الآن تجري فعاليات كأس العالم في أفريقيا، ومن المؤكد أنّ النظرة إلي أفريقيا تحسّنت، ولكنّ كثيراً من المتابعين يرون أن أفريقيا ومعها آسيا سبب في ضعف البطولة. العدل الإلهي لا يمكن أن يتحقق في كرة القدم، لا يمكن المساواة بين الجميع، ورغم اعتراف الغرب بالتقدّم الملموس في الكرة الإفريقية إلا أنهم لا يزالون حتي الآن يرون حصول القارة السوداء علي ستة مقاعد في المونديال أمر مبالغ فيه. اليوم لا يشبه البارحة، ولكن البارحة لا تزال حاضرة في الأذهان، الجميع يحاول أن يتناسي غير أن الأمور تفلت أحياناً عن السيطرة. مشجعون غربيون يقلّدون صوت القردة في المدرجات ليضايقوا لاعباً أسود. لاعب أبيض ينعت آخر أسود ب"الزنجي". لقد ظل اللاعبون الأفارقة يعانون لفترات طويلة من النظرة الدونية إليهم في الغرب، كثيرون منهم كانوا يوقعون علي عقود احتراف وتكون أمامهم مشكلة من نوع غريب، أن إدارات الأندية المتعاقدين معها لا تجد لهم شققاً، لأن الملاك يرفضون التأجير للسود، حتي علي مستوي اللعبة نفسها كان الغربيون ينظرون بشكل متعال إلي كل ما هو إفريقي. يقول ألوي آغو حارس نيجيريا الذي لعب لفريق لياج البلجيكي: "لا تزال هناك فكرة في أوروبا، أن الإفريقيين لا يستطيعون عمل أي شيء أفضل من البيض، لا تنظر إلي الألوان، ولكن انظر إلي ما يُمكننا إنجازه، أسود، أبيض، أصفر، إننا جميعاً سواء. حتي وإن كنت أسود، تبدو بمظهر جيد، وتركب سيارة جيدة، فإنهم يريدون الاطلاع علي أوراقك". يقول كوبر: "في عام 1974 أصبحت زائير أول فريق إفريقي أسود يتأهل لكأس العالم، وأداء لاعبي زائير في ألمانياالغربية يُعتبر الأسوأ من أي فريق أفريقي في كأس العالم حتي الآن.... وقد بدا أنّ فريق زائير يرقي لمستوي الأنماط الأوروبية الفجّة. نشر الصحفيون قصصاً عن أن اللاعبين اصطحبوا معهم قردة ليأكلوها خلال المباريات، وأنهم كانوا ذوي قبضة تكتيكية متوحشة، وخسرت زائير 2-0 لمصلحة أسكتلندا، و9-0 لمصلحة يوغسلافيا، و3-0 لمصلحة البرازيل".. الواقعة الغريبة في مباراة يوغسلافيا هي قيام الحكم بطرد اللاعب الزائيري نداي مع أن مُرتكب الخطأ هو إلونجا مويبو، وقال نداي: "يمكنك أن تستنج من تصرّف الحكم أنهم غير قادرين علي تمييزنا، كما أنهم لا يحاولون ذلك، لقد بكيت بشدة عندما طُردت، وأخبرت الحكم أنني لست من فعل ذلك، وقد قال مويبو أنا من فعل ذلك، ولكن الحكم لم يهتم. جميع الحكام هنا ضد العرق الأسود، وليس الحكام فقط.. فقد صرخ الإسكوتلاندي رقم 4 بي أثناء المباراة عدّة مرات قائلاً "يا زنجي، أيها الزنجي!" وقد بصق عليّ أيضاً وبصق في وجه مانا، الإسكوتلاندي رقم 4 كان حيواناً برّياً"! فيدنيك مدرب زائير كان يوغسلافياً، وطلبت منه الصحافة أن يبرر سبب استبداله لحارس المرمي كازادي. ساعد هذا الاستبدال علي إطلاق الشائعات بأنه كان عميلاً يوغسلافياً، وتأكدت الشائعات عندما رفض فيدنيك مناقشة قراره خلال المؤتمر الصحفي الذي عُقد بعد المباراة، واكتفي بقوله إنه سيُفسّر كل ما حدث في اليوم التالي، والتزم بوعده: "السيد لوكوا، ممثل وزارة الرياضة، قال بعد الهدف الثالث ليوغوسلافيا: أخرجوا حارس المرمي ذاك، وقمت بذلك". تحدّث المؤلف طويلاً عن إيمان الأفارقة بالسحر، وبتأثير الفقر والمجاعات والتمييز العنصري والحروب، ويذكر للتدليل علي كلامه واقعة طريفة خاصة بكاس العالم 94، كانت المباراة الأولي لأثيوبيا في مجموعتها مع المغرب وسافروا إلي هناك عبر روما حيث طلب أفضل خمسة لاعبين معه حق اللجوء السياسي، وهكذا بقي فريق بثمانية لاعبين قبل المباراة، واشترك