أعتقد أن السؤال الأول الذي يخطر علي بال أي مثقف أو متابع للحركة الثقافية المصرية، عندما يلتقي بالدكتور جابر عصفور وزير الثقافة هو: لماذا قبلت هذا المنصب؟ بالفعل .. عندما التقيت في الصباح الباكر من ثاني أيام توليه الحقيبة الوزارية، واجهته بالسؤال السابق، فأجاب: لأنني أشعر بأننا نتخذ الآن خطوات جادة نحو المستقبل، ولا يمكن لمثقف مثلي أن ينسحب من مشهد " البناء"، فمصر تمتلك الآن رؤية واضحة للمستقبل ووطنية في اتخاذ القرار، بالإضافة إلي أنني قدمت للرئيس عبد الفتاح السيسي سواء في اللقاء الذي تم معه باعتباره مرشحا للرئاسة أو في الاجتماع الأول لمجلس الوزراء بتشكيله الجديد، رؤية واضحة لتطوير المنظومة الثقافية للدولة، وأعربت عن أهمية تنفيذ هذه الرؤية علي أرض الواقع، لاسيما في هذه المرحلة الدقيقة من عمر الوطن، وأن هذا التطوير يقع علي مسئولية طرفين، الأول الدولة التي ينبغي أن تقوم بالدور الحاسم، والثاني المجتمع المدني الذي لابد للدولة من تفعيله وتشجيعه علي الاسهام في تطوير وتحديث منظومتها الثقافية، وتفعيل دور الدولة يجب أن يقوم من خلال تعاون عدد من الوزارات: الثقافة، الاعلام، التعليم، الشباب، مؤسسة الأزهر الشريف، فلابد من التعاون وألا يعمل كل منا في جزر منعزلة. د. جابر سبق أن طرحت كثيرا مثل هذه الأفكار، ولكن علي أرض الواقع لم يحدث شيء؟ الجديد هذه المرة أن الرؤية واضحة أمام الجميع، وأنني قبلت تولي وزارة الثقافة لتطبيق ما سبق أن قلته لك، وبالمناسبة سبق -أيضا- أن نشرته في مقالاتي، ولا يوجد طريق للنهوض بالثقافة إلا بهذا التعاون، وحتي تتأكد أننا جادون في ذلك، قبل لقائك معي، بدأنا أولي الخطوات في تفعيل الرؤية السابقة مع وزارة الشباب، ولا يوجد طريق آخر سوي نجاحي في هذه المهمة. هذا الحماس يجعلني أسألك ما الفارق بين قسمك الأول في وزارة أحمد شفيق وقسمك الآن؟ الفارق كبير جدا، فحتي لغة القسم اختلفت، ففي هذه المرة أقسمت علي " الحفاظ علي سلامة الوطن ووحدة أراضيه"، ومنذ اللحظة الأولي شعرت بعبء المسئولية الملقاة، لكن شعرت- أيضا- بالقدرة علي الانجاز، فالتشكيل الوزاري يضم فريق عمل متكاملا قادرا علي إنجاز المهام الموكولة له، بحس وطني أننا أمام لحظة فارقة في تاريخ الوطن. أفهم من ذلك أن هناك خطة واضحة المعالم للوزارة، أستطيع بعد أيام الاطلاع عليها ومعرفة تفاصيلها؟ بالتأكيد ستكون هناك استراتيجية واضحة المعالم لهذه الوزارة، فقد بدأت منذ الساعات الأولي في إصدار تكليفات محددة، من أجل أن تلعب الثقافة دورا كبيرا في أن يشعر بها المواطن. ما الملامح الرئيسية لبرنامج عملك؟ سننحاز بشكل واضح لما أطلق عليه " بالعدالة المعرفية" وهي المقابل " للعدالة الاجتماعية"، فسنسعي بكل قوة للتحقيق، حق المعرفة للجميع، وسننحاز- أيضا- لحرية الإبداع وللمبدعين، فالحريات جزء أصيل في سعي أي مجتمع للتطور ولمستقبل افضل. أفهم من ذلك أنه من الممكن أن تصدر قرارا بعرض فيلم " حلاوة روح" بصرف النظر عن التقييم الفني له؟ الأمر معروض علي القضاء، وبالتالي لا أستطيع التدخل في هذه اللحظة، لكن أعدك بتنفيذ الحكم الصادر أيا كان، فلا مجال للتهاون في عدم تنفيذ أحكام القضاء، ولابد ونحن في وزارة الثقافة ونتحدث عن استراتيجية جديدة للوطن، أن نلتزم بإرساء مبادئ تنفيذ الأحكام. علي مستوي جهاز الرقابة هل في ذهنك تصور جديد له، وكذلك هل سنشهد رقيبا في الفترة القادمة؟ سأختار من يشغل منصب مدير الرقابة بعناية شديدة، تتحقق فيه عدد كبير من الصفات، أهمها الانحياز التام لحرية التعبير والرأي، وسيساند هذا الرقيب تصور مختلف لجهاز الرقابة، ورؤية جديدة له، وسنستفيد من تجارب الأمم في هذا الجزء، ومن ذلك أن يحدد الجهاز الأعمار السنية للأفلام المعروضة عليه. د. جابر أريد أن نتحدث في بعض الأمور الادارية في الوزارة، خاصة أنك لست غريبا عنها، ولديك تصورات لطبيعة عمل أجهزتها، وأبدأ بسؤال: هل سنجد في استراتيجية الوزارة تنسيقا ليس بينها وبين الوزارات الأخري، لكن بين قطاعات الوزارة نفسها، لاسيما في موضوع النشر؟ مستحيل أن يستمر الوضع الحالي بالشكل الموجود، لدينا 17 جهة تتولي النشر داخل الوزارة، فعلي سبيل المثال عندنا المركز القومي للترجمة، من المفترض أن يكون هو الجهة الوحيدة التي تتولي النشر في هذا المجال داخل الوزارة، وبالفعل سأدفع العمل في هذا الاتجاه فورا، ويتم التنسيق-مثلا- بين هيئة قصور الثقافة والمركز، بحيث تطبع الهيئة طبعات شعبية من إصدارات المركز، وبذلك سنقدم هذه الخدمة لقطاع عريض من المجتمع، وسأقوم فورا في اتخاذ الخطوات القانونية المترتبة علي هذه الفكرة، منها تغيير بنود العقود لتسمح لنا بإجراء طبعات شعبية. ما دمنا نتحدث عن المركز القومي للترجمة .. هل هناك حل للكتب المعطلة في المطابع الأميرية، التي تبلغ ما يقارب ال200 كتاب؟ أنا لن أبالغ، إذا قلت لك أنني سأكون مساعدا للدكتور أنور مغيث في دفع العمل في هذا المشروع القومي الهام، فالترجمات إحدي الوسائل المهمة للنهوض في أي مجتمع، لأنها تكشف- في جانب منها- عن طريقة تعامل الدول مع بعض القضايا التي تمسنا، من هنا أقول لك خلال أسابيع قليلة كل الكتب " المركونة" في المطابع الأميرية ستأخذ سبيلا لكي تري النور. بصراحة هناك ترهل إداري كبير في وزارة الثقافة.. وهناك طريقة خاطئة في إدارة العمل الثقافي من قبل عدد من المؤسسات، أري علي رأسها المجلس الأعلي للثقافة، وما حدث من ارتباك في طريقة فحص الأعمال المقدمة لجوائز الدولة، وهو ما سينعكس عند التصويت علي الجوائز؟ دون الدخول في تفاصيل، أقول لك هناك تغييرات جذرية في قيادات الوزارة، وستري وجوها جديدة لمشاركتي في إدارة العمل، وسيكون للشباب المؤهل دور كبير، وسندفع بكوادر من الصفوف الثانية والثالثة لقيادة عدد من المؤسسات الثقافية.