المستحيل نفسه إيجاز كل الأسئلة التي يطرحها كتاب " في أنواعية الشعر " الصادر مؤخراً عن " الدار العربية للعلوم - ناشرون " للناقد والشاعرالمغربي رشيد يحياوي في مساحة مقالي هنا . هو نفسه يوضح أن طموحه هو تجاوز الطرح الكلاسيكي الأنواعي الذي يقارن بين الشعر والنثر ونافياً عن نفسه تهمة الإيمان بوجود حدود فاصلة نهائياً بين الشعري والنثري ، وإن كان يتساءل : ألا يستوجب تنويع الشعر وضع مفهوم للشعر أولاً ليفاجئك بنقيضه : ألا يستوجب وضع مفهوم للشعر تبين أنواعه أولاً ؟ وكيفية تلقينا لنصوص لا تعلن عن نفسها الخ. الناقد يري أن النقاد العرب القدماء كانوا أفضل منا في فهمهم لواقع إبداع عصرهم مقارنة بتعاملنا مع نصوص عصرنا . يتعرض في كتابه لمفهوم أرسطو عن الشعر و يسوق انتقادات جينيت ثم الاتجاه الاسمي الذي مثله كروتشه الذي يري في الأنواع مجرد أسماء بينما يري رينيه ويلوك أن نظرية الأنواع لم يعد لها وجود لأن الأنواع تُمزَج والقديم يُترَك إلي حد " صار المفهوم نفسه موضع شك " بينما كالويه يري النوع يقدم نموذجاً " ينطلق منه الكاتب ليجيب أو ليخالف التوقع " وهذا بحد ذاته مرتبط بالمتعة والأثر. يقدم يحياوي بعد هذا عرضاً لبعض المقترحات العربية الحديثة حول نظرية الأنواع ويلفتنا جهد عبد الفتاح كيليطو الذي يري أن " النوع يتكون عندما تشترك مجموعة من النصوص في إبراز نفس العناصر " وبالتالي عدم احترام النص للعناصر الثانوية لا يجعل انتماءه للنوع يتضرر عكس العناصر " المسيطرة ". لكن يحياوي ينتقد محمد بنيس حين يقرر الأخير أن العنصرين البارزين لدي أرسطو اللذين ساهما مع الدراسات القرآنية في " كبت الشعرية العربية " هما اقتصار كتاب الشعرية لأرسطو علي الشعرين الملحمي والدرامي وعلي المحاكاة متسائلاً : لماذا لم تُكبَت الشعرية الأوروبية خاصة ما بعد الكلاسيكية؟ ، وكيف نتجاهل قول ابن سينا أنه يطمح إلي الابتداع في الشعر المطلق ولماذا لا تُعتَبر الدراسات القرآنية فرعاً من" علم " الشعرية العربية ؟ يبين الناقد انتقال الشعر العربي الحديث من الغنائية والدرامية إلي المشهدية " المحايدة" وإلي صيغ سردية مهيمنة شعرياً بمقاصد تحديثية وظهور" القصة-القصيدة" و" القصيدة- القصة" ثم يبين اختلافه مع بنيس في كون الأخير يري الكتابة الجديدة في الشعر العربي المعاصر أوقفت الغنائية عند " درجة تذكر الماضي" ورفعت درجتي التداخل النصي وانخراط الذات الكاتبة في كتابتها وأنها غنائية التصدعات الكبري بينما يراها يحياوي غنائية التصدعات الصغري متسائلاً أصلاً كيف يعتبر بنيس الغنائي جنساً " بالنسبة إلي ماذا ؟" . استمرت النظرة الأرسطية للنثري بوصفه أقوي صلة بالواقعي من الشعري بينما هذا الأخير أكثر كثافة في بعض الخصائص في النقد العربي والغربي الحديث وهذا الشرخ الذي عمقه النقاد كان علي قصيدة النثر وكل النصوص العابرة للأنواع مواجهته لإقناع المتلقي بالحمولة الشعرية ل " النثري ". يحياوي يري مفارقة بين كون القراء العرب كما تظهرهم المعطيات الإحصائية يقرأون الرواية أكثر من الشعر فيما السجالات النقدية تبدو أكثر ارتباطاً بالشعر منها بالرواية وحين يتساءل " لماذا تشغلنا قصيدة النثر ؟" يعترف أنها مزعجة لأعدائها ولقرائها ولبعض شعرائها ولتاريخ الذائقة الشعرية ويشرح موقفي الممانعة والموافقة تجاهها كاشفاً الفريق المختلط الذي يتعامل معها كما لو كان " يغفر " لها نقصاً ما مع أن المطلوب عدم الانشغال ب " هويتها " قدر مواكبة عدم استقرارها خاصة أني أتفق معه أن " الموجود منها وله قيمة نوعية قليل " قياساً إلي تاريخها عربياً.