«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اختراق الحداثة
نشر في أخبار الأدب يوم 21 - 02 - 2014

في كتابه "مِحَن الحداثة العربية" يناقش طارق العريس عدم التوافق علي مفهوم الحداثة الغربية في النصوص الأدبية العربية، إذ تمتحن النصوص العربية الحداثة الغربية باستمرار، وتتشكل الحداثة العربية من هذه الامتحانات المستمرة المتضمنة في الأدبيات العربية. يبدأ العريس نقاشه بداية من كتابات النهضة عند رفاعة الطهطاوي بالقرن التاسع عشر وصولا إلي رواية أحمد العايدي "أن تكون عباس العبد" في بداية القرن الحادي والعشرين. قراءة العريس لنصوص الطهطاوي كشفت تغير مفهوم "التقليد" عنده، وكشفت أيضا كيفية تحول الدارس المسلم الذي يذهب إلي أوروبا إلي بيروقراطي وإصلاحي بالدولة. يمر العريس أيضا علي كتابات أحمد فارس الشدياق منطلقا من مثال علاقته بالطريقة التي يتعامل بها الإنجليز مع الطعام، التي كان ينتقدها، غضب الشدياق يكشف أنه لا يعتقد بمركزية الحضارة الأوروبية أو أنها يجب أن تستورد بالضرورة إلي السياق العربي. وفي الفصل الرابع الذي يتحدث عن أدب الطيب صالح يشير العريس إلي أن ما يخلخل مشروع الحداثة العربية ليس الهجوم الاستعماري بقدر ما هو إقصاء الخطابات المختلفة بداخل العالم العربي. الفصل الخامس من الكتاب يركز علي المثلية الجنسية في رواية حمدي أبو جليل "لصوص متقاعدون" ورواية حنان الشيخ "إنها لندن يا عزيزي" منتقدا التعامل مع هذه الأنماط الجنسية كمجرد وارد غربي يتعلق بالطبقات العليا بالمجتمعات العربية. أما فصل "اختراق الحداثة" المنشور، فيشير إلي الكتابة الجديدة بالعالم العربي ممثلا في رواية أحمد العايدي "أن تكون عباس العبد"؛ هذه الكتابة المرتبطة بجيل يتعامل مع الواقع ومع العالم الافتراضي، والذي يكتب وينزل الميادين ليتظهر ويؤجج الثورات.
"لم أكن أعرف أن هؤلاء الناس موجودون. لم أكن أعرف أنه عندما يخرج الناس إلي الشوارع سيكونون أناسا مثل هؤلاء. كنت أعتقد أن مبارك قضي علي الروح لدي المصريين".
خالد فهمي، تاريخ التعليم العالي، 30 يناير، 2011
"إنهم متقدمون عنا في هذا العصر الجديد؛ وعلينا أن نلحق بالركب"
محمد إبراهيم، الجزيرة العربية، 3 فبراير 2011
"نحن لسنا مُسَيَّسين"
متظاهر مجهول من ميدان التحرير، راديو البي بي سي العربية، 6 فبراير 2012
مع تنامي التدوين العربي، وتبادل الرسائل الإلكترونية، والمحادثات، والرسائل القصيرة، والأشكال الأخري من الكتابة-التكنولوجية، يمر الأدب العربي المعاصر بسلسلة من التحولات البنيوية واللغوية.
بشكل خاص، استهل اللقاء مع الافتراضي وتأثيرات العولمة مجموعة جديدة من الإشارات المتناصة التي تتقاطع مع اللغات والإعلام والأنواع. جيل جديد من الكتاب العرب يدخل مشهد الكتابة من عالم التدوين وكتابة السيناريو، ناشرا المدونات كروايات. بالإضافة إلي ذلك، العديد من الروائيين الشباب وظفوا بنية المدونات في إنتاجهم الأدبي، البعض أخفي هويته الحقيقية بأسماء مستعارة، والبعض الآخر أظهرها بتخيل سرديات القمع والرقابة. تظهر كتابة عربية جديدة من هذا التفاعل بين الافتراضي والمطبوع، وبين الكتابة المتأملة والانفعالية، باللغتين العربية والإنجليزية. في تلك النصوص نجد كلمات إنجليزية موضوعة بالحروف اللاتينية أو مُعرَّبة؛ تجزؤ وظيفة السارد؛ والتكرار، وتخريب متنوع لبنية السرد. في العديد من الأحوال يظل الاختلاف بين المدونة والرواية غير واضح. بالنسبة لماري تريز عبد المسيح: "جيل البيئة الإلكترونية يتنكر من أحوال السرد السابقة". تقدم هذه الكتابة الممتلئة بالانفعالات affects والانقطاعات - تناصا متفاعلا يستدعي الاهتمام بشكل متزايد للطريقة التي يُقرَأ ويُتَرجَم بها الأدب.
الانفعالات في النصوص الجديدة التي تعبر عن الانزعاج والغضب، لا يمكن أن تنفصل عن الانفعالات الجسدية التي ولّدتها الثورات من تونس إلي سوريا بداية من 2010 مشاهد الكتابة والتظاهر يعملان جنبا إلي جنب لعرض إنتاج التغيير الجمالي والسياسي. علي الرغم من أن هذه العلاقة تتطلب بحثا أكبر، يمكن للمرء أن يزعم أن مطالب حقوق الإنسان والتمثيل المتساوي والفرص الاقتصادية من جهة، والدخول غير المسبوق في أشكال التواصل من الطباعة إلي المواقع الاجتماعية من جهة أخري، تضع الكتابة الجديدة إلي جانب البيئة الاجتماعية؛ وتؤدي إلي إدراك التفاعل الديناميكي الذي يوضح العلاقة بين الكتابة والسياسة في البيئة التكنولوجية والاجتماعية التي تتغير بتسارع. إنها أيضا ترسخ هذه التغيرات في التحولات الجمالية وممارسات النشر، تلك التي تعطل المرجعيات الأدبية وتحل محل السلطة الفكرية. هذا التفاعل ينتج إمكانيات أدبية وسياسية جديدة، تستجوب باستمرارموقع الحداثة بين أوروبا والعالم العربي، علاقة المواطن والدولة، الكاتب والقاريء عبر الأجيال وفترات الزمن وتعيد صياغتها.
هذا الفصل يعالج التحولات الأسلوبية والتغيرات الإستطيقية في الكتابة العربية الجديدة. أركز علي رواية الكاتب المصري "أحمد العايدي" (أن تكون عباس العبد)، وأقرأها كبيان لكتابة جديدة تتصف بالعرقلة والانفعالات والتخريب والسخرية النصيين. أناقش أن هذا الكاتب الجديد، الشبيه بالمُخترِق تسلل إلي مؤسسات النشر التي أقصته وعطّل أعراف الإنتاج الأدبي العربي. ككلمة متخذة من لغة-التكنولوجيا واستُخدمَت كفعل في نص العايدي؛ يعمل "الاختراق hacking" كحال تخريب يُمَكِّن الجيل الجديد من الكُتَّاب ليكشفوا الأنساق السياسية والاجتماعية المحتضرة خلال لغة وإعلام جديدين. من أشكال التجسيد التي تعيق وتعيد صياغة الأنواع الأدبية (المدح، الرحلة، الرواية) في نصوص المهجر وما بعد الكولونيالية والنهضة التي حلَّلتها في الفصول السابقة؛ أركز في هذا الفصل علي تَشارُك الأنواع "الأدبية"، و"غير الأدبية" (الرسائل القصيرة، المدونات، الإعلانات، الأدعية الدينية) التي تُخَلخِل اقتصاد الرواية (الكتابة، القراءة، النشر). أناقش هذا في عمل العايدي. لم تعد الانفعالات ملتصقة بجسد المهاجر العربي المغترب في أوروبا، ولكنها بالأحري تحدد إنتاج ولغة وتقنيات النص. هذه الانفعالات تتشكل عن طريق تكرار الجمل والكلمات، والاستخدام الشاذ لعلامات الترقيم، وتضخيم الحروف وإمالتها، والمسافات. يحركنا العايدي من التأسيس الأدبي لتجربة الحداثة إلي الكتابة المتفاعلة؛ التي تدعو القاريء ليختبر النص نفسه ويتعامل معه. تَتَكشَّف مِحَن الحداثة العربية في عمل العايدي خلال سلسلة من الأحداث المعروضة، المُجَسَّدة في عدة وقائع ولقاءات في شوارع ومقاهي القاهرة ومراحيضها العامة، وفي إنتاج وتداول النص العربي أيضا. مستخدما الأعمال النقدية لديفيد دامروش وآلان باديو وصبري حافظ ومحسن الموسوي، يواجه بحثي قراءات التوافق syncretism والتهجين hybridity التي إما تحتفي بالكتابة الجديدة أو تقلل من شأنها كديناميات ما بعد استعمارية العولمة.
