يربط كثيرون بين الرواج الكبير الذي تشهده الرواية الجديدة أو الشابة ورواية " عمارة يعقوبيان " لعلاء الاسواني، والبعض يأخذه الحماس لدرجة التأريخ بصدورها عام 2002 كبداية لهذا الرواج ، وربما هذا ما اضطر الأسواني للتخفف من تواضعه الجم والتباهي عيانا بيانا بأن "عمارة يعقوبيان " فتحت نافذة متسعة للرواية المصرية والعربية عموما"، بينما "عمارة يعقوبيان" علي أهميتها وفرادتها ونجاحها المهول تناقض الرواية الجديدة في كل شيء ، وأول شيء هو دائرة الرواج ذاته ، فرواج " يعقوبيان " هو رواج " الفلته " لو صح الوصف ، رواج الألوف المؤلفة الذي لا يمكن القياس عليه ويمكن ان يحدث في أي فترة في الماضي والحاضر والمستقبل ، بينما رواج الرواية الجديدة علي اتساعه محدود ، صحيح انه اجتذب قراء شبابا، وطلبة، كانت نصوص الحداثة بغموضها وجهامتها الثقيلة أبعدتهم عن الرواية والادب عموما طوال ما لا يقل عن ثلاثة عقود ، ولكنه يظل محدودا بذلك الفارق " التوزيعي " بين الاعمال الاولي لجيل جمال الغيطاني وخيري شلبي وابراهيم اصلان وصنع الله ابراهيم وبهاء طاهر التي صدرت في طباعات متواضعة ولم يتجاوز توزيعها مئات النسخ علي الأقل في السنوات الأولي لإصدارها - وبين الروايات الاولي لأعمال الكتاب الشباب احمد العايدي وايهاب عبد الحميد وحامد عبد الصمد ومحمد الفخراني ومنصورة عز الدين وطارق إمام التي صدرت في طباعات أنيقة ووزعت آلاف النسخ في فترة محدودة أحيانا لا تتجاوز العام الواحد. ولكن التناقض الاهم يظهر في تخفف الرواية الجديدة إلي درجة الابتزال أحيانا، مما يمكن وصفه بقضية " عمارة يعقوبيان " ورسالتها الإصلاحية أو قل النضالية ، وايمان مؤلفها المطلق بدور " الرواية " في تغيير المجتمع ومقاومة سوءاته ، فالرواية الجديدة لا يعنيها تغيير المجتمع بقدر ما يعنيها محاولة فهمه دون أي انحيازات ، وأبرز كتابها لا يرون في " الرواية " أكثر من كونها رواية لا تطمح في أكثر من اضافة نوع من المعرفة والمتعة ، وبالتالي فإن تحميلها بأي قضية سياسية او اجتماعية حتي لو كانت ضرورية وحتمية هو اختيار للوسيلة الخطأ ، فأعمال وأنشطة من قبيل كتابة مقال أو خطبة أو الانضمام الي حزب سياسي او الاشتراك في مظاهرة او حتي التنمطق بحزام ناسف أجدي وانفع كثيرا للقضية - أي قضية، من أي رواية . وكما ان الرواية الجديدة تناقض " عمارة يعقوبيان " فانها تناقض ما يمكن اعتباره الخصم او الرافض التاريخي للأسواني وروايته ، ألا وهو تيار الحداثة الذي كان مسيطرا طوال ثلاثة عقود ، ورفض الاعتراف بأدب الأسواني حتي تجاوز الخمسين من عمره ، ووضعه ويضعه حتي اليوم في فصيل اليمين الديني المتشدد بل المتطرف احيانا ، ومعروف انه فصيل لا يعول عليه أبدا في إنتاج الادب ، فما بالك لو كان جريئا ومتحررا ، بل انه عادة ما يقاوم الأدب ويراقبه ولا يتورع عن مصادرته ، ومن هنا رفضت مجموعة الاسواني - التي صدرت في عشرات الطبعات - في سلسلة " أصوات أدبية " التي كان يشرف عليها الروائي الكبير محمد البساطي ليس لتضمنها تجاوزات من أي نوع وانما لانه تقليدية ومحافظة. ولعل أوضح ما تناقضه الرواية الجديدة في الحداثة الوضوح التام ، واللغة البسيطة الأدائية المتخففة من الجماليات والتركيز علي التجربة الشخصية باعتبارها نهاية المطاف وليس باعتبارها رمزا، كما ان الرواية الجديدة غيرت الطريقة المتوارثة لظهور الكتابات الجديدة الطليعية في مصر ، وبدلا من الانغلاق علي شلة او جماعة أدبية مهمشة مثل " جاليري 68 " و" إضاءة 77 " - ارتبطت بظهور ورسوخ دور نشر خاصة منفتحة علي كل التيارات الأدبية قديمها حديثة وعلي رأسها دار" ميريت " التي تبعتها دور "العين " و "آفاق " و" الدار " وأسهمت جميعا في ترسيخ ازدهار الرواية الجديدة ودفعت دور النشر الكبيرة كالشروق ونهضة مصر والمصرية اللبنانية الي مضاعفة الاهتمام بها .