بعد تلميح ترامب بتورط أيادٍ خارجية، عمدة لوس أنجلوس تعتزم فرض حظر تجوال بالمدينة    فلسطين: الاحتلال يواصل عدوانه على مدينة نابلس    محمود وفا حكما لسيراميكا والبنك الأهلي في نهائي كأس عاصمة مصر    أفراح الموت، إصابة سيدتين وطفلة بطلقات نارية في زفة عروسين بالمنوفية بعد ساعات من واقعة قنا    سعر البطاطس والبصل والخضار في الأسواق اليوم الأربعاء 11 يونيو 2025    صندوق الإسكان يوضح موقف المتقدمين خارج الأولوية في سكن لكل المصريين 5    ارتفاع الأسهم الأمريكية لتقترب من مستوياتها القياسية    عن "اللحظة الدستورية" المقيدة بمطالب الشعب الثائر    عيار 21 يعود إلى سابق عهده.. أسعار الذهب والسبائك اليوم الأربعاء بالصاغة بعد الارتفاع الكبير    مندوب الجامعة العربية بالأمم المتحدة: لن نسمح بالتلاعب بمصير الشعب الفلسطينى    محافظ الدقهلية يتفقد شوارع المنصورة ليلا.. ويؤكد: لا تهاون فى مواجهة الإشغالات    ملخص أهداف مباراة هولندا ومالطا في تصفيات أوروبا لكأس العالم    تقارير: فيرتز على أعتاب ليفربول مقابل 150 مليون يورو    إنفانتينو: الجميع يعرف تاريخ الأهلي.. وأعلم أنه بمثابة حياة لجماهيره    «مش متخيل إني وصلت للمرحلة دي».. زيزو يتحدث عن والده بعد التواجد مع الأهلي    محمود وفا حكما لمباراة نهائى كأس عاصمة مصر بين سيراميكا والبنك الأهلى    بعد زيزو.. تفاصيل إنهاء الأهلي لصفقته قبل السفر لكأس العالم للأندية    مباشر مباراة البرازيل ضد باراجواي في تصفيات كأس العالم 2026    سعر الدولار اليوم أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية قبل بداية تعاملات الأربعاء 11 يونيو 2025    ظهرت الآن نتيجة الصف الثالث الابتدائي 2025 بالقاهرة.. رابط مباشر و خطوات الاستعلام بالتفصيل    إصابة 3 بطلقات نارية فى مشاجرة بين أبناء عمومة بدار السلام سوهاج    «الطقس× أسبوع».. استمرار الارتفاع في درجات الحرارة والأرصاد تحذر من الرياح النشطة والشبورة    10 أيام ونستقبل فصل الصيف .. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم : «توخوا الحذر»    حملات على التكاتك المخالفة بحى شرق المنصورة والسنبلاوين    إصابة طالبة بطلق نارى بطريق الخطأ داخل منزلها بدار السلام سوهاج    يتصرفون ببرود.. 3 أبراج تخفي طبيعتها الحساسة    يحيى الفخرانى عن "عودة مواطن": اشتريت تذاكر من أجل عرضه وقت أطول    يحيى الفخرانى: عادل إمام له وقفات نفتخر بها.. ونبيل الحلفاوى أصدق الأصدقاء    مشاعر قديمة تتسلل إليك.. حظ برج الدلو اليوم 11 يونيو    زوجة عريس الشرقية من متلازمة داون تخرج عن صمتها: "أنا مبسوطة معاه.. وياريت الناس تسيبنا في حالنا"    مرض ابنى آدم وعملياته السبب.. تامر حسنى يعتذر عن حضور فرح محمد شاهين    «ابني تعبان وعملياته السبب».. تامر حسني يعتذر عن عدم حضور فرح محمد شاهين    المذاكرة وحدها لا تكفي.. أهم الفيتامينات لطلاب الثانوية العامة قبل الامتحانات ومصادرها    بطريقة آمنة وطبيعية.. خطوات فعالة للتخلص من الناموس    هل لاحظت رائحة كريهة من تكييف العربية؟ إليك الأسباب المحتملة    محافظ سوهاج يُتابع تنفيذ كوبري المشاة بمنطقة الثلاث كباري    أسر الشهداء لوزير الداخلية: «كنتم السند في أطهر بقاع الأرض»    فريق «هندسة القاهرة» الثالث عالميًا في «ماراثون شل البيئي» لعام 2025    مُخترق درع «الإيدز»: نجحت في كشف حيلة الفيروس الخبيثة    مرصد التعاون الإسلامي: الاحتلال يرتكب جرائم حرب بقصفه المستشفيات في غزة    حزب الوعي: التحرك نحو معبر رفح دون التنسيق مع مصر تجاوز مرفوض    السعودية تعلن انطلاق موسم عمرة 1447ه وفتح باب التأشيرات والتصاريح    يحيى الفخراني عن اختياره شخصية العام الثقافية: شعرت باطمئنان بوجودي على الساحة    فن إدارة الوقت بأنامل مصرية.. ندوة ومعرض فني بمكتبة القاهرة الكبرى تحت رعاية وزير الثقافة    "يمثل نفسه".. الخارجية الأمريكية تتبرأ من تصريحات سفيرها في تل أبيب    "الأوقاف" تعلن أسماء الفائزين في مسابقة الصوت الندي 2025    الحوثيون: نحذر كافة الشركات والجهات المختلفة من التعامل مع ميناء حيفا    غدا.. 42 حزبا يجتمعون لتحديد مصيرهم بانتخابات 2025 (تفاصيل)    وزير الأوقاف يجتمع بمديري المديريات الإقليمية لمتابعة سير العمل    التعليم: عودة قوية لاختبار "SAT".. بمشاركة 100% دون شكاوى    أستاذ اقتصاديات الصحة: نسبة تحور "كورونا" ارتفعت عالميًا إلى 10%    في أول اختبار رسمي.. انطلاقة ناجحة لاختبارات SAT في مصر مشاركة 100% للطلاب دون أي مشكلات تقنية    أمين " البحوث الإسلامية " يتفقَّد إدارات المجمع ويشدد على أهميَّة العمل الجماعي وتطوير الأداء    زواج عريس متلازمة داون بفتاة يُثير غضب رواد التواصل الاجتماعي.. و"الإفتاء": عقد القران صحيح (فيديو)    الجريدة الرسمية تنشر قانون تنظيم إصدار الفتوى الشرعية    التقويم الهجري.. سبب التسمية وموعد اعتماده    وثائق بريطانية: إثيوبيا رفضت التفاوض مع نظام مبارك بشأن مياه النيل    حكم توزيع لحوم الأضاحي بعد العيد وأيام التشريق؟.. أمين الفتوى يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سعد زهران وبورتريهات حزينة عن الرفاق
غيب الموت الأسبوع الماضي المفكر السياسي سعد زهران .. هنا قراءة في حياته وإنجازاته
نشر في أخبار الأدب يوم 07 - 06 - 2014


سعد زهران
سبعون عاما مرت منذ أن التحق الراحل سعد زهران الشاب بالحركة الشيوعية المصرية،ووقف في صفوفها في وجه الانجليز وعملاء الانجليز ، ليطالب بالحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية ، هذه الشعارات التي برزت مرة أخري في السنوات الأخيرة من ثورة المصريين علي الطغاة والفاسدين، والتي رفعها أجدادهم في كافة ميادين مصر،وكان سعد زهران آنذاك مازال طالبا في الجامعة،وكانت التنظيمات الشيوعية تعمل بقوة شديدة،وكان تأثيرها كبيرا علي كافة قطاعات الحركة الوطنية،رغم المدّ اليميني الذي كان يفرش ظله ويتحالف سلطة الملك في مواجهة الحركة الوطنية والشيوعية،وشارك سعد زهران بكل طاقته في ثورة 1946،هذه الثورة التي كانت التمهيد الأعلي والأقصي لثورة يوليو،وهي الثورة التي صاغت كافة المطالب السياسية والاقتصادية والوطنية التي رفعتها وتبنتها ثورة يوليو فيما بعد،وكانت "اللجنة الوطنية للعمال والطلبة"،هي الركيزة الأساسية التي حرّكت هذه الثورة بقوة،وكان سعدزهران عضوا نشطافي اللجنة مع لطيفة الزيات وجمال غالي ورفاقهم،وحاولت جماعة الأخوان المسلمين،تأسيس لجنة أخري تحت اسم "اللجنة القومية" مدعومة من القصر لإفشال اللجنة الوطنية،ولكنها سرعان ما انهزمت أمام المد اليساري والوطني العارم،وكان سعد زهران واحدا من الذين وقفوا بشدة أمام هذه اللجنة،وتعتبر مشاركة زهران في هذه اللجنة هي إحدي مآثره الكبري،وتعتبر هذه اللجنة