محور محلة منوف بطنطا.. شريان تنموي جديد يربط القرى ويقلل الحوادث ويدعم التنمية المستدامة    إسرائيل تعلن تدمير مقر جهاز الأمن الداخلي الإيراني    لوفتهانزا تمدد تعليق رحلاتها الجوية للشرق الأوسط بسبب الحرب الإسرائيلية الإيرانية    أبو الغيط يبحث مع رئيس وزراء صربيا مستجدات القضايا الإقليمية والدولية    قرار جديد من جوارديولا بشأن قائد السيتي    الإعدام لربة منزل لاتهامها بقتل أم ونجلها بالقليوبية    حميد الشاعري يعود إلى روتانا بعقد جديد وخطة غنائية تستهدف الجيل الجديد    إعلان نتيجة الشهادة الإعدادية بشمال سيناء مطلع الأسبوع المقبل    شيخ الأزهر يستقبل رئيس الوزراء الصربي لبحث سُبُل تعزيز التعاون العلمي والدعوى    ملتقى القضايا المعاصرة بالجامع الأزهر: الأمة اليوم أحوج ما تكون إلى استعادة تماسكها وتوحيد كلمتها    دول الخليج تدين وتستنكر الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي الإيرانية    "فاليو" تنفذ صفقة بنسبة 20.487% على أسهم الشركة اليوم    تقدم شباب اليد علي السعودية 19-15 بالشوط الأول في بطولة العالم    قرار مهم من "التعليم" بشأن تطبيق النموذج العربي للجودة AMQEE - مستند    الحكومة توافق على تنفيذ مشروعين لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية بقدرة 900 ميجاوات    174 ألف طن.. محافظ القليوبية يتابع إزالة كميات هائلة من المخلفات أسفل محور العصار    غارات إسرائيلية تستهدف عدة مواقع شرق العاصمة الإيرانية طهران    أول تعليق من صلاح الشرنوبي بعد وفاة نجله    الجيش الإسرائيلي يقول إنه استهدف مواقع عسكرية في طهران    محافظ الدقهلية: 1224 مواطنا استفادوا من القافلة الطبية المجانية ب37 درافيل مركز بلقاس    عمليات قلب مفتوح وقسطرة علاجية للمرضى الأولى بالرعاية بمحافظة كفر الشيخ    هل يمكن علاج النقرس بشاي الكركدية؟    إحالة مدرس بالإسكندرية لمحكمة الجنايات بتهمة التعدى على طالبات    مينا مسعود: أحمد السقا أكبر نجم أكشن مش توم كروز    ب290 دينار شهريا.. بدء اختبارات المتقدمين للعمل بمهنة «تربية الدواجن» في الأردن (تفاصيل)    الرقابة المالية تحدد الشروط والمعايير المطلوب توافرها بأعضاء مجالس إدارة شركات التأمين أو إعادة التأمين والإدارات التنفيذية لها    فليك يجتمع مع شتيجن لحسم مصيره مع برشلونة    «بينهم سيدة».. تأييد السجن 3 سنوات لمتهمين بحيازة المخدرات في بني مزار بالمنيا    قصور الثقافة تواصل برنامج مصر جميلة لتنمية المواهب بمدينة أبو سمبل    إصابة طالب ثانوي عامة صدمه قطار في قنا    خبيرة الطاقة: «الساعة الذهبية قبل مغرب الجمعة» طاقة روحانية سامية    القبض على عامل يخفى هاتف محمول لتصوير السيدات داخل حمام كافيه بالدقي    رئيس الوزراء: لدينا عدة سيناريوهات يتم وضعها للتعامل مع مختلف المستجدات    مركز حقوقي: محكمة إسرائيلية تجيز هدم جماعي للمنازل بمخيم جنين    حكم ضمان ما تلف فى يد الوكيل من أمانة.. دار الإفتاء تجيب    هل يقدم «حرب الجبالي» الصورة الحقيقة للحارة المصرية؟.. أحمد الرافعي يجيب| خاص    ضبط 4 طن لحوم ودجاج مجهول المصدر ومنتهي الصلاحية بالشرقية    السجن 7 سنوات لبلطجي في قنا سرق طفلان تحت تهديد السلاح    الأمم المتحدة تدين إطلاق النار على مدنيين يبحثون عن الطعام في غزة    "تأجيل مفاجئ لصفقات الزمالك".. الغندور يكشف التفاصيل    السحر والسحالى    مش بس نور الشريف.. حافظ أمين عاش بمنزل السيدة زينب المنهار بالدور الأرضى    «أبرزهم بيرسي تاو».. شوبير يؤكد مفاوضات الزمالك مع ثلاثي أهلاوي    "شرط غير قانوني".. مفاجأة مدوية حول فشل انتقال زيزو ل نيوم السعودي    شوبير يكشف حقيقة مفاوضات نادٍ أمريكي مع مهاجم الأهلي وسام أبوعلي    أمين الفتوى: الأمانات بين