الساحة الأدبية
كل من الكتاب المحققين مثل إلياس خوري (1984) وهدي بركات (1952) وجمال الغيطاني (1945)، إلي جانب الكتاب الجدد من أنحاء العالم العربي يسهمون في ازدهار المشهد الأدبي الذي يجعل الكتابة "منتعشة" مجددا. عالمين بالإنترنت وملمين بالمنتجات والتحولات التي جلبتها العولمة؛ جيل جديد يرتبط باللغة الإنجليزية لا كلغة أجنبية ولكن بالأحري كمكون لمشهدهم الثقافي وذواتهم. من المدونات والمواقع إلي قنوات التلفزيون الفضائية، والأفلام والأدب، تنتشر الثقافة العالمية في النصوص المعاصرة. في هذا المشهد، يظهر جيل جديد من تجربة ثقافية لم تعد تُفهَم بمصطلحات الثنائيات المرتبة بعناية كالمقاومة/الإمبريالية، الشرق/الغرب، التقليد/الحداثة. المواقع الاجتماعية والتغريدات والنصوص القصيرة تتوسط تعبيرات الهويات والتجارب الجديدة. يجرب هذا الجيل مع الرواسخ اللغوية، والأنواع المختلطة، ويخاطب القاريء، ويُشَوِّش التمييز بين الافتراضي والمطبوع.
هذه الأصوات الأدبية تستفيد من التطور التكنولوجي والإنترنت إلي جانب تفكيك مركزية دور النشر وخصخصتها في العالم العربي. تنشر "دار الشروق" بمصر أعمالا مثل "تاكسي" لخالد الخميسي (2007)، عن يوميات راكب تاكسي قاهري، و"عاوزة أتجوز" لغادة عبد العال (2008) وهي مدونة ساخرة عن الزواج تحولت إلي رواية ومسلسل تلفزيوني. "دار ميريت" الناشرة القاهرية لرواية حمدي أبو جليل "لصوص متقاعدون" تقدم أيضا صوتا للعديد من المواهب الأدبية الشابة القادمة للكتابة من عالم المدونات، والسيناريوهات السينمائية والصحافة. من رواية ياسر عبد اللطيف "قانون الوراثة" (2002) وهي رواية عن الهجرة والعودة وعلاقة الشخصية بالمدينة، إلي رواية محمد علاء الدين الحداثية للغاية "إنجيل آدم" (2006) عن شخصية مهووسة؛ متلصص يتخيل الإغراء والاغتصاب والجريمة، كُتَّاب شباب ينتجون أعمالا جديرة بالذكر. مدير ميريت، محمد هاشم، الذي حصل علي جائزة جيري لابير الدولية لحرية النشر في 2006، وجائزة هيرمان كيستن من نادي القلم الألماني عام 2011، نجح في خلق دار نشر نشيطة وأيضا صالون يجتمع يوميا في مكتب ميريت بوسط القاهرة علي بعد خطوات من ميدان التحرير. في هذا الصالون الجديد، يجتمع الكتاب ويناقشون الشئوون الثقافية والسياسية، وينظمون أنشطة سياسية ويراجعون المسودات، بالتالي يرسخون العلاقة بين الأدبي والسياسي، والجمالي وسياقه الاجتماعي. الجيل الجديد الذي تجاهله أو أهمله النقاد والمتابعين كجيل غير سياسي، وفج ومُستَهلِك، نجح في التحرك لثورة سياسية وثورة في الكتابة.
علي الرغم من بعض المقاومة لهذا النوع من الإنتاج الأدبي، ظهر تدريجيا اهتماما نقديا به في العالم العربي وخارجه. نشرت النيويوركر في 2010 مقالا عن السرد العربي، مسلطة الضوء علي أعمال جديدة وجديرة بالذكر من ضمنها "بنات الرياض" لرجاء الصانع (2005) و"إعجام" لسنان أنطون (2004). وكجزء من مهرجان هاي، ظهرت مجموعة من 39 أديب أصغر من 39 عاما في مؤتمر ببيروت عام 2009. قَدَّم الحدث مواهب أدبية جديدة من أنحاء العالم العربي مكرسين عملهم كجزء مكمل للمشهد الأدبي المزدهر. بالإضافة إلي "أخبار الأدب" التي تنشر الأدب الجديد بشكل منتظم، تُقَدِّم صحف مثل "الأخبار" و"الحياة" عروضا للأعمال الجديدة، هذا الذي يجعل القراء والنقاد واعين ومهتمين بشكل متزايد بهذا الإنتاج الأدبي. الدورية القاهرية "وصلة" تهتم بشكل خاص بمجال التدوين، وتنشر مقالات وعروضا اجتماعية وسياسية وأدبية. دراسات أكاديمية من منيرة الغدير وصبري حافظ ومحسن الموسوي، ومارلين بوث وآخرين تركز علي التحولات الجمالية في الأدب العربي الحديث، وتعالجها في سياق التغيير الاجتماعي والتكنولوجي والثقافي.
الاستقبال النقدي لجيل جديد من الكتاب العرب يحتاج إلي أن يُستَكشَف بالعلاقة مع استقبال المُجَدِّدين المحدثين منذ الستينيات من القرن الماضي. بحث فابيو كاسياني في الشعرية العربية الجديدة اهتم بالأدب منذ الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي؛ وضم أعمالا لكُتَّاب مثل إدوارد الخراط (1926) وإلياس خوري، مقدما سياقا شكلانيا لتحليل السرد المعاصر. نقاش ستيفان ماير للاتجاهات المحدثة في الأدب العربي وعلاقتها بالوجودية والعبث والتأثيرات الفلسفية والأدبية الأوروبية يقدم إطارا مهما للتعامل مع الكتابة الجديدة. معتمدا علي شرح بيير كاكيا وروجر آلان من ضمن آخرين.، يقرأ ماير الأدب العربي الحديث في لقائه مع السرد الأدبي الأوروبي والأمريكي، مهتما بموضوعات "الالتزام" السياسي وبنية السرد في النصوص العربية. مقارنا رواية صنع الله إبراهيم (1937) "تلك الرائحة" برواية كامو "الغريب" (1942)، يناقش ماير أن جُمَل إبراهيم القصيرة والمجزأة تعيد صياغة الباطنية في عمل كامو. وعلي الرغم من أنه من الضروري أن نربط التناص الأوروبي بتحليل عمل إبراهيم والأدب العربي الحديث بشكل أعم، فمن المهم أن نتجنب حصره في مبدأ الاستعارة والتقليد خلال مسار سببي ومستقيم نابع من الغرب. كما أظهرت في الفصول السابقة، الارتباط المقارن بالأعمال العربية يتطلب تشارك دينامي وتفسير خلال السياقات الثقافية والتاريخية والأدبية.
تشير "تلك الرائحة" إلي تجربة صنع الله إبراهيم مع السجن، وتقدم سردا بضمير المتكلم عن رجل خرج من السجن. النشاطات اليومية للشخصية الرئيسية تحاكي نشاطات تجربته بالسجن، مُشَوِّشة الخط الفاصل بين الحرية والحبس، الداخل والخارج، والسلوك الحيواني المدفوع بالحواس الفظة وسلوك الناس. مكتوبة بأسلوب ميكانيكي ومتقطع، ومبنية علي الزيارات الروتينية لعسكري المراقبة، تضع الرواية الزمان والمكان موضع السؤال. تلك الزيارات تضفي علي الشخصية الرئيسية هوية يشكلها انتظام ممارسات السلطة. في نقطة ما، يقدم إبراهيم الشخصية الرئيسية في غرفة نومه، وهو يقرأ مقالا أدبيا عن الكاتب الواقعي الفرنسي جاي دو موباسان (1850-1893) وهو يفهم الأدب كأداة للتعالي الاستطيقي وتجميل العالم. وبعدها ينتقل إلي كتابته هو بدون أن ينجح؛ يُسقِط قلمه ويستلقي علي سريره ويستمني.
رواية صنع الله القصيرة صدمت المؤسسة الأدبية في ذلك الوقت، التي منعت نشرها في شكلها الكامل. في مقدمة طبعة لاحقة، ذكر إبراهيم أن يحيي حقي (1905-1992) ذ ي - انتقد العمل؛ وفقا لحقي، يُوَلِّد نص إبراهيم القرف والكراهية وبالتالي لا يمكن أن يُعتَبَر "أدب". علي أي حال؛ قارن يوسف إدريس (1927-1991) كاتب القصة القصيرة الأساسي الذي كتب في النهاية مقدمة "تلك الرائحة" - الناقد بالميتاليريجيست (الصائغ). هو اعتبر عمل إبراهيم وكأن العمل يخلط المعادن ويمزجها من أجل إنتاج شيء مختلف غير قابل للنقل، وجديد.
