جماعة الحوثي تنفي استهداف رئيس أركانها محمد الغماري بغارة إسرائيلية    10 أهداف.. بايرن ميونخ يحقق رقما قياسيا في تاريخ مونديال الأندية    بمجموع 280 درجة.. الطالبة أسماء رضا بالإسكندرية تروي ل "الفجر" أسرار تفوقها بالمرحلة الإعدادية    العمليات العسكرية الإسرائيلية وتوجيهات رئاسية جديدة تتصدر نشاط السيسي اليوم    رسمياً.. جينارو جاتوزو مديراً فنياً لمنتخب إيطاليا    تعرف على تكلفة استخراج أو تجديد جواز السفر المصري    محافظ المنيا: الانتهاء من المخططات الاستراتيجية والتفصيلية ل9 مدن و352 قرية    جبل القلالي يحتفل بتجليس الأنبا باخوميوس أسقفًا ورئيسًا للدير (صور)    بسبب عدوان إسرائيل على إيران.. حجاج سوريون يعودون عبر تركيا    إيران تمتلك ورقة خطيرة.. مصطفى بكري: إسرائيل في حالة انهيار والملايين ينتظرون الموت بالملاجئ    جلسة برلمانية موسعة لمناقشة قانون ملكية الدولة وخطة التنمية بالإسكندرية    تنسيقية شباب الأحزاب تحتفل بمرور 7 سنوات على تأسيسها.. وتؤكد: مستمرين كركيزة سياسية في الجمهورية الجديدة    التعليم: تدريب مجاني لمعلمي الإنجليزية بالتنسيق مع السفارة الأمريكية -(مستند)    «جزار الوراق» ينكر التعدي على تلميذة: «ردت علىَّ بقلة ذوق فضربتها بس» (خاص)    صراع مع آلة لا تعرف الرحمة.. «نيويورك تايمز»: الذكاء الاصطناعي يدفع البشر للجنون    ضبط المتهمين بقتل سائق توك توك وإلقاء جثته بمقابر أسوان    عرض «صورة الكوكب» و«الطينة» على مسرح قصر ثقافة قنا الليلة    سماح الحريري: مسلسل حرب الجبالي لا يقدم صورة مثالية للحارة المصرية.. والدراما غير مطالبة بنقل الواقع    طرح البوستر الرسمي لمسلسل "220 يوم" استعدادًا لعرضه    رامي جمال يوجه رسالة لجمهور جدة بعد حفله الأخير    بوستات تهنئة برأس السنة الهجرية للفيس بوك    10 سلوكيات خاطئة ابتعدى عنهم مع أطفالك حفاظا على صحتهم    التنظيم والإدارة يعلن ترتيب امتحانات مسابقات التوظيف بالجهاز الإداري للدولة    رابطة الدوري الإنجليزي تعلن موعد الكشف عن جدول مباريات موسم 2025-2026    رئيس جامعة المنوفية يرأس لجنة مقابلات لتجديد مناصب مديري العموم وأمناء الكليات    إيران تنفي إرسال أيّ طلب إلى قبرص لنقل «رسائل» إلى إسرائيل    رئيس مجلس الدولة يفتتح فرع توثيق مجمع المحاكم بالأقصر    محافظ الغربية يجرى جولة مفاجئة داخل مبنى الوحدة المحلية بسبرباى بمركز طنطا    احذر عند التعامل معهم.. أكثر 3 أبراج غضبًا    لطيفة تؤجل طرح ألبومها الجديد بعد صدمة وفاة شقيقها نور الدين    مكتبة الإسكندرية تطلق أحدث جوائزها للمبدعين الشباب    خالي قتل أمي بكوريك.. القصة الكاملة لجريمة بالغربية سببها علبة سجائر    الجريدة الرسمية تنشر قرارا جديدا ل رئيس الوزراء (تفاصيل)    طب قصر العيني تُحقق انجازًا في الكشف المبكر عن مضاعفات فقر الدم المنجلي لدى الأطفال    طريقة عمل فطيرة السكر باللبن في خطوات بسيطة    تعليم الأقصر: غرفة العمليات لم تتلقَ أي شكاوى بشأن امتحاني مادتي التربية الوطنية والدين للثانوية العامة    توتنهام يضم الفرنسي ماتيل تيل بشكل نهائي من بايرن ميونخ    في عيد