الشئون النيابية تنشر ضوابط التصويت الصحيح في انتخابات مجلس النواب    بدء التصويت بالداخل في المرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب 2025    لليوم العاشر.. التموين تواصل صرف مقررات نوفمبر حتى 8 مساء    ننشر الجديد في أسعار الذهب اليوم في مصر| عيار 21 وصل لكام؟؟    الإحصاء: ارتفاع أسعار قسم الرعاية الصحية بنسبة 27.7% خلال عام    125 مليون دولار صادرات الصناعات الغذائية إلى السوق الكويتي    31 قتيلا وإصابة العشرات فى أعمال عنف داخل سجن بالإكوادور    إعلام عبري: ويتكوف وكوشنر يجتمعان مع نتنياهو اليوم لبحث المرحلة الثانية من اتفاق غزة    وزير الخارجية يطالب نظيره المالي ببذل أقصى الجهود للعمل على إطلاق سراح المصريين الثلاثة المختطفين    سان جيرمان يتصدر ترتيب الدوري الفرنسي بعد الجولة ال 12    بعد تتويج الأهلي بالسوبر.. توروب يسافر إلى الدنمارك لقضاء إجازة    حركة المرور اليوم، سيولة بالدائرى ومحور 26 يوليو وزحام بشارعى الهرم وفيصل    «الأرصاد»: طقس اليوم خريفي مائل للبرودة.. والعظمى بالقاهرة 28 درجة    مازن المتجول: أجزاء فيلم «ولاد رزق» مثل أبنائي.. ولا يوجد تأكيد لجزء رابع    اللجان الانتخابية بدائرة الهرم والعمرانية تستعد لاستقبال الناخبين في انتخابات مجلس النواب 2025    مواعيد مباريات اليوم الاثنين 10 نوفمبر 2025 والقنوات الناقلة    أسعار البيض اليوم الإثنين 10 نوفمبر 2025    بعد 40 يوما .. مجلس الشيوخ الأمريكي يقر مشروع قانون تمويل الحكومة لإنهاء الإغلاق الحكومى    التعليم تحدد مواعيد امتحان شهر نوفمبر لصفوف النقل والدرجات المخصصة .. اعرف التفاصيل    «العمل» تواصل اختبارات المتقدمين للفرص في مجال البناء بالبوسنة والهرسك    6 ملايين مشاهدة لأغنية "سيبتلي قلبي" ل أنغام على يوتيوب (فيديو)    أمريكا: اختبارات تكشف الجرثومة المسببة لتسمم حليب باي هارت    واشنطن تضغط على إسرائيل لبدء المرحلة الثانية من خطة ترامب    وزير المالية: بعثة صندوق النقد تصل قريبًا ومؤشراتنا مطمئنة    نقل محمد صبحي للعناية المركزة بعد إغماء مفاجئ.. والفنان يستعيد وعيه تدريجيًا    هاني رمزي: تجاهل زيزو لمصافحة نائب رئيس نادي الزمالك «لقطة ملهاش لازمة»    «لاعب مهمل».. حازم إمام يشن هجومًا ناريًا على نجم الزمالك    «محدش كان يعرفك وعملنالك سعر».. قناة الزمالك تفتح النار على زيزو بعد تصرفه مع هشام نصر    السوبرانو فاطمة سعيد: حفل افتتاح المتحف الكبير حدث تاريخي لن يتكرر.. وردود الفعل كانت إيجابية جدًا    الزراعة: تحصينات الحمي القلاعية تحقق نجاحًا بنسبة 100%    الأهلى بطلا لكأس السوبر المصرى للمرة ال16.. فى كاريكاتير اليوم السابع    عدسة نانوية ثورية ابتكار روسي بديل للأشعة السينية في الطب    السقا والرداد وأيتن عامر.. نجوم الفن في عزاء والد محمد رمضان | صور    تقرير - هل يتراجع المد اليميني المتطرف المعادي للمهاجرين في هولندا بخسائر فيلدرز؟    