الناس لا تسقط بالوفاة ويجب أداؤها لأصحابها أو لورثتهم    تعرف على جدول مباريات مانشستر سيتى فى الدورى الإنجليزى موسم 2025 - 26    هيئة الرقابة النووية: مصر آمنة إشعاعيًا.. ولا مؤشرات لأي خطر نووي    رسميًّا.. ضوابط جديدة للمدارس الخاصة والدولية بشأن توزيع الكتب    طلاب تجارة عين شمس يحصدون منحة "إيفل" الفرنسية للتميز الأكاديمي    بعد الموافقة النهائية من «الإسكان».. تفاصيل عقود الإيجارات القديمة التي تطبق عليها التعديلات    محافظ دمياط يناقش ملف منظومة التأمين الصحى الشامل تمهيدا لانطلاقها    أسعار النفط تواصل الصعود مع تصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل    طقس اليوم الأربعاء.. انخفاض جديد في درجات الحرارة بالقاهرة    طريقة عمل الحجازية، أسهل تحلية إسكندرانية وبأقل التكاليف    كاد يكلف صنداونز هدفا.. تطبيق قانون ال8 ثوان لأول مرة بكأس العالم للأندية (صورة)    إعلام عبري: أنباء عن سقوط صواريخ في مواقع وسط إسرائيل    الأبيدى: الإمامان الشافعى والجوزى بكيا من ذنوبهما.. فماذا نقول نحن؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ضحايا السلام في "باب الليل"
نشر في أخبار الأدب يوم 21 - 09 - 2013

ساهمت الرواية مع جيل الستينيات ومن سبقهم من الروائيين في الكشف عن آثار هزيمة 67 النفسية علي الشعوب العربية، حتي إن البعض ممن لم يعش سنوات ماقبل وما بعد الهزيمة يتخيل أن الرواية قامت بعملية أسطرة للحدث ليغدو مأسويا يليق بنوع أدبي يستحلب الحزن وألم الانكسار من وجوه البشر. وبعد مرور أربعين سنة علي انتصار أكتوبر 1973 علي أهميته السياسية والعسكرية-لا يستطيع كثيرون منا أن يزعموا بأن الحدث كان محفزًا إبداعيًا لاستحلاب الفرح من وجوه العرب، وهو الأمر الذي يبدو معه أن الحزن والألم والهزيمة والفقد والانكسار محفزات للإبداع الروائي العربي علي نحو يصعب معه وقف توارث هذه السنة الأدبيةLiterary Canon من جيل لجيل وكأن استحلاب الحزن وألم الهزيمة والانكسار حتمية ثقافية ترسخ لسنة أدبية مرتبطة بالرواية كنوع أدبي يتلون بلون ثقافتنا العربية كمبدعين ومتلقين!!
في سياق ثقافي مضطرب يموج بالثورات والثورات المضادة ، وفي لحظة فارقة يمكن أن تسقط فيها أعلام وترتفع أعلام، يخرج علينا وحيد الطويلة بروايته المتميزة "باب الليل"(منشورات الاختلاف 2013)ليؤكد وفاءه لسنة استحلاب ألم الانكسار والهزيمة من الوجوه العربية رجالاً ونساءً والتي غدت -من وجهة نظرنا- ملمحًا سرديًا يتجاوز الأجيال والأقطار. إن إخلاص الطويلة ابن جيل الثمانينيات لهذه السنّة ليس اختيارًا شخصيًا معلّقًا في الهواء، وإنما هو استجابة لدعوة الوجوه العربية التي يزخر بها عالمه الروائي في "باب الليل" لقراءتها قراءة تكشف عن أسباب الانكسار والهزيمة في زمن ما بعد السلام!!
فهل أصبح "السلام" وما تبعه من انكسارات وخيبات محفزًا إبداعيًا للروائيين العرب ينافس لحظة هزيمة 67 في قدرتها علي إنتاج رواية متلونة بلون ثقافتنا وملامحنا العربية؛ ملامح الانكسار والهزيمة والخيبات المتوالية؟! أيًا كان الأمر في المستقبل، فإننا أمام رواية تُعد خطوة علي هذا الطريق. إنه طريق البحث عن وطن بديل في زمن تبديد الأوطان، طريق البحث عن روح غير مهترئة تسكن جسدًا غير مُنتهَك!!
وللمفارقة يبدأ الإنسان العربي بوجوهه النسائية والذكورية في "باب الليل" رحلة البحث عن الوطن البديل من الحمّام حيث الخبث والخبائث؛ إنه حمّام لمقهي يحمل زورًا اسم "لمّة الأحباب" حيث لا مكان فيه سوي للعهر بمعانيه المختلفة. للعهر معانٍ عديدة، أقلها خطورة علي الإنسان عهر العاهرات، وأخطرها عهر الساسة والزعماء! بل إن عهر العاهرات في "باب الليل" ليس اختيارًا شخصيًا لكائنات حرة، بل في الغالب الأعم هو من توابع عهر الساسة والقادة!