حارس المرمي الاحتياطي، ومساعد المدير وأحد الأصدقاء في اللعب، وخلال الاستراحة بين الشوطين، خرج إثنان من المشتركين أصابهما الإرهاق، وفي بداية الشوط الثاني استسلم ثلاثة آخرون تاركين ستة فقط يواجهون الخصم، وأوقف الحكم المباراة ولم تتأهل أثيوبيا! يقول كوبر إنه من الصعب تفهّم ما الذي يعنيه لدولة إفريقية الانسحاب من كأس العالم، فكرة القدم هي الفرصة الوحيدة التي تستطيع من خلالها إفريقيا هزيمة العالم: "المرّة الوحيدة التي قدّمت فيها زامبيا عناوين دولية كانت عندما غلب فريق كرة القدم لديها إيطاليا 4-0 في أولمبياد سيول، وقامت إحدي الصحف الإيطالية بعد المباراة بنشر خريطة إفريقيا لتُظهر لقرّائها موقع زامبيا عليها. "قبل المباراة كان اللاعبون الإيطاليون يمرّون من أمامنا، لكن بعد ذلك جاءوا إلي الفندق الذي كنا نقيم فيه، وطلبوا منا توقيعاتنا". قال ذلك كالوشا بواليا الذي ضرب ثلاثة ضربات في المباراة". تحوّل محمد أبو تريكة إلي بطل عربي في مباراة جمعت بين المنتخبين المصري والسوداني في كأس أمم أفريقيا 2008، فحينما أحرز هدفاً جري باتجاه الكاميرات ورفع قميصه ليظهر آخر أسفله وعليه عبارة "تعاطفاً مع غزة". أخرج له الحكم الكارت الأصفر الذي ستصفه الصحافة العربية في صدر صفحاتها الأولي -السياسية غالباً- ب"الإنذار الأكثر شرفاً"! أبوتريكة كان يحرّكه حدث آني، الحصار المأساوي لغزة، ولكنْ لاعبون كثيرون في العالم تبدو تصرفاتهم ردود أفعال لتاريخ يتم تدريسه في الكتب. انفعالهم لم يكن طبيعياً. هل تتذكرون المباراة الشهيرة بين هولنداوألمانيا في كأس الأمم الأوروبية 88؟ لقد تحوّلت المباراة في شوطها الثاني إلي ما يشبه المعركة الحربية، بعد يومين من المباراة واجه صحافي ألماني رونالد كويمان بتصريح له يتضمن الكراهية للشعب الألماني.. وردّ كويمان: "لم يسبق أن قلت ذلك". مجلة فريج نيدرلاند تحدّثت إلي لاعب الهجوم فان إيرل: "في المباراة قمت بشد شعر المصاب فولر؟ فردّ قائلاً: هل قمت بشد شعره؟ لا أذكر ذلك. لقد ربت علي شعره، لكن لم أشد شعره. وكرر المحرر سؤاله: لا؟ فأجاب: لا، ربت علي رأسه فغضب، ولا أعلم لم غضب أساساً، لقد تصرّف بشكل غريب، نهض فجأة ولحقني، وعندما أوقفه رونالد سقط مرة أخري وبدأ يتلوّي علي الأرض، وقد تعجبت من هذا السلوك الغريب". (هولندا كانت تحت الاحتلال الألماني لمدة خمس سنوات): "بدأ ذلك في إحدي ليالي صيف 88 عندما هزم الهولنديون الألمان 2-1 في مباراة الدور قبل النهائي للبطولة الأوروبية. ففي هولندا.. فاجأت هذه الأمة الرزينة نفسها بخروج تسعة ملايين هولندي، أي 60 ٪ من الشعب، إلي الشوارع للاحتفال، وكانت ليلة الثلاثاء أكبر تجمع جماهيري منذ التحرير. وقال رجل مقاومة سابق في التلفاز: لقد بدا وكأننا فزنا في الحرب أخيراً، وتلقّي غير بلوك، هولندي يبلغ من العمر 58 عاماً الخبر في تيجوسكالبا....وأخذ يجوب الشوارع راكضاً وهو يحمل علم هولندا، وقال (سعادة هيستيرية جامحة) واعترف في اليوم التالي: لقد خجلت من تصرفي المضحك"! ولكن كثيرون لم يعترفوا مثلما اعترف هذا الرجل وتعاملوا كما لو أنهم انتصروا في معركة، ومن المدهش أن يصدر كتاب يضمّ قصائد لشعراء هولنديين محترفين وأخري للاعبي المنتخب الهولندي لتمجيد الفوز، واللاعبين الهولنديين، وإظهار الألمان في الجانب الأدني. إيريك فان كتب في قصيدة: "انظري عزيزتي إلي التلفاز/ برتقال خولييت أبيض/ أبيض/ ماتيوس أسود". يعلّق المؤلف: "كأن اللاعبون الألمان هم الشرّ، والهولنديون هم الخير". في كأس العالم 98 حدث الصدام بين