سأحكي حكاية ما جري بالنسبة لي مع المجلات الثقافية التي كانت تصدر عن وزارة الثقافة من منتصف الخمسينيات وحتي إيقافها في موجة معادية للثقافة بدأت منذ العام 1974م، أي منذ الإعلان عما سمي "الانفتاح الاقتصادي" في عهد السادات، ولاحظ هنا الدلالة الفارقة في القرار وتوقيته، فأنت تدعو للانفتاح الاقتصادي علي العالم (وهنا كلام كثير) ثم تتخذ قرارا مضادا لهذا بانغلاق ثقافي شامل. اعتبرني حالة للتأمل والدراسة، فقد كنت، وأظن كل المتطلعين للثقافة، شبابا وشيوخا، ننزل أول كل شهر إلي بائع الصحف وفي يدنا مالا يزيد علي مائة قرش صاغ، ونعود ومعنا المجلات التالية: 1- الفكر المعاصر (بقرشين) التي رأس تحريرها زكي نجيب محمود، ثم فؤاد زكريا. 2- مجلة المجلة (بقرشين) التي رأس تحريرها عبدالقادر القط ثم يحيي حقي. 3- الكاتب (بقرشين) التي رأس تحريرها أحمد عباس صالح. 4- المسرح (بقرشين) وأذكر من رؤساء تحريرها صلاح عبدالصبور، 5- السينما (بقرشين) التي كانت تصدر وفيها سيناريو كامل لفيلم عالمي مهم. 6- التراث العالمي (بقرشين) وتجد في كل عدد قراءات جديدة لأمهات الملاحم والكتب الكبيرة بأقلام المتخصصين في التراث الإنساني، 7- الثقافة الشعبية (بقرشين) وكان يديرها رشدي صالح. 8- الكتاب التي كانت تعني بقضايا الكتاب والنشر ومشاكله، هذا علاوة علي المجلات التي كانت تصدر عن مؤسستي دار الهلال (مجلة الهلال) والأهرام (الطليعة) ولن أتحدث هنا عن السلاسل الشهرية التي كانت هي أيضا بمثابة مجلات، وعلي رأسها كتاب الهلال، الكتاب الذهبي، الكتاب الفضي (روزاليوسف)، ثم سلاسل هيئة الكتاب "الرواية العالمية"، الرواية العربية، أعلام العرب، المسرح العالمي، والسلسلة الرائدة اقرأ (الكتاب بقرشين أيضا) التي كانت تصدر عن دار المعارف، هذه أبرز السلاسل وأشهرها لأننا لا يمكن أن ننسي ما كان يصدر من مجلات متخصصة كمجلة الدراسات التاريخية (عن جمعية الدراسات التاريخية) والسياسية (الأهرام) وغيرهما. تخيل هنا ما كنت، وغيري من المحبين للقراءة، نتلقاه من معارف وتيارات ثقافية وفنية تدور - الآن - عبر العالم، غربه وشرقه، فميزة المجلة الحية، المجلة التي لا تتثاءب، أن تقدم لقرائها آخر ما أنجز من دراسات ونصوص علي الساحة المحلية والعربية والعالمية، كل في مجالها. وتخيل ما كان عليه عقل شاب تدفعه هذه المجلات إلي الاتجاه نحو المعرفة والانفتاح علي العالم، ويأخذه بعيدا عن التيارات المنغلقة، التي جعلتنا الآن في حرب ضروس مع الإرهاب. ونستكمل الكلام في المراجعات المقبلة.