ضحكتك الواسعة سوف تصل من آخر الدور الذي تتكيء في إحدي غرفه في المستشفي إياه. تخاطبني زوجتك : لمَ لم تأت من الصباح. للوجوه عناوين.. ابتسامة أو هدوء أو شغب أو إدعاء وارم بالمعرفة أو شر كالجالسين في زهرة البستان أو لجان تحكيم الجوائز، لكن ضحكتك الرنانة المشاغبة تهزم كل هؤلاء تكشط الضيم عن الحياري، عنوان دائم لروحك. للآخرين عناوين بيوت أو مكاتب، عنوانك رنة ضحكتك من آخر الشارع، أي شارع.. عنوانك في جيب حبيباتك. لا تغير عناوينك أبداً، كأنك مدينة تنتظر سكانها الذين هجِّروا قسراً منها فكتمت أحشاءها قبضت عليها في أمكنتها حتي يعرفوها حين يعودون.. الذين هدموا المدن العتيقة في سوريا وغطوها بالموت، والذين غيروا ملامح وجوه أبنائها من عسف وبطش ما فعلوه بهم لم يستطيعوا أن يهتدوا إلي مخبأ ضحكتك، كانت تطاردهم من حائط لحائط، ترن في أقفيتهم تلسعهم، الضحكات الساخرة تلسع أقفية الطغاة باعتبار أن لا ضمائر ولا أرواح لهم. تعرف يا فريد : كان يسمونني " عبده الرايق" لأن ابتسامتي كانت تمر إلي السماء بغير تذكرة مرور أو إشارة شرطي، لكن ابتسامتك مست الجوانح وصبغت الهواء،ما من أحد رآك مرة غير مبتسم إلا حين سقطت بغداد، حتي أعداؤك هل لديك أعداء!! حتي حسادك يجب أن يكون لديك حاسدون - يقولونها الآن ويتحسرون علي سوء طويتهم، وربما هذا هو السبب الآن في استعادة العنوان الخشب لديوان إداورد الخراط شفاه الله.. طغيان سطوة الطوايا. أتعرف يا فريد : صديقي الذي أوقع فتاة فادحة في شباكه، مر بإحدي المقاهي التي أسكنها وتسكنني، حين هم بأن يقدمني إليها قالت له أعرفه، وللحظة كبيسة أعتقد أنها كانت نائمة من قبل في مصيدتي، لكنها عاجلته، نعم أعرفه، أعرفه من ضحكته. لكن ضحكتك أنت تدل عليك جمال القصاص أخطأ حين خاطب أباه قائلاً : ما من طريق تدل عليك، كان يقصدك أنت ليصل لمقصده، كنت تنام في عبه منذ استوليت علي لا وعيه، دعك من مزاحه اللذيذ وهو يحاول أن يستدرجك قائلا : صباح الخير أيها القوس، كان يخاتلك، يلعب بك ومعك ويدعي أنك أنت الذي أقنعت الشرطي أن لون البحر أزرق، وأنك من صنعت للجهات أجنحة وأنك أقسمت أن الشيطان لم يمر من ذاك الثقب بل مرت إمرأة. قم من رقدتك إذا، لا تدع ساقك اليسري ترخي شدة القوس، أو اسمع : دعها كالقوس الملتفة المعوجة قليلاً، كغصن إمرأة كانت تخلع مشداتها منتصبة حين مرق لأذنيها مواء قطة عاشقة علي المحيط الهاديء فمالت منتشية مشدودة. ونحن مشددون إليك. المرض يأتي للشعراء ملثماً، لأنه يعرف أنه يخطف روح الحياة يسرقها، لأنه يعرف أنه سارق حقير، اعتبره زكاة عن نزواتك البسيطة الماجنة، لكن لا تنس وإن ضربت بهاءه، لا تنس أن ساقك الثقيلة لن تبعدك كثيراً عن مضارب الأحبة، لن تبخل عليك باتكاءة عرجاء تزيدك سعياً في غوايتك، ستأتي الحبيبات إليك، لم ينقطع هاتفي سؤالاً عنك وتعجبت زوجتي من تبدل لونه : ما بال هاتفك الرديء لم يتوقف عن الرنين كأنه سنترال عمومي في قرية أثناء هجرة الشباب إلي العراق يصهل طوال الوقت.. زوجتي تقول : إلا فريد. الوسط الثقافي بخير، تنازع حتي فشلت ريحه وأخرجت له صابر عرب من الجراب خالياً من كل سوء، تصور لم يفكر أحد باختيارك وزيراً للثقافة، كانوا يعرفون مسبقاُ أنك توزع الضحكات بغير قسطاس مستقيم، بلا حساب، وهم يحتاجون للحساب، للتجهم، للجهمة، لهيبة مزعومة حتي لا تنكسر الرهبة وحتي لا يبكي الاحترام، يعجبك منظر كلينتون وهو يمسك الساكسيفون، لكن هذا لا ينفع عندنا، نحن كما تعرف أدمنَّا العصا، بالله عليك كن كالعصا وانفض جسدك مما اجتاحه، الموسيقي ليست لنا، تخيل لو أن حمدين صباحي أمسك في جولة انتخابية حتي بمزمار وسط فرقة تحيي فرحاً في حي شعبي، كانوا ليختارونه رئيساً لليبيا، وتصدق لجنة الانتخابات المعصومة من الطعن علي عدم الطعن به. انهض السرير لبعض الراحة وللغزل وقت الغزل وللمطارحة حين تدق طبول حروب الرغبة، ما من أحد احتفظ بعسل الآخرين قدرك، وما من أحد نز محبة