قافلة دعوية ل«الأزهر» و«الأوقاف» و«الإفتاء» إلى شمال سيناء    ترامب: أتوقع التوصل إلى اتفاق قريب مع الرئيس بوتين    الأجهزة الأمنية الليبية تحبط محاولة اقتحام متظاهرين لمبنى رئاسة الوزراء بطرابلس    اللقب مصري.. نور الشربيني تتأهل لمواجهة هانيا الحمامي في نهائي بطولة العالم للاسكواش    السيطرة على حريق شب داخل شقة سكنية بالمقطم    غيبوبة سكر.. نقل الجد المتهم في الاعتداء على حفيده للمستشفى بشبرا الخيمة    بقصة شعر جديدة، كاظم الساهر يحيي اليوم حفل دبي والإعلان عن عرض ثان بعد نفاد التذاكر    أزمة «محمود وبوسي» تُجدد الجدل حول «الطلاق الشفهي»    وزير التعليم العالى يستقبل الجراح العالمى مجدى يعقوب    الاتحاد الأوروبي والصين يعلّقان استيراد الدجاج البرازيلي بعد اكتشاف تفش لإنفلونزا الطيور    عيار 21 الآن وأسعار الذهب اليوم في بداية تعاملات السبت 17 مايو 2025    اجتماع لحزب الاتحاد في سوهاج استعدادا للاستحقاقات الدستورية المقبلة    حزب الجيل: توجيهات السيسي بتطوير التعليم تُعزز من جودة حياة المواطن    إبداعات المنوفية| دمية.. قصة ل إبراهيم معوض    إبداعات المنوفية| بين الشك واليقين.. شعر ل وفاء جلال    سعر الخوخ والبطيخ والفاكهة بالأسواق اليوم السبت 17 مايو 2025    «ماحدش يقرب من الأهلي».. تعليق غاضب من عمرو أديب بعد قرار التظلمات    بعد رباعية الجونة.. إقالة بابا فاسيليو من تدريب غزل المحلة    رئيس مصلحة الضرائب: حققنا معدلات نمو غير غير مسبوقة والتضخم ليس السبب    وليد دعبس: مواجهة مودرن سبورت للإسماعيلي كانت مصيرية    رئيس الوزراء العراقى لنظيره اللبنانى : نرفض ما يتعرض له لبنان والأراضى الفلسطينية    ترامب يهاجم المحكمة العليا.. لن تسمح لنا بإخراج المجرمين    ترامب يلوّح باتفاق مع إيران ويكشف عن خطوات تجاه سوريا وبوتين    ضربة لرواية ترامب، "موديز" تخفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة    ملاك العقارات القديمة: نطالب بحد أدنى 2000 جنيه للإيجارات بالمناطق الشعبية    شقيقة سعاد حسني ترد على خطاب عبد الحليم حافظ وتكشف مفاجأة    توافق كامل من الأزهر والأوقاف| وداعا ل«الفتايين».. تشريع يقنن الإفتاء الشرعي    ما حكم من مات غنيا ولم يؤد فريضة الحج؟.. الإفتاء توضح    لكزس RZ 2026| طراز جديد عالي الأداء بقوة 402 حصان    غزل المحلة يطيح ب بابافاسيليو بعد ربعاية الجونة في الدوري    مدير إدارة المستشفيات يشارك في إنقاذ مريضة خلال جولة ليلية بمستشفى قويسنا بالمنوفية    جوميز: شعرنا بأن هناك من سرق تعبنا أمام الهلال    أموريم: شيء واحد كان ينقصنا أمام تشيلسي.. وهذه خطة نهائي الدوري الأوروبي    رويترز: إدارة ترامب تعمل على خطة لنقل مليون فلسطيني إلى ليبيا    اليوم.. «جوته» ينظم فاعليات «الموضة المستدامة» أحد مبادرات إعادة النفايات    انطلاق فعاليات مؤتمر التمكين الثقافي لليوم الواحد بمطروح    محاكمة 3 متهمين في قضية جبهة النصرة الثانية| اليوم    شديد الحرارة نهاراً وأجواء معتدلة ليلا.. حالة الطقس اليوم    اشتعال الحرب بين نيودلهي وإسلام آباد| «حصان طروادة».. واشنطن تحرك الهند في مواجهة الصين!    نجم الزمالك السابق يفاجئ عمرو أديب بسبب قرار التظلمات والأهلي.. ما علاقة عباس العقاد؟    محسن الشوبكي يكتب: مصر والأردن.. تحالف استراتيجي لدعم غزة ومواجهة تداعيات حرب الإبادة    رئيس شعبة الدواجن: نفوق 30% من الإنتاج مبالغ فيه.. والإنتاج اليومي مستقر عند 4 ملايين    إصابة 4 أشخاص في حادث سقوط سيارة بترعة الفاروقية بسوهاج    غرق طالب بترعة الكسرة في المنشاة بسوهاج    كل سنة وأنت طيب يا زعيم.. 85 عاما على ميلاد عادل إمام    جورج وسوف: أنا بخير وصحتى منيحة.. خفوا إشاعات عنى أرجوكم (فيديو)    اليوم| الحكم على المتهمين في واقعة الاعتداء على الطفل مؤمن    ضبط 25 طن دقيق ولحوم ودواجن غير مطابقة للمواصفات بالدقهلية    رئيسا «المحطات النووية» و«آتوم ستروي إكسبورت» يبحثان مستجدات مشروع الضبعة    رئيسا "المحطات النووية" و"آتوم ستروي إكسبورت" يبحثان مستجدات مشروع الضبعة    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية السبت 17 مايو 2025    قبل الامتحانات.. 5 خطوات فعالة لتنظيم مذاكرتك والتفوق في الامتحانات: «تغلب على التوتر»    لمرضى التهاب المفاصل.. 7 أطعمة ابتعدوا عنها خلال الصيف    بالتعاون مع الأزهر والإفتاء.. الأوقاف تطلق قافلة دعوية لشمال سيناء    مشيرة خطاب: التصديق على الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان ضرورة ملحة    "بيطري قناة السويس" تُطلق فعاليات بيئية وعلمية ومهنية شاملة الأسبوع المقبل    شكاوى المواطنين تنهال على محافظ بني سويف عقب أدائه صلاة الجمعة .. صور    المفتي: الحج دون تصريح رسمي مخالفة شرعية وفاعله آثم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن الفن والمؤسسة الثقافية والإخوان عادل السيوي: السلطة في مصر بلا خيال
