منذ أسبوعين تقريبا ترددت أنباء عن وفاة فنان الكاريكاتير المخضرم مصطفي حسين، لتنفي الأسرة الخبر، وتصفه بالشائعة، وقتها كان يخضع للعلاج بمستشفي بالولايات المتحدةالأمريكية ، لكن هذا الأسبوع تتحول الشائعة لحقيقة، وبالفعل شيعت جنازة مبتكر "فلاح كفرالهنادوة" و "عبده مشتاق" و "علي بيه الأليت" من مسجد السيدة نفيسة ظهر السبت الماضي "15 أغسطس" وأقيم العزاء الأربعاء الماضي. مصطفي حسين لم يكن مجرد رسام كاريكاتير محترف اكتسب الخبرة والشهرة عبر تاريخه الطويل والقديم في المؤسسات الصحفية، لكنه من نوعية الفنانين التي خلقها الله لا لشيء سوي أن يكون فنانا، كان من الصعب وربما من المستحيل أن يكون مصطفي حسين شيئا آخر سوي رسام، حيث تخرج في كلية الفنون الجميلة قسم تصوير عام 1959، وبدأ حياته الصحفية في دار الهلال 1952، كما عمل في العديد من الإصدارات الصحفية، إلي أن انتقل للعمل في صحيفة "أخبار اليوم" ومجلة "آخر ساعة" في عام 1974، اتسم الراحل الكبير بتنوع قدراته الفنية في الرسم والتصميم فكان مصورا متمكنا من الدرجة الأولي، التي تؤهله لأن يكون أحد أبرز الفنانين المصريين من أصحاب البصمة الخاصة في الحركة التشكيلية، إلا أنه فضل ان يكون أهم رسام كاريكاتير في العالم العربي، وهو ما أهله للحصول علي أعلي جائزة مصرية وهي جائزة مبارك للفنون في عام 2010، قبل تغيير مسماها لجائزة النيل بعد ثورة 25 يناير 2011. في هذا التحقيق يلقي مجموعة ممن زاملوا مصطفي حسين الضوء علي الجوانب المختلفة التي تميز بها صاحب " كفر الهناودة رسام الكاريكاتير الفنان الكبير وصديق العمر طوغان في صوت يملأه عميق الحزن والأسي استطاع بصعوبة أن يلملم كلماته في محاولة منه لوصف الحدث قائلا: فقدان مصطفي حسين يشكل لنا أزمة كبيرة نفسيا ..وخسارته جسيمة، ففقدان الكاريكاتير له هو أزمة حقيقية بلا شك، من هنا أجدد طلبي للجهات المعنية بضرورة أن يتم إنشاء متحف للكاريكاتير خاصة في المدن الجديدة التي تفتقد لأي ملامح فنية وبها ما يسمح من المساحة لإقامة هذا المتحف، فبقدان أحد الأركان الأساسية لفن الكاريكاتير، أعتقدج أن اللحظة قد حانت لتنفيذ هذا المقترح، وأخيرا أقول.... رحمك الله يا مصطفي وأعاننا علي تحمل فراقك. ورغم صعوبة اللحظة علي الفنان الكبير جمعة، إلا أنه أستطاع ان يقدم رؤية شاملة لمصطفي حسين قائلا: أعتقد أننا فقدنا رسام كاريكاتير عبقري يمتاز عن كل الرسامين بشخصياته غير النمطية فكان متفردا علي مستوي رسامي العالم، فرسوماته بها حركة وحيوية قلما توجد عند آخرين كما أنه خاض الكثير من المعارك في عهد مبارك وكان معارضا شرسا له عبر شخصياته بالتعاون مع أحمد رجب فشخصياته مثل الكحيت وكمبورة والأليت كانت تدب بالحياة وتعيش بيننا وكانت ميزة هائلة له. وأتذكر أنه في عام 1977 بدأ في الأخبار ليحقق المعادلة الصعبة أمام صلاح جاهين في الأهرام واتصور أنه نجح واستطاع ان يصبح من اشهر رسامي الكاريكاتير في مصر والعالم العربي ويضيف جمعة:علي مستوي اللون عند مصطفي حسين كانت الوانه قوية جدا لأنه مصور في الأساس كما أنه قدم قصص اطفال هامة في دار الشروق، كذلك رسوماته الزيتية اللي طبعت بمجلة أكتوبر كانت مبهرة وفي هيئة الكتاب رسم أعلام الثقافة