وحفاوة ملونة مثلك، لم أرك طيلة محبتي لك تائها كطفل فقد أمه يوم سوق حار إلا يوم غاب حلمي سالم، كنت تبكي روحك، تبكي علي نفسك تبدو وحيداً وسط طاقة الحب التي زرعها حلمي، لعلك لاحظت أنني قلت غاب، عبد المنعم رمضان رفض فكرتي أن نزور حلمي في مهجعه الأخير وقال : حلمي حي بالنسة لي، حي فيَ، لن أدع قبراً يوهمني أنه يحتويه، حماك حلمي - بقدرته علي اللعب مع الشر - من شر الآخرين، تضحك الآن وتمنعني من الاسترسال، وأنا أمازحك : الآن جاء دورك لتكتب لنا مدائح جلطة المخ : السفر الثاني، تضحك يا فريد، تضحك لأنك ابن حياة، ابن الونس، لا تستطيع أن تمضي الليل دون أنيس، أنت لست خائفاً من الليل كالآخرين، أنت تريد أن تستمتع به حتي آخر جرعة في جعبته مع أحبتك، تريد أن تقتسم بهجته وبهجتك معهم، ثم فجأة ودون أدني إنذار تنسحب متسللاً، تنادي علي أقرب ميكروباس عابر : هرم.. هرم، لتصعد بينما يضمون أصابعهم وأرواحهم علي المتعة التي حصدوها معك. بالله عليك لا تغضب من خفير زهرة البستان، واذكره عند ملائكتك بالخير، جملته يمكن أن تفوت، بسيطة صدقني، أوجد له عذراً، لابد أن كان يمازحك حين قال لك : أهلاً بالناقد الملاكي لوحيد، اضحك يا رجل واقرأ له إحدي المعوذتين اللتين تحفظهما بالتأكيد، نحن نعتبره من رائحة أجدادنا، يكنس الليل بسرعة ليأتي من النجمة ليجلس في انتظار من يجيء، ويأتي قبل طلوع نجوم الليل ليودع المقهي والمسافرين ويراقب زخات الرغبة والهمزات والهمسات الموشومة بالوعود النافذة والمرجئة، اجعله سلطانا علي بعض كوابيسك القليلة. انهض، سماسرة الجوائز ضربوا ضربتهم، لكن السمسرة لا تصنع سياقاً والجوائز لا تنجب كتاباً ورائحة التربيطات جنحت نحو الشرق البعيد ولن تعود، سعيد الكفراوي لم يعد يخشي المرض، أخذ قسطه الوافر منه، سعيد يخشي المرضي الذين بثهم هو في جوانحنا وجوانج الفضاء، ثم حين نبت لهم ريش وسيوف أشهروها في وجهه، بالله عليك ألا يستحق سعيد احتفاءً يليق بتمترسه في قلب صومعة القصة كراهب لا ينتظر أحداً ليفرج عنه في مقابل جائزة أو لعبة يلعبها بشار الأسد علي الغرب، سعيد حزين لأجلك لأجل روحه، انهض حتي تكشط عنه ألمه من غدر الرفاق، حتي تنفرج اساريره المرصوصة كتمثال منحوت من وجوه كل جدودنا موسوماَ بالحكمة وموشماً بالحكايا التي لا تغيب. الذين يحبونك قلقوا علي ذاكرتك، لكنهم لم يدركوا أنك ثعلب، كنت تتخفي في ثوب ملك البهجة حين كتبت ذاكرة الوعل، غزالاتك الآن حول سريرك لم يتعلمن الدرس ويردن القفز مرة أخري في النار وبقوة، اتسعت نارك حين مرضت واضرمت في قلوب المنتظرات الواعدات الموعودات. أخيراً وليس آخراً كما تقول المرجئة : أبشرك بأن " الطوربيد المكشكش " قد أصاب هدفه وخرم سفينة الثقافة كلها من أجل أن يحصد السبوبة وحده، كنا نذهب للاعتصام عند وزارة الثقافة دفاعاً عن وجوهنا حتي لا يأكلها الدود، حتي لا تغطيها أحذية اللحي النافرة المنفرة، كنا نذهب ببراءة ونبل جيفارا رغم أن كاسترو كان يعرف ويهجس بأننا نعتصم ونغني بينما الطوربيد يخترقنا جميعاُ ويعد علي رءوسنا ما سيحصده من غنائم. اسمع يا فريد : هل تذكر القصيدة التي كتبتها أثناء حرب تموز كما يقول الشوام بين حزب الله واسرائيل، والتي كانت تأشيرة المرور المزورة لأن يحتل الحزب بيروت فيما بعد ومستعد للانقضاض عليها وعلينا حتي آخر شاعر، تذكر أنك خاطبت المصور أن ينتظر قليلاً حتي تدخل ساق شهيد إلي الصورة ورحت تعدو تجمع عظاماً من هنا وفردة حذاء لطفلة ماتت دون لعبتها، وايشارب دسته عاشقة بين طيات ملابسها حتي لا يعرف أهلوها، وجمعت ابتسامتها من بين الأحذية المتناثرة، وحين رأيت اللقطة وجدت أن ابتسامة العاشقة تاهت وسط ركام الأحذية وأن الصورة ليست ملونة بضحكات الأطفال، قلت له برجاء طفل يبحث عن لعبته: حاول حاول مرة أخري. مد ضحكتك إذاً وارم ابتسامتك ساعة خروج القمر. ايه ؟ ماذا تقول ؟ تؤلمك ساقك ؟ وضحكتك تصعد منها بصعوبة.. لا لا حاول، حاول مرة أخري.