نشر في أخبار الأدب يوم 23 - 11 - 2013

الإخوان مثل رجل قضي عمره مهتما بتنمية عضلاته وأمضي الوقت يرفع الاثقال حتي أصبح جسده مخيفاً، ولكنه لم ينشغل بعقله كثيرا وعندما خرج ليواجه الحياة اكتشف أن قوته ليست كافية، فأخذ يحطم كل ما حوله
أنا علي استعداد أن أذهب إلي أي محافظة أو قرية صغيرة لأعمل مع الأطفال والشباب المهتمين بالفن، وهذه ليست مشاعري وحدي، عندك عشرات آخرون علي استعداد للقيام بالأمر ذاته، وعلي استعداد أن يكون معي 50 فناناً تشكيلياً من أجيال مختلفة بداية بآدم حنين وحتي أحدث فنان، لإقامة ورش تطوعية من هذا النوع
المثقفون أنفسهم، هم حتي الآن قابعون في موقع رد فعل، حتي في احتلالهم لوزارة الثقافة كانوا رد فعل، لأنهم عاشوا لسنوات طويلة علي ابتزاز الجهاز البيروقراطي للدولة، وفي انتظار ثمرات بائسة منه
عندما نزل جبريل في رابعة...كانت فكرة لوحة أراد الفنان عادل السيوي تنفيذها, الفكرة أثارته بصريا.. الملاك المقدس الذي وصفه المقريزي بأن جناحيه يغطيان السماء، وبين كل ريشة وأخري في أجنحته تطير ملائكة.. ينزل إلي الأرض لحسم صراع رديء تقوده جماعات متخلفة بلا أخلاق ولا أفكار..كما يقول السيوي، ولكنه لم ينفذ اللوحة .. ونقله ذلك الي السؤال إذا كان جبريل قد ظهر في رابعة ، فلم لا يظهر بيكاسو وفان جوخ مثلا في ميدان عبد المنعم رياض تضامنا مع الثوار المصريين... وكانت هذه لوحته الأولي عن الثورة.. حيث يقف الثوار تتبدي كائنات واقعية، وفي خلفية المشهد ينتصب تمثال عبدالمنعم رياض.. ويظهر بيكاسو وهو يعلن بداية الاعتصام بينما يقف فان جوخ بصفائه وتطهره وتلك العين التي تعرف معني الألم .
لماذا يقود بيكاسو المظاهرة؟
يضحك: لأنه فتوة.. هي لوحته الأولي عن الثورة.. والأخيرة أيضا كما يقول لأن هناك فنونا مثل النحت والتصوير تحتاج إلي تأمل ووقت طويل للانجاز، وربما تطول المسائل وتنضم الفكرة إلي دولاب الأفكار التي لم ولن تري النور.. وهناك فنون أخري تشارك في الحدث وتكون جزءا منه، مثل الجرافيتي، وإلي درجة ما الفوتوغرافيا والفيديو وفن الاداء وأقصد بالتحديد البيرفورمانس.
يري السيوي أن الجرافيتي نقلة معاصرة بامتياز، وأنه فتح أسئلة كثيرة، عن علاقة المدينة بالناس والبشر، وكي لا تصبح المدينة مكانا فقط للإعلانات الاستهلاكية الرديئة، أو مكاناً هندسياً للتحكم في حركة الناس.. وإنما مكان للتفاعل والارتجال.
يقول السيوي: كان أفلاطون يريد في جمهوريته أن تصبح الجدران مكاناً للتعلم، فالعين خير معلم.تصبح المدينة كتاباً مفتوحاً للجميع اليوم وكل يوم.
حلم أفلاطون يتماس بشكل ما مع فنان الجرافيتي، ولكن خارج إطار كل سلطة وخاصة سلطة الكتلة المعمارية نفسها.. ولكن السلطة لم تكن وحدها التي تحاربهم، وإنما هناك فنانون تشكيليون يرون أن الجرافيتي فن منحط؟
يجيب: هتلر كان يري أن الفن الألماني العظيم فن منحط، بل وأحرق أعمال بول كلي وجروس وبيكمان لأنه كان يتصور أن الفن لابد أن يستدعي قوة ما لنظام، لتصور قومي، لبطولة، وأنه لا مكان لفنون هشة مترددة غامضة وساخرة، وفي أمريكا أيضاً كانت هناك شرطة متخصصة في محاربة الجرافيتي ومطاردة فنانيه، وفي سنغافورة سُجن بعض رسامي الجرافيتي بالفعل.. وأعتقد أن هناك رسومات لفناني الجرافيتي تفوق قيمتها الفنية ما تحتفظ به المتاحف من أعمال.. بانسكي مثلاً لديه أفكار مهمة حول الجرافيتي المفاهيمي.. فهو يحاور الجدار الذي يرسم عليه.. يتحداه كما فعل في جدران غزة.. وفي النهاية من الذي يقيّم انحطاط فن؟ نقاد الفن والمعارض والسوق والمتحف جميعها اعترفت بالقيمة الجمالية لفن الجرافيتي، وما يدهشني أن من ينزعج من رسومات علي جدران لا ينزعج من إعلانات سخيفة وفاترينات قبيحة تحاصر المدينة.
أساله: هل يمكن للسلطة أن تستوعب هذا الفن؟
يجيب: هناك فنانون منهم تم استيعابهم داخل جاليرهات ومتاحف عالمية، ولكن في النهاية تشعر أنك أمام عملية إخصاء، لأن الأهم أن يكون الجرافيتي في مكانه، علي جدران الشوارع لا قاعات الجاليرهات. ففنان الجرافيتي يبدأ من المكان وطبيعته وفي الكثير من الحالات تكون العلاقة المتبادلة بين الموقع والمبني هي سر قوة العمل
يضحك السيوي متذكرا: منذ سنوات، أثناء انتخابات مبارك.. وضع شخص ما يافطة كبيرة لصورة مبارك، وكتب عليها 25 عاما من الانجازات.. بحث عن مكان يعلقها عليها.. فلم يجد سوي خرابة.. الرجل بالتأكيد لم يكن يقصد ذلك.. ولكن لو أردت أن تشتغل علي عمل مفاهيمي فلن تجد درجة أعلي من درجات التناقض الكاشف (وهي مفارقة دالة بينما فنان الجرافيتي فنان حساس تجاه معطيات المكان في الأساس) .