والأدب باقتدار رائع، "حسين" أدلي بدلوه في العديد من المجالات الفنية وله تراث يحترم ولا بد من الاعتناء والاهتمام به وإعطائه حقه في التقدير. وعن واحدة من المواقف الطريفة التي جمعة بينهما يقول:حينما كنا في المطار مسافرين لأمريكا لحضور افتتاح أكبر متحف للكاريكاتير في العالم، اكتشف مصطفي فجأة انه تأشيرته لأمريكا منتهية فعاد إلي منزله وسافرت أنا، وحين عدت تندرت عليه وكان رد زوجته علي ألا أفعل ذلك لأنني ساكون مثل هذا الموقف في يوم ما، وبالفعل بعدها بحوالي أسبوع كنا علي سفر للأردن وفي المطار فوجئت بانتهاء جوازي وسافر "حسين" وبقيت أنا! ... رحمه الله وأدخله فسيح جناته. أما الفنان الكاريكاتير ياسر جعيصة فيري أن مصطفي حسين توفي قبل أن يحقق الكثير، فهو فنان تشكيلي كبير قبل أن يكون كاريكاتيريست وهو ما انتظره منه الوسط التشكيلي بالفعل، فكانت لديه قوة تصويرية قوية من حيث التكوين وباليتة اللون متميزة، فهو خريج قسم التصوير الزيتي بكلية الفنون الجميلة، فكان من المنتظر أن يكون تشكيلي هام، بغض النظر عن الخلاف السياسي معه إلا أنه حصل علي مكانته الطبيعية والتي ربما تأخرت عليه.. "حسين" تميز بخطوطه القوية جدا وتميز أيضا برسم بورتريه بحرفية وتفاصيل وهو أصعب شيء في رسم الكاريكاتير، لكنه بخطوط بسيطة وتكنيك بسيط يستطيع الوصول للمتلقي بمنتهي السهولة وهو ما يعني حرفيته الشديد وقدرته الفائقة في الرسم، فكلما كان الرسام متمكن في الرسم كلما استطاع أن يصل بأيسر وأبسط الأساليب للمتلقي وليس العكس، من ناحية أخري كانت مفرداته سهلة وبسيطة فكان يرسم شخصيتن علي القهوة مثلا أو في غرفة النوم بأقل التفاصيل وأدقها، ايضا كان لديه إحساس عالي جدا بالديكور وكذلك الأزياء العصرية، كلها عناصر ينسجها معا بمنتهي البساطة والتلقائية، و بشكل لا يراه المتلقي بل يشعر به من خلال إحساسه بالجو العام للرسم، فقوة اللون لديه تكمن في إفراده للإضاءة بسهولة خاصة إضاءة الشمس. ويعترف رسام الكاريكاتير الفنان مصطفي رحمة بأن تعارفه بالفنان مصطفي حسين كان شحيحا ... ليس كمثل صداقتي لحجازي وبهجت رحمهما الله، إنما لا يختلف اثنان علي أن "حسين" كان مبدعا .. ولديه خطوط من أقوي مايكون، كما أنه كان رسام كاريكاتير له تأثير كبير، بدليل شعبيته، التي أهلته ليكون الأشهر في فترة الثمانينات وما تلاها ووصف رحمة مقلدي الفنان مصطفي حسين بالمساكين لأنهم من دون هوية تميزهم وفشلة، واستدل في حديثه بقصة الغراب الذي أراد تقليد الطاووس، يستطرد رحمة قائلا: سألت "حسين" ذات مرة عن مقلديه، فأوضح أنه يعتبرهم غلابة يأكلون من الفتات الذي يقع منه، والمقلدين بالمسطره كما يقولون هم لصوص ويجب عليهم ان ينتحروا خجلا، خاص وأن القارئ يلفظهم لأنه يفهم جيدا. وتروي الناقدة فينوس فؤاد قصة حدثت لها في إحدي اجتماعات مجلس نقابة الفنانين التشكيليين: كان أول من دعاني لحضور اجتماع المجلس قبل الثورة لأدفع بعناصر شابة داخل المجلس والاستعانة بآرائهم، وبالفعل حضرت عدة اجتماعات وتقدمت بالكثير مقترحات، وعندما حاول بعض أعضاء المجلس الاعتراض علي وجود غرباء في الاجتماع طلب مني الإنتقال من مقعدي في نهاية طاولة الاجتماعات إلي جواره علي رأس الاجتماع