إيران وأمريكا. الصحف العالمية صوّرت الأمر علي أنه صدام بين أعداء، وقد حذرت الصحف الإيرانية المتشددة اللاعبين الإيرانيين من مصافحة ممثلي الشيطان الأكبر: "في الحقيقة أثناء المباراة لم يكن الصراع السياسي بين الأمريكان والإيرانيين، بل كان بين الإيرانيين والإيرانيين. معظم المتفرجين في الملعب بدوا أنهم إيرانيون في المنفي، وارتدي جميعهم فانلات تحمل صورة لوجه قائد مجاهدي خلق الإيرانية، وهي جماعة معارضة مقرّها العراق آنذاك، وكلما وصلت الكرة إلي المنّصة، يقف الجمهور ويمسك بالقمصان لتنقلها الكاميرات للعالم، ولكن المشكلة الوحيدة هي أن الكاميرات لم تصورهم، لقد كنت جالساً في المنصة وأمامي جهاز تلفاز، ولاحظت أنه كلما خرجت الكرة من الملعب، كان يتم تعتيم محيط الملعب....ولذا لم تصلْ تظاهرات مجاهدي خلق الإيرانيين إلي مئات الملايين الذين يشاهدون شاشات التلفاز"! وكما أن السياسيين يستخدمون الكرة في محاولة جذب الانتباه فإن الإرهابيين يستخدمونها في تحقيق أهدافهم: "بالنسبة إلي الإرهابيين في المنطقة تبدو هذه اللعبة وسيلة التسلية الكاملة، الذكورية حسب التقاليد، وإن كانت ليست وقفاً علي الذكور، والتي يبلغ تأييدها حد العالمية، وغالباً ما كانت علي شكل منافسة بين القبائل المتناحرة. الزعماء الديكتاتوريون... يستخدمون لعبة كرة القدم لنيل الاحترام والنفوذ". يشير المؤلف أن الكرة تغري الإرهابيين بسبب انتشارها العالمي، فالإرهاب شكل من أشكال العلاقات العامة، والهدف منه هو نشر أكبر قدر من الخوف بأقل جهد ولتحقيق ذلك يبحثون عن الأحداث الرياضية مثل محاولة الهجوم علي مباراة انجلترا- تونس 98: "لقد قام بن لادن بتمويل الخطة وتنظيمها عندما عُرضت عليه، ووافق علي تمويل إضافي وأسلحة، علاوة علي قيام الجزائريين (المشاركين في العملية) بإرسال أعضاء فاعلين للتدريب في معسكرات القاعدة". وكرد فعل علي فشل المهمة قامت القاعدة بتفجير سفارتي أمريكا في كينيا وتنزانيا. ارتباط بن لادن بالكرة قديم ومعروف، ففي أوائل عام 94 أمضي أسامة بن لادن ثلاثة أشهر في لندن، حيث زار مؤيدين له، ورجال بنوك، ثم ذهب لمشاهدة فريق أرسنال أربع مرات: "لقد أحب بن لادن كرة القدم معظم حياته، وفي الحقيقة إنها اللعبة التي جذبته نحو الأصولية: كمراهق في مدينة جدة السعودية، كان بن لادن واحداً من مجموعة أولاد أقنعهم مدرّس تربية رياضية سوري بالبقاء في المدرسة بعد الظهر، بعد انقضاء اليوم الدراسي وعدهم بممارسة كرة القدم، عندئذ قام المدرس السوري بتعليمهم أحد المذاهب المتشددة في الإسلام". بعد انتشار صيت بن لادن قام مشجعو الأرسنال بتأليف أنشودة جديدة: "إنه مختبئ بالقرب من كابول/ إنه يحب الأرسنال/ أسامة/ أوه أوه....". وفي ديسمبر 2001 نشرت وزارة الدفاع الأمريكية شريط فيديو له وهو يستغرق في ذكريات هجوم 11 سبتمبر، حيث يتأمل بن لادن في الشريط وأحد أتباعه يقول له قبل سنة: "لقد حلمت أننا نلعب مباراة كرة قدم في مواجهة الأمريكان، وعندما ظهر فريقنا في الملعب كانوا طيّارين". يعلق كوبر في ختام الكتاب: "في الحلم انتصر طيارو القاعدة في اللعبة، وفي الشريط نفسه يتذكر أحد أفراد تنظيم القاعدة أنه كان يشاهد برنامجاً تلفزيونياً عن الهجوم علي مركز التجارة العالمي: (المشهد كان يعرض أفراد عائلة مصرية جالسين في غرفة الجلوس، وقد غمرهم الفرح تماماً، تماماً كما أنك تشاهد مباراة كرة قدم ويفوز فريقك) لقد كان تعبيرهم بالبهجة والفرح، فقد التقت وجهة نظر الإرهابي مع وجهة نظر مشجع كرة القدم. هذه هي كرة القدم في مواجهة العدو"!