بالإشارة إلي الخيميائي، يفكك إدريس اسم إبراهيم الأول "صنع الله" موضحا تلاعب المعادن بكل من المصطلحات المادية والروحية. وبكون اللغة لا تسعفه في وصف نص إبراهيم، يقترح إدريس أن القصة جعلته يشعر ب "الخطر، الأمل، الضيق".
ومعرفة عدم قدرته علي توصيف "تلك الرائحة" مع التقليد والمرجعية التي يعود إليها عمله وينتمي إليها حقي، يُعَلِّق إدريس الحكم عن قيمة القصة الأدبية، معتبرها جزءا من حالة غير محددة وممتلئة بالإمكانيات.
الخطر والشك الذي يثيره نص صنع الله يصف تجربة واستقبال الكتابة الجديدة اليوم. شعور إدريس يتردد صداه في هذا التوصيف للتدوين كممارسة أدبية جديدة: "يقول المدون كريم إبرهيم: الجميل في التدوين أنك حر تماما، لن يطالبك أحد بأن تعطي وصفا نوعيا لما تكتبه، ويمكنك أن تقرأ تدوينة ما وتتفاعل معها، ويصلك منها أفكار ومشاعر قبل أن تفكر هل ما قرأته قصة قصيرة أو قصيدة نثر أو مقال ... التدوين في الأساس مساحة للصراخ، يريد الفرد أن يفهمه الآخرون، فجيلنا يشعر أن لا وقت للتعقيدات لأنها موجودة في أشياء كثيرة أخري... ربما لذلك يستخدم المدونون العامية كثيرا، أو يمزجونها بالفصحي في بعض الأحيان. وكثيرا ما تكون لغة ثائرة، غير مقيدة بآداب المجتمع المصري المتحفظ بشكل عام وموروثاته".
وعد التدوين بالحرية يهدد المؤسسة الأدبية ويتحدي الأنواع المتوافق عليها. ظهر التدوين من مساحة يتقاطع فيها الأدب و"الكتابة الرخيصة"، الرواية والمدونة. تُسائِل النصوص الجديدة شرعية المرجعيات الأدبية وتتحدي إنتاجها الأيدولوجي والسياسي.
التمرد ضد الأنواع المتحققة بالتالي يتزامن مع نقد المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية التي ترتبط بها هذه الأنواع. البحث عن صوت في هذا الوضع الثقافي الجديد للتعبيرعن كل من الرؤي السياسية والمخيلة الشعرية متصل بمشروع الشباب المغترب الملتزم بنشاط في عرض وتخريب الظروف المادية لاغترابهم وإقصائهم.
بيان الكتابة الجديدة
"عباس العبد" رواية تجريبية ظهرت عن دار ميريت عام 2003، تُمَثِّل ما وصلت إليه بعض الاتجاهات الجديدة في السرد العربي في العصر الافتراضي. دخل العايدي (1974) المشهد الأدبي من عالم كتابة السيناريوهات للتلفزيون والأفلام، وكتابة الشرائط المرسومة comic strips، والأشعار السياسية والمقالات الساخرة في عدد متنوع من الصحف المصرية. تعرض روايته صيحات سارد غاضب، شاب قاهري يمضي ليواعد الفتيات ويستقل المواصلات العامة، ويناقش السياسة والثقافة والتاريخ. تُقدِّم "عباس العبد" شخصية منفصمة تؤدي وظائف سردية متنوعة. كما تشير عبد المسيح: "صوت ضمير السرد المتكلم/الغائب يتغير سهوا بين زمني الماضي/المضارع، مظهرا العلاقات المُجبِرة والارتباطات الفاشلة في المواقف المنفصلة". عبد الله الشاب المكتئب الذي يقضي جل وقته مهلوسا في غرفته، يساعد في وظيفة السرد الأولية. عباس هو صديق عبد الله؛ يأتي لعبد الله كصوت أو كصورة، يدفعه للاشتباك مع العالم من حوله من خلال أفعال العنف والتخريب، ومعارك الشوارع والجرافيتي. عوني هو عم عبد الله، طبيب نفسي كان يعذب ابن أخيه عندما كان طفلا. هناك بنتان كل منهما تسمي هند، يحاول السارد أن يواعدهما. الشخصية الأخيرة هي شاهندة، التي تعمل كممرضة في مصحة عقلية أُرسِل لها السارد وهو طفل.
في عرض للرواية يناقش حازم أبيض أن نص العايدي يستحضر مكانا غير مادي؛ مدينة مجردة من كل ماديتها، وبالتالي تعتمد علي المعارضة والمحاكاة ما بعد الحداثية؛ منهية بالتالي أسئلة السببية والأصالة. هذا التوصيف يضيف منظورا ضروريا لشرح نص العايدي، الذي يعرض سلسلة من اللقاءات غير المتوقعة، التي لحقتها الاجترارات والتهجمات علي التاريخ والثقافة المصرية. السرد الفج والعنيف يُعَبِّر عن الغضب من الأوضاع الاجتماعية الحالية. بينما يناقش العلاقة بين مصر والغرب؛ يقول عباس للسارد: "تريد أن تتقدم؟؟ إذن احرق كتب التاريخ، وانس حضارتك الميتة الثمينة. توقف عن استحلاب الماضي. اتلف تاريخك الفرعوني... سننجح، فقط، عندما نحول المتاحف إلي مراحيض عامة". بهذه الطريقة يهاجم العبد الهوية المصرية الوطنية. "انفجر كمجرور لم يعد يطيق الإهانة"، محطما الرابط بين مصر الحديثة وماضيها المجيد. التقدم من وجهة نظر عباس يتطلب انقطاع مع الماضي وتدمير كتب التاريخ التي من خلالها يتم تخيل الماضي كمُكوِّن للهوية الوطنية. حرق كتب التاريخ وتحويل المتاحف إلي مراحيض عامة ينزع شرعية الطريقة التي يتدخل بها الماضي في المؤسسات التعليمية والثقافية ويستمر في الأيدولوجيا السياسية. يكشف عباس الصوت الغاضب في رواية العايدي التعارض بين ماضي مصر المتخيل والفساد الاجتماعي والسياسي المعاصر. "المجرور" يُوَجَّه إلي مصدر الفساد والتبديد في الخطاب والمؤسسات الحكومية، ويرسِّخ النص الأدبي الجديد كموضع للطرد. لم تعد الرواية تُمَثِّل واقعا اجتماعيا أو تُقَدِّم نقدا لعيوبها ونقائصها خلال ارتباط ديالكتيكي أو تمثيل مجازي. بدلا من ذلك، يعرض نص العايدي المجارير كمنتج وكفضلات نموذج اقتصادي وأيدولوجي متدهور. انفجار "المجرور" في النص يكون بالتالي موضعا ديناميكيا للمقاومة خلال إزاحة الانفعالات. هذا يُعَقِّد العلاقة بين النص كمُنتِج لبيئته الاجتماعية والسياسية والنص ك "تَبَدُّد" أو "كتاب رخيصة" لا يمكن أن تُعتَبَر "أدبا".
وفقا لعباس فالانقطاع مع ماضي مصر الرومانسي يتضمن الانفصال عن "جيل الهزيمة". في إشارة إلي حرب 1967 مع إسرائيل، أو النكسة؛ نقطة التحول في تاريخ السياسة والثقافة العربية، يقول عباس لعبد الله: "في مصر كان هناك جيل (النكسة). نحن الجيل الذي يليه. جيل (معنديش حاجة أخسرها) نحن جيل من المتوحدين نحيا تحت السقف نفسه، مع غرباء لهم أسماء تشبهنا. هراء (Pull shit). إليك (تطوير/Upgrade) الحكمة و(تحديث/Update) التجارب". هنا يُحَدِّد عباس الوسائل التي يمكن بها تجاوز نموذج الهوية المصرية التي تخترق الخطوط الفاصلة بين الأجيال. "التوحد" يتم تخيله كحالة الشباب العربي، الذي يتحادث علي الإنترنت ويبعث بالرسائل القصيرة ويتعامل مع آبائه، الذي يصدف أنهم يعيشون في المنزل نفسه، كأغراب تماما. متصلين ببعضهم وبالإنترنت خلال تواصل غير شفهي، ينفصل هذا الجيل عن العائلة والدولة. أحوال التواصل تلك تطبع نص العايدي كموضع "انفجار" وكتابة متفاعلة، شبيهة بالمجرور. في هذا السياق، تصبح صياغة الهوية مَكنِية تتشكل خلال الانفعالات والقرب الجسدي؛ وبالتالي استبدال السرديات الكبري التاريخية والحضارية التي من خلالها يتم تخيل الهوية المصرية والحفاظ عليها.