طرح عدد كبير من المثقفين اسم عادل السيوي وزيراً للثقافة في المرحلة الانتقالية، ولكن يبدو أن المؤسسة الرسمية لم تكن راغبة في شخص مثير للقلق.. يمكن أن يصنع تغييرا حقيقيا.. السيوي قضي فترة طويلة من حياته في إيطاليا.. وزار العديد من دول العالم بثقافاتها المختلفة. يمتلك رؤية ثقافية يمكن أن تصنع فرقاً.. انشغل في أعقاب ثورة يناير بتقديم مبادرة لهيكلة المجلس الأعلي للثقافة في مصر.. وهي رؤية لم يتم التعامل معها جدياً... يقول: بالنسبة لي أري أن الإنفاق علي الثقافة من المال العام ضرورة، حتي في أمريكا وفرنسا أكبر الدول الرأسمالية لم تترك الثقافة للسوق ولحركة المجتمع، وإنما تتدخل الحكومة الفيدرالية لانشاء مكتبات ومسارح ومؤسسات فنية. أري كذلك أن وجود وزارة الثقافة في هذه اللحظة ضرورة إذا ما نجحنا في وضع استراتيجيات جديدة لعملها وإعادة هيكلتها وفقا لهذه الأفكار المركزية، ولكن في الوقت نفسه أري أنه لابد من وجود كيان مستقل عن الوزارة يشكل وعي المثقفين، وهذا الكيان موجود بالفعل إسميا، وهو المجلس الأعلي للثقافة. كانت فكرتي أنه كي يصبح جديراً باسم المجلس الأعلي فعليه أن يتخلص من أية سلطة سياسية وتنفيذية فوقه، ولكن هذه الفكرة فشلت لسببين: الأول أن الجهاز الإداري في مصر غير مؤمن بضرورة التغيير وهدفه قتل أي مبادرة تعكر صفو غفوته الممتدة. أتذكر ان أسامة الباز قال لنا مرة إن الخوف ليس من التيارات المتخلفة، وإنما هناك وحش قادر علي ابتلاع أي مبادرة أو ابتكار وتحويله إلي لا شئ اسمه البيروقراطية. وكما تري المشكلة ليست في سائق السيارة وإنما في الموتور نفسه . وبالتالي يبدو لي أن ديانة الدولة هي الابقاء علي الوضع القائم. مثلا مبادرة استقلال المجلس طرحتها في عهد فاروق حسني ولم تكن الشروط مهيأة لتناولها جدياً، وأعدت المحاولة مع د. عماد أبوغازي، وتحدث عنها د. شاكر عبدالحميد وهما شخصان داعمان للتغيير ويجب التحاور معهما، ولكن هناك جهازاً كبيراً يقاوم أي تغيبرات كبري. السبب الثاني لفشل المبادرة كما يري السيوي: المثقفون أنفسهم، هم حتي الآن قابعون في موقع رد فعل، حتي في احتلالهم لوزارة الثقافة كانوا رد فعل، لأنهم عاشوا لسنوات طويلة علي ابتزاز الجهاز البيروقراطي للدولة، وفي انتظار ثمرات بائسة منه، بل وأحيانا علي نقد هذا الجهاز لتبرير فشلهم.. ثمة حالة مرضية من التساكن بين حركة المثقفين والمؤسسات الرسمية. وبالتالي فليست هناك حركة واسعة وسط المثقفين تستطيع أن تتفق علي هدف محدد يمكن إنجازه.
يضحك السيوي: كنت أقرأ محضر اجتماع حكماء المجلس الأعلي للثقافة أثناء مناقشتهم استقلال المجلس، كانوا جميعهم ضد فكرة الاستقلال، أو متشككين في أهميتها لأنهم يتصورون أن من هو خارج الدولة هو في الصحراء، تائه.. وهذه جملة قالها الدكتور جابر عصفور للراحلة الدكتورة فاطمة اسماعيل عندما أخبرته أنها ربما تفكر في ترك عملها بالدولة.
هل تري أن أزمة المثقفين هي أنهم دائما جزء من السلطة.. ولا يستطيعون التحرر منها؟
يجيب: لدينا عمر طويل من الصراع، هناك من المثقفين من يري أن الدولة قوة يمكن ترشيدها وإطلاعها علي الامكانيات المتاحة في الواقع، مثلما فعل رفاعة الطهطاوي مع محمد علي، وهي رؤية تري أن الحاكم موجود كإرادة ناجزة وأنت ما عليك إلا أن تقترح، وهناك صوت آخر يري أن الدولة عليها التكامل مع إرادات الجماعات المختلفة ، كي تنجز المهام الثقيلة في التعليم والصحة والثقافة، وبعيداً عن هذين المسارين لدينا نماذج قليلة لمثقفين وجماعات ومبادرات مستقلة. صحيح أنه في فترة الأربعينيات تكونت جماعات غلب عليها الطابع الأيديولوجي ولكن ثقل الدولة لم يكن موجوداً، كان همها المجتمع والفكر، والفن هو هاجسها الأساسي.. الأمر ذاته حدث بعد هزيمة 67 مع جاليري 68س.. من التبعية للسلطة، ولديهم قدرة أكبر علي التواصل والحراك.