ميلاده ال33.. محمد صلاح يخلد اسمه في سجلات المجد    قرارات إزالة لمخالفات بناء وتعديات بالقاهرة وبورسعيد والساحل الشمالي    خمسة جوائز لقرية قرب الجنة من جوائز الفيلم النمساوي بڤيينا    "لا للملوك": شعار الاحتجاجات الرافضة لترامب بالتزامن مع احتفال ذكرى تأسيس الجيش الأمريكي    يسري جبر يوضح تفسير الرؤيا في تعذيب العصاة    استمرار استقبال محصول القمح المحلي للمواقع التخزينية بالشرقية    "طوارئ" بشركات الكهرباء تزامنًا مع امتحانات الثانوية العامة    حسين لبيب يعود إلى نادي الزمالك لأول مرة بعد الوعكة الصحية    رئيس مجلس النواب يدين العدوان الإسرائيلي على إيران    محافظ أسيوط يشهد فعاليات اليوم العلمي الأول للتوعية بمرض الديمنشيا    تحرير 146 مخالفة للمحلات لعدم الالتزام بقرار ترشيد استهلاك الكهرباء    «خلافات أسرية».. «الداخلية» تكشف ملابسات مشاجرة بالأسلحة البيضاء في البحيرة    تداول امتحان التربية الدينية بجروبات الغش بعد توزيعه في لجان الثانوية العامة    104 لجان عامة بالقليوبية تستقبل 50213 طالبا فى امتحانات الثانوية العامة    الأهلي أوقفه.. ميسي يتعطل لأول مرة في كأس العالم للأندية    بمناسبة العام الهجري الجديد 1447.. عبارات تعليمية وإيمانية بسيطة للأطفال    الغارات الإسرائيلية على طهران تستهدف مستودعا للنفط    اليوم.. الأزهر الشريف يفتح باب التقديم "لمسابقة السنة النبوية"    أصل التقويم الهجري.. لماذا بدأ من الهجرة النبوية؟    تعليق ساخر من مجدي عبد الغني على مدرب الأهلي قبل مواجهة إنتر ميامي    هاني رمزي: خبرات لاعبي الأهلي كلمة السر أمام إنتر ميامي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مع فاتن حمامة
نشر في أخبار الأدب يوم 08 - 02 - 2014


عينا فاتن حمامة أجمل من عيني الجوكوندا.
ليس في وجه الممثّلة المصريّة غموضُ ابتسامةِ الإيطاليّة، لكنّ فيه إشراق الطفولةِ الخالدة الغموض في شفافيّة براءتها.
تظنّ أنْ ليس في وجهها غير العذوبة والأنوثة، لكنّك لا تلبث أن تكتشف السخرية، سخرية لطيفة أخويّة، وسخريةٌ متمرّدة كهبّةِ نسمةِ حرير، وسخريةٌ إذا غضبت فكشجرةِ وردٍ تُزايدُ علي الريح التي تراقصها.
إذا حزنتْ يحزنُ المشاهد ويدمع قبلها. عادةً يقال إنّها جسّدت في السينما »البنت الغلبانة«. لا أحبّ هذه الصورة، فيها بؤسويّة لا تُشبه فاتن حمامة إطلاقاً. قل إنّها جسّدت »البنت« في المطلق: البنت التي يُخاف عليها، التي تستثير فيك طبائع الحماية، البنت الوَسَط بين الطفلة والمراهقة والمراهقة ومراهقة أكثر نضجاً، البنت التي، من فرط نضارتها وإدخالها الروح إلي حياتك، لا تريد لها أن تكون إلّا معك. ومَن ذا يودّ أن يسمع اسمه من صوت آخر بعد أن تناديه فاتن حمامة باسمه؟ والارتعاشات أو الدموع غير الظاهرة التي ميّزت صوتها، ارتعاشات كحِيَل الأولاد الخائفين من قسوة الكبار، دموع نجاةٍ تارةً وخوف طوراً، دموعُ مَن خَبِر الحياة قبل أن يولد.
مناسبة هذا الكلام إعادة عرض فيلم «أفواه وأرانب» علي إحدي الفضائيّات، ثم مجيء فاتن حمامة إلي بيروت لتسلّم شهادة الدكتوراه الفخريّة من الجامعة الأمريكيّة. والحاضر يستسقي الماضي.
