قلبي حزينٌ ، أيتها الجدران. وليس بي رغبة في الخروج إلي المقهي. لم يعد هناك هواءٌ للحكايات ، والأخبارُ كلها.. لا تأتي إلا بما يجعلُ القلبَ حزينا ، وما يذبح الرغبة في الخروج إلي المقهي هكذا الطيبون انحسروا أمام قسوة الرمال الناعمة!! فهم طيبونْ .. وقلوبهم البيضاءُ تحول بينهمْ وبين أن يصبحُوا .. رمالا ناعمة راحَ يفكرُ رجلٌ في الخمسينْ راح يفكرُ . تري فيما تظنون راح يفكرُ ؟! نعم .. لقد راح يفكر فيما ينبغي عليه أن يفكرَ .. رجلٌ في الخمسين !! مرثية العاشق كان خفيفا . كشيخ يخطو موغلا في صيام النوافل . كظلال الظهيرة .. وهي تغادر وراء المتعبين . كمساء يترنحُ .. في بهو تنورةٍ مرحة . كان خفيفا ، كنفسه .. وقد فرغ للتوّ من قصيدة سهدته أربعين ليلة . وقبل أن يموت .. كان العاشقُ خفيفا . صباحُ اليوم الأوّل منَ الحربْ!! صباح الخير علي عينيك . علي بقايا النعاس في عينيك . علي الأنامل . علي الخدر الذي يثقلك في السرير . صباح الخير علي السرير . علي الدفء والكسل والشراشف . علي الفراشات الملونة في الشراشف . علي انحسارة القميص . علي تثاؤبات الذراعين وزقزقة الضلوع . صباح الخير علي الضلوع . علي الخصلتين النافرتين . علي فرشاة أسنانك ، علي المرآة ، علي فضة العنق ، علي الكتفين ، علي شالك الأزرق ، علي السكون . صباح الخير علي السكون . علي .. تكْ ، تكْ ، تكْ ، وأنت تصلين . صباح الخير علي الإسدال والسجادة . علي .. (قل هو الله أحد ) ، وعلي ( التحياتِ ) في شفتيك . صباح الخير علي شفتيك . علي أبخرة الشاي بين يديك . علي هواء الغرفة . علي الشباك . علي الإطلالة ، علي التلويحة ، علي احمرار وجنتيك . علي الذكريات والأحلام ، وأربع وثلاثين سنة ... يجمعون أشلاءها الآن أمام عينيكِ !!! من بعيدْ دعيني أحبكِ من بعيد، دعيني أحبك .. وأنتِ لا تعرفين !! أربّي أحلام اليقظة وأمشطُ شعرك في المسَاءْ. ثم أقبلُ أناملكِ.. بشفتين مبللتين بضراعة المُريدين !! دعيني أحرسُ الخواطر علي هيئتها .. نائمة لديك في دولابِ الملابس حتي إذا ما نزل الليلُ أيقظتُها مع الفساتين!! دعيني أتحسسُ الحوافَّ وألعقُ الرائحة . أتعثر في الدانتيلا ، وأدوخ من شهقة الشيفون !! أنا ربيبُ الهواجس آخذك من الخصر وأفعلُ ... ما تشائين !! ثم أنهض ، أربتُ علي عزلتي ، أمدحُ الخيالاتِ الرحيمة ، وأرقصُ مع الظنون !! آه يا نجمة لألآءةَ في قلب شاعرٍ حزينْ . ربتي علي لهفتي ، حين تقبلك ، وأنتِ تحلمين !! ولم أكنْ أفكرُ في خُوان ميرو أجلس وحدي ، ها هنا ، في ظل شجرة ملونة . أقرأ ( النور) ثم ( الفرقان) ، وأنظر إلي العصافير. العصافير التي تغادر أعشاشها ، وتطير بعيدا .. عند النخلة ، وفوق البيوت . البيوتُ ملونة ، هي الأخري ، قربَ النهر . والشمسُ أبدا لا تغيب ، ها هنا ، أنا أيضا لا أغادر ظلّ الشجرة ، حتي .. بعد أن يطفئوا أنوار القاعة !! كانت عارية تماما المشجعون في كل مكان !! الصخبُ ، والزحامُ ، والأعلامْ . ثم حبسوا أنفاسهم !! حتي إذا ما سكنت الكرة الشبَاك ، اشتعلت المدينة عن آخرها ، تصرخ ، وترقص !! فانسل وحده ، وراح يتفرج عليها ، كانت عارية تماما .. هذه الحياة ا لدنيا !! الكُرسيُّ أبيضَ اللون ، وخفيفٌ ، هذا الكرسيّ. كتبوا علي حافتهِ : صدقة جارية ، وحملوه إلي المسجد . وفيما اصطفوا جميعا ، في صلاة التراويح ، نسوة ورجالا ، عجائز ومسنين ، صبايا وغلمان ، كان معهم ، يركع ويسجد ويستمع القرآن، أولئك الذين حُمِلوا للم قاهي والحانات !! لا تهملوا الرسائل ، يا أصدقاء كان كابوسا مريعا ، علي نحو غير مسبوق. إنها القيامة !! إنها الأهوال التي لم يرها أحدٌ من قبل . وبينما عيناه تخرجان من محجريهما ، من شدة الهلع ، راح يستبق الشهادتين ، لكن هيهات !! حاول الإشارة بالسبّابة ، لكن هيهات ، هيهات !! كان كابوسا مريعا ، علي نحو غير مسبوق . لا ، لم يكن كابوسا ، يا أصدقاء لم يكن سوي : ( انتبه يا هذا ) !! بلايين الرسائل يرسلها الله كل برهة لبلايين البشر ، وكثيرة هي الرسائل التي جاءته من قبل آخرها ، منذ عام ، حين خرج حيا من حُطام البيجو ، علي ال طريق السريع !! 1433 هجرية يحدقُ في بدر المُحرّمِ ، ويفكرُ : ربّما حدّق فيه النبيُّ من قبل . يتلو كلام الله ، ويقول : جري علي لسان النبي كثيرا . تصعد الصغيرةُ علي ظهرهِ ، فيفرحُ : الحسنُ والحسينُ اعتليا النبيّ ، لمّا سجد. من يا تري سيفكرُ هكذا ويُصلي ويسلمُ ، بعد ثلاثٍ وثلاثينَ وأربعمائةٍ وألفٍ أخري. صورة في جريدة كأنما تحملُ بين يديها جوالا صغيرا فيه سكرٌ ، أو دقيقْ . جوالا صغيرا ، من قماش رمادي داكن ، وفوهته مربوطة بحبل رفيع . هكذا كانت ماري بنظارتها السوداء ، وفستانها الحزين ، وهي تحملُ رفاتَ زوجها ، رفاتَ .. أوكتافيوباثْ !! ويدعو لأخوته .. - يا حبيبتي -