فعقب اتفاقية كامب ديفيد وما تبعها من احتلال إسرائيلي لبيروت دخل العرب "باب الليل" حيث انتقلت جامعتهم لتونس ومعها طُردت منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان إلي تونس، وتحولت السُلطة الفلسطينية إلي السَلَطة (بفتح السين واللام) الفلسطينية، حين أحالت المجاهدين إلي التقاعد بحسب أبي شندي المناضل الفلسطيني المتقاعد؛ "أحالتنا إلي التقاعد أحياء بعد أن رمتنا سابقًا علي رصيف الموتي الأحياء..بالكاد نكمل نصف الشهر"(ص48). ومن موقع المجاهد المتقاعد في زمن السلام ينسج أبو شندي بكلماته خيوط الحبل الواصل بين عهر العاهرات وعهر الساسة والزعماء حين يكشف عن وجوه الشبه والاختلاف بين المجاهدين المتقاعدين في زمن السلام وبين المومسات. "نحن نشبه المومسات، صدقني، لكنهن أفضل منا، الفارق الوحيد أنهن أكثر ذكاء من قادتنا".(ص50).
يدخل العرب "باب الليل" باعتبارهم نسخًا كربونية لذات منهزمة منكسرة متواطئة مع أسباب هزيمتها وانكسارها؛ حيث يصبح التواطؤ القانون الذي يحكم العلاقات بين البشر بدءًا من تبادل التليفونات بين الرجال والنساء في حمام المقهي المشترك، مرورًا بتعليق صور الرئيس علي المقهي، بل في داخل الحمّام، وصولاً لمنع وتحريم الدعاء علي حزب الناتو في المساجد!
ومن ثم، يبدو لنا أن الانكسار والتواطؤ شكلا القاسم المشترك بين شخصيات الرواية علي اختلافها النوعي(نساء ورجال) ورغم اختلاف جنسياتها(فلسطيني، تونسي، سوري، لبناني، مصري) واختلافها العمري(شباب، كهول)، وهو ما مكّن الطويلة من توظيف اللغة روائيًا علي نحو يعكس التماهي بين الشخصيات لغويًا أكثر مما يكشف عن سمات لغوية وأسلوبية تتفرد بها شخصية دون أخري. إن الراوي يصنع لذاته بطولة لغوية تتمثل في دقة الوصف لشخصيات الرواية جسديًا ونفسيًا بمفردات وعبارات مستقاة من ذاكرة الشعراء لا من دفاتر الروائيين، كما يمنح هذا الراوي شخصيات الرواية قدرًا من بطولته اللغوية حين يجعلها تضفر معه من مفردات وعبارات السياسة والعسكرية ومن مفردات وعبارات الممارسات الجنسية معجمًا لغويًا يرسخ التماهي بين الذوات المستنسخة داخل الرواية، بل وخارجها بقدر ما يستطيع القارئ أن يفك شفرات الدلالات المشتركة بين الراوي والشخصيات والكامنة في مفردات مثل"الركوب، الأكل،القذف،العمليات،مؤخرة البندقية، سريع العدو".
ومع ذلك يبقي لدينا تساؤل مشروع وهو إلي أي مدي استطاعت اللغة المستقاة من ذاكرة الشعر، والراوي المتمتع بالبطولة اللغوية والتي يصبغ بملامحها شخصيات الرواية دون تمييز، أن يقنعا القارئ بتطور شخصيات الرواية -علي الرغم من اشتراكها في ملمحي الانكسار والتواطؤ ذ علي النحو الذي حدث به في نهاية الرواية؟
يبدو لنا مقنعًا، من حيث البناء الفني ل" باب الليل"، أن تنتهي الرواية بالحصول علي الوطن البديل بتحقق الحلم بالسفر للخارج عند حلومة، أو بالاستعاضة عن العودة لدخول فلسطين بدخول النساء ووضع شادي لحلمه بالعودة بين سيقانهن لينام، بل ويبدو مقنعًا كفر مهدي بفكرة الوطن ورغبته في الانضمام للمارينز في العراق، ذلك أنها كلها مصائر تكشف عن استمرار الانكسار والتواطؤ بين الشخصيات ويتسق مع تجديد المقهي وإمداده ببنات هوي من الأجيال الجديدة مع تغيير اليافطة فقط!!
لكن ما كان يحتاج لمزيد من الإقناع الفني هو المصير الذي آلت إليه شخصية درة. إذ بدا لنا أن الطويلة يعتمد علي فجائية ثورة تونس التي فجرها بوعزيزي في 2010 كحدث خارج الرواية لم ترد إشارة إليه في الرواية ليرتب عليه الاختفاء المفاجئ للضباط والمخبرين من المقهي، ومن ثم الثورية المفاجئة التي انتابت شخصية درة حين رأت صورة الرئيس في الحمام فركلتها بقدمها ووضعتها مهشمة في سلة القمامة.
إن مصائر الشخصيات في نهاية الرواية هي المسارات المحتملة لرحلة البحث عن الوطن البديل في زمن تبديد الأوطان واهتراء الأرواح وانتهاك الأجساد في "باب الليل". تلك الرواية التي تقطّر أمصال الماضي في عيون المستقبل حتي لا نكرر مع أبي شندي "الثورة مثل امرأة وضعت إصبعها في شيئها في نهاية المطاف"(ص216).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.