مُوَظَفا لغة الكمبيوتر، يطلب عباس من السارد أن يُحَدِّث ويُطَوِّر نظامه ويُحَمِّل خادم server جديد ليحل محل النموذج الثقافي الذي يتخذ المصريين كرهينة. مع الكلمة المتوعدة pull-shit التي هي مزيج من bullshit الخراء وdont pull this crap on me لا تلق بهذا الخراء عليّ، التي كُتِبَت بالإنجليزية في النص العربي، يهز عباس بعنف ليس عبد الله فقط بل قاريء النص أيضا، مجبره/ا علي أن يلاحظ الحاجة للتحديث والتطوير؛ أي تحميل برامج software جديدة والتحرك. خطاب التكنولوجيا بالتالي ينقلنا إلي الحرق البربري لكتب التاريخ وهدم المتاحف إلي أفعال تحميلات وتطويرات الكمبيوتر، مشيرا إلي قدوم جيل يعيد التفكير جذريا في هويته الاجتماعية والسياسية. في هذا السياق، يصبح سؤال التجربة موضعا استراتيجيا لخلخلة وإعادة تشكيل الروابط الاجتماعية. "التحديث" updating لم يعد ينطبق علي المؤسسات الاجتماعية والسياسية في الدولة المصرية العالقة في الماضي وبالتالي البعيدة عن متناول هذا الجيل الجديد - ولكن بالأحري في تجربة ال "عبد" كما في "عبد الله"؛ محاور عباس الذي يستحضر العامية المصرية بكلمة "الرجل العادي" (العبد). منطلقا من الرسائل القصيرة والتدوين، استعاد عمل العايدي حال جديد من التجربة متوافقة مع التواصل غير اللفظي من أجل هز وإيقاظ الشخص العادي من سباته/سباتها، حاثا له/لها للقيام بالفعل وإعادة اختبار بيئته/بيئتها بطرق جديدة.
تحديث وتطوير خادم server المرء هي أشكال من الإدراك Prise de conscience تحل محل "الالتزام" السياسي كما يُفهَم في الأدب الفرنسي والسياق السياسي. الالتزام يصف جيلا عربيا سابقا طالب وآمن بنموذج خاص وربما يوتوبي للتغيير السياسي والاجتماعي، إلا أنه انتهي بكونه يتحطم بالحكم السلطوي والهزائم العسكرية. الحداثة العربية التي ترتبط بها الدولة الوطنية المصرية معروضة في نص العايدي كمشروع ديستوبي وقديم الطراز. يعمل هذا المشروع كتطبيق للكمبيوتر طوَّره برنامج أقدم ومعطل، وهو دوما غير ملائم وغير مدعوم - وربما كان كذلك. بالانقطاع مع "جيل الهزيمة" يستجوب العايدي مشروع الحداثة، وفشله كان مُتَكشِّفا فقط في حرب 1967 أو "النكسة". بينما يدعو النص لتحديث وإعادة تشكيل أحوال جديدة من الخبرة، يفتح أيضا إمكانية الذاتية السياسية التي تنقطع مع الحداثة كما تخيلها بعض مفكري النهضة وتجسدت في أمثال مؤسسات الدولة تلك كالمكتبات والمتاحف. نصوص العايدي تَعِدّ المسرح لحديث مُطوَّر upgraded ومُحَدَّث updated يخلخل الحداثة السياسية والفكرية العربية المرتبطة بالأيدولوجيات القومية العربية علي سبيل المثال. هذه الخلخلة وإعادة صياغة موضوع جديد لتجربة "العبد" وكاتب وقاريء المدونات، وتغريدات تويتر، تُشَكِّل مِحَن جديدة للحداثة العربية. في هذا السياق، تُحَدِّد "المِحَن" الشباب "الذين يمتحنون" النموذج الأيدولوجي والبنية السياسية التي تَسقُط أو التي سقطت بالفعل. هذا يقودنا إلي تسليط الضوء علي الإطار الجيلي الذي يُخَرِّب الهيراركيات السياسية والإبستمولوجية. متحركا من التطور الثقافي والتاريخي إلي نمو تطور برامج الكمبيوتر ووسائطه، يصبح النص الجديد مسرحا للتشفير والمحاورة واللجوء للنماذج الاجتماعية والسياسية والإستطيقية في الوقت نفسه.
يعرض نص العايدي تدريجيا تخريب المنتجات الثقافية المرتبطة ب "جيل الهزيمة"؛ الجيل الذي نشأ في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي والمعروف برواياته؛ النوع البارز للحداثة الأدبية العربية. وهو يتحدث عن أعمال غسان كنفاني (1936-1972) وحليم بركات (1936)، يناقش إدوارد سعيد أن فعل الكُتَّاب بعد 1967 قَصَد أن يخلق مشهد إعادة تمثيل الكارثة وصناعة دراما حول "الدورية"؛ أي العملية التاريخية النشطة التي بها تُشَكِّل الواقعية العربية نفسها، إن كان لها وضع وجودي".
الجيل الجديد من الكتاب العرب المُتَخَيَّلين في نص العايدي لم يعودوا يهتمون بكونهم مُعَلَّقين بين الماضي والمستقبل، ولكنهم مرتبطون بالأحري بالحاضر كشيء فقط يكون، يتحرك؛ لحظة متجددة تظهر وتختفي وتعاود الظهور.
الانقطاع مع "جيل الهزيمة" يتبعه في بيان الكتابة الجديدة هذا خلخلة للشكل الأدبي للرواية. يشن "عباس العبد" هجوما عاتيا ضد الرواية والمؤسسة الأدبية التي تحافظ عليها لأسباب تجارية وأيدولوجية بإقصاء الكُتَّاب الشباب الناشئين، وتجاهل واقعهم الحاضر كما هو معتاد. يقول السارد:
"لو كانت هذه رواية فهنا ينبغي لك التوقف وإعداد شطيرة. لكنها للأسف ليست كذلك. هذه ليست رواية. لا أحد يحب أن يقرأ عن عذابات أنصاف الآلهة حين يتكشّف لهم كم هم أرباع بشر. تلك مؤلفات يصطحبها النُقَّاد للحمام لتعينهم علي التخفف من عبء مؤخرات ممتلئة".
هنا يعيد السارد تعريف نوع النص الذي يسرده بتشويش التمييزات بين الافتراضي والمادي، الأدبي وغير الأدبي. هذا العمل الحدي يقاوم - في الحقيقة يرفض - بشكل تام نوع الرواية نفسه. من خلال إيماءة ما بعد حداثية، يُحَرِّر السارد القاريء من فكرة أن النص الذي يسرده هو رواية. في هذه الدعوة للفعل، يثير هذا النص الشكوك المتعلقة بالطبيعة والوظيفة الاجتماعية والإطار الأيدولوجي للنوع علي ما هو عليه. يستنطق النص القاريء ويدعوه/يدعوها للتدخل خلال المسافات الفارغة بين "عباس العبد"، مُطَوِّعا كتابة متفاعلة ممتلئة بالانفعالات، شبيهة بكتابة المدونات والرسائل النصية والمواقع الاجتماعية. النص الجديد يدعو القاريء ليصبح واعيا بواقعه/واقعها الاجتماعي والسياسي بتحديث خبرته/خبرتها والمشاركة في فعل الكتابة. تجربة القاريء مع النص الجديد ورد فعله عليه، الممتليء بالانفعالات والارتباك، يُشَكِّل إنتاج النص. علي خلاف قاريء "أدب الهزيمة" الذي يُستَحضَر كمشارك في النضال التاريخي، باحثا عن رأب الصدع بين ماضي العرب ومستقبلهم بعد 1967، يُستَنطَق قاريء العايدي كموضوع للتجربة المباشرة المغروسة في الجسد ويُعَبِّر عنها في انفعالات الانزعاج والغضب والتخريب. علي ضوء هذا، يقوم عباس العبد بتدمير إستطيقي؛ هذا التدمير المعروض كنداء لمشاركة متجسدة في الإنتاج الثقافي الجديد والأفعال والإيماءات والأداءات السياسية. نهاية الرواية لا تعلن انتهاء الكتابة، علي العكس، نهاية الرواية التي تتراجع في نص العايدي إلي مجارير الحداثة في السياق المصري، تكشف صعود كتابة جديدة وشخصيات جديدة، لم تُعرَف أو تُدرَك تماما بعد. كما لاحظ روجر آلان فارتباط الأدب العربي الحديث مع مشروع الحداثة في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي انكشف وتخلخل في نص العايدي. الكاتب الجديد؛ التجسيد المزعوم للعصر الاستهلاكي وغير السياسي الذي تراجع عمله إلي الكتابة الرخيصة الفجة، يعود ليكتب كماسورة مجرور متفجرة. يعرض العايدي ويعيد تشفير تخيل الفضلات التي يرتبط بها جيله من الكُتَّاب، ويعيد توجيه ذلك إلي المؤسسة الأدبية والسياسية التي لا تري الفضلات الخاصة بها. هذه الكتابة الجديدة تصعد بين ال "pull-shit" (بين الكلمتين شرطة) خلال فعل التمرد العنيف ضد المرجعية الأدبية والحكومة ووضع شباب مصر (كما في الأحداث) والمجتمع.
