حددوا خطابكم .. وجددوه السبت: سأفترض أن لدينا خطابا واحدا في كل دائرة من دوائر المشهد العام، مجرد افتراض ليس إلا.. أنظر إلي الخطاب الديني أجد أكثره وهميا.. والخطاب السياسي يبدو مشتتا.. والخطاب الثقافي يضفره التعالي.. والخطاب الاجتماعي مسحوق.. والخطاب الاقتصادي مطرز بالفقر.. والخطاب الأمني مرعوب.. ما الذي يحدث؟! كل الخطاب أو كل الخطابات تحتاج انتزاع الأقنعة.. اللغة قديمة.. بالية.. حروفها ضائعة.. لاتواكب الفكر الجديد، أو يفترض أنه جديد.. واللغة والفكر لاينفصلان، فأي تغير في الفكر يؤدي إلي تغير في اللغة والعكس صحيح. اللحظة الراهنة تحتاج إلي تجديد في الخطاب.. وتثوير في مفرداته، وتنوير في معانيه.. حتي لايظل حالنا كحال ذلك الرجل النحوي- كما جاء في الأثر-حين وقع في حفرة فتجمع حوله المارة لإنقاذه، فإذا به يخاطبهم علي طريقته: »مالكم تكأكأتم عليَّ تكأكؤكم علي ذي جنة، افرنقعوا عني« (!) فلم يفهموا عبارته ولغته فانصرفوا عنه ساخرين! وهاهم الذين يحدثوننا حول شئون الدين، -وليس فيه- انهم يسيرون في طريق تعبنا من السير فيه، ويعرضون علينا صورا شاهدناها من قبل آلاف المرات، يعيشون عالة علي القديم بزمانه ومكانه وإنسانه، يغتالون سبعة قرون، ويمكثون في الأيام الخوالي، متوهمين أنها العصر الذهبي، وهذا وهم كبير، يعتقلون اللحظة المشحونة بالقضايا التي تنشب اظافرها، والمسكونة بألف مشكلة وإشكالية، لذلك.. »نفرنقع عنهم«!! وهاهم مشايخ الطرق السياسية، وقد نعيتهم قبل أسابيع- انهم يرفعون »البيارق« المزركشة. ويثرثرون.. ويلوحون بالأوهام، لا تعثر في خطابهم علي رؤية واضحة.. أو جملة مفيدة.. أو معني محدد.. أو فكرة مضيئة.. يستدعون لغة بائدة.. مهترئة.. لغة سياسية هوائية خاوية علي عروشها.. وأمها هاوية..! يبحثون عن زعامات وهمية.. يتحجرون في كهوف المصطلحات الزئبقية، والتعبيرات الجاهزة (الأكلشيهات) يبصمون بها علي صفحات الصحف وعلي شاشات الفضائيات التي تشبه الآن حكاية الواعظ والراقصة، إذ كانت »الغزية«-زمان- ترقص في القرية طوال الليل حتي مطلع الفجر، والناس معها سهاري وسكاري، وفي النهار يذهبون إلي المسجد يجلسون إلي »الواعظ« ينصحهم مقابل ما يعطونه من مال تستقر عليه حياته وأموره، وهكذا.. يعظهم ما بين المغرب والعشاء، وينفضون من أمامه ليذهبوا إلي »الجرن والتخت والرقص..« وذات يوم جاءت (الراقصة- الغزية) الي سيدنا الشيخ تريد ان تتوب علي يديه، فقد تعبت وتعب لحمها الذي يتعري أمام الناس علنا كل ليلة، فاذا بسيدنا الشيخ ينهرها ويصرخ فيها »ولما انت تتوبي انا اكل عيشي منين«!!! واذا بها "تفرنقع عنه" كما »نفرنقع« نحن عن شيوخ ومشايخ الطرق السياسية..!! وبالضبط هذا هو حال تلك الفضائيات وحال مشايخ الطرق السياسية والإعلامية وخطابهم وحكايتهم، عاشوا عامين علي اوجاع الناس وهموم المجتمع، ويريدون الاستمرار والابتزاز والاهتزاز بخطاب سياسي عتيق، وعنيف، مفرغ من المضمون، يحتاج اعادة بث وهيكلة ، وفروسية جديدة وجريئة تتناغم مع بساطة المواطن المصري بدهائه وعفويته، بمكره وطيبته، بشجاعته وخوفه، بعبقريته وبساطته.. نريد خطابا لايتعالي علينا كما يتعالي الخطاب الثقافي وأبراجه النخبوية العاجية، إن كان ثمة (أبراج) و(عاج) الآن (!). والخطاب الثقافي الذي اقصد هو الذي يخاطب المجتمع بالثقافة بالمعني العظيم الشامل للوجود، من اداب وفنون وابداعات وخيالات وفكر علي واقع، وليس فكرا علي فكر، ثقافة بخطاب يحفظ للمتثقف حقوقه وكرامته وذائقته ووجدانه ووعيه، خطاب ينقل المصباح من بيت إلي بيت، ومن عقل إلي عقل، حتي لايخلد المثقف للصمت والموت.. خطاب ثقافي يمارس ثقافة الاسئلة ويقتحم المحظور ويثير الاسئلة المسكون عنها، ويفجر طاقات الوعي بالوعي، خطاب يتحدث ويتحاوز ويتجاور، لايناور ولا يراوغ، بلغة حية نابضة بالحياة، وراكضة نحو الحياة، لغة تستقطب وتهز الوجدان وتحرض العقل وتستقطر الروح الجماعية والجمعية والمجتمعية، حتي "لانفرنقع عنهم" ايضا..! و.. وقس علي ذلك بقية الخطابات، علي طريقة "ليس علي الأعمي حرج" ام.. علي الأعمي حرج؟!! والله أعلم. قل لي من فضلك : الإثنين: قل لي من فضلك : كم مرة جلست إلي نفسك.. وتحاسبتما؟. كم مرة ناوشك ضميرك وتجاذبت معه أطراف الحوار؟. كم مرة نظرت إلي وجهك في المرآة؟. كم مرة نزعت قناعك؟. وكم قطعة من وجهك تفتتت من كثرة التصاق الأقنعة وإلصاقها؟. كم مرة صافحت الانسانية بداخلك؟ .وكم مرة صفعتك هي..؟ . وكم مرة أدخلت يدك إلي جناحك وخرجت بيضاء من غير سوء؟. وكم مرة مارست الحياة في ضوء المصابيح..؟ وكم .. وكم ..؟ ! مشكلتك أنك لا تحب حتي نفسك.. فكيف ستحب غيرك؟ ابدأ بنفسك أولا.. ولو تصالح الواحد منا مع نفسه، لأصلح الله بين االذئبب واالغنما حاول ولو قليلا.. حاول..! مشكلتك أنك تتوهم أنك أذكي الناس.. وتعامل الناس علي أنك أذكي منهم.. والمفروض حين تتعامل مع الاخر فلا بد ان تعتقد ان هذا الآخر اذكي منك ألف مرة.. ومن ثم ستكسبه ولا تخسر نفسك، وذلك أيضا هو الخسران المبين.! ومشكلتك انك تناور.. وتغامر.. وتقامر.. توري غيرك من طرف اللسان حلاوة وتروغ منه كما يروغ الثعلب.. وتلدغ وتختبيء في جحر ذاتك.. وان لم تجد من تلدغه تلدغ نفسك.. وذلك أيضا هو الضلال البعيد. نعم .. نعم .. كلهم خلعوا عليك صفات »الذئب» و«الثعلب« و»الثعبان«.. وما ذنبهم..؟ لقد بحثوا فيك عن »الانسان« فوجدوه منزويا هناك هناك في صحراء روحك.. هناك هناك في أحراش نفسك.. يتدلي في اجبب النسيان.. يلعق الاغتراب.. ويلعن الأيام.. علي طريقة: أرجوك .. حاول أن تلملم ذاتك المبعثرة.. وتجمع أشلاءك المتناثرة.. صدقني أنت لاتحتاج الي معجزة - كما تقول- فما نحن في زمن المعجزات!.. اعذرني .. ما أنا بالواعظ ولا بالذي يرتدي ثوب الناصح.. فما أثقل النصيحة.. أعرف ذلك.. لكن من لم تردعه ذاته، تردعه قوة المجتمع، ومن لم تردعه قوة المجتمع، تردعه قوة السماء! وويل لمن تردعه قوة السماء. أعرف أن صوتي سوط.. وأن كلماتي شظايا..لكن.. لابد مما ليس منه بد.. أليس كذلك..؟. الأمان في الإيمان الجمعة: اغتصبتها الدنيا. راودتها الايام عن نفسها.. فكانت تجيب وتستجيب إلا قليلا. تقاذفتها الايام علي أمواجها.. تبادلتها الليالي ليلة إثر ليلة.. كانت ترتدي الأقنعة.. وتختفي ولا تكاد تبين.. مضي قطار العمر بها عشرات المحطات.. يممت عمرها شطر النصف الآخر..فأعلنت عليها شمس العمر احمرارها، فأسدلت خيوطها الصفراء.. كبرت أمامها علامة (انتباه).. فتنبهت وانتبهت..