في منتصف ستّينات القرن الماضي زارت بطلة «دعاء الكروان» وزوجها عمر الشريف بيروت. كنتُ، إلي جانب عملي في «النهار»، أترأس تحرير مجلّة «الحسناء» التي كادت تتحوّل معي إلي مجلّة أدبيّة. كانت سونيا بيروتي كبري المحرّرات في المجلّة وعلي صلة بمعظم المشاهير. فاتحتُها، كما فاتحتُ رفيقتنا حنان الشيخ، (ولا أذكر ان كان الزميل رفيق خوري قد انضمّ الينا يومها) في شأن إجراء مقابلة مع فاتن حمامة تكون موضوع غلاف العدد. قالت نحاول. كانت مكاتب »الحسناء« تحتلّ مكان »النهار« القديمة في سوق الطويلة، وكان الوصول إليها يقتضي صعود دَرَج ضيّق معتم من عهد العثمانيّين له أوّل وليس له آخر. وعوض أن أقوم أنا وسونيا وحنان والمصوّر وسائر الفريق بزيارة الفنّانة الكبيرة في الفندق كما يقتضي الواجب والذوق، فوجئتُ بفاتن حمامة تدلف من الدرج العثماني وتسألني: «إزيَّك يا أستاذ أُنسي؟». كان وجهها الملهم قد سكنني كما سكن الملايين من زمان عبر أفلامها، (بدأت أوّل أدوارها في الخامسة أو السادسة من عمرها مع محمد عبد الوهاب في فيلم «يوم سعيد»)، لكنّي لم أكن أتوقّع هذا السحر، هذا القُرب، هذا التواضع المربك. كان وبالاً عليّ أن أسمع اسمي بصوتها، فلم أعد من بعدها أستطيبه من فم أحد.
فاتن حمامة أرقي صورة عن الفنّ المصري، موقظةُ أخطر شعورين في المُشاهد: الإعجاب والذنب.
أمضت فاتن معنا في االحسناء» بضع ساعات لن أنساها. أجابت عن كلّ الأسئلة وكأنّها تعرفنا ونعرفها من مئة سنة. تحوّلت المجلّة وسوق الطويلة وبيروت إلي حقول مغناطيسيّة خلقها حضور فاتن وعيناها المستعصيتان علي الوصف وصوتها الذي، بجاذبياته المتعدّدة، يتحوّل إلي قلب بجانب قلبك، الأوّل يداعب الثاني والثاني يقول لنفسه: إنّها نعمةٌ لا أستحقّها.
كان ذلك أوّل لقاء، وأسعدني الحظ بلقاءاتٍ ثلاثة أخري وهذه المرّة بصحبة عمر الشريف: مرّة عابرة علي غداء في مقهي «الكافي دو لا بريس» بدعوة من المرحوم حبيب نحّاس، ومرّة في سهرة عند ناديا وغسان تويني في بيت مري، والمرّة الأخيرة في سهرة عند فيروز والأخوين رحباني وكانت فيروز قد انتقلت حديثاً من بيتها القديم في أنطلياس إلي دارتها الجديدة في الرابية. لا أنسي مشهد فاتن جالسة قرب يوسف وهبي وهو باسط جناحيه علي كتفيها. كانت ترتدي نظّارات بسبب تعب عينيها من البروجكتورات. كان يوسف أكبر من أبيها، وكان يشعر نحوها بأبوّة، وكانت تستملح نكاته، وهو صاحب العبارة الشهيرة »شرف البنت زيّ عود الكبريت ما يولّعش إلّا مرّة واحدة«. كنتُ في حينها أنشر له مذكّراته في »الحسناء« حيث يظهر زير نساء من الطراز المخيف. وسألته في السهرة، مغتنماً انشغال فاتن بحديث مع فيروز: »ما يولّعش إلّا مرّة واحدة؟«. فأجاب بوقار أكثر هزليّة من الهزل المباشر: «سيبك. هوا ما يولّعش إلّا مرّة واحدة كلّ مرّة«.
كانت تلك آخر مرّة أتيح لي فيها السهر في حضور نجمة الشاشة المصريّة.
تغضب في بعض أفلامها («أفواه وأرانب») فتبدو مثل قطّة تخرمش الستائر والهواء. في «دعاء الكروان» لم يجسّد أحد مثلها فتاة الصعيد. وتحبّ الفيلم (بركات) أكثر ممّا تحبّ الكتاب (طه حسين). بنْت مصر بأجمل ما فيها.
زمنٌ لم تعد فيه فاتن حمامة صبيّة السينما ولا أمّ كلثوم مطربة مصر ولا فريد الأطرش مجسّد الرومانسيّة ولا شكري سرحان وأحمد مظهر فتيي الشاشة ولا عبد الوهاب سقف الجميع، زمنُ أيِّ شيء هذا؟
ليتنا لم نعش لنقارن. ليتنا ولدنا في زمن الانحدار كي نري كلّ هذا الهبوط صعودا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.