أسأله: هل يمكن للدولة السلطة استيعاب هذه الاجيال الجديدة؟
يجيب: الأجيال الجديدة أوسع من القدرة علي الاستيعاب. هناك كتاب مهم بعنوان جيل الانترنت يقارن فيه مؤلفه جون تابسكوت بين هذا الجيل وجيل 68 المسمي جيل الطفرة.. إذ أن كثيراً من الأسر بعد الحرب العالمية الثانية قررت عدم الانجاب أو تكوين أسر، وبعد ان استقرت الأوضاع وعاد الأمان عادت مرة اخري فكرة تكوين الاسرة، وولد جيل الطفرة الذي ثار في 68 بعد أن وجد نفسه رغم حضوره الكاسح غير حاضر في صناعة القرار وأن الشيوخ الذين قادوا البشرية لمذبحة كونية ما زالوا يواصلون التحدث باسم الجميع، الأمر الذي حدث في ثورة 25 يناير الي حد كبير.. في المقارنة بين الجيلين يري تابسكوت ان جيل الانترنت يزيد 80 مليونا في الصين وحدها علي جيل الطفرة.. وهكذا فهو جيل متسع لا يمكن للدولة والسلطة استيعابه، رغم أنهما سيحاولان. عندما تقرأ مثلا الرسالة التي أرسلها الشباب المصري وتحمل نصائح لمتظاهري حركة احتلوا وول ستريت تكتشف أن هناك نقلة كبيرة في وعي هذا الجيل، فهو مصر علي تجسيد ارادته وفتح مساراته بنفسه .
أسأله: ولكن في مصر.. مازال الحديث عن مصادرات ورقابة... تقريباً يري البعض أنه لم يحدث شيء ولن تقدم السلطة أي تنازلات؟
يجيب: لابد أن تدفع السلطة ثمناً في اتجاه الإصلاح، ولكن للأسف ليس في اتجاه الحلم الثوري الكبير، ولكن انظر إلي الأصوات المتصاعدة في المجال الثقافي والسياسي أيضاً، ومن شخصيات وظيفتها الحقيقية هي إضفاء شرعية علي المجال القائم، وعلي أي مجال قائم ، مثلا في السياسة ستجد حسنين هيكل وعمرو موسي يصرحان: وما المشكلة في أن يكون الرئيس القادم من المؤسسة العسكرية .. ويستشهدان بديجول وايزنهاور.. متناسيين أن هؤلاء حكموا مجتمعات ديمقراطية مستقرة، بعد حروب كبيرة ولفترات محدودة، .بينما نحن خلال الستين عاما نبدو وكأننا في مرحلة انتقالية. والشعب يستحق ويريد أن يجرب حكماً مدنياً حقيقياً.
أسأله: الشعب جرب مرسي حاكما مدنياً؟
يجيب: وعندما هدد بسياساته الدولة بأكملها خرج الشعب وفرض إرادته، يضيف: في المجال الثقافي هناك شخصيات أكثر يمينية من المؤسسات العسكرية والأمنية، قادرون علي قراءة الخريطة الآنية التي تريد الانضباط وبالتالي سيقومون بذلك الدور عبر ممارسات رقابية.. ولكنها ممارسات لن تستمر، لأن الرقابة المحكمة الآن فكرة مستحيلة عملياً.
الآن مع هذا المشهد المرتبك لا يطلب السيوي من المؤسسة سوي الحد الأدني. يوضح: هناك دعوات كثيرة تريد إلغاء وزارة الثقافة او إعادة هيكلتها.. ولكن أظن أن المثقفين عليهم فهم مدي الانهيار الذي وصلت إليه مؤسسات الدولة، وأنا هنا أتحدث كطبيب يدرك أن المريض في حالة حرجة، ولا يمكن مطالبته بانجاز نقلة كبيرة، ولكن يمكن التفكير في استغلال المناطق المعطلة في جسده كي يتعافي، أن يتم مثلا إعادة افتتاح الفضاءات الثقافية المغلقة.. وأن يستدعي الشباب لمدها بطاقة جديدة. يوضح رؤيته: المؤسسة الثقافية لديها بنية تحتية لا يستهان بها وأذرع طويلة، الهيئة العامة لقصور الثقافة واحدة منها. يوضح: لدينا ثروة حقيقية من العازفين في أوركسترا القاهرة، لماذا لا نجرب أن يخرجوا من أسوار الأوبرا إلي المحافظات الأخري لتقديم عروضهم؟ وهو إجراء لن يكلف الدولة الكثير. مثلاً هناك شكوي من أن الوزارة لديها جيوش من الموظفين، في الوقت نفسه تغلق مكتبات هيئة الكتاب في الرابعة مثلاً، لماذا لا يتم استغلال هؤلاء الموظفين في ورديات بحيث تظل المكتبات مفتوحة لعمل قراءات وحوارات وتوقيع كتب في المساء؟
يطرح السيوي رؤية أكثر تفصيلاً: أظن أن علينا الآن الانتقال من فكرة النزال مع الدولة والمؤسسة علي مستوي التطلعات الكبري، وأن نبحث عن طرق مغايرة للتفاعل. أنا علي استعداد أن أذهب إلي أي محافظة أو قرية صغيرة لأعمل مع الأطفال والشباب المهتمين بالفن، وهذه ليست مشاعري وحدي، عندك عشرات آخرون علي استعداد للقيام بالأمر ذاته، وعلي استعداد أن يكون معي 50 فناناً تشكيلياً من أجيال مختلفة بداية بآدم حنين وحتي أحدث فنان، لإقامة ورش تطوعية من هذا النوع، لابد من عمل مبادرات أكثر جدية، وهي مبادرات بسيطة، يمكن مثلاً أن يذهب كاتب كل يوم إلي مكتبة أو مقهي حتي ليقرأ مع آخرين كتاباً، المهم أن يخرج المثقفون من دوائرهم المحدودة الضيقة.
هل هو خروج علي الفكرة المؤسسية؟
يجيب: لا، ولكن كثيراً من المثقفين تولدت لديهم حساسية جديدة تجاه المجتمع ورغبة إيجابية في العمل العام، ولا يريدون أن يتم استيعابهم داخل الصراع القديم بين المؤسسات الرسمية، وعلي الجانب الآخر فكثير من الشباب في المحافظات الإقليمية لديهم رغبة وفضول في التفاعل والتعرف والتعلم من تجارب أكثر رسوخاً. كيف نقيم هذه الصلة بين الاثنين؟ من لديه فكرة في هذا الاتجاه فليتقدم بها. إذا أرادت الوزارة المساعدة.. أهلاً وسهلاً، إذا أرادت جمعيات المجتمع المدني المساعدة أيضاً أهلاً وسهلاً.. إذا كان هناك شخصيات أخري خارج جمعيات المجتمع المدني أو المؤسسة الثقافية الرسمية تريد أن تقدم أفكاراً ودعماً فسيكون ذلك أمراً جيداً.