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الاثنين 10 نوفمبر    مواجهات بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلى شمال القدس المحتلة    مساعد وزير الصحة: نستهدف توفير 3 أسرة لكل 1000 نسمة وفق المعايير العالمية    طوابير بالتنقيط وصور بالذكاء الاصطناعي.. المشهد الأبرز في تصويت المصريين بالخارج يكشف هزلية "انتخابات" النواب    ترامب يتهم "بي بي سي" بالتلاعب بخطابه ومحاولة التأثير على الانتخابات الأمريكية    رئيس لجنة كورونا يوضح أعراض الفيروس الجديد ويحذر الفئات الأكثر عرضة    «مش بيلعب وبينضم».. شيكابالا ينتقد تواجد مصطفى شوبير مع منتخب مصر    الطالبان المتهمان في حادث دهس الشيخ زايد: «والدنا خبط الضحايا بالعربية وجرى»    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 10 نوفمبر 2025 في القاهرة والمحافظات    باريس سان جيرمان يسترجع صدارة الدوري بفوز على ليون في ال +90    «لا تقاوم».. طريقة عمل الملوخية خطوة بخطوة    أداة «غير مضمونة» للتخلص من الشيب.. موضة حقن الشعر الرمادي تثير جدلا    3 أبراج «مستحيل يقولوا بحبك في الأول».. يخافون من الرفض ولا يعترفون بمشاعرهم بسهولة    ميشيل مساك لصاحبة السعادة: أغنية الحلوة تصدرت الترند مرتين    محافظ قنا يشارك في احتفالات موسم الشهيد مارجرجس بدير المحروسة    نشأت أبو الخير يكتب: القديس مارمرقس كاروز الديار المصرية    3 سيارات إطفاء تسيطر على حريق مخبز بالبدرشين    تطورات الحالة الصحية للمطرب إسماعيل الليثى بعد تعرضه لحادث أليم    كشف ملابسات فيديو صفع سيدة بالشرقية بسبب خلافات على تهوية الخبز    هل يجوز الحلف ب«وحياتك» أو «ورحمة أمك»؟.. أمين الفتوى يُجيب    هل يجوز أن تكتب الأم ذهبها كله لابنتها؟.. عضو مركز الأزهر تجيب    هل يذهب من مسه السحر للمعالجين بالقرآن؟.. أمين الفتوى يجيب    خالد الجندي: الاستخارة ليست منامًا ولا 3 أيام فقط بل تيسير أو صرف من الله    تعرف على مواقيت الصلاة بمطروح اليوم وأذكار الصباح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فيدل كاسترو يكتب عن الحدث المنسي في العلاقة بين كوبا وجنوب أفريقيا
مات مانديلا.. لماذا نخفي الحقيقة حول التمييز العنصري ؟
نشر في أخبار الأدب يوم 28 - 12 - 2013

بحسب ما أتذكر، لم يصدم خبر في الحاضر أو في الماضي الرأي العام العالمي مثل وفاة مانديلا. ولم يكن السبب هذه المرّة الثروة والمال، وإنمّا بسبب دفئه الإنساني ونبل مشاعره وأفكاره.
يكتب هنا فيدل كاسترو علي فراش مرضه ناعياً نيلسون مانديلا، الذي تعاطف العالم معه ليس بسبب ثراءه وإنما نبل أفكاره. يذكر كاسترو القراء بالمعركة العسكرية المنسية التي دارت رحاها بين كوبا وبين جنوب أفريقيا العنصرية ودور مانديلا في المعركة. لا يلزمنا الاتفاق مع جميع ما يقوله في هذا المقال الذي نشرته جريدة "جرانما"، وهي الجريدة الرسمية للجنة المركزية بالحزب الشيوعي في كوبا. فقط نقدم للقراء مادة مثيرة للاهتمام وللجدل علي حد سواء، احتراماً لحقهم في المعرفة.
ربما اعتقدت الامبراطورية أن شعبنا لن يوفّي كلمته عندما أكدّنا، في أيّام مرتبكة من القرن الماضي، أنه حتّي وإن اختفي الإتحاد السوفيتي، فإن كوبا ستواصل القتال.
اندلعت الحرب العالمية الثانية عندما غزت النازية الفاشية بولندا في الأوّل من سبتمبر عام 1939. وسقط هذ الخبر كالصاعقة علي الشعب البطولي لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية، والتي ساهمت ب 27 مليون روح للحفاظ علي حياة البشرية من تلك المجزرة الوحشية التي أنهت حياة أكثر من 50 مليون انسان.
من ناحية أخري، فإن الحرب هي النشاط الوحيد علي مر التاريخ التي لم يكن الجنس البشري أبدا قادرًا علي تجنبها، وهو ما دفع أينشتاين لأن يقول: لا أعرف كيف ستكون الحرب العالمية الثالثة ، ولكن الرابعة ستكون بالعصي والحجارة.
