أثار التشكيل الأخير للجان المجلس الأعلي للثقافة الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام حول طريقة التشكيل، وحول أيضا- جدوي هذه اللجان والدور المفروض أن تقوم به، ليس فقط في الحياة الثقافية، بل والمجتمعية، لذا توجهت أخبار الأدب لعدد من المثقفين بعضهم أعضاء في هذه اللجان لمعرفة آرائهم حول التساؤلات السابقة.أسماء لاغبار عليها.. ولكن من جانبه أوضح الأديب والمترجم أحمد الخميسي أنه لاحظ وجود أسماء لا غبار عليها في عضوية هذه اللجان، وهي أسماء تتمتع بلاشك بقدر كبير من الكفاءة، وثقة الناس، ولكن السؤال: ما الذي يمكن أن تفعله هذه الوجوه في ظل عدم وجود خطة واضحة لأداء المجلس الأعلي للثقافة، ولعمل اللجان، حتي الآن لازال أداء المجلس علي أرض الواقع غامضا وغير مؤثر، ويأتي تشكيل اللجان كمن يلمع في نوافذ الشباك والقطار لا يتحرك، إذن ما القيمة.. فأداء المجلس يشبهني بأداء حكومة حازم الببلاوي، فإلي الآن لا نعرف ما خططها للنهوض بالواقع الإقتصادي، مجرد مجموعة من القرارات لا تشكل رؤية تصبو نحو هدف محدد، وهو ذات ما أشعر به تجاه المجلس، وأضاف إلي الآن لا أعرف ما هي خطته وما خطط اللجان أو الخطوط العريضة المفروض أن تسير عليها، ما القضايا التي ستطرحها، حتي يشاركها جموع المتلقين كل هذا غائب، والسؤال إلي متي؟! دور مختلف في هذه المرة وإذا كان رأي احمد الخميسي هو غياب الرؤية بالنسبة لعمل اللجان، فإن الفنان التشكيلي والناقد عز الدين نجيب عضو لجنة الفنون التشكيلية، له رأي آخر، وهو أنه يشعر أن اللجان سيكون لها دور واضح وستطرح قضايا محددة في هذه الدورة، فعلي سبيل المثال هناك خطة لعمل لجنة الفنون التشكيلية، تشمل تحديد أهداف طويلة الأمد وأخري قصيرة، ومن ذلك التوجه إلي الأطراف والأماكن النائية، وأن تندمج الثقافة في المجتمع، وذلك عن طريق تكامل اللجان، وعدم الفصل بين المجالات المختلفة ( الفنون- الآداب- الاجتماع- وغير ذلك)، كما أنه سيتم تشكيل لجان فرعية داخل اللجنة الأم، فبالإضافة للجنتين التقليديتين في الفنون التشكيلية وهما: المقتنيات والمعارض، تم استحداث اللجنة الثقافية ولجنة الفن للمجتمع، ليكونا من الصلب الأساسي للجنة، كما تم اختيار نائب للمقرر بالانتخاب، وحصلت أنا علي هذا المنصب، لذا سيكون للجان المجلس دور مختلف في هذه الدورة، وأن هناك تحديداً كبيرا لطريقة العمل. لماذا هذا الكم من الأعضاء واللجان؟ الأديب حمدي البطران لا يكتفي بسؤالي حول الجدوي، لكنه يطرح رؤية متكاملة لعمل اللجان والمجلس، وللتأثير المنتظر منها، فيقول: لا توجد هيئة في مصر ، يضاهي عدد لجانها ، عدد لجان المجلس الأعلي للثقافة .! وبقراءة سريعة لنوعيات تلك اللجان نجد أن من بينها لجان غريبة، ويمكن أن تحال الموضوعات التي تبحثها إلي وزارات وجهات جهات متخصصة أخري ، ومن أمثلة تلك اللجان : لجنة علوم الإدارة، لجنة الدراسات الأدبية، الدراسات الاجتماعية، لجنة علم النفس، لجنة ثقافة البيئة، لجنة القانون ، ولجنة الجغرافيا، لجنة العلوم السياسية،لجنة الثقافة العلمية، لجنة الاقتصاد . وغيرها، فالحقيقة أن عدد لجان المجلس 26 لجنة، وفي كل لجنة مالا يقل عن خمسة وعشرين عضوا، أي أن أعضاء تلك اللجان جميعا يصبح أكثر من ستمائة عضو !وهو رقم مخيف !ولا نستغرب ، إذا قلنا ان أعضاء تلك اللجان يصرف لهم مقابل جلسات، بمعدل 78 جنيها لكل عضو في الشهر (كما صرح بذلك الأمين العام للمجلس)، فإننا نجد الدولة مطالبة بتدبيرآلاف الجنيهات شهريا، وهو ما يدفعني إلي طرح سؤال برئ حول جدوي تلك اللجان الكثيرة العدد، فضلا عن طريقة اختيار أعضاء تلك اللجان، ومدي الشفافية في إختيارهم، وما إذا كان هناك إقصاء لتيار معين، أم أن الأمر قد اقتصر- في مجمله- علي مجموعة من المثقفين قريبين من مصدر القرار، أو الوسط الثقافي القابع في مقاهي القاهرة. وهو الأمر الذي يلقي بظلال قاتمة علي طريقة اختيار أعضاء تلك اللجان ومدي مساهماتهم في إثراء الحركة الثقافية في مصر. ويضيف البطران: بالطريقة التي يعمل بها هذا المجلس، فإنه إذا إختفي من الحركة الثقافية في مصر ، فلن تخسركثيرا، والحق أنه لا يمثل الثقافة المصرية، ولكنه يمثل ما يعرف بثقافة النخبة، فنحن في هذا الوقت قد لا نحتاج كثيرا الي ثقافة الضجيج، والصوت المرتفع، بقدر حاجتنا الي ترسيخ معاني الولاء لمصر ، من خلال انتهاج ثقافات تدعم فكرة الانتماء والمواطنة وإعلاء القيم الوطنية العليا .