لم يفتك الكثير ، حدثت نفسي وأنا أبحث عن ورقة تليق برسالة أولي.. ربما نسيت أن أحكي لك عن جارتي الأمية التي دعتني ذات يوم لأكتب خطابا لأمها المقيمة في ريف بعيد ، سررت كطفلة لأن مهمات صغيرة تسند إلي وضعتْ لي كوبا من عصير الفاكهة وجلستْ صامتة ولما سألتها قالت: ألا تعرفين كتابة خطاب ؟ بسؤالها واجهت صدمتي المعرفية الأولي قلت مرتبكة: لكن ما الذي تودين قوله؟ قالت: تحدثي عن الشوق وعن الفقد علمت حينها أن الآلام واحدة علمت الآن كم كانت مخطئة. رحلتْ أنجيلا بعد ثلاثة أيام فقط من رحيلك، لبت نداءك كصديقة مخلصة، أما أنا فخذلتك بامتياز.. اخترتُ البقاء لأنني لا أحب ترك الأمور معلقة، أنسيت ملابسك الملقاة في الحجرة ونباتات الظل التي لم أسقها منذ أيام ؟ هل تراها أسبابا واهية ؟ الحقيقة أنني اخترت لموتي قصة عادية، في يوم سأرتب المنزل ثم أذهب للنوم مبللة قليلا من أثر حمام دافئ، حيث سأري حلما جميلا يحتوي مثلا علي بحر أزرق ومركب صغير علي الشاطئ ، أو ورود وجبال ورمال ناعمة،حينها سأخبر روحي برغبتي بالبقاء في هذا الحلم إلي الأبد ببساطة سيكتشف أحدهم الأمر في الصباح، وأنت تعلم بقية التفاصيل علي أية حال.. دعنا نتفق الآن علي أشياء أهم، كأن تتحول أنت إلي يد ضخمة تحميني من الحوادث البسيطة علي الأقل، قبل أن أسقط مثلا من فراش صار كبيرا جدا مثل صحراء وأنا سراب صغير يتضاءل كلما تقدمت في وحدتي، تستطيع أيضا أن تقبل جبين أمي ، تطمئنها بأن أثر الجرح سيختفي تحت إطار النظارة المربعة وهذا الكتاب الذي وجدته في حقيبة االلاب توبب كتاب ريجيس دوبري (حياة وموت الصورة ) ،هل قرأت الفصل الأول ،الولادة بالموت ،أم لم تنته من مقدمة المترجم الطويلة ؟ آه نسيت أن أخبرك أنني أشتريت آلة تصوير جديدة لكنها ليست Nikon أشياء لن تحدث لن تشيخ عظامنا معا لن ترتعش يداك المعروقتان وأنت تصور لقطة لطائر يشرب من النهر في لمح البصر لن تتوقف عن التدخين لن تذهب إلي بيروت لن نستعد للموت معا كأن تعلن المضيفة عن قرب سقوط الطائرة فنتبادل اعترافات بلهاء كأننا في فيلم رومانسي رديء أو تفضل الموت بسر كبير يعرفه المشاهدون كلهم إلا البطلة التي تجلس جوارك. فرق توقيت فنجان هاتف خلوي منشفة واحدة.. والمعطفان المتلاصقان داخل الخزانة ما زالا يحلمان بقدوم الشتاء. دعني أبحث في هذا الجيب القديم فربما نسيت هناك أصابعك. هروب أدرب صوتي علي نطق اسمك كي لا يبقي عالقا بحبالي الصوتية كقطعة غسيل متروكة في الشرفة كقطعة غسيل تفكر بالهروب مع الهواء. نسف مقولة قديمة زجاجة عطرك التي استهلكت نصفها تقف أمامي في تحد غامض إن نظرتُ إلي نصفها الفارغ أكون متفائلة حيث لامستك ذراتها وإن نظرت إلي نصفها الممتلئ أنقبض إذ أنها لن تمسسك أبدا سرقات أنظر إلي الخاتم الذي يحمل اسمك أفتقد شبيهه الذي يحمل أسمي من خلعه من بنصرك وأنت في طريقك لثلاجة الموتي ؟ ما يزال اسمك في إصبعي بينما ينصهر الآن اسمي عزيزي نيتشه انهم لا يثقون بك يرمونني بكرات الشفقة المؤلمة أسقط مجددا كلما حاولتُ الوقوف. عزيزي نيتشه لماذا لا يفتتحون صالة كبيرة لألعاب االبولينجب ويتسلون في الليل باللعب وبالغناء ؟