حتي الآن إحدي مفاخر الحركة الوطنية والتقدمية المصرية،حيث أن هذه اللجنة قدصاغت كافة التوجهات والأماني الوطنية لعقود عديدة،وقد مرّت الحركة الشيوعية فيما بعد بسلسلة انتكاسات،وكانت أولي هذه الانتكاسات تتكرس في البعد الانقسامي الذي فتّت الحركة إلي بؤر وجزر صغيرة،كل جزيرة تعادي الأخري بشكل كبير،والعداء الذي كانت تكنه بعض التنظيمات للبعض الآخر،كان يشبه وربما يفوق العداء للسلطة ذاتها،ومن بين هذه التنظيمات كان التكتل الثوري الذي أطلق عليه "تكتل سيف سليمان"،وهماشهدي عطية الشافعي وأنور عبدالملك،وكان معهما سعد زهران وحسين الغمري وعبدالمنعم الغزالي ومحمد سيد أحمد وإلهام سيف النصر وغيرهم،ودون الدخول في تفاصيل كثيرة،كانت الحركة الشيوعية قد توحدت غالبية تنظيماتها في شهري يونيو ويوليو عام 1947،علي أيدي قطبيها الكبيريين هنري كورييل وهليل شوارتز،وكانت هذه الوحدة قدتمت علي ثلاثة محاور رئيسية هي المركزية الديمقراطية وتمصير الحركة والتعميل،والذي حدث أن هذه المحاور لم تأخذ مداها المعقول في المناقشة،فسرعان مادبت الخلافات،وعادت الانقسامات أشد وأقسي،وحدث ما سمي بالتكتل الثوري الذي شارك فيه عمنا سعد زهران،وظلت آثار هذا التكتل وخيمة علي الحركة الشيوعية،وانفض المتكتلون،ولم يبق سوي سعد زهران وداود عزيز،ومن بين الشهادات التي أدلي بها أحد قيادات هذا التكتل وهو الراحل محمد سيد أحمد الذي قال :"لقد مزقوا حدتوا ولقد انتهت مهمتهم عند هذا الحد"،وعندما أتت ثورة يوليو انقسم الشيوعيون حولها،واختلفوا كثيرا،فمنهم من ناصروا وأيّدوا،ومنهم من هاجموا الثورة وقيادتها،حتي عندما اغتيل خميس والبقري،كان هناك من لم يتخذ موقفا رافضا لهذا الاغتيال،وسارت العلاقة بين السلطة واليسار تتأرجح بين الشد والجذب،حتي استطاعت السلطة أن تحتضن قطاعا كبيرا من اليسار، وأنشأت جريدة لهم في أكتوبر 1956، وهي جريدة المساء التي ترأس تحريرها خالد محيي الدين،وضمت كثيرا من الكوادر الشابة والوسيطة والقيادية،ويكفي أن شهدي عطية نشر روايته "حارة أم الحسيني" في أولي أعدادها،وضمت الجريدة كتابا من طراز علي الشلقامي ولطفي الخولي وأنور عبدالملك وفتحي عبدالفتاح وطاهر عبد الحكيم وعبدالعظيم أنيس وغيرهم،وكان لا بد أن يحدث الخلاف،وبالفعل وقع هذا الخلاف في أواخر عام 1958،ودخل غالبية الشيوعيين المعتقلات،وانتهي شهر العسل بين السلطة واليسار،وخرجوا في عام 1964علي دفعات،وكتب الكثير منهم مذكراتهم،ولأن معظمهم ساسة،فكتبوا مذكرات يغلب عليها الجفاف،ولكن سعد زهران كتب كتابه المهم والشهادة بروح أدبية عالية،فهو الذي ترجم رواية "عناقيد الغضب"للكاتب الأمريكي جون شتاينبك،وقد حظيت هذه الرواية بقراءة واسعة،وإعجاب كبير بالترجمة العربية،وكذلك ترجم سعد زهران مسرحية "المثقفون" لجيمس جويس،وترجمة الأدب تدل علي ذائقة راقية عند سعد زهران،لذلك جاءت مذكراته في كتاب "الأوردي"متأثرة بهذه الروح،وبهذا الأسلوب،وبعيدا عن الأحداث ومجريات الاعتقال الدامية،والتي استمرت من 1959 حتي 1964،وتعتبر أطول تجريدة عاشها الشيوعيون المصريون في السجون والمعتقلات المصرية،فإن سعد زهران قدّم بورتريها لشخصيات حقيقية،تصلح مادة أدبية لكافة الفنون البصرية،مثل المسرح والسينما والتلفزيون،ورغم قسوة ماكتب،فهذا يعتبر وجهة النظر الفنية في الشخصيات التاريخية التي عاصرها في الأوردي،ومنها الشخصيات الأعلام والمشهورة مثل الدكتور فؤاد مرسي والدكتور اسماعيل صبري عبدالله وغيرهم،وهناك شخصيات غير معروفة لنا،ولكنه سّلط عليه الضوء بشكل قوي،ففي فصل يحمل عنوان:"عيناك نافذتان"،يقول زهران:(لا أذكر أين قرأت هذا التشبيه الفريد،ربما في الكتاب المقدس..