الرواية التقليدية وفقا للعايدي تتعارض مع الواقع واللغة والإعلام السياسي والاجتماعي الجديد. فكرة التعارض هذه يجب أن تُفهَم في سياق لغة الكمبيوتر "التحديث" و"التطوير" التي يشن العايدي من خلالها هجومه علي المرجعيات الأدبية والمؤسسات السياسية والاجتماعية. بالتالي يستغل العايدي النوع الأدبي الذي ينتمي إليه عمله بأفعال التطويرات والتحديثات، مُستخدِما الأقواس وعلامات الاستفهام بشكل مفرط، ويعيد بشكل منظم تكرار الكلمات والجمل، من أجل كشف نهاية الرواية (النوع الذي حَزِن عليه حقي عندما قرأ رواية "تلك الرائحة" لصنع الله إبراهيم)؛ يرفع upload العايدي إلي عمله أنواع مثل الإعلانات والأدعية الدينية، أو كتيبات تشغيل الأجهزة، في أحد الأمثلة، ينشد دعاء عن دواء متخيل؛ بارتاكوزين:
"تريد الانعتاق؟ أن تكون حرا. لو كنت تريد أن تحيا حياتك بالطول والعرض فهذه فرصتك... (بارتاكوزين سيجعل حياتك أكثر حدوثا وأقل إيلاما (يا الله يا جماعة بسم الله الشافي) ابتهل وارفع يديك نحو المساء ولنتوسل سويا: اللهم احفظ (بارتاكوزين) من كل سوء وبارك لنا فيه. (آآآمين). "تعرف أن (بارتاكوزين) اتحارب في الأول جامد". اللهم عليك بالصهاينة والفسقة وأعدائك أعداء ال (بارتاكوزين). (آآآمين)... اللهم من أرادنا وأراد ال (بارتاكوزين) بخير فوفقه للخير يا رب العالمين. آآآآآآآآمين. (بارتاكوزين) بيشتغل بعد أقل من خمس دقايق".
في هذه الفقرة، يخلط العايدي نوع الإعلانات مع الدعاء، الذي يُتلي عادة أثناء صلاة الجمعة في أنحاء العالم العربي. ال(بارتاكوزين) بالتالي يُقَدَّم كدواء سحري للأمة الإسلامية. سخرية العايدي ما بعد الحداثية من الدعاء تدمج في السياقين الديني والأيدولوجي إعلان لمضاد الاكتئاب. استخدام السخرية، وفقا لليندا هاتشون، يستدعي الانتباه إلي بنية الأنواع الأدبية والتقاليد الاستطيقية، كاشفا بهذه الطريقة الإطار الأيدولوجي للصياغة المرجعية. "تبدو السخرية أنها تُقَدِّم وجهة نظر عن الحاضر والماضي تسمح للفنان أن يتحدث إلي خطاب من داخله، ولكن بدون أن يكون متعافيا منه تماما. السخرية لهذا السبب هي حال للمهمشين، أو هؤلاء الذين يقاومون التهميش بالأيدولوجيا المسيطرة".
في "عباس العبد" السخرية والخلط بين النوعين الأدبي وغير الأدبي يشكلان الإنتاج الثقافي. منتقدا استخدام مشروع الحداثة العربية في الخطاب السياسي، يسخر العايدي من الوصول ل "الانتصار العربي" ورأب التصدعات التاريخية لعامي 1948 و1967 عن طريق هزيمة الصهاينة والإمبرياليين.
هذه السردية التحررية الكبري للأدب العربي والحداثة السياسية هي نفسها إعلان؛ تنشره وتُسَوِّقه الأنظمة الأوتوقراطية العربية والإسلاميين أيضا. هذه البروباجندا تشغل عن الالتزام الضروري بحالة الانهيار السيكولوجي للذات العربية، التي بحاجة إلآن إلي دواء لتتحمل واقعها. بهذه الطريقة يسخر العايدي من الدعاء في سياقه السياسي ولكنه يسخر أيضا من الاستهلاكية وجوانب العولمة المنعكسة في تكاثر الأدوية في العالم العربي. هذه السخرية المزدوجة تعمل كنقد سياسي واقتصادي لشعارات القوميين العرب هزيمة الصهاينة وتحرير الأرض العربية من جهة، وكتدخل أدبي في النوع من جهة أخري.
بالإضافة إلي ذلك، الجناس بين البارتاكوزين وترتيل الدعاء يُنَشِّط الانفعالات اللغوية في أفعال تهجير detteritorializing للغة والنوع. فتح الفم في "آآآآآم" والضغط في "يييين" يصنع انفتاحات وشقوق في النص نفسه، معطلا الكتابة إلا أنه يربطها بأشكال أخري من الوسائط والتلاوة. هذا التدنيس desacralization للغة؛ بمضاعفة حرف صوت ال "آ" عن طريق التكرار، وتمييز صوت ال "ين" (كما في "آمين" بربطه بالبارتاكوز(ين)) يأخذ نص العايدي إلي ما وراء الرمزي والتمثيلي والاستطرادي والاستعاري. هذه الأصوات؛ فتح الفم والضغط علي حروف بعينها علي لوحة المفاتيح، واستمرار ضغط الإصبع لتكرار "آآآآ" ليظهر ويتعدد في النص، يقدم الصوت الحلقي والتكنولوجي، والمكرر والمهووس في اللغة نفسها، يتلاعب بها، ويخلطها. الاهتمام بالأصوات والاختلالات المتناصة بالتالي يُعَقِّد نظريات السخرية أو التجريب الحداثي الذي ترتبط به عادة الكتابة الجديدة. في نص العايدي، أسئلة الصوت والمادية والصوتيات معروضة لتخلخل بنية اللغة وتخلخل أيضا الأنساق السياسية والاجتماعية الجامدة.
في محاولته لاختراق النوع بشكل أكبر وتهجير deterritorialize اللغة، كاشفا الضعف والتناقضات الأساسية، ينتقد النص مادية الكتاب نفسه، مستخدما نوع كتيبات تشغيل الأجهزة من أجل تقديم تعليمات لتدمير الكتب، وخاصة الروايات الطويلة. يعدد السارد خطوات فعل التخريب هذا:
"ألصق الكتب بالصمغ في المكتبات العامة وإليك الوصفة:
1- تأكد من انتقاء توقيت مناسب...
2- انتق كتابا من الحجم المستفز الذي تزيد عدد صفحاته عن (300) صفحة...
3- لك اختيار الكتاب أو الموضوع الذي تكرهه...
4- افتح غطاء الصمغ السائل.
5- اسكب الصمغ علي وسط الكتاب بينما تفرّه وتذكر أن العلم نور.
6- ألصق دفتي الكتاب بأول وآخر صفحة ثم اشطب علي اسم المؤلف بطريقة إك(X)س...
7- ضع الكتاب في رف غير رفه الأساسي... سيأتي اليوم الذي تنهار في اللحظة الفاصلة بين كتيبات الجيب وأكياس البطاطس... سيأتي اليوم الذي يضعون فيه علي واجهة الكتاب رمزا رجل يطوح بكتاب في سلة مهملات، وسيُكتب من تحته:
حافظ علي
نظافة العالم!"
يدمج العايدي هنا أنواع الإشارات الأدبية (حافظ علي النظافة) وكتيبات التعليمات إلي رواية، محولا السخرية ما بعد الحداثية إلي تخريب. الوصفة في هذه الحالة بقية من "كتاب الطبخ الإناركي"، حيث يصبح إعداد الطعام فعلا عنيفا. بتفكيك العلاقة بين الطعام والمعرفة، القراءة والتغذية، يُحَوِّل العايدي الكتاب إلي شيء يجب التخلص منه ككيس بطاطس فارغ. بافتراض موقع المُخَرِّب الذي يذهب إلي المكتبة لتدمير الكتب، شخصية العايدي تفتح الباب لنقد بنية السلطة التي يعرضها الكتاب. الهجوم علي كتب المكتبة يستدعي الانتباه إلي النظام التعليمي المُكَوِّن والعَرَضي للفساد الاقتصادي والاجتماعي الذي يكشفه النص. هذا يجعل القاريء يستمتع بمحو كل من مادية الكتاب ودلالته السياسية والإبستمولوجية. يدعو سارد العايدي القاريء ليتعرف علي الواقع السياسي الجديد ويقوم بدور في تغييره من خلال الأفعال المصغرة Micro-acts للتمرد والهدم. نموذج جديد ل "الالتزام" يظهر من نص العايدي، هذا الذي يُحَوِّل القاريء إلي شريك ومُخَرِّب، وتحويل النص إلي عرْض تفاعلي يستقبل التعليقات وردود الأفعال وأداءات العنف التطهيري.
