"عام 2000 استقريت في صعيد مصر، قرية القرنة، حيث الريف والصحراء والآثار الفرعونية التي أدمجتها في رسوماتي. مع تدمير هذه القرية من قبل حكومة مبارك قررت أنا وديبو أن نحكي هذه الدراما بالقصة المصورة ومن هنا خرج ألبوم يوميات مدينة الموتي"..ستتوقف عند هذا النص الذي يتوالي سرده بمعرض الرسام الفرنسي جولو، حيث يعتبر المعرض رواية مرسومة كتبها جولو عن علاقته بالقاهرة. يربط بين الحجرات المتعددة للمعرض المقام برعاية المركز الثقافي الفرنسي، بأطلال فندق الفينيواز (وسط البلد) كادرات للراوية التي نشرها جولو علي جدران معرضه. داخل كل حجرة ستجد كادرا من الراوية تبدأ بتعرفه علي المدينة. كل كارد عبارة عن بالونة حوار كما البالونات الخاصة بالكوميكس، داخلها يروي الفنان دون رسوم، بالعربية والفرنسية جزءا من القصة: "كان لقراءة روايات ألبير قصيري (1913- 2008) ولأول رحلة لي في مصر تأثير حتمي في حياتي"..هكذا يوضح كيف تعرف علي القاهرة عبر نصوص قصيري ليتكشف ما يشير إليه ب"التأثير الحتمي"، عند تأمل رسومه لشحاذين ونبلاء، أو التصور البصري لجولو عما كتبه ألبير قصيري، حيث تكاد تكون كادرات ورسوم "شحاذون ونبلاء" الخلفية الأكثر انتشاراً لجميع جوانب المعرض. كما يحكي الرسام الفرنسي عن صديقه سمير، الذي استضافه بمنزل أسرته، ونطق أول كلمة بالعربية بفضله، بعدها تعرف جولو علي جورج البهجوري، ومن ثمّ تعرّف علي رسامي مجلة صباح الخير، "من هنا بدأت حياتي تتأرجح بين باريسوالقاهرة. احتضنت صباح الخير رسومي علي صفحاتها. وبعدة رسومات عن القاهرة نشرت لأول مرة في مجلة شارلي الشهرية في باريس"، لتتوالي الكادرات، لتكون بعدما تجولت بالمعرض قد تجولت داخل أحدث روايات جولو، كأنك مشيت داخل رواية يخص الرسام زائر المعرض بها. المعرض يضم العديد من اللوحات والرسوم الكاريكاتورية التي تمّ عرضها بشكل يتناسب مع المعرض، لتكشف الهمّ الخاص بالرسام الفرنسي لرسم أو وصف مصر، تحضر أم كلثوم بشكل واضح، في ليالي القاهرة كما يرسمها جولو، صاعدة كطيف أو كدخان وسط جلسة علي سطح عمارة وسط مجموعة من الناس يبدو عليهم الانسجام والألفة يدخنون جوزة.. جوزة لن تراها إلا في رسم جولو، حيث تم إعدادها من عبوة المبيد الحشري " Flit فليت"، والتي كانت منتشرة في أوائل التسعينيات، عبوة معدنية باللون الأحمر المميز لهذا المنتج وقتها. في المدخل المُفضي لآخر حجرات العرض تستقر علي الحائط مجسمات مرسومة لمجموعة من السياح، يتجهون صوب البوابة التي حلت زخارف شعبية وتمّ تبطين واجهتها بأقمشة الفراشة المستخدمة في صناعة السرادقات بشوارع القاهرة، من الخارج، بينما تستقر ستارة سوداء بالداخل. حملت البوابة بالأعلي تصميما خشبيا لرجل أصلع ضئيل الحجم نبتت له أجنحة. عبور البوابة يدخلك لمتحف خاص أعده جولو. علي الجدران، داخل هذه البوابة السحرية ستجد رسوماً علي الجدران كائناً أزرق عارياً، وأحجاراً تشبه الأحجار الفرعونية ورسوماً تستقي أفكارها من هذه الآثار، ليتكشف تأثير السكن بالقرنة مع متابعة المستنسخات الفنية، التي تحاكي الآثار الفرعونية.. هذا الجناح واحد من محتويات المعرض المقام حالياً للفنان البصري وصانع الكوميكس الفرنسي جولو. علي كل جدران المعرض تتوزع كادرات ضخمة من المعالجة البصرية للرسام الفرنسي لعمل "ألبير" الشهير، وكذلك رسومه الكاريكاتورية للقاهرة وناسها، والتي تتناول فترات مختلفة، منذ عمل بصباح الخير أيام البهجوري، وحجازي، وكذلك حينما عاد مرة أخري ليبدأ مشروع وصف مصر الجديد، منذ العام 1993. كما يكتب جولو، في بالونات المعرض، عن تعرفه علي مجموعة رسامي توك توك، والذين احتضن معرضه حدث إطلاق العدد رقم 11 من مجلتهم، التي حمل غلافها رسما للرسام الفرنسي. الزحام يبدو أليفا في رسوم جولو، يقيم الرسام نُصبا للعبة الطاولة، تستقر واحدة مفتوحة، وتعلوها لتشكل مع القاعدة أي الطاولة المستقرة علي طقطوقة صغيرة زاوية قائمة لوحة لطاولة يستقر مكان القشاطات (الفيشات) تكتلات من البشر، يتجاور مع هذا العمل لوحة أخري مبسوطة ككتاب حملت عنوان "لعبة القاهرة"، تقدم الزحام أيضاً بشكل مرح. في الكادر الأخير يكتب جولو: في هذه الأوقات العصيبة لا يسعني سوي أن أتمني انتصار حب الحياة والضيافة والصداقة وخفة الدم الموجودين دائما في مصر أم الدنيا لياليكم وأيامكم زي العسل! بجوار هذا الكادر كتب أحدهم علي جدار مجاور للكادر تعليقاً بخط اليد باللون الأحمر: "..أنت مبتحبش السيسي ولا إيه"!؟ لتخرج من المعرض وتفكر لماذا يكون تفاعل الجمهور في بعض الأحيان مثيراً للعجب، ما علاقة هذا التعليق بالمعرض، بجولو، ولا تجد إجابة، إلا أنها محاولات دمغ، وتحويل كل شيء، حتي لو كان معرضا فنيا، لصورة من واقعنا المأساوي!