إنهما ليستا نافذتين تطل منهما علي العالم الخارجي فحسب،ولكنهما أيضا النافذتان اللتان يطل منهما العالم الخارجي داخلك..وما أفظع أن يطل العالم في عينيك فيراهما مظلمتين..وماأشد وطأة العينين المظلمتين علي صاحبهما،وعلي من يطل فيهما،وما أشد الوطأة حين تكون العيون قد أظلمت)،ولابد أن نلاحظ أن سعد زهران لا يرسل قراءته للآخرين عبر عيونهم عبثا،بل إنه يريد أن يقول وجهة نظر في هذا وفي ذاك،وذلك يذكرنا بقصيدة بيرم التونسي عن العيون،مع الفارق أن قصيدة بيرم كانت عن عيون ونظرات المرأة المتعددة والمتنوعة،وعن أثرها في الأشخاص،ولكن قراءة سعد زهران أكثر عمقا من ذلك،فهي تتضمن رسائل خاصة جدا،ربما يفك شفراتها من كان يعرف المناخ الذي عاش فيه سعد زهران ورفاقه،وفي الكتاب تتناثر أخبار وأحداث الجلاد والضحية عيون سعد زهران،فكثيرون من كتبوا عن حسن منير الضابط السادي،والذي له صوت مخنث،وربما لهذا السبب كان يريد إثبات رجولة وهمية بالقسوة الفظيعة تجاه ضحيته،وكان يستعذب إطلاق الشتائم البذيئة والفاحشة،وسعد زهران ينقل ذلك بأمانة،ويضعه في سياقه،حتي تتضح شخصية الجلاد الكاملة وبكل ملابساتها،كل ذلك كان يجري في الأوردي المعتم والمظلم والكئيب،وظلام الأورديكما يقررأنواع،والنوع الشائع هو الهروب من الالتقاء بنظرات الآخرين،فالعيون في الأوردي ليس مسموحا لها إلا برؤية الأشياء المسموح برؤيتها،وليس من المسموح النظر في عيون الناس،لذلك هناك من فقدوا حياتهم كاملة لأنهم تجرأوا ونظروا إلي الجلاد،وهناك من نالهم تعذيب مبالغ فيه لأنهم نظروا عفوا،وليس تجرأ،وليس تحديا،هنا يضع زهران مايشبه الدراسة النفسية لتلك العيون،وهو السجين المعتقل الذي كانت يخضع لكافة الترتيبات العنيفة التي تضعها اللوائح والقوانين،للدرجة التي فقد حس الاتصال بالخارج،ولم يصدق أن هناك زيارة من الممكن أن تحدث،فعندما شعر بأن هناك حركة غريبة في السجن،وجاء من يبلغه بزيارة،وقد نبعته الإدارة ألا يثرثر كثيرا مع زائريه،ولا يرد إلا بما يعني أنه كويس وممتاز وأموره ماشية والحمد لله،وظن أن الزائرة ستكون زوجته المناضلة سميعة،هذه السيدة التي تحملت عبء زيارات زوجها،ثم ابنها فريد فيما بعد،ويشهد لها جميع السجناء علي مدي عقود بشهامتها وجدعنتها،وكان بيتها مفتوحا للجميع في شارع بورسعيد،وعندما واجه سعد زهران زائريه،واجه زوجته سميعة ووالدته،وكان يخشي علي هذه الوالدة التي لن تحتمل مشهده المحزن،وهنا يسرد زهران الحادثة التي تعرض لها صغيرا في حادثة الترومواي،وعندما استيقظ من إغماء الحادث،شاهد قدمه منفصلة عنه وبالحذاء،وكان كل هلعه هو الحزن الذي سينتاب والدته عندما تراه علي هذه الصورة،ويسترسل زهران في كتابه المهم والشهادة والشاهد علي الأحداث الدموية تجاه اليسار المصري،ليس ساردا فحسب،بل شاهدا ومتأملا وراسما صورة عميقة،ربما نكون قد افتقدناها لدي آخرين،بل وتكمل ما قد نقص في شهادت أخري لفوزي حبشي والهام سيف النصر رفيق رحلته في المعتقل وخارجه،وكذلك كتاب الأقدام العارية لطاهر عبد الحكيم ،وشيوعيون وناصريون لفتحي عبدالفتاح،رحم الله عمنا سعد زهران.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.