تُعد دار الكتب المصرية من أعرق المكتبات الوطنية علي مستوي العالم لما تضمه من كنوز الفكر والثقافة الإنسانية متمثلة في أوائل المطبوعات والمصادر والمراجع النادرة والوثائق التاريخية المهمة والمخطوطات بمختلف أنواعها ولغاتها. وقد شمل التطوير الثقافي في مصر هذه الدار الثقافية العريقة في السنوات الأخيرة إلي حدٍّ ما من خلال إعادة تطوير وتأهيل مبني دار الكتب القديم بميدان باب الخلق بالقاهرة، وإلي مد يد العون لبقية الإدارات والمراكز التابعة لدار الكتب المصرية في حدود الإمكانات المادية والفنية والبشرية المتاحة. إلا أن دار الكتب المصرية مع ذلك التاريخ العريق، وذلك التوسع الكمي والكيفي النسبي في أنشطتها، ظلت متقوقعة داخل القاهرة، اللهم إلا ذلك القرار الأخير الذي تم بمقتضاه ضم مكتبة بلدية الإسكندرية بمحرم بك كي تكون نواة أولي لإطلالة ثقافية لدار الكتب المصرية خارج أسوار العاصمة. أسعدني ذلك الخبر كثيرًا إلا أنني استرجعت معه في الوقت نفسه شريط الذكريات الذي عاد بي إلي منتصف التسعينيات من القرن الماضي عندما كنت طالبًا في قسم اللغة العربية وآدابها بكلية الآداب جامعة عين شمس تذكرت وقتها ذلك الفيلم التسجيلي القصير الذي عرضته إحدي قنوات التليفزيون المصري حول دار الكتب بطنطا وما تضمه من مطبوعات ومخطوطات نادرة، وتزامن مع ذلك العرض التليفزيوني حديث أستاذي الدكتور إبراهيم عوض في إحدي محاضراته لنا بجامعة عين شمس، الذي استرجع فيها روافده الثقافية الأولي في مسقط رأسه بمدينة طنطا، وبالطبع كانت دار الكتب بطنطا رافده الأول في ذلك الأمر. انتقلت هذه الخلفية الثقافية لتستقر في عقلي الباطن بعد أن عقدت النية علي زيارة دار الكتب بطنطا في أول زيارة لي إلي هذه المدينة العريقة، لا سيما بعدما عرفته عن تدهور حال هذه الدار في العقود الأخيرة، وتداول تبعيتها الإدارية بين الإدارة المحلية وبعض الجهات التابعة لوزارة الثقافة، التي ليس من بينها للأسف والعجب الشديدين دار الكتب المصرية بالقاهرة. إلا أن هذه الزيارة قد تأخرتُ فيها كثيرًا حتي وصلت إلي صيف عام 2012 م الذي قادتني فيه الأقدار لزيارة هذه المدينة مرتين، فقادني فضولي الثقافي والإعلامي إلي البحث عن دار الكتب بطنطا فكانت صدمتي الأولي والمريرة أن السواد الأعظم من أبناء المدينة الذين تقابلت معهم في ذلك اليوم لا يعرفون مكانها، بل إن بعضهم لم يسمع عنها قط، يستوي في ذلك الشباب والكبار والمثقفون والعامة ولولا إرشاد الدكتور إبراهيم عوض لي عبر الهاتف لمكانها الذي لم يزره منذ خمسة وثلاثين عامًا، وكذلك قيام الأستاذ الدكتور محمد عطا أستاذ الدراسات الإسلامية بكلية الآداب جامعة طنطا الذي تعرفت عليه بالمصادفة في ذلك اليوم بتحديد موقعها لي بدقة لما أفلحتُ في الوصول إلي مكانها الذي يقع في أشهر الأماكن في مدينة طنطا أمام مسجد الشيخة صباح الأثري، وبجوار قصر ثقافة طنطا، وبالقرب من مبني ديوان