"الوضع الآن أشبه بشخص يقف في محل بديلاً لصاحبه الذي ذهب ليصلي!" تصور بديع قاله عادل السيوي بعفوية شديدة يعبر فعلاً عن الحالة التي نعيشها الآن. البديل لن يغير في رفوف المحل، ولن يأتي ببضاعة جديدة، وبالتأكيد لن يغير يافطة المحل..إذن سيظل الوضع كما هو عليه. السيوي ليس متشائما، بالعكس فهو يري أن الفرصة سانحة الآن للتغيير أو علي الأقل التفكير فيه بحرية أكبر، أو هكذا كان ظنه، لكن انطباعه تكون عبر خمسة شهور من التعامل المباشر مع أجهزة الدولة وعلي رأسها وزارة الثقافة التي قدم لوزيرها مقترحا بإعادة هيكلة المجلس الذي يعتبر قلب الوزارة وكل ما تم حتي الآن لم يتجاوز حدود الكلام. مقترح السيوي ليس جديدا؛ قدمه عام 99 مصحوبا باستقالته من عضوية لجنة الفنون التشكيلية بالمجلس بعد أن اكتشف أنه "ملوش لزمة" لأن خضوعه التام للوزارة أفقده أهميته، وأعاد السيوي طرحه مرة أخري عام 2003 في مؤتمر حول تغيير الخطاب الثقافي، ونشرناه في "أخبار الأدب" وقتها تحت عنوان "دعوة للطيران بلا أجنحة". لكن وبعد ثورة 25 يناير استبشر السيوي خيراً واتصل بالدكتور عماد أبو غازي الذي كان لا يزال الأمين العام للمجلس وذكره بالمشروع القديم "الحقيقة أنه كان متحمسا، وساعدني جداً، وأعطاني كل المستندات الخاصة بالمجلس، وقصدت أن يكون المقترح مفتوحاً حتي لا أصادر علي الأفكار التي يمكن أن تضاف إليه". مقترح السيوي يحاول أن يُخلص المجلس من تبعيته للوزارة وأن يحقق له استقلاليته، باختصار أن يعيد للمجلس وقاره القديم قبل قانون 150 الذي صدر سنه 80 وجعل تبعية المجلس ورئيسه ولجانه لوزير الثقافة، والمقترح يتلخص في 3 نقاط: استقلال، وفعاليات جديدة، وإعادة هيكلة "والأخيرة هي المشكلة، لأن منصور حسن أضاف قطاعات كثيرة للمجلس، ضمن خطته لحل وزارة الثقافة، ورحل ولم تحل الوزارة وأصبحت هذه الكيانات تتبع المجلس دون أي مبرر حقيقي، فتحول المجلس إلي جسم مترهل، ولكي يكون هذا الجهاز فاعلا في الحياة الثقافية، وعاملا محفزا في هذا المجال، فلابد من حل هذا الكيان المترهل" واقترح السيوي أن يتم ذلك علي مراحل أولها إعادة الكيانات التي التصقت بالمجلس إلي مكانها الطبيعي أي إلي وزارة الثقافة أهمها:قطاع الفنون التشكيلية، وقطاع الإنتاج الثقافي، ومركز ثقافة الطفل "ولأننا نعرف مدي الصعوبات التي يمكن أن تواجهنا، اقترحنا البدء بالجزء الفعال في المجلس وهو اللجان والهيئة والأمين، ونريد أن تتم انتخابات ويصدر قانون بالشكل الجديد". هل يتحقق هذا الحلم أم سيتم الالتفاف عليه ليعود المجلس إلي حضن الوزارة؟ يسأل السيوي ويجيب بوضوح:"هذا غير واضح حتي الآن، لا من الوزير ولا الأمين العام للمجلس، ولا نملك غير التصديق، لكنه سيكون علي الأقل نقطة فاصلة ومقياسا لنية المسئولين وإن كنت أعتقد أن الاستجابة باتت أمرا صعبا"! السيوي لم يكتف بتقديم هذا المقترح، ولكنه كان مشاركا رئيسيا في الإعداد للمؤتمر الأول للثقافة المستقلة، الذي من المقرر عقده بعد أيام، ويتضمن محورا عن فكرة إعادة هيكلة المجلس، وعن علاقة الوزارة بالمثقفين بشكل عام، لكنه فاجأني بموقفه من المؤتمر، بل ومن فكرة الاستقلال بشكل عام، قال أنه قرر الابتعاد عن المؤتمر لأن الفكرة لم تعد واضحة "فالموضوع الذي طرح في اتيليه القاهرة كان عبارة عن مؤتمر للمثقفين "ولم يتحدث أحد عن المستقلين" بعدها وجدنا أنها فرصة لعودة "أدباء وفنانون من أجل التغيير" وبدأنا فعلا التحضير، لكني قررت الابتعاد بعد أن وجدت كما كبيرا من العشوائية في التنظيم، ولم يكن هناك أي استقرار علي الأفكار". فوجئ السيوي عندما أخبرته أن اسمه مدرج ضمن المتحدثين في