد »المسافرخانة« حية، بل رأيتها بعد الحريق مباشرة.. عبارة عن أكوام محترقة، لا يظهر منها شيئ.. وبعد سنوات وبينما كنت أسير في شارع الحسين.. انتقلت من شارع لشارع ومن حارة لأخري.. كنت فقط أجرب مقدرتي علي اكتشاف المكان.. كانت بصحبتي إحدي زميلاتي.. وفجأة وجدنا أنفسنا أمام مكان مهجور، إلا من الكلاب والقمامة.. حينئذ شعرت بخوف شديد، لاسيما عندما وجدت بعض الشباب الصغار كأنهم اتخذوا المكان ملجأ لهم.. حينئذ قررت علي الفور المغادرة لاسيما أن الليل كان قد بدأ يتسرب للمكان. من وقتها لم أزر »المسافرخانة« مرة ثانية.. رغم أنني لم أشاهدها- كما قلت- قبل الحريق، إلا أنني كنت أعرفها شبراً شبراً من كثرة حكايات الكاتب الكبير جمال الغيطاني عنها.. فهي جزء أصيل من مكوناته، ولا أنسي ما حدث في »أخبار الأدب« عندما حرقت »المسافرخانة« والحزن الشديد الذي بدأ لفترة طويلة علي وجه الغيطاني كأنه فقد شخصا عزيزا عليه، وهو ما دفعه في مرحلة لاحقة إلي أن يصدر كتاباً بعنوان »استعادة المسافرخانة.. محاولة للبناء من الذاكرة« صدرت طبعته الأولي عن دار الشروق في عام 2007 وقد جاء الكتاب محاولة لتخليد هذا المكان الذي أُهمل قبل أن يحترق. في هذا العدد ننشر شهادة لأحد من عملوا فيها، ويحمل جزءاً كبيراً من أحداثها وتاريخها.. وهو الفنان الكبير عزالدين نجيب، الذي يعد هو والغيطاني ضميرين يسعيان من وقت لآخر أن يواجها السكوت علي جريمة حريق المسافرخانة. عزالدين نجيب في شهادته التي ننشرها- في هذا العدد- من أخبار الأدب، يدلي بأول شهادة مكتملة له عن المسافرخانة، التي مثلت جزءاً من تاريخه، فقد عمل فيها لسنوات طوال.. ويعرفها شبراً شبراً، وأبدع فيها ليس فقط رسوماته، بل كتب بداخلها مجموعته القصصية »أغنية الدمية«، وفي نصه الذي أهداه لنا، ويحمل عنوان »المسافرخانة.. ثلاثية العشق والتآمر والحريق« يفضح فيه الجهل والزيف والفساد، الذي جعلنا نقتل المسافرخانة مرتين، الأولي عندما لم نتصد للإهمال الذي كان نتيجته الحتمية حريقها بالكامل، والثاني السكوت علي جريمة لمدة 14 عاماً، مما حوّل المكان ليكون مرتعاً للحيوانات الضالة. من هنا فكرنا في »أخبار الأدب« أن نستلهم من كتابات الغيطاني، وعزالدين نجيب، فكرة محددة نتمني أن تجد طريقها للتنفيذ، وهي أن يتبني وزير الثقافة د. جابر عصفور فكرة أن يتحول مكان »المسافرخانة« إلي مركز ثقافي وفني وأن يخصص بداخله »طابق« يحكي تاريخ المسافر خانة ومقتنياتها بالصور والكلمات.. لعلنا نستعيد جزءاً من أثر مفقود.