عام محافظة الغربية، وكذلك متحف طنطا المغلق للترميم منذ فترة طويلة والذي قد يستمر إغلاقه لفترات أطول. بالطبع استغرقت هذه التحريات الثقافية وقتًا طويلًا من اليوم فوجدتُ نفسي أمام مبني دار الكتب بطنطا في الدقائق الأخيرة من انتهاء فترة العمل الصباحية بها لكنني مع ذلك تمكنت من دخول المبني الأنيق من الخارج، والتقيت إحدي المسئولات التي أعطتني كتيبًا صغيرًا وأنيقًا حول دار الكتب بطنطا بين الأمس واليوم كي أطلع عليه وأحصل منه علي المعلومات المطلوبة عن هذه الدار العريقة لحين زيارتي التالية للدار. عدتُ إلي القاهرة فاطلعت علي هذا الكتيب الذي جعلني أنبهر ظاهريًّا بهذه الدار ومحتوياتها من مصادر ومراجع ودوريات وخرائط ومطبوعات نادرة، وكذلك ما تضمه من أقسام وإدارات فنية حديثة ومتطورة، بالإضافة إلي هذا التاريخ العريق لهذه الدار التي أنشئت عام 1913م، أي أنها احتفلت العام الماضي بمئويتها الأولي. لكن ذلك كله جعلني أصطدم بمعلومة جوهرية تتسم بصفة السخافة الثقافية فالداخل إلي مقر دار الكتب بطنطا يصطدم بلافتة غريبة في مدخلها تفيد بأن هذه الدار تتبع الهيئة العامة لقصور الثقافة بعد أن انتقلت تبعيتها إليها منذ عدة سنوات فقد كانت في الفترات السابقة تابعة للإدارة المحلية وانتقل مقرها بين أكثر من مكان عبر هذه السنوات حتي استقرت في مكانها الحالي بعد أن امتدت إليها أيادي التطوير من صندوق التنمية الثقافية والهيئة العامة لقصور الثقافة كما هو مُثبت في الكتيب التذكاري. قادني فضولي الثقافي لزيارة هذه الدار مرة أخري بعد أسابيع قليلة من زيارتي الأولي لها للوقوف علي هذه المحتويات والأقسام الفنية فيها علي أرض الواقع بعيدًا عن ذلك الكتيب التذكاري الأنيق. والتقيت بذات المسئولة التي تتولي مهمة الإدارة بالإنابة عن هذه الدار فأعطتني هذه المرة مجموعة من الأوراق الخطية لأحد طلاب التدريب العملي الذي كتب عن هذه المكتبة ومحتوياتها وأنشطتها. إلا أنني في هذه المرة كان هدفي الأول هو الزيارة الميدانية لا التعرف الافتراضي الورقي علي الدار فكانت صدمتي الثانية أشد قسوة عندما تجولت داخل القاعات القليلة المتاح زيارتها في ذلك اليوم ذات الدواليب الخشبية القديمة والمكدسة، والكتب المغلفة بالتراب المصري الكثيف في حضرة مجموعة من الموظفين الذين أصابتهم لعنات الروتين المصري الجميل، والملل الوظيفي البغيض إلا القليل منهم الذي حاول أن يتغلب علي ذلك الوضع الثقافي الخانق داخل هذه الدار العريقة. غادرت دار الكتب بطنطا بعد زيارتي الثانية لها محملاً ببواكير همومي الثقافية في دور الكتب الإقليمية التي بدأت تتنامي بعد ذلك عند زيارتي الأولي لمدينة الزقازيق خلال شهر نوفمبر 2012م وبالطبع تقمصت شخصية المخبر الثقافي باحثًا عن دار الكتب بالزقازيق كي أرصد واقعها وأقارن بينها وبين دار الكتب بطنطا. كانت زيارتي الأولي لمدينة الزقازيق صباح يوم الخميس الموافق 22 نوفمبر 