هدم مادية الرواية يكشف مرونتها ليس فقط كنوع تتخلله الآن أنواع غير أدبية أخري والكتابة الرخيصة، ولكن أيضا كمُنتَج؛ شيء موضوع علي رف المكتبة، في أيدي القاريء. هذا التدمير للكتاب يخلخل في الوقت نفسه فعل القراءة، الذي يتوسط المجتمع الوطني المتخيل بمصطلحات بنديكت آندرسون. إشارة العايدي إلي "التوحد" هي بالتالي إشارة إلي محو القيود الرمزية التي يتكون منها المجتمع. الجيل المتوحد لم يعد ينتج أو يتخيل المجتمع الوطني بقراءة الروايات الطويلة، ولكن يولدها بدلا من ذلك عن طريق الأصوات ("آآآآآم" و"ييييين") والانفعالات المذكورة في نص العادي، وفي المدونات وفي الهتافات والاهتزازات واللافتات التي حملها المتظاهرون في أنحاء العالم العربي بداية من 2010. الجيل الجديد في كتابة العايدي هو حشد همجي من المخربين المتوحدين، غير القادرين علي التعامل مع النظام الاجتماعي بوجود الإطار الأيدولوجي للنظام السياسي الجامد وارتباطه بمشروع الحداثة الذي انتهي، أو الذي كان منتهيا بالفعل.
رد فعل العايدي العنيف ضد شكل الرقابة الاجتماعية والأيدولوجية المركزية يكشف أزمة وإفلاس النماذج القائمة من التربية والأنواع الأدبية. تدمير الكتب هو بداية لا-تعليم وإعادة تعليم العامة، مُحَدِّثين خبرتهم ومُطَوِّرين علاقتهم بالمعرفة. تدمير الرواية الطويلة في نص العايدي يمكن تسييقه بالعلاقة مع شكوي الشدياق من نهاية الكتابة المتأملة وقدوم النص الحديث، الذي يظهر من وسط دخان وظلمة المدينة الملوثة كما نوقش في الفصل الثالث. النص الجديد، الممتليء بالانفعالات والمجتزئات والتعطيلات السردية والألعاب السردية، هو إنتاج تفاعل افتراضي إذ يتسلل القراء لا كمشاركين في مجتمع متخيل كما كانوا، ولكن كمشاركين نشطين في عملية جديدة من الكتابة والتفسير، والتغيير السياسي والاجتماعي. صرخة بعيدة عن تصوير محفوظ للحارة القاهرية في الخمسينيات من القرن الماضي، مكان العايدي الحاضر مادي وافتراضي موضوع استراتيجيا بين "عشوائيات" القاهرة الحديثة والأحياء الراقية. بالاتصال بالإنترنت والتليفونات المحمولة والقنوات الفضائية؛ يتحدي هذا المجتمع من الكتاب والقراء والنشطاء الإنتاج الأيدولوجي للرواية كموضع لتمثيل idealization التقليد وإنتاج المجتمع. ثنائية الحداثة والتقليد، والحارة قديمة الطراز والأحياء الحديثة في القاهرة تسقط كبنية سوسيولوجية وسياسية تؤطر الأعمال الأدبية وتتأطر بها. الكتابة الجديدة تنهي هذه الثنائيات المتضادة بإعادة تشكيل وابتكار لأشكال جديدة من الذاتية وممارسات الكتابة التي تُنتَج بين الإنترنت والكتب الورقية، وعشوائيات القاهرة ووسط البلد. حبكة الرواية المحفوظية، التي تُصَوِّر صعود وسقوط أبطال مثل حميدة في "زقاق المدق" والجبلاوي في "أولاد حارتنا" علي سبيل المثال دُمِّرَت في الكتابة الجديدة. (الأحداث) الأدبية والسياسية المعاصرة تنتج نصوصا جديدة وأشكالا من الذاتية؛ من الشخصية المتحررة الجنس queer في عمل أبو جليل الذي نوقش في الفصل السابق إلي المُخَرِّب-التكنولوجي في بيان العايدي. عرض خبرة الحداثة في القاهرة أو في لندن، سواء كانت مرتبطة بالتكنولوجيا الأوروبية أو الأنظمة العربية، يكشف ويزعزع نماذج السلطة الإستطيقية والسياسية.
اختراق السياسي
في حوار نشر في جريدة "البحث النقدي" Critical Inquiry عام 2008، بدأ الفيلسوف الفرنسي آلان باديو بتخيل إمكانية السياسي في عصر العولمة. أشار باديو إلي أنه "علي العكس من هيجل، الذي ينتج سلب السلب عندها تأكيدا جديدا، أعتقد أنه علينا أن نؤكد أن السلب اليوم لا يخلق شيئا جديدا لو تحدثنا بدقة؛ إنه يهدم القديم بالطبع، ولكنه لا يؤدي إلي خلق جديد". في هذا السياق يشير باديو إلي أن اضطرابات فرنسا في نوفمبر 2005 فشلت في إنتاج تغيير اجتماعي وسياسي لأن الشباب العربي شعر أنه مقصي ومُهَمَّش. علي العكس من أحداث عام 1968، عندما اجتمع الطلبة والعمال، متشاركين الالتزام، ليحققوا التغيير. يشير باديو إلي أن هذا التلاقي "مفقود" اليوم بسبب أن "شباب الضواحي مغلق عليهم في عزلة جماعية، من المحتمل أن الأشياء ستتغير، ولكن في الوقت الحالي لن تؤدي هذه الانتفاضات إلي شيء، وفي الوقت الحالي كل ما يمكنهم فعله هو الانتفاض". تَوَقُّع باديو مبن علي نموذج خاص للفعل السياسي منبثق من الديالكتيك الهيجلي وينتشر في نماذج الأيدولوجيات الاشتراكية والقومية. مع هذا التطور، يحدد باديو غياب التركيب الديالكتيكي وبالتالي التغيير الاجتماعي والسياسي ذو المعني المرتبط بفعل ثوري محدد. وفقا لباديو، الضواحي الفرنسية مستبعدة من التغيير التاريخي.
علي أي حال، قراءة باديو للنموذج الثوري غير قادرة علي تفسير أو شرح الحركات والأحداث الأخري كمواضع للتحول وإعادة التعريف التي تحدث علي الإنترنت وفي الميادين العامة والأدب. في هذا السياق، فمشروع الحداثة العربية الذي كشفه وهاجمه نص العايدي لا ينفصل عن النموذج الهيجلي وإنتاجه للأنساق الاجتماعية والسياسية القومية العربية. هذا النموذج مفلس في عرض العايدي للسياسي؛ إنه مُحاصر في الدائرة الهرمينوطيقية التي تؤدي إلي نماذج النضال الطبقي في السياق الماركسي، وفي تاريخ الثورات منذ عام 1789. هذا النموذج الأوروبي المركزي المُفَسِّر يفشل في شرح أشكال التحول المعروضة في النص، وهؤلاء الذين يشكلون الواقع الاجتماعي والاقتصادي العربي اليوم. وأكثر من ذلك، الاهتمام بالضواحي، التي تتشابه مع عشوائيات القاهرة، كموضع خاص وأصل للفعل السياسي تم إثبات أنه أمر خاطيء. كما أظهرت أحداث الربيع العربي، و كما يعرض نص العايدي؛ هذا التغيير يثار بين المركز والأطراف؛ (العشوائيات) وميدان التحرير (وسط المدينة)، والطبقتين العاملة والعليا. هذه المساحة بين التجريب والمِحَن، بين عشوائيات القاهرة وأحياء الطبقة العليا، المادي والافتراضي، يستجوب الثنائية المتضادة وينقد السلطوية السياسية، والنماذج المُفَسِّرة، والمرجعيات الأدبية.
قراءة صبري حافظ للكتابة الجديدة في مصر تردد أصداء ملاحظة باديو. يبحث حافظ في شاعرية جيل كتاب التسعينيات من القرن الماضي، معالجا أعمالهم من خلال منظور التحولات السياسية والطبقية والحضرية:
"إن كانت (أنا) الكاتب لم تعد قادرة علي الحفاظ علي موضعها كوعي متحكم في النص، ولم يعد الكاتب واثقا في سارده أو ساردته، فهذا بسبب أن كل منهما أصبح تنويعات علي الذات الثانوية، التي تسكن في بلد ثانوية فقدت استقلالها وكرامتها ودورها الإقليمي. هذا خلق أزمة يكون فيها "الأنا" غير قادر علي التطابق مع نفسه، دعك من التطابق مع "آخر" أو مع قضية. إلا أنه أيضا يقدم ساردا قادرا علي ربط الواقع الخارجي "من الداخل"، وكأنه جزء مكمل له، بينما في الوقت نفسه يراه من الخارج، من منظور المُهمَّش، مناسب لعدم أهميته. الرواية العربية الجديدة منغمسة في التفاصيل الأكثر صغرا لواقعها الاجتماعي المحيط، إلا أنها غير قادرة علي قبوله. "رواية الأفق المغلق" هي نوع الظرف غير المحتمل".