وأكد أن الشباب هم الصوت القادم للنقابة ولابد من الإنصات لطلباتهم ومقترحاتهم. وكان ذلك قبل انعقاد الجمعية العمومية الأخيرة له في النقابة، وبهذا فهو أول من أعطي للشباب حقهم داخل النقابة قبل ان تكون هناك ثورة من الأساس، فمن وجهة نظري أن مصطفي حسين من النقباء الذين أدوا دورهم النقابي كما يجب خاصة وأنه استطاع الحصول علي أراض للتشكيليين لإقامة المشروعات، هذا عن دوره في خدمة الحياة التشكيلية، أما في رسومه الكاريكاتيرية فقد أمتلك جرأة في النقد الاجتماعي وتلخيص المشكلات الحقيقية وخلق شخصيات رمزية عاشت علي مدار التاريخ كرمز لتلك المراحل السياسية، من أهم شخصياته عبد الروتين وعبده مشتاق وقاسم السماوي وكمبورة وعلي بك الأليت وفلاح كفر الهنادوة وعلي الكوماندا، فهو فنان له انجازات فريدة بحكم إجادته للرسم، ليس الكاريكاتيري فقط، حيث انه قام بتصميم نجمة سيناء التي أهديت للرئيس السادات، كان فنانا من نوع خاص قادر علي تحريك شخصياته من داخل إطار اللوحة الي الحياة لتتحول إلي قصص وحكايات كما تم تحويل شخصياته الي مسلسلات مثل "ناس وناس"، الخط لديه علي الرغم من حدته إلا أنه كان يرسم البعد الانساني الكامل للشخصية، نجد أن ألوان شخصياته مكسوة بانفعالاتها وحيويتها، و الخلفيات لديه تحتل المكانة الثانية في العمل وأحيانا تتصدره لتكون هي البطل الحقيقي، "حسين" قادرا علي استحضار سريع للأفكار وهذا ماتم مع الفنان أحمد رجب، دائما شخصياته محملة بالتفاصيل الدقيقة والهامة الني تؤكد عمق دراسته للشخصية وأبعادها، وهو ما ظهر في شخصية "سيسي مان" مع بداية ظهور دور الجيش علي الساحة السياسية وتوقعه بأن يكون هذا الشخص هو المنقذ للمرحلة، وشبهه بسوبر مان الذي يحلم به الضعفاء لإنقاذهم ... أعتقد أن هذا كان أحد وسائل التنفيس عن الإحساس بالقهر للمجتمع والرغبة في وجود منقذ وليس قائدا أو إله، أيضا شخصية "قاسم السماوي" التي ظهرت إبان ظهور تباين شديد بين طبقات المجتمع، تلك الشخصية التي تحقد علي اصحاب النفوذ والمال وتحاول ان تعيش في شريحة مختلفة عن واقعها ... وهذا نقد درامي مجتمعي لاذع موجه للسلطة للإحساس بمعاناة الطبقات الفقيرة وماسينجم عن ذلك من أحقاد وجرائم وهو ما حدث بالفعل في الثمانينات، شخصية "عبده مشتاق" التي جسدت اشتياقه الحصول علي عضوية مجلس الشعب أو الحقائب الوزارية وما يتطلبه ذلك في حينها من مرآة للسلطة وتملق للحاكم بهدف الحصول علي الحصانة، "علي الكوماندا" التي جسدت شرائح ظهرت في الثمانينات وأوائل التسعينيات في كل المؤسسات حكومية وهي شخصية أفرزها المجتمع بالفعل، هذه الشخصية تمثل عمقا دراميا ودراسة متعمقة للمجتمع، دائما نجد رسائل مستترة داخل رسوم "حسين" لتكون بمثابة تلغراف للقارئ، نظرا لأنه يعلم الكثير ولكنه يأبي أن يفصح عن كل ما يعلم لذا يتعمد إرسال شفرات سرية للقارئ أو المتلقي تظهر في تفصيلات صغيرة، تنبئ عن القادم، نفس الشئ فعله مع القادة السياسيين ورموز الدول حيث يرسل رموز توضح موقف المجتمع من القرارات السيادية سواء الداخلية او الخارجية، ومن الملاحظ في رسومه استشراف الغد وهو ماحدث قبل وبعد وأثناء الثورة، حتي اختياره لاسم الشخصية كانت له دلالات رمزية وفلسفية.... رحمه الله.