الولايات المتحدّة وروسيا، وهما أكبر قوتين موجودتين الآن، لديهما عشرون ألف رأس نووي. يجب أن نعرف جيدا أنه بعد ثلاثة أيام من تولّي جون ف. كينيدي رئاسة بلاده في 20 يناير 1961 ، كانت قاذفة القنابل بي-52 التابعة للولايات المتحدة الأمريكية في رحلة روتينية وعلي متنها اثنان من القنابل الذرية ذات قدرة تدميرية أكبر 260 مرة من تلك المستخدمة في هيروشيما، وأصيبت بعطل عجّل بهبوطها إلي الأرض. في مثل هذه الحالات، تعمل تقنيّات آلية متطورة علي تفعيل وسائل تحول دون إشتعال القنابل. سقط الأول علي الأرض من دون مخاطر تُذكر، أمّا بالنسبة للقنبلة الثانية، فإن ثلاثا من معدّات الوقاية لم تعمل، الرابعة كانت في حالة حرجة، وبالكاد أدّت دورها. القنبلة، بالصدفة، لم تنفجر.
بحسب ما أتذكر، لم يصدم خبر في الحاضر أو في الماضي الرأي العام العالمي مثل وفاة مانديلا. ولم يكن السبب هذه المرّة الثروة والمال، وإنمّا بسبب دفئه الإنساني ونبل مشاعره وأفكاره.
علي مدار التاريخ، وحتي قرن ونصف قرن فقط من الآن، وقبل أن تصبح الآلات والروبوتات التي تكلفنا طاقة أقل، هي المسؤولة عن القيام بالمهام المتواضعة ، لم تتواجد أي من المظاهر التي تحرّك الإنسانية اليوم، وتتحكم بشكل لا رحمة فيه في حياة البشر كلّهم: رجالاً ونساء، أطفالا وكبارا مسنين، وشبابًا وناضجين، ومزارعين وعمّال مصانع، أصحاب العمل اليدويّ والمفكرّين. أصبح الاتجاه السائد هو الاستقرار في المدن، بحيث أصبح خلق فرص العمل وتوفير وسائل النقل والمعيشة الأساسية يتطلب استثمارات ضخمة تأتي علي حساب إنتاج الغذاء وغيرها من أشكال الحياة المنطقيّة.
ثلاث قوي عظمي استطاعت الهبوط علي سطح القمر. في نفس اليوم الذي لُفَّ فيه جسد نيلسون مانديلا في علم بلاده ، ودفن في باحة المنزل المتواضع الذي ولد فيه منذ 95 عاما، استطاعت الصين أن تُرسل وحدة متطوّرة هبطت علي جزء من الجانب المضيء لقمرنا. كان تلاقي هذين الحدثين في نفس اليوم من قبيل الصدفة البحتة.
يبحث ملايين العلماء المواد والإشعاعات علي سطح الأرض وفي الفضاء. وعن طريقهم نعرف أن "تيتان"، أحد أقمار زحل، يحتوي علي نفط يعادل أربعين مرّة كل النفط الموجود علي كوكبنا منذ أن بدأنا استهلاكه من 125 عامًا، والذي لن يستمر سوي لقرن واحد آخر بالمعدلات الحالية للاستهلاك.
وُلدت روابط المشاعر الأخوية العميقة بين الشعب الكوبي ووطن نيلسون مانديلا من حدث لم يتم ذكره حتي، ولم نقل عنه -عديدة: مانديلا، لأنه كان رسولا للسلام ولا يريد أن يؤذي أحدًا، وكوبا، لأنها لم تقم أبدًا بشيء تسعي من خلاله إلي المجد والهيبة.
عندما انتصرت الثورة في كوبا، كنّا متضامنين مع المستعمرات البرتغالية في أفريقيا من السنوات الأولي. لقد عرضّت حركات التحرر في أفريقيا القوي الاستعمارية والإمبريالية للخطر، خصوصًا أن الحرب العالمية الثانية قد انتهت، وتحررت جمهورية الصين الشعبية - البلد الأكثر اكتظاظا بالسكان في العالم - بعد الانتصار المجيد للثورة الاشتراكية الروسيّة.