2012م لكن المدهش في هذه الزيارة أن معظم أهالي المدينة الذين تقابلت معهم قد تعرفوا بسهولة علي دار الكتب بالزقازيق وقادوني إلي مكانها في دقائق معدودة، كما أن زيارتي الأولي لهذه الدار أشعرتني بمدي الاختلاف الإيجابي مع الحال في دار الكتب بطنطا، فها هي الأستاذة نعيمة مدير دار الكتب بالزقازيق تستقبلني بود وترحاب شديدين لمسته أيضًا من جميع العاملين معها، وعرفت منها كل المعلومات الأساسية عن دار الكتب بالزقازيق التي أنشئت عام 1924م وتضم آلاف المصادر والمراجع العربية والأجنبية النادرة فضلًا عن اقتنائها لحوالي مئة مخطوطة مهمة وذلك في مبني الدار الحالي الذي يقع علي بعد دقائق قليلة من مبني ديوان عام محافظة الشرقية بعد أن انتقلت إليه المكتبة من مكانها القديم. وبعد انتهاء هذا العرض النظري عن الدار ومحتوياتها كلَّفَتْ سيادتها -الأستاذة هناء وكيل الدار- بعمل جولة سريعة لي داخل دار الكتب بالزقازيق ذات الطوابق الثلاثة والقاعات المنظمة والممتلئة بالجمهور علي الرغم من قدم أثاثها ومحدودية إمكاناتها، فاطلعتُ علي ما تضمه هذه الدار من كتب نادرة ومخطوطات مهمة، وما تقدمه من خدمات ثقافية للطلاب والباحثين في ظل الإمكانات المتاحة. انتهت زيارتي الأولي والعابرة لدار الكتب بالزقازيق وأنا أجمع بين شعورين متناقضين: السعادة والهم؛ فالسعادة لهذا الجهد البشري الطيب من إدارة الدار والعاملين فيها، والهم بعد أن علمت أن هذه الدار أيضًا لا تتبع دار الكتب المصرية بالقاهرة أو أي جهة أخري تابعة لوزارة الثقافة المصرية بل إنها تتبع مجلس مدينة الزقازيق حيث يبدو أن هذه الدار الثقافية العريقة لا تمثل أولوية بالنسبة له في ظل تعاظم مشكلات الإدارة المحلية في مجالات الإسكان والمرافق وغيرها وندرة الموارد المالية المتاحة التي يمكن أن تُخصَّص لتطوير هذه الدار، بالإضافة إلي رغبة معظم القائمين علي هذه الدار في نقل تبعية دار الكتب بالزقازيق إلي دار الكتب المصرية بالقاهرة وتوفير الدعم الفني والمادي والبشري اللازم لها. إلا أن همومي الثقافية مع دور الكتب الإقليمية تزايدت بشدة عندما ذهبت لحضور الندوة الثقافية الشهرية التي ينظمها مركز تحقيق التراث بدار الكتب المصرية بالقاهرة خلال شهر ديسمبر عام 2012م، والتي تناولت المصادر التاريخية في مصر الفاطمية وألقاها الدكتور أيمن فؤاد سيد الباحث التاريخي المعروف. فقد قادتني الصدفة للجلوس مع الدكتور أيمن فؤاد سيد وبصحبته نفرٌ من أساتذة الجامعات والباحثين قبل بدء الندوة بدقائق قليلة، واستوقفني بشدة حديث سيادته عن مكتبة بلدية المنصورة المعروفة بدار الكتب بالمنصورة وما تضمه من مطبوعات ومخطوطات قيمة. تدافعت إلي ذهني ذكرياتي الثقافية مع داريْ الكتب بطنطاوالزقازيق، وعقدتُ العزمَ علي استكمال تحرياتي الثقافية لكن هذه المرة في مدينة المنصورة بحثًا عن دار الكتب فيها، فكانت المغامرة الثقافية الأكثر غموضًا وتعقيدًا، طرافةً وألمًا فها هي جميع محاولاتي الاستكشافية المبدئية التي سبقت زيارتي إلي مدينة المنصورة بهدف الكشف عن موقع هذه الدار تبوء بالفشل، فلم يتمكن أيُّ من أبناء المدينة الذين هاتفتهم تحديد موقعها أو حتي إعطائي أي معلومة عنها علي الرغم من سعيهم الجاد لمساعدتي في هذا الأمر. فقادتني الصدفة مرة أخري للتعرف علي الدكتور مختار الشريف في أحد المؤتمرات العلمية بجامعة القاهرة، وعلمتُ أنه باحث اقتصادي في معهد بحوث الصحراء بالقاهرة ويقيم في مدينة المنصورة، فسألته عن دار الكتب بالمنصورة فتعرف عليها فورًا وأفادني أنها اندثرت ضمن حريق ألمَّ بها في الأيام الأولي لثورة 25 يناير 2011م بعد أن أكد لي ذكرياته الثقافية الجميلة داخلها بما كانت تضمه من كنوز الفكر والثقافة، وأن موقعها علي شاطئ نهر النيل بالمنصورة في نفس المكان الذي اتخذه الحزب الوطني السابق مقرًا له بعد ذلك لكنه لا يعرف أي معلومات عن مصير المكتبة بعد ذلك، وهذا الأمر نفسه أكده لي المهندس محمود عبد الوهاب نوفل أحد أبناء المدينة أيضًا. بدأت ألتقط طرف الخيط بعد تعرفي علي هذه المعلومات القليلة عن دار الكتب بالمنصورة، وأبلغت أصدقائي في هذه المدينة بهذه المعلومات فقام الأستاذ جهاد أحمد المتطوع النشط بجمعية رسالة بالمنصورة بزيارة المكان الخاص بالدار، فلم يعثر لها علي أثر اللهم إلا ذلك المبني المغلق طور الترميم وتضاربت تحرياته الثقافية بين انتقال مقر الدار إلي مكان آخر وبين انقراضها إلي الأبد. عاودتُ الاتصال بالدكتور أيمن فؤاد سيد لعلِّي أستقي من معلوماته الغزيرة والموسوعية ما يضيء لي الطريق في هذه التحريات الثقافية الوعرة، فكان عند عهدي به دائمًا ذا مرجعية علمية موثقة، فقد أحالني إلي العدد الثالث من مجلة معهد المخطوطات العربية الذي صدر عام 1957م وتضمن عرضًا لمقتنيات دار الكتب بالمنصورة من المخطوطات التي رصدها الأستاذ عبد الرحمن عبد التواب. فكانت وجهتي هذه المرة البحث عن هذا العدد من المجلة عبر شبكة الإنترنت وذلك قبل سويعات من سفري إلي مدينة المنصورة، فاطلعت علي هذه الدراسة اطلاعًا سريعًا وأدركتُ مدي قيمة المخطوطات التي تضمها هذه الدار التي أُنشئت عام 1918م. سافرتُ صباح يوم الأحد الموافق 20 يناير 2013م إلي مدينة المنصورة حيث كان في استقبالي جهاد أحمد المخبر الثقافي الجديد معي، فكرتُ في بداية الأمر أن أتجه إلي مقر دار الكتب المندثر علي شاطئ النيل بالمنصورة الذي زاره جهاد منذ أيام قليلة، لكنني فضلتُ تأجيل هذه الزيارة لبعض الوقت كي أجمع مزيدًا من المعلومات عن هذه الدار ومصيرها فهداني تفكيري إلي زيارة مبني ديوان عام محافظة الدقهلية القريب من موقع الدار المندثرة وذلك لمقابلة المسئول عن إدارة السياحة بالمحافظة لكون هذه الإدارة راصدة لأهم المعالم في محافظة الدقهلية. بالفعل وجدت ضالتي المنشودة عندما التقيت بالسيدة الفاضلة الأستاذة سهيرعزت مدير عام السياحة