القاهرة: صدر مؤخرا عن دار المحروسة الطبعة الثانية من كتاب"الأوردي.. مذكرات سجين سياسي" ل سعد زهران الذي يتناول تلك السنوات الكئيبة الباهظة الثقل، سنوات الاعتقال الدامي للشيوعيين، والأوردي هو السجن الاكثر قتامة في ملحقات ليمان ابو زعبل. يروي المناضل اليساري الوطني المعروف سعد زهران تجربة اعتقاله عام 1959 التي اجتاحت معه الكثيرين من أبناء جيله العظام وهم يواجهون ذلك التناقض المأساوي بين محتوي اجتماعي واقتصادي تقدمي لنظام وطني وبين أسلوب حكم فردي، التناقض الذي أصبح شرخا كبيرا في جدار الوطن عام 67. يندد سعد زهران بذلك الجرم الفاضح الذي ارتكبته الناصرية ضد معارضيها، وهو جرم لا يمكن غفرانه وملف يجب أن يظل مفتوحاً علي الدوام. فالتعذيب جريمة لا تسقط بالتقادم، خصوصاً إذا كان قد أسفر عن استشهاد العشرات تحت سياط الجلادين. وكتاب سعد زهران - وفق صحيفة "أخبار الأدب" الإسبوعية - حلقة في سلسلة من الكتب وصف فيها شيوعيون مصريون الطابع الخرافي المرعب لما لاقوه من تعذيب والطابع الأسطوري لما أبدوه من مقاومة. يقول سعد زهران في كتابه: " كنت يوما ذا شباب يافع ومستقبل مرموق، وذات يوم قررت الانضمام إلي الجموع الثائرة.. ولم أكتف بذلك فجازفت بالعمل في السراديب، ثم قضيت من حياتي خمسة وعشرين عاما في السجن". وقد ذهب "زهران" بالتعذيب البشع الذي كان ينصب على رؤوس السجناء بأكبر قدر من الوصف والتفصيل والدقة، فأفاض في ذكر وسائله وأنواعه، السباب والضرب بالشوم والحبس الانفرادي في الزنازين وكسر الحجارة في الجبل، والطعام القذر المختلط بالذباب، واستخدم كل ما من شأنه تدمير نفسيات السجناء وهزيمتهم داخليا وخطط له خبراء متخصصون، وعلماء نفسيون متمكنون، ويمارسه ضباط وأطباء وعساكر وممرضون ماتت في نفوسهم كل نوازع الإنسانية، ليسوا أسوياء في سلوكهم العادي. علي الرغم من أن أحداث الكتاب جرت بين 7 نوفمبر 1959 وسبتمبر عام 1960، إلا أنه لم يعكف علي كتابته إلا بعد سفره إلي الجزائر كمنفي اختياري في أواخر الستينيات، وأنهاه في أول مايو 1979، وظل حبيس الأدراج ولم يصدر إلا منذ ثلاثة أعوام عن دار المركز الثقافي العربي في طبعة غير كاملة، ثم أصدرته المحروسة أخيراً في طبعة كاملة مصرية. ومن الكتاب نقرأ: "الجلاد والسجين، خصمان حتى الموت، زميلان في زروق حيواني واحد قاتل. وهروبا من الخوف يمد الجلاد يده ابداً إلى أدوات التعذيب، ينهال بها في وحشية متصاعدة على بدن خصمه، ليؤكد لأوهامه أنه لا يواجه إلا كيانا عاجزاً يمكن النيل منه والفتك به.. وقتالاً مع الخوف، يمد السجين سمعه يستكشف به أبعاد خصمه، ليؤكد لنفسه أنه يواجه كائنا دنيئاً منقرضا وإن بدا هو الأقوى". سعد زهران قامة شامخة ترجم لنا عدداً كبيراً من الأعمال الأدبية، ومن أعماله "شباب 68 يهز العالم"، و"التقدمية كمهنة"، "سقوط الشيوعية السوفيتية"، "في أصول السياسة المصرية" الصادر عام 1985، الذي يعد أهم الأعمال الفكرية الكبري وأكثرها تميزاً خلال القرن العشرين.