هزّت الثورات الاجتماعية الأسس القديمة للحكم والأنظمة. في عام 1960، كان تعداد سكان هذا الكوكب قد وصل إلي 3 مليارات نسمة. وبالتوازي، زادت قوة الشركات الكبيرة، والتي تتحكم في معظمها الولايات المتحدة. وأصبحت عملة الولايات المتحدّة، بدعم من احتكار الذهب والصناعة، في مأمن بعيدًا عن جبهات القتال؛ أصبحت هي مالكة الاقتصاد العالمي. وأصدر ريتشارد نيكسون قرارًا بأن الولايات المتحدة لن تغطي الدولارات الموجودة خارج حدودها برصيد من الذهب، وسيطرّت شركات بلاده علي الموارد الرئيسية و المواد الخام علي كوكب الأرض عن طريق الورق.
حتي الآن، لا يوجد
شيء لم يكن معروفً
ولكن لماذا يتّم إخفاء حقيقة أن نظام الفصل العنصري، والذي عانت بسببه أفريقيا، وغضبت منه الغالبية العظمي من أمم العالم، كان نتيجة لسياسات أوروبا الاستعمارية، وتم تحويله إلي قوة نووية تستخدمها الولايات المتحدة وإسرائيل، في حين تُدان علنًا كوبا، البلد الذي أيد قتال المستعمرات البرتغالية في أفريقيا من أجل استقلالهم؟
أبدًا لم تستسلم بلادنا التي تنازلت عنها إسبانيا إلي الولايات المتحدة بعد النضال البطولي لأكثر من 30 سنة، لنظام العبيد الذي فُرض عليها لأكثر من 500 سنة.
في عام 1975، انطلقت بعض القوّات العنصريّة من ناميبيا -المحتلّة من قبل جنوب أفريقيا- مدعومة بدبابات خفيفة بمدافع قطرها 900 مم، واخترقت أكثر من ألف كيلومتر من ضواحي لواندا. لكنّ كتيبة من كتائب القوات الخاصة الكوبية تمّ إرسالها جويّا وبعض تشكيلات من الدبابات السوفييتية والتي كانت موجودة لأسباب أخري، استطاعت احتواء الأمر. حدث هذا في نوفمبر عام 1975، أي قبل 13 عاما علي معركة كويتو كوانافالي .
قلت أننا لم نفعل شيئًا أبدًا بحثًا عن هيبة أو فائدة . وإنما الحقيقة أن مانديلا كان رجلا نزيهًا وثوريًّا أصيلا واشتراكيًا حقيقيًا، تحمّل بحكمّة كبيرة 27 عامًا من السجن الإنفرادي. لم أتوقف أبدًا عن الإعجاب بصدقه وتواضعه وأهليته للاحترام.
وفّت كوبا واجباتها الأمميّة بدقّة. دافعت عن النقاط الرئيسية، ودربّت كلّ عام آلاف المقاتلين الأنجوليين ذمن أنجولا- علي التعامل مع الأسلحة، وتولّي الاتحاد السوفييتي مهمّة التسليح. ولكن علي الرغم من ذلك، فإن وجود مستشار عسكري تابع للجهة المورّدة للمعدّات لم تكن فكرة نستطيع أن نقبلها في تلك الفترة. كان الآلاف من الشباب الأصحاء الأنجوليين يتقدمّون بشكل مستمر بطلبات للاشتراك في الجيش الوليد. لم يكن المستشار الرئيسي في ذلك الوقت زوكوف أو روكوسوفسكي أو مالينوفسكي أو غيرهم الكثير الذي رسموا مجد الاستراتيجية العسكرية السوفييتية. كانت الفكرة المسيطرة هي إرسال ألوية قتالية أنجولية مسلّحة جيّدًا إلي الأراضي التي افتُرض أن توجد فيها الحكومة القبلية سافيمبي صاحبة جيش المرتزقة الذي يخدم الولايات المتحدة وجنوب أفريقيا. كان الأمر مثل إرسال القوّات التي تقاتل في ستالينجراد إلي حدود الكتائب الإسبانية التي أرسلت أكثر من ألف جندي لقتال الإتحاد السوفيتية. كان هذا هو العام الذي يمكن أن تتم فيه عمليات لها هذا الطابع.
كان العدو يتقدّم، بعد أن ضرب عدة ألوية أنجولية علي مقربة من الهدف الذي تم إرسالهم إليه وعلي بعد حوالي 1500 كم من لواندا. من هناك جاءوا متبوعين بقوّات من جنوب أفريقيا، واتجهّوا نحو كويتو كوانافالي، القاعدة العسكرية القديمة لحلف الناتو وعلي بعد حوالي 100 كيلومتر من أوّل لواء للدبابات الكوبية.
