في صيف 1990 دخلت مؤسسة أخبار اليوم للمرة الأولي في حياتي، لم يكن في ذهني أنني سأكون في يوم ما- أحد أبنائها.. فالزيارة كانت للشكوي من خطأ مادي أضر بتقديري في الليسانس، وقد جئت للراحل الدكتور حسن رجب، الذي كان صديقا لعمي- رحمه الله- وقد قابلني الأول بود شديد، واستمع إلي شكواي، وطلب مني أن أكتبها فيما لايتجاوز السطور السبعة ، وأعطاني ورقة وقلما، وفعلت ما أراد، فأخذها ووضعها علي مكتبه، وقال لي إنه علي يقين من صدق ما كتبت.. وطلب أن أعطيه فرصة للتدخل لدي عدد من الأساتذة الذين تربطهم به صلة معرفة، للوقوف علي ملابسات الموضوع، بعدها بأيام اتصلت به، فقال لي إنني بالفعل صاحب حق، ولكن النتيجة لن تتغير للأسف، وطلب مني الحضور لمكتبه، بعد أن شعر بيأس في صوتي من المستقبل. في مكتبه كانت المفاجأة، فعندما طلب مني في الزيارة السابقة- كتابة الشكوي محددة الأسطر، كان ذلك بمثابة اختبار .. نجحت فيه، وبناء علي ذلك تم إلحاقي للتدريب في جريدة الأخبار، وكان هناك تقليد مهني راسخ، أن يقام لي ما يشبه الدورة التدريبية، بأن أمكث أسبوعا أو أسبوعين في كل قسم من الأقسام الرئيسية بالجريدة، قبل أن يستقر مقامي في القسم الرئيسي، فعلت ذلك وأنا غير مصدق أن التجربة ستكتمل ، وبالفعل صدر لي أول كارنيه يحمل صفة متدرب في مؤسسة أخبار اليوم في 25 نوفمبر 1990. وبدأت المرور علي الأقسام المختلفة، وصادف أن كانت دورة الألعاب الأفريقية تجري بالقاهرة، فتابعت عددا من أنشطتها للقسم الرياضي بالجريدة، ومرت أيام التدريب، ثم تم تجنيدي، وبعد ذلك استقرت بي الأمور، لأكون محررا تحت التمرين في جريدة أخبار الأدب المزمع إصدارها، لكن رصيدي من هذه الجولة في الأقسام المختلفة للأخبار، ظل حتي هذه اللحظة قائما، فأنا أدين بها لزملاء كبار أخذوا بيدي، وفتحوا لي صفحات الأخبار، التي كنت أكتب فيها، كما أكتب في أخبار الأدب، كما لا أنسي في هذه اللحظة فضل زملائي جميعا في القسم الأدبي، ولا أدل علي هذا الفضل ما ذكرته لي الزميلة بركسام رمضان من أنها تلقت الكثيرمن التهاني من الزملاء في " الأخبار" بمناسبة اختياري رئيسا لتحرير أخبار الأدب، باعتباري تلميذها. أعود مرة ثانية إلي أخبار الأدب التي بدأت من العام 1992حتي صدور الجريدة رسميا في يوليو 1993، ومن وقتها لم أفارقها للحظة.. مرت السنوات، لأحمل لقب" أقدم محرر" فيها، بالتأكيد لم تكن الأرض مفروشة بالورود في كل سنواتها، لكن ما خفف من أي شئ، هو أننا لمدة تقترب من 18 عاما، تعاملنا مع الروائي الكبير الأستاذ جمال الغيطاني ، الذي اتفقنا معه في أحيان واختلفنا قليلا، لكن في كل الأحوال كنا بمثابة الأسرة الواحدة، لذا خضنا في الجريدة معارك كثيرة، كتبنا ما أردنا، وشكلت مع زملائي كتيبة من المعارضة الثقافية، وعندما تبدلت الأحوال في الجريدة، لم يستطع أحد إرهابنا،.. لم نصمت.. فعلنا كل شئ في سبيل الحفاظ عليها، وأن تعود لمسارها الذي يعلي من قيم الحريات والمواطنة والإبداع، وألا نكون ألعوبة في يد أفراد جماعة الإخوان المسلمين الذين تصوروا أن البلاد ملك لهم.. خضنا جميعا معركة علي قلب رجل واحد، أعتقد أنها من أشرف المعارك الصحفية. في النهاية عادت لنا الجريدة منذ عام، لنديرها بشكل جماعي- كل واحد منا يكمل الآخر- خضنا تجربة هي الأولي في تاريخ الصحافة القومية، أن ندير الجريدة علي شكل مجلس تحرير.. يعطي الفرص المتساوية للقرار للجميع، لذا كنا الجريدة الوحيدة التي وضعت ثلاثة أسماء- لاختيار رئيس تحرير- موقعة من كل الزملاء، وتم رفعها لرئيس مجلس الإدارة في ذلك الوقت الأستاذ أحمد سامح، وللمجلس الأعلي للصحافة فور تشكليه الجديد، عقب ثورة 30 يونيو 2013، ثم للزميل العزيز الكبير ياسر رزق، عندما تولي رئاسة مجلس الإدارة، بعد إقصاء متعمد في فترة الإخوان، وانحاز ياسر لهذه الترشيحات، لينتهي المطاف باختياري رئيسا للتحرير بقرار من زملائي، قبل أن يكون بقرار من المجلس الأعلي، الذي انحاز للاختيار من قائمة الزملاء، التي ضمت محمد شعير، وياسر عبد الحافظ، وأعتقد أنهما بمجيئ قد جاءا معي. لكن ماذا تحتاج أخبار الأدب في الفترة القادمة؟ الإجابة التي ربما ستكون صادمة للبعض، أن اخبار الأدب في حاجة ماسة إلي " نقطة ومن اول السطر". كثيرا ما شعرت، لاسيما في نقاشاتي مع زملائي الأحدث في الجريدة، أنه لابد من صياغة جديدة، وكنت أنحاز دائما في المناقشات لهذا البعد، لأنه بالفعل يجب ان نعيد البناء من جديد، ولا يعني ذلك سوي تعزيز مناطق القوة التي اكتسبناها علي مدي السنوات الماضية، وأن ننطلق- كذلك- من الشرعية التي ينشأ التطوير في ظلها، وهي أن الصحف القومية لابد أن تعبر عن رؤي الشعب وطموحاته، وأن السيادة للشعب، من هذا المنطلق لن نقبل سوي الوقوف بقوة مع حرية التعبير ومختلف الحريات المجتمعية، وأن نعبر بصدق عن جوهر ومضمون ثورتي يناير 2011، و30 يونيو 2013، فهاتان الثورتان أفرزتا جيلا من الشباب القادر علي التغيير، الحالم بمستقبل أفضل، ولابد أن يكون الإصدار معبرا عن هذا الجيل بثقافته وفنونه وشعاراته، وأن نربط ذلك بالعمق الثقافي للوطن بموروثاته وتقاليده وعاداته، ويجب أن تظهر أخبار الأدب هذه الذات وتطورها المعرفي والثقافي، كما ستراعي الجريدة في مسيرتها نحو التطوير، أن تستهدف رجل الشارع العادي، فلا يشعر أنه أمام جريدة للصفوة، بل أمام إصدار يجد فيه ما يزيد من معارفه الإنسانية بلغة واضحة، ويسهم في توسيع مداركه وثقافته، بل يجد فيه مشاكله وطموحاته، من هنا سيشعر الجميع بتغيير واضح في نمط التحقيقات والحوارات التي سيطلع عليها في الفترة القادمة، وأنشر في السطور التالية جزءا من رؤيتي للتطوير التي تقدمت بها للمجلس الأعلي للصحافة، ومما جاء فيها: التعاون مع الهيئات والمؤسسات ذات الطابع الثقافي والتعليمي والشبابي، بشكل يهدف إلي ترسيخ مفاهيم الثقافة والإبداع في المجتمع، ولكن دون المساس برؤية الجريدة واستقلاليتها، وهو أمر منوط برئيس التحرير ومجلس التحرير الحفاظ عليه. الانفتاح علي مؤسسات المجتمع المدني العاملة في مجال الثقافة. إعداد ملفات عن محافظات مصر، بشكل ثابت يساهم فيها الأدباء والمثقفون وأبناء كل محافظة، بحيث يكون الملف ذا ابعاد ثقافية وسياسية وإبداعية وتنموية. إعداد ملفات عن المثقفين والشخصيات العامة سواء المصرية أو العربية أو العالمية، بشكل يساعد علي الإلمام ومعرفة التجارب الإنسانية المتنوعة والثرية. السعي إلي تخصيص أعداد عن ظواهر ثقافية أو مجتمعية أو سياسية أو فنية، يساهم فيه نخبة من أصحاب الرؤي في المجالات المطروحة. العمل علي تأسيس موقع الكتروني فعال ونشط، لا يعتمد علي المواد المنشورة فقط- في العدد الورقي الأسبوعي، وإنما يتم تحديثه يوميا بمواد ثقافية متنوعة ما بين الخبر والتحقيق والحوار وعروض للكتب ومتابعة الندوات. أحلم بأن أطلق عددا شهريا من أخبار الأدب، تعتمد فكرته علي طرح موضوعات بعضها يميل للجانب التوثيقي والتحليلي والبعض الآخر يتيح الفرصة للملفات الصحفية المدعمة بالصور الفوتوغرافية، مثلا ملف عن تاريخ حي شعبي يتناول أهم الحرف التي اشتهر بها، والشخصيات المعروفة في كافة المجالات التي خرجت منه، كما سيتم في هذا العدد الشهري إلقاء الضوء علي الخلفيات المتعددة للمثقف أو غيره، فنتطرق إلي بيئته ونشأته وتطوره، وكذلك من الممكن تخصيص ما يقرب من العشر صفحات لمبدع موهوب، ومن الأفكار التي يمكن أن يتضمنها العدد الشهري " متحف في جريدة" يلقي الضوء علي فنان تشكيلي ومسيرته، وأتمني أن تصل عدد صفحات هذا العدد إلي 52 صفحة. ضرورة أن تنظم أخبار الأدب مسابقة بالتعاون مع إحدي الجهات العاملة في المجال الثقافي سواء حكومية أو مؤسسات المجتمع المدني، كما كان يحدث في السنوات الأولي من عمرها بشكل منتظم، لكن هذا التقليد اختفي، ولابد- إن شاء الله- من عودته، لأنه يمكنا من أداء واحدة من أهم أدوارنا، وهو الكشف عن المواهب. الاهتمام كما بدأنا بالنصوص المترجمة من كافة اللغات. هذا بعض من النقاط التي تضمنتها خطتي للتطوير، التي تحتاج- أيضا- إلي أن أضيف إليها، الأفكار التي سترد إليّ من المثقفين والأدباء من مختلف أنحاء مصر، وفي النهاية أتمني أن تضافر كل الجهود، من أجل أن تتحول الأفكار إلي واقع ملموس.