أساله: هل أسميها مبادرة عادل السيوي الجديدة؟ يضحك: طرحت فكرة واحدة حول إمكانية تحرير المجلس من هيمنة الوزارة وتم رفضها بأدب جم والالتفاف عليها.. وإنما أتحدث عن مشروع يخرجنا من الدائرة البائسة بعيداً عن صراعات السلطة واللجان والسفريات.. ويحتاج نقاشاً من الجميع. يضيف السيوي: علي الجانب الآخر أتعجب من أداء وزارة الثقافة الممعن في تجاهل صعوبة اللحظة، لأنني أدرك أنهم وحدهم لن يفعلوا شيئا في وضعهم البائس هذا، فلم لا يحاولون فتح حوار مع كل الطاقات والموجودة بالفعل خارجهم، لم لا يتحدث المريض عن أعراضه وعلاته حتي نقطع خطوات علي طريق الحل، ماذا تملكون من إمكانات مادية وبشرية وما هي المشاكل الكبري وماذا تريدون فعلاً، لم لا يصارحوننا بما يمهد لحوار حقيقي حول امكانية تفعيل المتاح ، بدلاً من أن يدور المثقفون في نفس الدورة القديمة.. مؤتمرات تنتهي بتوصيات توضع في ادراج المسئولين ولا يتم تنفيذ أي منها!
يستعير عادل السيوي أمثولة الفيل ليوضح بها رؤيته لما جري في مصر منذ 25 يناير وحتي الآن.. عندما سألته عن الطاقة الثورية بعد حديث أطول عن الطاقة الإبداعية.. أجاب: بص، المصريون فعلوا شيئاً عظيماً جداً، إنهم استيقظوا وثاروا، أعود دائما إلي استعارة عن الفيل النائم الذي استيقظ فجأة، ولكنه اكتشف أن زلومته قصيرة.. نحن الآن في مرحلة تطويل الزلومة، وأعني بها الاحزاب والنقابات والمؤسسات.. ما حدث منذ 25 يناير أمر تاريخي مدهش.
سألته: ألم تشعر للحظات بالتشاؤم؟
أجاب: بعيداً عن التشاؤم أو التفاؤل، هناك طاقة جديدة ظهرت وشاهدها العالم كله، والجميع يعمل علي احتوائها: الجيش والإخوان والأحزاب المدنية والقوي الدولية والرجعيات العربية، كل القوي ليس أمامها سوي التدابير لوقف واحتواء هذه الكتل.. لأن الغرب الذي بني حضارته علي فكرة التمثيل. والتعامل مع من يمثل هذه الكتل الجماهيرية، مرتبك إزاء الحل المصري، نحن هنا نمثل أنفسنا بأنفسنا، وكأننا نستعيد قصص الشعوب التوراتية القديمة التي كانت تتحرك وتهاجر وتعمل كجسد واحد. هناك قليلون يحاولون أن تظهر هذه الطاقة مداها الإنساني العميق وأحلامها وشاعريتها وأن تعلن بقوة عن حضورها في المشهد .
أنت تتكلم علي فكرة الكتلة، الآن يحدث تفكيك لهذه الكتلة، وفي تقديري عندما يتم الدعوة للنزول إلي ميدان التحرير مرة أخري، لا أظن أن تنزل نفس الكتلة التي نزلت في 25 يناير أو 30 يونيو؟
ولا يمكن أن يحدث ذلك، لأن هذه الكتلة لا تتجمع إلا عندما تتوافر شروط نادرة التكرار: سنين طويلة من الانتظار و يقين جمعي غير معلن لكنه مؤكد، عندما تنضج قناعة ما بأن هذا الوضع لا يمكن استمراره. ثانيا: أهداف واضحة معلنة وهي أن هذا الوضع يجب إنهاؤه بدون حتي تصورات لما سيأتي بعد. لكن هذه القناعات الكبيرة تجعل الناس برغم اختلافاتها البينية تتحد علي فعل واحد. وبالتالي لن يخرج الشعب المصري ككتلة واحدة إلا عندما تتوافر شروط تصنع إجماعاً، والآن لا تتوافر مثل هذه الشروط بل توجد خيارات بها اختلاف واتفاق. في 25 يناير و30 يونيو توافرت هذه الشروط المتجاوزة لاختلاف الثقافات والخلافات السياسية والدينية وحتي الطبقية. هذه الكتلة لن تستطيع استدعاءها كل مرة لأنها مثل قوانين الطبيعة، مثل الانفجار الشمسي أو انقراض الحيوانات أو ولادة كائن جديد لا تحدث إلا فيما ندر.
هل تري أن 30 يونيو موجة من موجات 25 يناير؟
طبعا.
رغم أن بعض من شارك في 30 يونيو كان من الكتلة التي تمت الثورة عليها في 25 يناير؟
هناك من يستخدم مصطلحات مثل تصحيح وتصحيح مسار. أنا لا أعتقد أن هناك فارقاً زمنياً كبيراً بين الحدثين، وأن الزخم الذي حدث في 25 يناير مازال مستمراً، وأن محاولة تقييد شعب بسرعة في لحظة خروجه عبثية مثل محاولة منع مراهق من الحلم بالنزول إلي الشارع بعد أن يكون قد فتح الباب ووقف علي السلم. هذه ليست اللحظة التي تقول له فيها ارجع. هناك تدفق حدث عند المصريين كان لابد أن يأخذ مداه، وهناك محاولات لتأطيره وخنقه بسرعة من جهات عديدة مثل المجلس العسكري والإخوان والفلول وبعض قادة النخب. وهذه المحاولات لم تلاحظ أن هناك فيضاً رهيباً يحاط بسياج واهية وهو لم يستنفد طاقته.