أهنئ الرفيق راؤول لأدائه الرائع، وأهنئه خصوصًا علي الحزم والكرامة عندما حيّا رئيس حكومة الولايات المتحدّة بلفتة وديّة ولكن قويّة، وقال له بالإنجليزيّة: " سيدي الرئيس، أنا كاسترو".
في هذه اللحظة الحرجة، طلب رئيس أنغولا الدعم من القوات الكوبية. نقل لنا رئيس قواتنا في الجنوب الجنرال ليوبولدو ثينترا فرياس هذا الطلب، وهو شيء معتاد. وكان ردنا أننا سنقدّم هذا الدعم إذا وافقت كل القوات والفرق الأنجولية في هذه الجبهة أن تخضع للقيادة الكوبية في جنوب أنجولا. كان الجميع يفهمون أن طلبنا هذا كان يهدف إلي تحويل القاعدة القديمة إلي الشكل المثالي الذي يستطيع أن يضرب القوّات العنصريّة الآتية من جنوب أفريقيا.
في أقل من 24 ساعة وصلنا من أنجولا قرارها بالموافقة.
تم أخذ قرار بالإرسال الفوري للواء من الدبابات الكوبية إلي تلك المنطقة، وكانت عدّة لواءات أخري في نفس الطريق نحو الغرب. كان العائق الرئيسي هو الطين ورطوبة التربة خلال موسم الأمطار، لذا كان علينا أن نفحص كل متر في الأرض لتحاشي الألغام الأرضية. وتم إرسال أفراد إلي كويتو من أجل تشغيل الدبابات و البنادق.
كان نهر كويتو السريع والقويّ يفصل بين القاعدة والأراضي الواقعة في الشرق، ويصل بينهم فقط جسر متين. هاجم الجيش العنصري القوّات بنفاذ صبر؛ ونجحت طائرة بدون طيّار مليئة بالمتفجرات في تفجير الجسر وجعله غير صالح للاستخدام. وبالنسبة للدبابات الأنجولية المتراجعة، من يستطيع الحركة منها تم نقله إلي نقطة أخري في الغرب. الدبابات المتضررة تم دفنها بأسلحتها في اتجاه الشرق؛ وبالإضافة لكميّة كبيرة من الألغام الأرضية ومضادات الدبابات، تحوّل المكان إلي جدار عازل عبارة عن فخ للموت بالنسبة للجانب الآخر من النهر. عندما استأنفت القوات العنصرية تقدمها، وتفكك هذا الجدار، فتحت الدبابات وسلاح المدفعيّة التابعة للواءات الثوريّة النار من مواقع ارتكازهم الواقعة بمنطقة كويتو.
تم حجز دور خاص لل ميج -23، والتي برغم سرعتها التي تقترب من ألف كم/الساعة وطيرانها علي ارتفاع مائة متر كانت قادرة علي تحديد ما إذا كان جندي المدفعيّة أبيض أم أسود، وبالتالي أطلقت النار باستمرار وبكفاءة ضد العدوّ.
عندما بدأ العدو المستهلَك وغير القادر علي الحركة في الانسحاب، استعدّت القوّات الثوريّة من أجل المعركة النهائية.
انتقلت العديد من الألوية الأنغولية و الكوبية بوتيرة سريعة و بمسافات مناسبة إلي الغرب، حيث كانت توجد الطرق الواسعة الوحيدة، والتي كانت قوّات جنوب أفريقيا تبدأ دائمًا الهجوم عبرها ضد أنجولا. علي الرغم من ذلك، كان المطار الذي يبعد 300 كم عن حدود ناميبيا محتّلاً بالكامل من قبل جيش التمييز العنصري.