بمحافظة الدقهلية التي استقبلني بود وترحاب شديدين وأسعدتني بما لديها من معلومات عن هذه الدار لكنها آلمتني أيضًا عندما عرفت منها أن هذه الدار قد تم احتلال جزء من مبناها منذ عدة سنوات من قبل الحزب الوطني المُنحل فلما اشتعلت النيران في مقر الحزب ليلة الجمعة 28 يناير 2011م أتت النيران كذلك علي معظم محتويات هذه المكتبة العريقة ودُمِّر منها ما دُمِّر وفُقِد منها ما فُقِد وربما سُرق منها ما سُرق في ظل الانفلات الأمني الرهيب الذي واكب هذا اليوم والأيام التالية له. إلي أن قام أحد فاعلي الخير بجمع ما تبقي من هذه المكتبة حيث استقرت هذه البقايا في بدروم مجلس مدينة المنصورة بصحبة الموظفين القائمين عليها. ثم قامت سيادتها مشكورة بالاتصال هاتفيًّا بالأستاذ جمال عبد العزيز مدير دار الكتب بالمنصورة في مقره الجديد المجهول لدي الكثيرين وذلك لتسهيل مهمة زيارتي لذلك المقر، وبالفعل قمت مع جهاد علي الفور بالتوجه إلي بدروم مجلس مدينة المنصورة وتقابلت مع الأستاذ جمال عبد العزيز مدير الدار وبصحبته مجموعة من الموظفات المسئولات عن المكتبة لمست فيهم جميعًا الود والترحاب وطيبة المصريين الجميلة لكن ما استوقفني أكثر هو ذلك الارتباط الوجداني الشديد بينهم وبين بقايا المكتبة المندثرة لا سيما الأستاذ جمال عبد العزيز الذي أخذ يحدثني عن تضاؤل محتويات المكتبة بعد هذا الحريق المدمر إلي عشرة آلاف كتاب بعد أن كان رصيد المكتبة قبل ذلك أربعة أضعاف ذلك الرقم، وأخذ يحدثني عن حاجة المكتبة الماسة إلي ترميم وتجليد ما تبقي من محتوياتها وتزويدها بالجديد من المصادر والمراجع لكن غياب الإمكانات الفنية والمادية يقف حائلًا أمام ذلك الأمر. فلما سألته عن مخطوطات المكتبة التي سمعت وقرأت عنها أفادني بأن هذه المخطوطات محفوظة في قاعة خاصة بمكتبة مصر العامة بالمنصورة (مبارك العامة سابقًا) بعد أن تم نقل ملكيتها من دار الكتب بالمنصورة إلي هذه المكتبة الوليدة منذ عدة سنوات وهذا ما أكدته لي أيضًا الأستاذة نبيلة مدير مكتبة مصر العامة بالمنصورة التي توجهت إليها توًّا بعد لقائي مع الأستاذ جمال عبد العزيز حيث أخبرتني سيادتها أن السيدة سوزان مبارك قامت بنقل مخطوطات دار الكتب بالمنصورة بعد ترميمها بصحبة النسخة النادرة من كتاب وصف مصر التي أُعيدت من المطار بعد محاولة تهريب فاشلة وذلك لتستقر في قاعة مجهزة لذلك بمكتبة مصر العامة بالمنصورة (مبارك العامة سابقًا) مما جعل هذه المقتنيات النادرة تنجو من الحريق أو السلب إبان ثورة 25 يناير 2011 نظرًا لحفظها في هذا المكان الجديد قبل الحريق الذي حدث عام 2011م. وبالفعل سمحت لي سيادتها بزيارة هذه القاعة التي يبدو أن جمهورها قليل للغاية يقتصر علي الباحثين في هذا الشأن. وقد علمت بعد لقائي بالأستاذ جمال عبد العزيز مدير دار الكتب بالمنصورة والأستاذة نبيلة مدير مكتبة مصر العامة بالمنصورة أنه سيتم في وقتٍ لاحقٍ نقل محتويات