»إنني رجل فقير جداً، اشتغل بهندسة السكة الحديد الأميرية بوظيفة فاعل، ويوميتي 70 مليماً ومتزوج بيتيمة الأب، وأم زوجتي تبيع ترمساً، ولي شغف بقراءة الصحف في عهد النهضة المصرية الأخيرة، وبينما كنت جالساً أقرأ جريدتكم الغراء بكيت، وعندما سألتني زوجتي عن سبب بكائي أخبرتها عن التبرع لتمثال نهضة مصر، ولم يكن معي نقود سوي 200 مليم فقالت زوجتي إنها تتبرع بمئة مليم أيضاً، وقالت أمها مثلها، وكذلك فعل أخوها البالغ 15 سنة، ولي طفل عمره سنة ونصف وفرت له أمه 50 مليماً فأحضرتها...أرجو أن تتقبلوا منا هذا المبلغ القليل لتوصيله إلي أمين صندوق تمثال نهضة مصر..«. هذه واحدة من الرسائل التي أرسلها مواطنون عاديون إلي المثال محمود مختار أثناء الاكتتاب الشعبي في أعقاب ثورة 1919 لعمل تمثال نهضة مصر، الرسائل التي نقلها الناقد الراحل بدر الدين ابو غازي في كتابه »المثال مختار« تكشف كيف كان اعتزاز المصريين بالفن باعتباره »وسيلة للإعلان عن القضية المصرية بطريقة تلفت الأنظار أفضل من غيرها»، وكذلك من أجل إقناع العالم بأن مصر لا تزال تعني بالفنون الجميلة، فهي ساعية إلي استعادة مجدها القديم«، كما جاء في مقالات جريدة الأخبار وقتها في الدعاية للتمثال. والمدهش أيضاً أن خطباء الأزهر كانوا يقفون عقب كل صلاة جمعة يدعون للتبرع لإقامة التمثال. وهذا التكاتف جعل مختار يكرر دائماً: »لست صاحب التمثال بل الشعب هو صاحبه«. حدث هذا في وقت لم تكن قد تأسست بعد جماعة الإخوان المسلمين ولا انتشرت الحركة الوهابية وهيمنت وحرمت التماثيل وهو ما جري خلال عام تولي فيه محمد مرسي رئاسة مصر ، ن كانت عاما من الكآبة..تحت مشروع سطو سمي أيضا باسم النهضة. المفارقة أن الجماعة الكارهة للفن والنحت اختارت ان تقيم مظاهراتها واعتصاماتها بجوار الثمثال الذي عبر عن رغبة المصريين الحقيقية في النهضة ..لا النهضة المدعاة الفارغة من أي مضمون... حاول المعتصمون باسلحتهم تشويه التمثال، أو حتي هدمه ، لكنهم لم يستطيعوا فقد صنع التمثال من الجرانيت الذي لا يمكن تشويهه، وحدها فقط صور الرئيس المعزول التي تسهل إزالتها . التمثال علي الطراز الفرعوني في مادته الفكريه ( ابو الهول ) والتصنيعيه ( الجرانيت ) يصور فلاحة مصرية كرمز لمصر تنظر إلي الأمام ذ للمستقبل، وهي حاضنة بذراعها رأس ابو الهول هو رمز من رموز حضارة مصر القديمة، وقد ظل التمثال في ميدان باب الحديد (رمسيس) منذ ازيح الستار عنه عام 1928 ، حتي عام 1955 عندما انتقل لمدخل شارع الجامعة.