مراجعات النفس الأمارة بالحب الجمعة: في هذه الأيام والليالي تحاول النفس أن تمارس مقامات "التخلي" و"التحلي" و"التجلي".. فتتخلي عن أشياء انتهي عمرها الافتراضي.. لتتحلي بأشياء جديدة علي ضوء المتغيرات التي تطغي علي كثير من الثوابت.. ربما تتجلي بإشراقات، وإن صارت عزيزة حيث يتصادم الشروق والغروب.. إلا قليلا!. النفس غير مطمئنة.. والقلب يشتعل وجدا.. والعين- مع أن ليس مع العين أين - غبر أنها تري ما لا يخطر علي البال، ولم يكن في الحسبان، والأفق ملبد بالتوقعات الدرامية، ولا يملك المرء إلا التوسل باسم لله "اللطيف" الذي لطف بخلق السموات والأرض، ولطف بالأجنة في بطون أمهاتها، أن يتجلي بلطفه علي مصر بما فيها.. ومن فيها.. أقضي الثواني ما بين "التجريد" و"التفريد" و"التوحيد".. مسافات ضوئية.. ومساحات صوتية.. وخفقات وجدانية.. واهتزازات وارتعاشات ومراجعات من النفس الأمارة بالحب، لتتشبث بكلمة "الحب" قيمة وقامة، ومعني ومبني، وروحا وريحانا، ولا تسمح لحرف "الراء" أن يخترقها فيحولها من "الحب" الي "الحرب" حرف واحد يقلب الأمور، ويخل بتوازن المعادلة الصعبة في التعامل الذاتي والموضوعي.. حرف واحد ليتنا نستأصله فلا نسمح له ب"الاختراق" فيتحقق "الاحتراق". ما أعظم أن يقابل المرء منا ذاته، ويعثر عليها، ويتصالح معها، إنها مسألة قد تحتاج مجاهدة للوصول، ومن وصل اتصل، ومن اتصل انفصل.. وفي المسافة المتحركة بين الاتصال والانفصال.. تحدث للنفس مراجعات، علي ضوء الثوابت وتحسب المتغيرات، بوضع الأدوات المعرفية والعرفية والأخلاقية والجمالية تحت المجهر، خلايا تهلك.. وخلايا تتجدد.. وخلايا تتهيأ.. شروق وغروب.. ظهور وأفول.. ليل ونهار.. حراك وسكون.. ثنائيات حياتية.. وسنن وجودية.. والنفس الانسانية مجرة كونية.. وكل في فلك يسبحون!. تجاهد النفس للتخلص من التباسات الواقع المشحون بالمفارقات والمسكون بالمتناقضات.. لتستبقي الجوهر والأصيل.. تعف عند المغنم فتزهد الأشياء وهي في عنفوانها، لا بعد الإدبار والذبول والانكشاف.. تتعاطي النسق الصافي في التفاعل مع الإنسان والزمان والمكان كثلاثية حاكمة لطبيعة الأشياء. ما أشد الاحتياج الي السكينة.. وقد أصبح الوصول إليها صعبا، إن لم يكن مستحيلا.. في زمن تعز فيه الطمأنينة، ويشتاق الأمان ليتدثر بالإيمان.. والأمان في الإيمان بالموقف، بالقرار، بتداعيات اللحظة الفائقة الحساسية. هذه الأيام والليالي تدعو النفس للتأمل، والأمل.. "تأمل" فيما مضي من خطوات "ومن كتبت عليه خطي مشاها". و"أمل" في خطوة واثقة تتمثل في " قدر لرجلك قبل الخطو موضعها". هذه الأيام والليالي.. تبسط روحانيتها - أو يفترض ذلك - فيخفض الجسد جناحه للروح لتحلق وتدقق وتحقق.. لتتحقق! ربما يعطي المرء أكثر مما يأخذ.. بلغة الحياة! وتشتد الأوتار.. بلغة الفن! ويكبح القلم جماحه.. بلغة الفروسية! وتتعالي تجليات الروح.. بلغة التصوف! وتتنازع ثقافة الأسئلة.. بلغة الفلسفة! ليبرق عنوان.. بلغة الصحافة! ويبدع في السرد لذة النص بلغة النقد!. "واقعة التحكيم" والشوق الي "الحوار" الاثنين: دائما وأبدا.. لن يحل مشاكلنا واشكالياتنا إلا الحوار.. الحوار وحده.. السلاح الوحيد والأوحد.. بدونه يظل العقد منفرطا.. ويظل الدم نزيفا.. وتظل الروح مزهوقة.. ويبقي الشتات هو العنوان الذي يفكر للنص ، والنص غامض حتي حد الضبابية والإستغلاق. في غياب الحوار يصبح كل شيء مباحا حتي القتل، يضيق الأفق رغم اتساعه ورحابته.. ويصير الطريق مسدودا، والجهاز العصبي مشدودا، والتفتت ممدودا.. وكل شيء والعدم سواء!. انظر حولك بدون تحديق، ولا عناء، في قراءة المشهد.. تجد الاحباط والتنافر، مع أن في قوانين الوجود، قانو التجاذب للتنافر والتنافر للتجاذب، إلا أن كل طَرَف يشد من طرْف، وكل لديه مبرراته ومستنداته، وشواهده ومشاهده.. من أقصي اليمين الي أقصي اليسار.. ولا وسط ولا وسطية.. وكأن شر الأمور أوسطها!. الحكمة صارت عزيزة متأبية، والموضوعية منظورة بموقع مجروح، والحقيقة نسبية، واللامعقول أكثر من المعقول، حتي اللغة مفتتة.. والمصطلحات زئبقية.. فأين نحن من:(حددوا مصطلحاتكم تستقم أموركم) والتخريجات السياسية لا حدود لها، مثل تخريجات فقهاء السلطان إياهم.. خذ مثلا.. كلمة "الشرعية"، كل يراها بطريقته : دستورية، شعبية، ثورية، فقهية، ميدانية، شارعية.. و.. و.. تعدد المذهبية، وتتباين التفسيرية، وتتكاثر التأويلية!. ومع أن التاريخ يستحيل أن يكرر نفسه، إلا أن الذاكرة تستدعي مشهدا تاريخيا من أجواء "الفتنة الكبري" بعد أصداء مقتل الخليفة عثمان بن عفان، ثم "واقعة التحكيم" بين الإمام "علي بن أبي طالب" وداهية العرب"معاوية"، تلك الواقعة التي زلزلت الفكر الاسلامي بأخطر وأول سؤال مباغت لم يتحسبه أحد منذ أشرقت الدنيا بنور الاسلام: هل يحق لمسلم أن يقتل مسلما؟ فكلا الطرفين في الواقعة، مسلم، ويرفع كتاب لله، ويعلن تمسكه بالسنة النبوية الشريفة.. وجاءت الاجابة بحورا من الدم التي سالت من جراء تلك الفتنة والتشبث بالسلطة السياسية، وإلا فيما كان الخلاف: أكان علي الشهادتين؟ أكان علي الصلاة؟ أكان علي الصيام؟ أكان علي الزكاة؟ أكان علي الحج؟ أبدا..إنها السلطة، وما أدراك ما السلطة.. وفي ذلك الصراع الذي لا يزال محتدما في كل عصر و وممتدا في كل عهد.. كان الحوار غائبا أو مغيّبا.. وفي الزحام لا أحد يسمع أحدا.. وتختلط الأمور ويحدث الخلط والتخليط في الأوراق، ويسود الغضب اللفظي والغضب الموضوعي ويصدق قول أحمد شوقي أمير الشعراء: مالي غضبت فطار أمري من يدي والأمر يخرج من يد الغضبان الي متي الغضب؟ الي متي يظل الحوار شبحا؟ علم ذلك عند لله.. ثم .. عند أصحاب القرار!. نفسي الأمارة بالشعر أيها الغامض كم قاسيت أوجاع الطموح فتسطحنا كثيرا وتعرينا كثيرا وتعاطينا الوضوح أيها الغامض.. لا تقطع حوارات "التجلي" ربما نفهم يوما ربما ندرك يوما بعض أسرار "التحلي" و"التخلي" عن قناعات التدني أيها الغامض اهبط للنجاة أشعل المصباح واصعد إن في الموت حياة... أيها الغامض.. ارقص في السلاسل أيها الغامض.. اركض في السلاسل أيها الغامض.. انبض في السلاسل... أستأذنكم في القيام بإجازتي السنوية، بعض الوقت، بعض الهدوء، بعض السكينة.