هل تري أن هناك محاولات للاحتواء في هذه اللحظة؟
هذه اللحظة مختلفة نسبياً. ليست لحظة الحشود بل لحظة فاعلية المنتبهين والأذكياء ، نحتاج لكل الذكاء الممكن كي ننجح ، والنظام هو عمليا احتواء ، مثل أن تفرض شكلا هندسيا علي كائن عضوي حي ، هناك فيلم لفيلليني اسمه وتمضي السفينة وضع فيه
خرتيتاً علي مركب، هم يريدون أن يتناسوا وجوده ولكن كل فترة تخرج منه رائحة كريهة فيضطرون إلي غسله حتي تسير المركب. هناك قوي ما تشبه قوي الطبيعة. قوي الجماهير تتحول إلي قوي بيولوجية شبيهه بقوانين الطبيعة. حاليا الناس تلتقط الأنفاس وتتأمل في ريبة، بعد أن صنعوا ما أرادوه مثل الخرتيت علي السفينة لا يمكن تجاهل وجوده ومن آن لآخر يرفع صوته. في هذا الفيلم يريد فيلليني القول أن البشرية تسير كما لو أنها تتجاهل رسالة الطبيعة، وتظن أنها باختراعاتها وابتكاراتها التقنية ستسيطر وتكمل وأن التاريخ سوف يسير علي هذا المنوال، حيث إن الإنسان يتحمل وجود الطبيعة إلي جانبه علي مضض. لكن هذا المجاز الفلليني كاشف في حالتنا الآن، لأن هناك حيوية بدائية كبيرة تفجرت، وهناك محاولة من القبطان والبحارة والركاب لصياغة علاقة ما للتوافق مع هذا الكيان المهدد، محاولات الاحتواء لن تتوقف لكن هذا الجسم سيبقي مُهدداً دائما.
هل تتوقع أن تكون هناك موجات أخري علي المدي الزمني القريب أو بعيد المدي؟
في الثلاث سنوات الأخيرة كانت التوقعات تخيب دائماً، ولكنني مازلت أتوقع وأراقب خيبة توقعاتي بنفس الحماس، أتوقع هزات صغيرة لكن لا أستطيع تحديد تواريخ محددة.
السلطة هنا التي تحاول الاحتواء، هل تعي بوجود جسم يمكن أن يثور مجدداً؟
طبعا.
وما الذي تستطيع أن تفعله هذه السلطة حتي تمنع الثورة القادمة؟
آليات الهيمنة وفرض الإرادات علي الناس في المجتمعات الاستبدادية القديمة مثل مجتمعاتنا لا تعطي للمسيطر القدرة علي الحركة، ولا تدفعه للمرونة وتبديل الأوراق، فيحرم بذلك من نعمة التفكير ومن نعمة الخيال معاً. الفرق بين المهندس المعماري والمهندس الإنشائي، أن المعماري هو الخيال والإنشائي هو الرصانة والثبات. السلطات كلها تشبه هؤلاء الإنشائيين. هم يريدون إرساء أعمدة وليسوا لديهم أي خيال حول كيف ستكون الحياة في هذا المبني. وشكل الحياة دائما أوسع من من الأعمدة ومن الأساسات الخرسانية.
أنت تري أن السلطة بلا خيال؟
بلا خيال طبعاً. تمتلك موروثاً يقوم علي كبح الإرادات المتعارضة ومنع أي سلطة أخري مناوئة لها تتكون داخلها. الصراع بين الجيش والإخوان، هو صراع بين سلطة تخاف من تولد سلطة أخري، في الوقت الذي يقوم فيه دين السلطة - إذا فرضنا أن لديها ديانة - علي منع أية سلطة أخري تنازعها في القرار لأنهم لا يحترمون وجود سلطة مغايرة، فالسلطة مستأثرة بطبيعتها وتميل كلها، حتي السلطة الفنية والنظرية، لأن تصبح مطلقة. لا يوجد خيال بمعني التفاعل والتعديل بل احتواء ومنع، بالضبط مثل فكرة توحد الوطن وقيادة الحشود وهذه أحد أديان السلطة المصرية، تماسك عناصر الوطن ، لا يوجد أحد يغلب الآخر، مثلا فكرة الحدود وأن القرار الخارجي يكون أقل من القرار الداخلي حتي في أكثر مواقفها انحطاطاً كانت السلطة دائما في مصر حريصة علي حدودها، وعلي أن يأتي قرارها متفقا مع ظروفها.
سلطة بلا خيال وليست السلطة الحاكمة فقط بل أيضا ممثلوها والقوي السياسية والنقابيون وما يسمي النخبة مازالوا أسري علاقة تاريخية من الاستبداد ورد الفعل. ومازال النهوض لهذا الجسم الكبير لم يُخرج زلومة حقيقية تناسب الجسم. الفترة القادمة مسرح لهذا الصراع، وهي قدرة هذا الجسد علي توليد قوة وأنياب وقدرة القوي المعاكسة التي تريد تحجيم هذه اليقظة المباغتة إلي أشياء يمكن التعامل معها وتحجيمها. أعتقد أن هناك اتفاقاً كونياً علي وأد هذا الموضوع من قوي عربية ومن النظام العالمي الجديد ومن الشرق ومن الغرب لأن فكرة تولد إرادات خارج نطاق السيطرة المعولمة لا يرضي بها أحد مطلقا، ربما كان يمكن تحققه أيام حركات التحرر الوطني والتخلص من الاستعمار. غير مقبول عالمياً الآن أن تعطل مشروع العولمة المتواصل منذ قرون. هذا للأسف أحد الظروف السيئة التي نمر بها. أنا لا أعول كثيراً علي أحرار العالم. وهناك سؤال كان دائما ما يتم طرحه هو: لماذا لم تستطع كل هذه الحرية في العالم تحرير الإنسانية التي يتم استعبادها في مناطق كثيرة من العالم؟ فكرة أن علي الكرة الأرضية كماً من الحرية كافياً لتحرير الجميع غير صحيحة وفكرة قدرتك الذاتية هذه هي الأساس.