فهم حافظ لظروف العزلة يعيد الكتابة الجديدة للكُتَّاب الشباب إلي "أفق مغلق"، مُدَعِّما مجاز التوحد في نص العايدي. يستخدم حافظ تحليله لخريطة القاهرة المتغيرة؛ المعتمدة علي دراسات النمو الحضري لآندريه ريمون وراجح أبو زيد، ليفهم الرواية الجديدة، مناقشا أن السرديات الأدبية تعكس الواقع المادي. في هذا السياق، يقود تقلص المساحات المادية في القاهرة الكُتَّاب الجدد إلي مساحات مغلقة ومستحيلة. يمكن للمرء أن يشرح قراءة حافظ للظروف المادية للاغتراب بأن يضع في الاعتبار تأثيرات التطور التكنولوجي والإنترنت علي المشهد الأدبي والسياسي الجديد، اللذان سيحررانه من الالتزام بسؤال نهاية التاريخ في عصر ما بعد النكسة وما بعد الديالكتيك. الأعمال المصغرة للبريكولاج، المعروضة في الكتابة الجديدة، تزعزع هذا الأفق المغلق وتخلق إمكانية التغيير والمقاومة. أحمد العايدي والعديد من الكتاب الآخرين من جيله يكتبون الشرائط المرسومة في الصحف وأيضا سيناريوهات الأفلام إلي جانب التدوين. هذه الحيوية تسمح لنا أن نقرأ النصوص الجديدة كنصوص مُسهِمة في حركة التغيير، تتدخل محليا وتدريجيا في الخطاب وتفتح أفكار وممارسات إستطيقية وسياسية جديدة. في قرائتها لجيل التسعينيات من القرن الماضي وعمل أحمد العايدي بالتركيز علي "العائلة" تناقش سامية محرز أنه "بالضبط هذا الجيل الشاب الحضري المُجَرِّب والذي ليس لديه شيء ليخسره أخذ الطليعة المصرية المعاصرة إلي ما وراء الأسرة والبلد، بادئا تصويرات أدبية جديدة وإمكانات لغوية تِعِد بمرجعيات مجهولة، وأرضيات تقنية وإستطيقية". هذا الاهتمام بالإستطيقي، المُعتمِد علي واقع اجتماعي وسياسي، يُلقي الضوء علي هذه التحولات ويؤطرها كمُكوِّن للجدة والتغيير.
تحليل الاختراق hacking في نص أحمد العايدي يُمَكنِّنا من التعامل مع الكتابة الجديدة بطرق تمتد إلي ما وراء منطق السلب والهدم الذي يحدده باديو وحافظ، منهيا ثنائيات الحداثة/التقليد، الشرق/الغرب، المركز/الأطراف. كلمة "هاك" hack مُعَرَّبة من الإنجليزية في نص العايدي وتُرجمَت ب "اختراق النظام". يستدعي العايدي الاختراق ليكشف مهمة الكاتب العربي الجديد في المساحة المحدودة للكتابة. قَدَّم "الاختراق" hack في حوار عن شاب روسي عمره 17 عاما نجح في اختراق موقع البنتاجون وتحميل ملفات mp3 موسيقية عليه. مضيفا إلي ذلك أن المخترقين في كل مكان؛ مستهدفين الحكومة "حتي الحكومة بتتهاك"، يشرح عباس وظيفة تفاعل الكاتب والقاريء. تحميل ملفات الmp3 إلي موقع البنتاجون هو فعل اختراق وتسلل، وخلط للأنواع، بالضبط مثل خلط العايدي للدعاء بالإعلان في ابتهال بارتاكوزين. كما يكشف الروسي ذو ال17 عاما هشاشة النظام ويخترق "غير القابل للاختراق"، يكشف العايدي النسق الاجتماعي والاقتصادي المُعَطَّل والقديم في مصر.
"الاختراق" hacking يعني "التمزق أو القطع بضربات غير منتظمة أو غير حاذقة"، "أن تقوم بضربات متقطعة"، "أن تكتب برامج كمبيوتر علي سبيل التسلية"، و"أن تتمكن من الدخول إلي كمبيوتر بشكل غير شرعي". ينطلق العايدي من هذه المعاني، جاعلا الاختراق فعل تخريب؛ كلصْق وتدمير كتب المكتبة، واللعب، والتجريب والامتحان وبرمجة الكمبيوتر. في بيان العايدي؛ الكاتب هو مخرب-تكنولوجي، يبدأ علاقة مختلفة مع الكتابة والتقليد، ويهجر مشروع الحداثة المرتبطة بمحفوظ وحقي وآخرين. بعد إيقاف الرواية الطويلة باختراقها وقطعها، ما يبقي هو المجتزئات، التي يعيد عمل العايدي إنتاجها خلال كلمات "آآآآه" و"أووووه". تلك المجتزئات التي هي أيضا فضلات وبقايا كما في مجاز انفجار المجرور المذكور سلفا مشابه للرسائل النصية والتعليقات المكتوبة في المدونات وصفحات الفيسبوك، مُشَوِّشا بشكل أكبر التمييز بين الكتابة-التكنولوجية والأدب. في هذا السياق؛ إهداء العايدي في بداية العمل، الذي يشير إلي "شركاء الجريمة" يشبه الاعتراف بعمل إجرامي، يدشن فعل الكتابة الكتابة الجديدة كجريمة. هذا الفعل يُحَوِّل القاريء إلي مشارك في الجريمة؛ والناقد إلي محقق يحاول فك شفرتها. يصف الاختراق بالتالي تدخل جيل جديد في الإنتاج الثقافي من خلال أفعال العنف، والولوج، والتنكر، والبرمجة، والكتابة. مفاهيم الذات التي تظهر خلال لغة جديدة وحساسية إستطيقية تعكس بني سردية مشوهة مع مسافات فارغة وشذرات انفعالية يتبعها تعبير عن مدار الفعل والنقد من القاع إلي أعلي، مواجها المشروع الأيدولوجي الذي لم يعد يخفي أو يحجب عدم صلاحيته. المجاز المُخترِق يصف اختراق مستمر ويصمم مساحات أدبية وثقافية جديدة. بالتالي لم يعد يتم اعتبار الكتابات الجديدة ظاهرة فجة، ولكن بالأحري تُعرَّف كإنتاج ثقافي هام ذو صدي اجتماعي وسياسي واسع المدي. هذه الاستراتجيات الإستطيقية التي تم تبنيها في الأعمال الجديدة يمكن أن تُعرَّف أيضا في الأعمال الأخري التي نوقشت في هذا الكتاب، من "اختراق" الطهطاوي لنوعي المدح والرحلة الأدبيين، إلي نوع الكشف عند الشدياق، وخطاب الحضارة. عمليات الاختراق والتدمير تلك، المجسدة في كتابات النهضة، والكتابات ما بعد الكولونيالية، والكتابات الجديدة، تؤسس ل "الحديث"، في الأدب العربي الحديث.
خاتمة
بشرح جدالات إيلا شوحاط وهومي بابا، من بين الآخرين، يناقش محسن الموسوي أن الإنتاج الأدبي للتهجين hybridity والتوفيق syncretism يستمر في حجب الظروف المادية للإنتاج والإطارات الاجتماعية الضرورية لتداول الأدب واستقباله. بقرائته لرواية صنع الله إبراهيم "اللجنة" (1991)، يناقش الموسوي أنه علي الرغم من أن الرواية تنتقد الرأسمالية العالمية، كاشفة إذعان الدولة القومية لانقضاض ما بعد الكولونيالية علي العرب والعالم النامي، "هذا النظام العالمي سيمر بالوضع نفسه تقريبا مثل الدولة الوطنية طالما بقيت هناك المصالح الأنانية والفساد والقمع". علي أي حال يزعم الموسوي أنه في العديد من الكتابات الجديدة، "نادرا ما يتم الاقتراب من الاستخدام الأيدولوجي للوطن؛ سياسات العولمة توضع جانبا، ولا تتم مناقشة أو نقد الرأسمالية الأمريكية ولا نقد السياقات الأوروبية". يستمر الموسوي في تحليل الدور التكنولوجي في تأطير دور الدولة الوطنية وما وصلت إليه في العصر الجديد:
"انشغالات الحداثة الأدبية لم تعد الانشغالات الوحيدة في ذهن الكُتَّاب، ولا القلق ما بعد الحداثي الاستطرادي. ما يهم الآن يتعلق بالهوية، الحقيقة والمعني المحليين، إلي جانب التقليد والثقافة اللذان يميل لهما المرء. هذا يحتاج للفحص من منظور تاريخي مُرَكَّز ودال يضع في الاعتبار الحركة من الكولونيالية والدولة الوطنية إلي الواقع العالمي والأجندة المختلفة والنتائج بعيدة المدي".