دار الكتب المتبقية إلي مكانها الأصلي علي شاطئ النيل بعد أن استقرت كل ذلك الوقت في بدروم مجلس مدينة المنصورة، وذلك بعد تجهيز المقر القديم وافتتاحه الذي يبدو وأنه مرتبط بافتتاح متحف أعلام الدقهلية المُزمع إقامته في ذلك المكان. اختتمتُ تحرياتي الثقافية في ذلك اليوم بزيارة مقر الدار المندثرة علي نهر النيل والمواجهة لمبنيين أثريين خُصصا كمبنيين للمحاكم في حين كان مقر المكتبة المندثر بمثابة المرسي النهري للخديو إسماعيل كما قيل لي. الإ انني علمت خلال الأشهر الماضية من الأستاذة سهير عزت والأستاذ جمال عبد العزيز بنقل ما تبقي من مقتنيات دار الكتب بالمنصور من بدروم مجلس مدينة المنصورة ليحل ضيفاً علي مكتبة أخري تابعة للمحافظة بالقرب من كوبري طلخا. تزايدت همومي الثقافية بعد هذه الزيارات الثلاث لدور الكتب في طنطاوالزقازيقوالمنصورة ونقلت معظم هذه التفاصيل إلي أستاذي الدكتور عبد الناصر حسن الرئيس السابق لمجلس إدارة الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية بالقاهرة الذي أبدي كعهدي به دائمًا روحًا طيبة في مثل هذه الأمور من خلال استعداده لإهداء هذه الدور بعض مطبوعات دار الكتب المصرية، وتقديم الدعم الفني لها حال طلب ذلك منه وذلك في إطار اللوائح والنظم في ذلك الأمر. لكن يبدو أن الأمر يحتاج إلي تضافر في جهود العديد من الجهات داخل وزارة الثقافة وخارجها، وذلك بأن يصدر قرار سيادي من رئاسة الجمهورية، أو مجلس الوزراء، بجانب القرارات الوزارية المُنظمة لذلك الأمر من وزارات الثقافة، والإدارة المحلية والمالية والدولة لشئون الآثار والجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، وغيرها من الجهات المعنية، بالنقل الفوري لتبعية دور الكتب الإقليمية ماليًّا وإداريًّا وفنيًّا تحت مظلة مركزية واحدة ألا وهي دار الكتب المصرية بالقاهرة، علي أن تقدم الدولة الاعتمادات المالية والفنية والهياكل الإدارية اللازمة لدعم هذه الدور الإقليمية وترميم مبانيها ومحتوياتها، وإعادة فهرستها يدويًّا وإلكترونيًّا، وربطها في شبكة معلوماتية موحدة ورفع الكفاءة الفنية للعاملين فيها، وغير ذلك من المتطلبات التي تليق بواحدة من أعرق المكتبات الوطنية في العالم سواء في مقرها الأساسي بالقاهرة أو في فروعها المُزمع ضمها في المحافظات، علي أن تسبق هذه الخطوة رصدًا ببلوجرافيًّا دقيقًا لبقية دور الكتب في عواصمالمحافظات المختلفة فقد حدثني الدكتور أيمن فؤاد سيد عن مكتبة بلدية شبين الكوم ومكتبة المعهد الديني بدمياط، وربما هناك الكثير والكثير من هذه الدور الإقليمية التي لم نعرف عنها شيئًا حتي الآن. كانت تلك همومي الثقافية مع دور الكتب الإقليمية التي رصدتها من خلال زياراتي تلك منذ أكثر من عام مضي. ولا تزال هذه الهموم مستمرة مع ثبات هذه الأوضاع، حيث تنتظر هذه الهموم من يحاول تحويلها إلي أفراح ثقافية في دور الكتب الإقليمية فهل من مجيب؟