أنت تري أن القدرة الذاتية هذه لا يمكن استيعابها؟
حسب مهارة هذه القدرة الذاتية وذكائها وقدرتها علي أن تفهم. هي يقيناً لن ترجع إلي الخلف لكنها ربما تتحول إلي عملية إصلاح بطيء وتدريجي وتخسر الوهج لكنها خلقت بلا جدال أرضية لعلاقات جديدة بين الناس والسلطة، بين مصر وجيرانها وبين مصر والعالم، أرضية تنجح في وضع خريطة جديدة للعلاقات في الداخل ومع الخارج. ولكن قياماً كبيراً مثل الذي حدث كان من الممكن أن يحدث تحولات أعمق وأكبر، هذا مرهون بقدرة الشعب علي توليد مهارات وقيادات وابتكارات فاعلة وهذا ليس سهلا.
هل توقعت سقوط الإخوان بعد سنة؟
لم أتوقع ذلك نهائياً، لكني كنت متشككا في قدرتهم علي قيادة البلاد. وعندما كان يقول لي أصدقاء من أبناء جيلي أن هؤلاء سوف يفشلون ويسقطون ويعودون إلي السجن مرة أخري، كنت أتخيل أن هذه مجرد أوهام. كنت أتوقع الأسوأ، أن نعيش في دراما سخيفة من الفشل والقهر تحت تحكم جماعة فاشية و فاشلة لمدة طويلة.
أسواً من البونبرتاتية الآن؟
أنا متشكك في قدة أي مؤسسة علي تجاهل الكبيرة التي تولت . وفكرة التكميم أو التحجيم ستكون صعبة جداً علي أي مؤسسة حتي الؤسسة العسكرية لأنه في النهاية لدينا تجربة 60 عاما من تجربة المؤسسة العسكرية في الحكم وعندما نقارن مصر بما أنجزه الآخرون نكتشف اننا كنا نواصل الانحدار ، رغم ما تعلنه المؤسسة من إنجازات، وخاصة عندما نقارن مصر بالدول التي تطورت بقيادات مدنية عاقلة ومخلصة، نعرف أننا دفعنا ثمناً غالياً جداً في فننا وثقافتنا وفي قدرتنا علي الإنتاج واستقلالنا، أنا شخصياً لا أعتقد أن استعادة جزء من الأرض التي ضيعتها بنفسك وفقا لشروط مجحفة هو انتصار تاريخي أو معجزة. انظر إلي حالنا، إلي بيوتنا ومدننا ومدارسنا وشوارعنا وشكل أجسادنا وملابسنا لتعرف ما وصلنا إليه.
هل سقوط الإخوان يعد سقوطاً لفكرة الإسلام السياسي ؟ هل هناك إمكانية لعودة الإخوان؟
التكامل بين عالم السماء وعالمنا الانساني الأرضي، بين السماء والأرض، هو فكرة نبيلة. وحلم أن يشحن ما هو نسبي وعارض بطاقة الإلوهية المطلقة هو حلم انساني كبير، وعندما تفكر في الدولة المدنية الحديثة تكتشف أن إزاحة المرجعية الدينية فتح الباب لألوهية الأشياء، أصبحت المرجعية المعممة هي البنك والشاشة والكوكاكولا والمرسيدس والماكدونالد. هناك إفقار ما للروح الإنسانية. لكن من الناحية الأخري فهناك مجتمع إنساني يتطور في اتجاه عقلاني وموضوعي علمي وهناك محاولات يائسة للتشبث بعالم آخر الخلاص فيه بأن تذوب في الذات الإلهية أو أن تخضع لمشيئة الرب. وبهذا يصبح هناك عالمان، حيث الخلاص الديني يتخذ شكلاً يائساً علي الأرض، شكلاً عصابياً. فمثلا بوكو حرام أو شباب المجاهدين في الصومال أو الشيشان أو القاعدة فإنها تمثل أشكالاً مرضية من التشبث بفكرة منتهية. الإخوان كان يحاولون إلي حد ما إعطاء هذه الفكرة جسداً مقبولاً، لكن لأن الفكرة نفسها في تعارض مع حركة التاريخ وحركة الإنسانية فهي مستحيلة، إلا إذا فرضت بالقوة . لا يمكنك القول إن هناك مجالاً لإعادة فكرة الجمع بيين المطلق والنسبي. البشرية نسبية، وتعلم أن مغامرات الروح أصبحت ضيقة وأن أحلام البشر تنكمش ولم يعد هناك مجال لبطولة الروح أو الأفكار الكبري ولا القيم العظيمة الكبري. وفي النهاية فإن الدولة المدنية تقنعك أنك لو نمت جيداً واستيقظت جيداً وذهبت للعمل وأخذت راتبك آخر الشهر، لابد وأن تكون سعيداً. فكرة وهج الروح نتركها للفن. وكأن الدولة اصبحت راعية للأجساد فقط.
أعتقد أن محاولة إرساء دولة دينية في بلد مثل مصر فكرة عبثية تماما ، لأنها سوف تواجه بمقاومة مستميتة دفاعاً عن طريقة في الحياة وليس عن أفكار سياسية.
ولا دولة مدنية مثل أمريكا؟
هذا هو حلم المصريين الآن، أن نصل إلي صياغة نسخة باهتة مما صنعه الغرب بعد عصور التنوير والثورة الصناعية وعمل عقد اجتماعي جديد بين السلطة والناس. وإن كان حلمنا أكبر من هذا، بينما هذا النهوض طرح أسئلة أكبر حول النموذج. محمد علي عندما فكر في بناء مصر الحديثة قام بتهجين الحداثة مع الاستبداد الشرقي.. الأوروبيون عندما اكتشفوا أمريكا ملأوها بالتاريخ الأوروبي، حروب إبادة وصراعات بين الأديان حتي وصلوا للحرب الأهلية. ولا أعرف لماذا لم يحاولوا بناء واقع جديد غير مسبوق، هذا الفراغ الكبير لم يخلق أفكاراً جديدة لكن التاريخ أعاد نفسه.