يحدد الموسوي أسس البحث في إستطيقا عربية جديدة. النص المعاصر لا يمكن أن يتم تركه كشكل من التظاهر من موضع الامتياز الاجتماعي والاقتصادي، ولكنه يُعرَّف بالأحري كتفاوض حيوي عن مكان المرء بالعلاقة مع السياسي والتاريخي. البحث عن لغة جديدة في تلك الكتابات وقدرة الناقد لإدراك وشرح هذا البحث له نتيجة عظيمة للمدي الذي يُهاجَم به العالم العربي بالعنف الاجتماعي والفقر والقمع السياسي. لا يربض الخطر فقط في تجاهل الأعراض السياسية والاقتصادية العنيفة للعولمة، ولكن أيضا في تجاهل محاولة الجيل الجديد التحدث بصوت جديد. هذا الصوت سوف يخلصهم من التأثيرات الخانقة لتلك الأعراض التي يمكن أن تقود بهذا الجيل إلي غضب وازدراء ويأس أبعد. تحولات العالم العربي التي جرت منذ نهاية عام 2010 تلقي الضوء علي السياسي والاقتصادي الكامن في جيل الكتاب الملمين بالكنولوجيا والنشطاء. كتاباتهم بالتالي تحتاج أن تُقرأ بإلحاح أعظم بالعلاقة مع التحولات الاجتماعية والسياسية. هذا لا يعني أن يتقلص النص إلي مجرد انعكاس للمشهد الاقتصادي والسياسي العربي، ولكن بالأحري أن يضع التحولات الاستطيقية داخل السياقات الاجتماعية-السياسية الملائمة، ويتعرف علي التمييز الذي يتشوش بشكل متزايد بين الكتابة والتدوين، والسرد والفعل السياسي. في مصر بشكل خاص، يعيد الكُتَّاب الجدد الذين يقومون بمهام عدة كمدونين ورسامين للكارتون، نشطاء وصحفيين التشكيل المنتظم للعلاقة بين الأدبي والسياسي، "الأدب الوطني" و"السرد العالمي".
يستخدم ديفيد دامروش في عمله مساحات جديدة للإنتاج الأدبي في اللقاء بين المحلي والعالمي. متحركا فيما وراء الإطارات القديمة التي كانت تلقي التعليمات كثيرا وفي بعض الأحيان تَحكُم الاستقبال النقدي الأدبي للأدبيات الصغيرة، يناقش دامروش أن الإنتاج الأدبي يحتاج إلي أن يُفحَص في التفاعل بين القوي الثقافية والأيدولوجية، بين مواضع الإنتاج الأدبي وموضع تداول الأدب. بينما يقرأ دامروش "الأدب العالمي؛ ليس كمرجعية للنصوص ولكن كحال تداول وقراءة"، وفيما وراء الحدود هذه النصوص الثقافية والوطنية، من الضروري أن نفهم في الوقت نفسه هذه الأعمال علي ضوء كل من سياقيها الاجتماعي والسياسي، ونسق اللغة والكتابة التي من خلالها تُعَبِّر الكتابة عن المخيلة والخيال والهوية. أهمية الأطر التي قدمها دامروش وآخرين تكمن في حقيقة أن الكتابة لم تعد مرتبطة بكُتَّاب محرومين من السلطة. بينما يسيطر العايدي ورفاقه الكتاب ويخترقون نظام النشر، لا يمكن أن تقرأ كتاباتهم علي أنها "أدب الضحية" الذي أنتجه المقموع والمُستعمَر وساكني الضواحي في صياغة باديو. هذا لا يعني أن الواقع الاجتماعي والسياسي قد انمحي، ولكن بالأحري أن الكتابة هي مشهد يقدم إمكانية التفاوض والحركة الديناميكية والتغيير.
القراءة التي تعترف بقدرة جيل جديد علي صنع تموجات وإطلاق أصوات لبلوغ صوته هي قراءة سياسية فعلا. اختراق العايدي، في هذا السياق، يسهم في المشروع الأدبي الذي يستدعي كتاب جدد للقيام ب "التهرب" الصعب من أسلافهم. من نقد جيل ال "نكسة" وعدم الثقة في الحركة الأيدولوجية العربية من الخمسينيات من القرن الماضي الذي أظهر إمكانيات سياسية جديدة. اختراق نظام الكتابة خلال أشكال الاختراق يمكن أن يُناقَش كموضوع استطيقي أو كعَرَض لفجاجة الثقافة. سيسقط هذا علي أي حال كفريسة للنماذج النخبوية الذي يتمرد عليها هذا الجيل في المقام الأول. تعدد صناعة النشر خلال بني سردية جديدة ومدونات سينتهي بشكل أو بآخر إلي تدعيم الكتاب الشباب الذين سيسهمون في التغيير الاجتماعي والاقتصادي.
التأكيد علي قراءة الأنواع الجديدة التي تربط الأفلام بالأدب العربي، والرواية بالمدونة، واللغة العربية بالإنجليزية، تُخَلخِل المقاربات السياسية والتاريخية السائدة للأدب العربي التي نوقشت في الفصل الأول. بحث نقدي عن الكتابة الجديدة يجعل من الملح إعادة تشكيل مفاهيم تجربة الحداثة العربية، التي قمت بها في هذا الكتاب، وتساعد في استجواب ملائمة الأدب العربي في النقاشات الثقافية عن الكولونيالية والتقليد والعلمانية،إن ذكرنا القليل من الموضوعات. قراءة مواضع التجسيد الأدبي ك "أحداث" بوضع النهضة إلي جانب السرد المعاصر يواجه تشييء "الأدب العربي" كنمط سوسيولوجي وتاريخي منفصل يمكن للمرء من خلاله قياس الحقيقة عن الإسلام والعرب. استخدام هذه النقاشات يلقي الضوء عن تلك الآثار النقدية لهذه الدراسة بالطريقة التي نفهم وننشر بها الكتابة العربية في العصر الافتراضي.
يعيد العايدي صياغة نقد الشدياق للحضارة في الوضع المعاصر؛ عارضا فسادها ومبتكرا أحوال جديدة للاختراق والتدمير تكشف صلاحيتها المتآكلة. خلال تكاثر الأصوات والانفعالات، التكرارات والتعطيلات، يحدد نص العايدي الانهيار الأيدولوجي للدولة وفي سرديته الكبري للاستمرارية التاريخية والثقافية. ممارسات النهضة النقدية التي حددتها في الفصل الثاني والثالث تستمر في التكشف مع هذا الجيل من الكتاب الجدد. هذه الممارسات تكشف فشل وفساد النسق الاجتماعي والسياسي، وتكشف العنف المستخدم لحجبه. مثله مثل الشدياق؛ اختراق العايدي يُعرَض خلال لعبة باللغة وأحوال التجسد. تدمير البني الاجتماعية والسياسية ونماذج الصلاحية التي تتشكل خلال تهجير deterritorialization اللغة وبشكل خاص لغة المثقف في خدمة المؤسسة السياسية. يُفرِّغ العايدي اللغة خلال التكرار وخلط الأنواع، والانفعالات. هذا التهجير كما ناقشته في فصل الشدياق، يفتح إمكانية جديدة لتخيل الاجتماعي والسياسي، ويُوَلِّد في هذه العملية أشكالا جديدة من الممارسات الأدبية تثار عند تقاطع الافتراضي والمادي، الإنترنت وميدان التحرير، الرواية والمدونة. الربيع العربي، الذي صممه وعرضه جيل العايدي، يرتبط الآن بالنهضة الجديدة. هذا الارتباط يحتاج إلي البحث والتنظير ليس فقط كتكرار أو تواصل مع مشروع ثقافي محدد من القرن التاسع عشر، ولكن بالأحري كتبن لممارسات أدبية وسياسية وتقنيات يظهر منها المعني والذاتية. تتكشف مِحَن الحداثة العربية في نص العايدي خلال التصدعات والانقطاع واللعب والتفاوض؛ تلك التي تستجوب بشكل نظامي مسائل الخطِّية والاستعارة والسببية. فهم السياسي في هذه المرحلة التاريخية يتطلب بحثا في مسار الانهيار هذا والتناقضات المؤسسة للنماذج الاجتماعية والثقافية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.