لذا أطرح عددا من الملفات، إنطلاقا من هذه اللجان، أري أنها جديرة بالبحث من قبل وزير الثقافة منها علي سبيل المثال: إعادة النظر في تكوين المجلس الأعلي للثقافة في ضوء هذا العدد الكبير من لجان المجلس الأعلي ، والاكتفاء بخمس او ست لجان فقط ، مع وضع معايير صارمة لعضوية تلك اللجان من بين المثقفين والكتاب الجادين والمعروف عنهم الصدق والنزاهة من مختلف التيارات الثقافية، دون الاكتفاء بتيار واحد، كما وضح من تشكيل لجان المجلس الحالية ، صحيح أن الأمر يحتاج الي تعديل تشريعي ، وفي نفس الوقت لا ينبغي أن يظل المثقفون لا يشعرون بأن هناك ثورة قد قامت في مصر لتفسح المجال لكافة التيارات، و ملف جوائز الدولة. واختيار بديل للطريقة التي يتم بها التعامل مع تلك الجوائز التي تمثل الدولة وهيبتها وكرامتها، ومنها وضع معايير واضحة للأعمال المقدمة لنيل تلك الجائزة ، تماما كالمعايير التي تضعها الجوائز العالمية والدولية، ووضع تقييم شامل للشخصيات التي ترشح لنيل الجوائز العليا عن مجمل أعمالهم ، وأن تخصص جائزة للراحلين الذين لم يتم تكريمهم في حياتهم لسبب أو لآخر . ولا أغالي إذا قلت أن معايير جوائز دول الخليج قد تكون اكثر منطقية من المعايير الشخصية التي تخضع لها جوائز الدولة عندنا. كما ينبغي في نفس الوقت أعادة النظر في حق بعض الجهات التي لها حق ترشيح افراد لجوائز الدولة ، ومن بينها الجامعات التي لا ترشح- في الأغلب سوي أساتذتها،و منع تكرار الأنشطة في مؤسسات وزارة الثقافة، ومنها النشر والترجمة، وأن يكون هناك تنسيق بين مؤسسات الوزارة لوضع سياسات واضحة للوزارة في مجالات النشر والترجمة والمؤتمرات. استعادة مؤسسات ما قبل 25 يناير ويقدم الشاعر شعبان يوسف عضو لجنة الشعر رؤيته لطريقة التشكيل، فيقول: بعد انتفاضات وتغييرات كثيرة في شكل المجتمع وبنيته ، تظل الدولة ومؤسساتها العديدة تقاوم التغيير بقوة ، وهذا ليس سوءا في الأشخاص ،ولكن مافعلته سلطة جماعة الأخوان في مصر ، دفعت الجميع لاستعادة شكل المؤسسات إلي ماقبل 25 يناير بعد انهيار هيبة الوزارات وصغر حجمها وتأثيرها للدرجة التي بلغ فيها الأمر أن يتولي وزارة الثقافة "مونتير" فاشل ، ويترشح لها مجموعة من العاطلين ثقافيا ،ومن هم ضد الحرية والإبداع ،ورغم المؤتمر الطموح الذي انعقد في أول أكتوبر تحت عنوان "ثقافة مصر في المواجهة" بدعم كبير من وزارة الثقافة ، دون التدخل في برنامجه وهوية المتحدثين ،إلا أن هذا الطموح لم يصل إلي غايته ،ومما يدل علي ذلك ،التشكيل الأخير في اللجان ،وقد عادت الأسماء إليها من جديد ،تقريبا دون أي تغيير نوعي ،ورغم أن هناك لجنة تحت عنوان "لجنة الشباب" ، ورغم أن مقررها هو صديقي المناضل أحمد بهاء شعبان ،إلا أن ذلك ليس ميزة ،وكان المفترض أن يكون مقرر اللجنة واحدا من الشباب ،لأن وجود بهاء شعبان كمقرر للجنة يعتبر وكأنه وصاية ، بل وصاية بالفعل ،وهذا مما اضطر البعض للانسحاب من اللجنة ،وهناك لجنة مثل التي انتمي إليها وهي "لجنة الشعر " لا توجد فيها سوي شاعرة واحدة ،رغم العدد الوافر ويصل إلي 22 شاعرا ،ولا يوجد فيها عنصر شبابي واحد ،وأقل شاعر يبلغ من العمر الخمسين أو أقل قليلا ،وروعيت في اختيار الأشخاص في معظم اللجان بعض الخواطر والمجاملات ،وكنت قريبا من يوسف القعيد الذي يحاول جاهدا أن يعطي نموذجا للجنة متنوعة ،لكن الظروف والتقاليد والأعراف تتحداه ،وبعد كل ذلك أعتقد أن الصراع علي عضوية اللجان ليس له أي قيمة ،وهو صراع التمثيل في المؤسسة ،رغم أننا جميعا نصنع شكل وجوهر ثقافتنا وإبداعنا خارج هذه المؤسسة ،وهناك بالفعل عدم ثقة متبادل بين جماهير المثقفين والمبدعين والمؤسسة العتيدة التي تقطن في أقفاص البيروقراطية العتيدة.