واذا الفجر تطل عيونه في عيونها نذيرا ثم بشيرا.. وما بين الشرارة والاشارة والبشارة راحت تعيش من العمر مرحلة التعريض والتعويض والتفويض، وتمارس الاختصار والانتصار والانتظار. انتظار ما يجيء وما لا يجيء.. هبطت علي قلبها أشعة من المحل الأرفع ، عوضا عما أهدرته من السنين.. فوضت الأمر الي صاحب الامر..الا قليلا. راحت تمارس ثقافة الاسئلة.. تريد لمصباح روحها ان يشتعل.. لعله يتوهج.. لا ترضي بالاجابات الجاهزة، ولا ترتضي بالحلول المعلبة، راحت تقرأ.. تحاور.. تجادل.. حتي ولو علي طريقة لا بد من لمس النار لتتأكد أنها نار..لعلها تجد علي النار هدي..! قرأت وسمعت وانصتت لكن قلبها لم يخفق كثيرا لتلك الصيغ المحفوظة والمألوفة والتي فقدت بريقها من جراء تداولها واستهلاكها في محلها وغير محلها. عزفت عن التمذهب، احتواء وأضواء من التنزيل الحكيم (وكل انسان الزمناه طائره في عنقه). وبنفس قوة االعزف عنب الموروث والسائد والمألوف، تجلت قوة االعزف عليب وتر الروح، بومضة توهج بها القلب.. ألقت بنفسها ونفيسها في المحيط الذي لا يعرف الا السباحة والتسبيح والحركة.. لم تعد الدنيا تساوي عندها ما كانت تساويه بالأمس .. كل شيء لديها اصبح له معني آخر.. انها مشغولة بالماوراء.. والماوراء عالم ليس له حدود..ولا قيود .. أصبحت تشعر بالأمان ، والامان قيمة عزيزة علي النفس، في هذا الزمن الذي يعز فيه الأمان.. من النقيض الي النقيض .. من الخواء الي الفيضان .. من القحط الي الثراء .. من العطش الي الرواء .. من ثرثرة الايام الي الصمت المتفجر كالزلزال .. هبت عليها نسائم من حمم البراكين المادية والجدلية المتوحشة.. تجليات الأمان في تنزلات الإيمان.. نعم الأمان في الإيمان .. نفسي الأمّارة بالشعر: وتوليت إلي الظل فقيرا (1) أيها الروح الذي طال انتظاري لرؤاه أيها الضوء الذي أوسعت قلبي لهواه أيها النورالذي تشتاق عيناي سناه أيها الصوت الذي يظمأ وجدي لنداه أيها الغوث الذي أسعي حسيسا لصداه قد توليت إلي الظل فقيرا للقاه فمتي تشرق أنوارك في ليل التحجر؟ ومتي تهطل أمطارك في الوادي المصحر؟ (2) إن قلبي ليموت... في سناء الملكوت، وضياء الرحموت،.. واقتدارالجبروت (3) فجر الصمت اصطباري وانتشاري ذبذبات قاب قوسين وأدني صرت من عنف اعتصاري وهج أشلاء انشطاري (4) وأما آن الأوان المنتظر للفؤاد المنفطر يقبس النار يمر بين أشجار الممر سيدي إني فقير للمقر قد أقرّ وأفرُّ، من قضاء وقدر لقضاء وقدر (5) وحياتي تنقص الأطراف فيها بالعجاف في حناياي جفاف، في خلاياي انطماس، في ثناياي انشطار، واعتقال في المغالق وانطمار في الفواتح والبدايات نهاية، والنهايات بداية غارة في إِثر غارة وانقضاض واغتيال للوداعة وافتضاض للبراءة والمنارةفف لم تعد إلا بقايا من شعاع شاحب الظل نعس واهن الومض، ولا نبض سوي جذوة النار لعلي أقتبس (6) قد مكثت العمر أسعي لأهز بجذوع النور علّي ألتقط أو أصطلي.. أو أقتطف .. أو اختطف ربما أظفر يوما ..ربما أقبس نورا.. ربما أوقد نارا... (7) قد قضيت الأجلا سائرا وحدي مهلا ضاربا معه سبلا تاركا فيها الأهلا ضارعا بين تسابيح السناء: ألف، لام، شين ، جيم ، راء، تاء: (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ)