يعتبر إبداع جارثيا ماركيز السردي خليط من الأكوان والعرقيات والميثولوجيا، فهو يبتكر عالماً ذا أبعاد توراتية ويدخل فيه كائنات تنمو وتتكاثر وكأنها تخضع لقانون إلهي، ورغم أنه هضم جيداً التجارب السردية الموروثة عن الحداثة حتي أنه جعلها تشكل جزءاً من فصيلة دمه، غير أن الكاتب الكولومبي لم يتخل أبداً عن النغمة التي عليها الراوي أو الحكاء الشفاهي التي قال إنه ورثها عن جدته. لهذا نجد رواياته وقصصه القصيرة مسكونة بشخصيات تبدو وكأنها ذات حيوات خاصة وكأنها خرجت من لدن إله. ثمة شخصيات تعتبر جزءاً من هذا العالم المكون من شخوص متخيلة، مثل: *أوريليانو بوينديا: "بعد سنوات طويلة، وأمام فصيلة الإعدام المكلفة برميه بالرصاص، كان علي الكولونيل أوريليانو بوينديا أن يتذكر تلك الأمسية البعيدة التي أخذه فيها أبوه ليتعرف علي الجليد". إنها بداية الرواية الشهيرة "مئة عام من العزلة"(1967) التي تضم النموذج الأشهر لسلالة شهيرة مثل القرية التي تسكنها: ماكوندو. وإذا شاهدنا الطبعات الحديثة من هذه الرواية لوجدنا أنها تتضمن شيئاً كان ماركيز قد فكر أن يفعله "شجرة العائلة" التي تضم سبعة أجيال من أسرة بوينديا، السلالة المحكومة عليها بالعزلة علي مدار قرن من الزمان. وإذا كانت أورسولا هي الشخصية الأنثوية العملاقة، فالكولونيل أوريليانو النحيف والبركاني والأب لسبعة عشر ولداً من أمهات مختلفة هو الشخصية المتلألئة في الكتاب، كما يقول يوسا في كتابه "تاريخ قاتل الإله. أوريليانوس وخوسيه أركاديوس: تتميز شخصيات الأوريليانوس بأنها انطوائية، لكنها ذوات عقلية مستنيرة، آل خوسيه أركاديو أصحاب أفكار جديدة "لكنهم موسومون بمأساوية قدرية، ويقال إن في الرواية نفسها، في اللحظة التي تتمكن فيها أورسولا من كتمان شعورها بالقلق، يصبح التكرار الملح للأسماء في الأسرة يدفعها إلي الخروج باستنتاجات مثيرة للقلق. وينتهي هذا التاريخ الطويل للأسرة التي نجد فيها أن الشبق الذي عليه أركاديو يحمل نفس العفة التي عليها ريميديوس الجميلة، وجاذبية الموت عند أمارانتا، والشعور نفسه بالحيوية عند أمارنتا أورسولا، ثمرة الدم نفسه إذ أن أباها وأمها هما الخالة وابن الأخت. كما نجد ماكوندو عبارة عن "إعصار هوائي مليء بالأتربة والركام في شكل طرد مركزي ناجم عن غضب الإعصار التوراتي. ميلكيادس: الغجري الرحال الذي يحمل إلي ماكوندو في كل عام أحدث المبتكرات والمخطوطات التي تتنبأ بمصير أسرة يوبنديا. هو أحد أعظم الشخصيات الثانوية في الرواية. ثمة شخصية أخري تتجاور معها، روسابيثو قطلان الذي يفتح مكتبة في ماكوندو، وهو في حقيقة الأمر صورة من رامون فينيس بائع الكتب القطلاني الذي يقيم في بارانكيا ويقوم بدور ثقافي في الدائرة التي كان ماركيز يتحرك فيها. الكولونيل: تضم رواية "الكولونيل لا يجد من يكاتبه" شخصية تسبق الطاعنين في السن من سلالة ماكوندو: كولونيل استلهمه المؤلف من شخصية جده، ينتظر الحصول علي المعاش من الحكومة بلا جدوي. البطريارك: في عام 1975 أعلن ماركيز أنه لم يقل كل شيء في مئة عام من العزلة، فجاءت خريف البطريارك لتكون أكثر طموحاً. إنها واحدة من أفضل الأعمال التي تناولت الديكتاتور في القارة اللاتينية، بجوار "السيد الرئيس" لميجيل أستورياس و"أنا الأعلي" لأوجوستو روا باستوس، أو تلك الأحدث "حفلة التيس" لبارجس يوسا. سانتياجو نصار: إحدي شخصيات "سرد أحداث موت معلن" (1981). من العنوان تتضح الحكاية: اغتيال سانتياجو نصار علي يد إخوة أنخلا بيكاريو. تظهر هنا المفاهيم الاجتماعية القديمة الخاصة بالحفاظ علي الشرف وتعكس الذكورية في جسد الرواية، التي تقوم علي حادثة حقيقية حيث وقعت حادثة الاغتيال قبل 30 عاماً لصديق ماركيز. فلورنتينو وفيرمينا: الأول عامل تلغراف عاشق للمسافات الطويلة، والثانية امرأة تنتمي لطبقة عليا ويفصل بينهما الطبقة. استلهم ماركيز الحكاية من والديه: أبوه عامل تلغراف وأمه فتاة ميسورة مادياً. هكذا كانت الحب في زمن الكوليرا قصة حب تناطح سرديات القرن التاسع عشر. الأم الكبيرة: ثمة عناوين مثل "عينا كلب أزرق" "القصة الغريبة والعجيبة لإيرينديرا الطيبة وجدتها القاسية" تشير إلي أن ماركيز له باع طويل في القصة القصيرة. يتشابه الكاتب الكولومبي هنا في الأسلوب الجاف مع همينجواي وثراء فوكنر، لكنه يضيف البعد الغامض للبعد الواقعي.