مجتمع مثل مجتمعنا، لم تتشكل كل ملامحه الحداثية، كان بإمكانه طرح أسئلة أخري حول نسخ أشكال سائدة من الحكم، والتي ثبت أنها في أزمة، تسمي أزمة النظم الديمقراطية، التي لم تعد قادرة علي تحريك وقيادة هذه المجتمعات العظيمة. لقد نمت المجتمعات المدنية بمعدلات أسرع من معدلات تطور الأنظمة السياسية. هناك أزمة حقيقية تتمثل في أن قدرات المجتمعات أصبحت تفوق قدرات المؤسسات الرسمية . فهل مقدر لنا النسخ والتهجين فقط. لماذا لا يدفعنا الخيال لبناء شكل يخصنا من الحكم. أنا لا أستطيع بناء ملامح هذا النظام لأنني لست سياسياً. أتذكر أنني قرأت في تاريخ القراصنة أنهم أسسوا دولة في الجزائر وكان شعارهم أن القانون هو وسيلة الأغنياء لسرقة الفقراء. فكرة صناعة دولة دون قانون، وأن العلاقات المباشرة هي التي تحكم ووجود ملكية عامة. لكنها في النهاية تجربة قرصنة بها شيء من الشاعرية. كل محاولات اليوتيوبيا مجتمع بلا صراع أو مجتمع لا تصل فيه الصراعات إلي حد الاحتدام والاقتتال أصبحت تخص الماضي. هناك فيلسوف إيطالي اسمه جاني فاتيمو يقول إن الإنسانية انتقلت من اليوتوبيا، والكلمة تعني اللامكان، أي عدم إمكانية تحقق ذلك في المكان، إلي تعددية الأماكن. هناك يوتوبيات كثيرة صغيرة بمعني أنه لابد أن نقبل أن تصوراتنا الطوباوية المكتملة قد تبخرت وكان آخر تصور بالنسبة له هو الماركسية وقد سقطت عند التطبيق لأنها اعتمد علي آليات قمعية التهمتها من داخلها .
الكلام عن دمج الإخوان أو إقصائهم أو إعدامهم أم التعامل معهم بوصفهم جماعة فاشية، كيف يمكن حل هذه الأزمة؟
علي المدي القصير لابديل عن الحلول المباشرة للتعامل مع الأزمات المهددة للدولة و للحياة اليومية، وهي حلول أمنية وعنيفة علي الأرجح. لكن أعتقد أن الحل الحقيقي يمكن في قطع خطوات ملموسة نحو بناء واقع مختلف، بمعني أن أن تكون هناك مساحة لخلق مشروع مقنع للجميع وأن يكون هناك قانون يحترم وينفذ وأن تكون هناك حلولاً للمشاكل الملحة ولحالة الفارق الاجتماعي الكبير. ورأيي أن الحل الأمثل لمواجهة هذه المشكلة تكمن في الواقع نفسه وأن نطور الواقع نفسه، هذا يحتاج وقتاً لكن هناك مشكلة ملحة تحتاج حلولا آنية.
لكن ما شكل هذه الحلول وما مدي قدرتك علي إعادة دمج أو تأهيل أو ضم المختلفين معك مرة أخري للجماعة المصرية؟
كل القوي والتيارات المتفقة علي إدانة العنف يمكنها فتح حوار جاد. فعند تحديد الإرهاب، يتم تعيين الإرهابي بوصفه من يستخدم الترويع والعنف بشكل استراتيجي، بمعني أنه لا يمتلك سوي آلية واحدة لا يمكن قبولها. بمعني غياب المداخل المجتمعية والسياسية والفكرية وأدوات للحوار، العنف ليس خيارا استراتيجيا مقبولاً لأحد ، فالأنظمة التي اعتمدت العنف مثل الجيش الأحمر الياباني إما تنتهي تماماً، تختفي تاريخياً، أو تطور أدواتها لتدخل في تفاوضات نتيجة استخدامها أوراقاً أخري سواء سياسية أو مجتمعية أو فكرية. فالإرهاب أو العنف يأتي من ضمور الآليات السلمية الفعالة، ومن بعد المسافة بين الهدف وأدوات تحقيقه سلمياً لديك اندفاع عاطفي ووجداني كبير تجاه فكرة لا تكتمل أو نصف فكرة. وعندما تمتلك نصف فكرة فأنك تكملها بالعنف لأنك غير قادر علي الإقناع، وفكرتك لا تستطيع إكمال المشوار وحدها. أنت متدين للغاية مثلاً، ولكن هذا لا يكفي لجعل الآخرين يشبهونك، لابد من فكرة إذن خارج حماسك المشروع. الجماعات الموجودة، ومنها الإخوان، واضح أن لديها ضمور في العقل لأنهم لم يربوا مهارة الحوار مع الآخرالمختلف. هناك كتابات في الحركة النسوية المعاصرة تتحدث عن أن الحركة النسوية الأولي أخفقت في تحقيق الكثير من مطالبها لأنها وضعت الرجل كعدو، وهي تريد تكسير كل المسافات التي تقول إنه الأكثر تفوقاً، أما الحركة النسوية المعاصرة فتقول إنه ينبغي أن ننتقل إلي هذه الأرض الأخري ونفهمها وأن نجد تصوراً معاً. والانتقال من أرضك إلي أرض الأخر، لتحرر نفسك وتحرره معك من التصورات التي فرضت القهر كقيمة من الماضي ولم تعد صالحة للبقاء، عملية صعبة تتطلب آليات ومرونة أكبر من فكرة المعماري والإنشائي.
ليس لديهم مرونة؟
لقد استنفدوا أغلب طاقتهم في بناء التنظيم ودعمه وترسيخه . ولكنهم نسوا أن هذه الرصانة المحكمة ، وهذه التراتيبية الصارمة قد تكون كعب أخيل التي سيتسرب منها الهلاك الي البناء كله، فبدون آليات مرنة للحوار والمراجعة وإعادة التقييم المستمر للوجوه الجديدة، كيف ستبني كوادر وعناصر قادرة علي التفكير والمبادرة. وإذا كان مبدأ الجدل والمراجعة ممقوتاً في الداخل ، فما بالك بامكانية الحوار مع المختلف عنك. الإخوان مثل رجل قضي عمره مهتما بتنمية عضلاته وأمضي الوقت يرفع الاثقال حتي أصبح جسده مخيفاً، ولكنه لم ينشغل بعقله كثيرا وعندما خرج ليواجه الحياة اكتشف أن قوته ليست كافية، فأخذ يحطم كل ما حوله خوفا علي جسده المهول .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.