في الوقت الذي كان يتم فيه إعادة تنظيم القوّات وإعادة تجهيزها، تم أخذ قرار اضطراري ببناء مدرّج لطائرات ال ميج-25 علي وجه السرعة. كان الطيّارون يستخدمون المعدات الجوية التي تسلمنّاها من الاتحاد السوفييتي في أنجولا، ولم يكن طيّار وأنجولا جاهزين بعد لاستخدامها بشكل صحيح. فقدنا العديد من المعدّات الجويّة بسبب إصابات نجمت أحيانًا عن أخطاء قام بها جنودنا العاملون في سلاح المدفعيّة أو علي الأسلحة المضادّة للهجمات الجويّة. جنوب افريقيا لا تزال تحتل جزءاً من الطريق الرئيسي الذي يصل بين الهضبة الأنجولية وناميبيا. و فوق جسور نهر كونين القويّة، النهر الذي يصل بين جنوب أنغولا و شمال ناميبيا، بدأت في ذلك الوقت مباراة طلقات المدافع والتي ساعدها كونها ذات قُطر 140 مم أن تغطّي مجالا يقترب من 40 كم. كانت المشكلة الرئيسية أن مقاتلي جنوب أفريقيا العنصريين يمتلكون، وفقا لحساباتنا، ما بين 10 و 12 سلاحًا نوويا تم اختبارها حتي في البحار أو في المناطق الجنوبية المجمدة، وصرّح الرئيس رونالد ريغان باستخدامها. وسلّمتهم إسرائيل المعدّات اللازمة لتفجير الشحنة النووية. وجاء ردنا علي هذا هو تنظيم مجموعات قتاليّة من الجنود لا يزيد عددها عن 100 شخص تتحرّك ليلا بمصاحبة السيّارات المجهزّة بمدافع مضادّة للطائرات لتوسيع نطاق أرضنا.
وفقًا لتقارير موثوق بها، فإن الأسلحة النووية التي تمتلكها جنوب أفريقيا لا يمكن تفجيرها عن طريق الطائرات الميراج، كانت تحتاج قاذفات ثقيلة من النوع كان-بيرا. ولكن في أي حال، فإن قوات دفاعنا الجوي تشمل أنواعا عديدة متوافرة من الصواريخ التي يمكنها ضرب و تدمير الأهداف المحمولة جوا علي مسافات قد تصل إلي عشرات الكيلومترات. بالإضافة إلي ذلك، قامت مجموعة من المقاتلين الكوبيين والأنجوليين بالسيطرة علي مصدر ماء يقع في الأراضي الأنجولية، وبه 80 مليون كم. كان تفجير هذا الموقع يعادل أثر العديد من الأسلحة النووية.
ولكن مع ذلك، استطاعت كتيبة من كتائب الجيش جنوب الأفريقي استخدام بعض التيارات المائيّة القويّة لنهر كو-نيني قبل وصولها إلي حدود ناميبيا.
عندما بدأ العنصريون إطلاق مدافع ال 140 مم في مسرح العمليّات، ضربت الميج ذ 23 كتائب الجنود البيض بقوّة، وغادر الناجون المكان تاركين وراءهم ملصقات تنتقد حتّي إدارتهم. هذه كانت الحالة عندما تقدمت القوات الكوبية والأنغولية نحو خطوط العدو .
كنت أعرف أن كاتيوشا بلانكو، مؤلفة العديد من الروايات التاريخية، كانت هناك، جنبًا إلي جنب مع الصحفيين والمصورين. كان الوضع متوترا ولكن أحداً لم يفقد أعصابه .
ثم جاء الخبر بأن العدو علي استعداد للتفاوض. نجحت محاولة وقف المغامرة الإمبريالية و العنصرية في القارة التي سوف يفوق عدد سكانها خلال ثلاثين عاما عدد سكان الصين والهند مجتمعين.
كان دور كوبا في هذه المفاوضات لا يُنسي، خاصّة بعد فشل أخينا وصديقنا نيلسون مانديلا.
أهنئ الرفيق راؤول لأدائه الرائع، وأهنئه خصوصًا علي الحزم والكرامة عندما حيّا رئيس حكومة الولايات المتحدّة بلفتة وديّة ولكن قويّة، وقال له بالإنجليزيّة: " سيدي الرئيس، أنا كاسترو".
عندما أعاقت حالتي الصحيّة قدراتي البدنيّة، لم أتردد لحظة في التعبير عن رأيي فيمن يمكنه حمل المسئولية من بعدي. إن حياة فرد هي مجرّد دقيقة في تاريخ الشعوب، وأعتقد أن من يستطيع أن يتحمّل المسئ-ولية في هذا الوقت يحتاج إلي الخبرة والقدرة الكافيّة ليواجه عددا لا نهائيا من المتغيرات.
ستحتفظ الإمبريالية دومًا بعدّة رسائل هدفها إخضاع جزيرتنا، ولكن سيكون عليها أولا أن تبيد سكانها، وتحرمها من الشباب والشابات، وتقدم الفتات من الأصول والموارد الطبيعية التي تنهبها من العالم.
فلتتناقش الآن أصوات الإمبراطوريّة عن كيف ولماذا ظهر التمييز العنصري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.