الندوات، بل وإنه من سيلقي كلمه الافتتاح وعلق: "أليس هذا دليلا علي العشوائية التي تحدثت عنها، هل يعقل أن أعرف هذا منك الآن، ولم يحدثني أي منهم علي الأقل لأجهز نفسي، أو لأعرف ماذا سأقول!". المشكلة في نظر السيوي ليست فقط في أن "المهمة أكبر من قيمة المجموعة التي تحضر للمؤتمر" علي حد قوله ولكن لأن هذه المجموعة لديها تصور خاطئ عن الثقافة "تصور قائم علي أن الثقافة هي الإبداع والنقد فقط، لكنها بالتأكيد أوسع من ذلك بكثير". أساله عن تصوره الشخصي فيقول: كان يجب أن يشارك مجموعة متنوعة من الشخصيات علي رأسهم من عمل فعلا علي فكرة الاستقلال لسنوات. مجددا ينفي السيوي عن نفسه تهمة التشاؤم، المشكلة في نظره أن الارتباك يسيطر علي كل شيء الآن في الوزارة وفي الشارع وحتي الجماعة الثقافية نفسها وإن كانت تخجل من الاعتراف به ربما لأنه يهدد فكرة الاستقلال نفسها، لكن السيوي لا يجد مبررا للخجل "تراثنا كمثقفين هو الاعتراض علي ما تقدمه الدولة، هذه خبرات الجماعة الثقافية، وأنا واحد منها، تاريخي الشخصي هو تاريخ المعارضة، دائما كان لدينا سلطات ثقافية مهيمنة أخذنا منها موقفا، لكن الآن لدينا سلطات تقول أنها ليست ضدنا، هنا لا بد أن نفكر في الانتقال من موقع المعارضة لموقع الشريك أو المحرض أو حتي المحاور وهذا طبعا يحتاج إلي آليات ومن هنا يأتي الارتباك". السيوي أخذ خطوات من المؤسسة الرسمية، وهو أحد أكبر المؤمنين باستقلال المثقف، وكلام كهذا ربما يفهم منه أنه بدأ يغير وجهة نظره، لكنه لم ينظر للمسألة علي هذا النحو، المسألة عنده أعمق من ذلك يقول:"ليس لدي أصلا أي تصور للثقافة المستقلة، ولا أفهم حدود هذه الكلمة، بشكل مطلق نقول أنها نوع من الثقافة يحدد طبيعة علاقته بالدولة، يعني الاستقلال عن الرسمي، لكن الحدود تظل غير واضحة تماما". حدود الاستقلال لم تناقش بعد-يضيف- وهذا هو أغرب ما في المسألة "كيف يكون هذا الاستقلال عن الرسمي؟ هل الدولة هي الخصم؟ وإذا كانت كذلك فما هي حدود الانفصال عنها؟" أساله: هل تؤثر الأوضاع السياسية بعد الثورة علي فكرة الاستقلال؟ يجيب: بشكل عام هناك "غموض حول المصطلح" يعززه تغير الأوضاع في مصر الآن، فالدولة التي كانت تستخدم الوزارة دائما والوزارة التي كانت تستخدم المثقفين بدورها تتغير الآن، ولا بد من ملاحظة هذا التغير ووضعه في الحسبان عند الحديث عن فكرة الاستقلال التي هي في مجملها فكرة أصبحت قديمة "فالإدارة الرسمية التي قاطعها الناس كانت مرتبطة بخطاب سياسي معين، ومن كان يرفض هذا الاتجاه السياسي كان عليه بالضرورة أن يرفض خطاب الدولة الثقافي". الواضح الآن في نظر السيوي هو تحرير الخطاب الثقافي من أي قيود خارجية، سواء مؤسسات دينية أو رسمية أو أمنية وحتي من السوق نفسه، بمعني تحرير الإبداع من كل العناصر الضاغطة "وهذا يعني في الوقت نفسه ضرورة إنتاج منتج مختلف" يلخص السيوي: ليس هناك استقلال كامل، هناك ثلاث حلقات الأولي هي الدولة، والثانية هي المتعاونون معها دون أن يكونوا جزءا منها، والأخيرة هم من يحفرون لأنفسهم قنوات بعيدة عنها، لكن حتي هؤلاء الذين يقدمون أنفسهم باعتبارهم رموزا للاستقلال فهناك تماس بينهم وبين الدولة، مثلا "ميريت" يمكن اعتبارها نموذجا لفكرة النشر المستقل، لكن هذا لم يمنعها من التعاون مع الدولة في مشروع مكتبة الأسرة، ولا يجب أن ننظر لهذا باعتباره شيئا سيئا أو حتي علي أنه يقلل من فكرة الاستقلال، ولكن هذا يؤكد أنه دائما ما توجد تقاطعات، وأنه مهما فسدت الأجهزة فهناك دائما مساحة للعمل داخلها، طالما أنني سأعمل وفق قناعاتي ونحن بالتأكيد في حاجة للحلقات الثلاث لاستكمال السلسلة.